عليك رب الجبروت والقهر يا بلوجر بظلمك لي وحذفك لصفحات تدويني يا طالم وغبي .

فوضت أمري الي الله الجبار فيك يا بلوجر هو وحده اللي حيهدَّك باضطهادك لي وحذفك لصفحات مدوناتي ينتقم منك ربنا بظلمك لي يا أرعن يا مُحدث يا ظالم أنصحك أن تعرض نفسك علي طبيب نفسي حاذق ليخضعك لعلاج علة النقص والتعقيد التي أصابتك لا أدري من كم سنة ؟

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 2 فبراير 2024

الرد على المنطقيين الرد على المنطقيين لابن تيمية

 

الرد على المنطقيين الرد على المنطقيين لابن تيمية/1

{من 1 الي اخر 13. والاتي ان شاء الله من 14..}

الرد على المنطقيين الرد على المنطقيين

  بسم الله الرحمن الرحيم {{ فصل: ملخص أصول المنطق واصطلاحاته بنوا المنطق على الكلام في الحد ونوعه والقياس البرهاني ونوعه قالوا لأن العلم إما تصور وإما تصديق وكل منهما بديهي وإما نظري فإنه من المعلوم أنه ليس الجميع بديهيا ولا يجوز أن يكون الجميع نظريا لافتقار النظري إلى البديهي فيلزم الدور القبلي أو التسلسل في العلل التي هي هنا أسباب العلم وهي الأدلة وهما ممتنعان والنظري منهما لا بد له من طريق ينال به فالطريق الذي ينال به التصور هو الحد والطريق الذي ينال به التصديق هو القياس فالحد اسم جامع لكل ما يعرف التصور وهو القول الشارح فيدخل فيه الحقيقي والرسمي واللفظي أو هو الحقيقي خاصة فيقرن به الرسمي واللفظي ليس من هذا الباب أو والحد اسم للحقيقي والرسمي دون اللفظي فان كل نوع من هذه الثلاثة اصطلاح طائفة منهم كما قد بسطته وذكرت أسماءهم في غير هذا الموضع والقياس إن كانت مادته يقينية فهو البرهان خاصة وإن كانت مسلمة فهو الجدلى وإن كانت مشهورة فهو الخطابي وإن كانت مخيلة فهو الشعري وإن كانت مموهة فهو السوفسطائي ولهذا قد يتداخل البرهاني والخطابي والجدلي وبعض الناس يجعل الخطابي هو الظنى وبعضهم يجعله الاقناعى ولهم اصطلاحات أخر بعضها موافق لاصطلاح المعلم الأول أرسطو وبعضها مخالف له فان كثيرا من المصنفين فيه خرجوا في كثير منه عن طريقة معلمهم الأول ولكن ليس المقصود هنا بسط هذا ثم الحد إنما يتألف من الصفات الذاتية إن كان حقيقيا وإلا فلا بد من العرضية وكل منهما إما أن يكون مشتركا بين المحدود وغيره وإما أن يكون مميزا له عن غيره فالمشترك الذاتي الجنس والمميز الذاتي الفصل والمؤلف منهما النوع والمشترك العرضي هو العرض العام والمميز العرضى هو الخاصة وقد يعبر بالخاصة عما يعرض ل النوع وإن لم يكن عاما لأفراده لكن تلك الخاصة لا يحصل بها التمييز كما قد يعبر بالنوع عن الأنواع الإضافية التي هي بالنسبة إلى ما فوقها نوع وبالنسبة إلى ما تحتها جنس ولكن هذا وأمثاله من جزئيات المنطق التي ليس هنا المقصود الكلام فيها فان للكلام على ما ذكروه في الجنس والنوع مقاما آخر غير ما علق في هذه العجالة فهذه الكليات الخمس وبازاء الكلى الجزئى وهو ما يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه والكلام في المركب مسبوق بالكلام على المفرد ودلالة اللفظ عليه والقياس مؤلف من مقدمتين والمقدمة قضية إما موجبة وإما سالبة وكل منهما إما كلية وإما جزئية فلا بد من الكلام في القضايا وأنواعها وجهاتها وقد يستدل عليها ب نقيضها وب عكسها وب عكس نقيضها فإنها إذا صحت بطل نقيضها وصح عكسها وعكس نقيضها فتكلم في تناقض القضايا وعكسها المستوى وعكس نقيضها والقضية إما حملية وإما شرطية متصلة وإما شرطية منفصلة فانقسم القياس باعتبار صورته إلى قياس تداخل وهو الحملي وقياس تلازم وهو الشرطي المتصل وقياس تعاند وهو التقسيم والترديد وهو الشرطى المنفصل هذا باعتبار صورته وباعتبار مادته إلى الأصناف الخمسة المتقدمة فلا بد من الكلام في مواد القياس وهي القضايا التي يستدل بها على غيرها وهذا كله في قياس الشمول وأما قياس التمثيل والاستقراء فله حكم آخر فانهم قالوا الاستدلال بالكلى على الجزئي هو قياس الشمول وب الجزئي على الكلى هو الاستقراء إما التام إن علم شموله للأفراد وإلا ف الناقص والاستدلال بأحد الجزئيين على الآخر هو قياس التمثيل مع أنا قد بسطنا في غير هذا الموضع الكلام على أن كل قياس شمول فانه يعود إلى التمثيل كما أن كل قياس تمثيل فانه يعود إلى شمول وأن جعلهم قياس الشمول يفيد اليقين دون قياس التمثيل خطأ، وذكرنا تنازع الناس في اسم القياس هل يتناولهما جميعا كما عليه جمهور الناس أو هو حقيقة في التمثيل مجاز في قياس الشمول كما اختاره أبو حامد الغزالي وأبو محمد المقدسي أو بالعكس كما اختاره ابن حزم وغيره من أهل المنطق والكلام على هذا مبسوط في مواضع والمقصود هنا ذكر شئ آخر فنقول الكلام في أربع مقامات مقامين سالبين ومقامين موجبين فالأولان أحدهما في قولهم إن التصور المطلوب لا ينال إلا بالحد والثاني إن التصديق المطلوب لا ينال إلا بالقياس والآخران في أن الحد يفيد العلم بالتصورات و أن القياس أو البرهان الموصوف يفيد العلم بالتصديقات المقام الأول: المقام السلبي في الحدود والتصورات في قولهم إن التصورات غير البديهية لا تنال إلا بالحد والكلام على هذا من وجوه أحدها أن يقال لا ريب أن النافي عليه الدليل إذا لم يكن نفيه بديهيا كما أن على المثبت الدليل فالقضية سواء كانت سلبية أو إيجابية إذا لم تكن بديهية فلا بد لها من دليل وأما السلب بلا علم فهو قول بلا علم فقول القائل إنه لا تحصل هذه التصورات إلا بالحد قضية سالبة وليست بديهية فمن أين لهم ذلك وإذا كان هذا قولا بلا علم كان في أول ما أسسوه القول بلا علم فكيف يكون القول بلا علم أساسا لميزان العلم ولما يزعمون انه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن أن يزل في فكره الثاني أن يقال الحد يراد به نفس المحدود وليس هذا مرادهم ههنا ويريدون به القول الدال على ما هيه المحدود وهو مرادهم هنا وهو تفصيل ما دل عليه الاسم بالإجمال فيقال إذا كان الحد قول الحاد فالحاد إما أن يكون قد عرف المحدود بحد وإما أن يكون عرفه بغير حد فان كان الأول فالكلام في الحد الثاني كالكلام في الأول وهو مستلزم للدور القبلى أو التسلسل في الأسباب والعلل وهما ممتنعان باتفاق العقلاء وإن كان عرفه بغير حد بطل سلبهم وهو قولهم إنه لا يعرف إلا بالحد الثالث إن الأمم جميعهم من أهل العلم والمقالات وأهل العمل والصناعات يعرفون الأمور التي يحتاجون إلى معرفتها ويحققون ما يعانونه من العلوم والأعمال من غير تكلم بحد منطقي ولا نجد أحدا من أئمة العلوم يتكلم بهذه الحدود لا أئمة الفقه ولا النحو ولا الطب ولا الحساب ولا أهل الصناعات مع أنهم يتصورون مفردات علمهم فعلم استغناء التصور عن هذه الحدود الرابع أنه إلى الساعة لا يعلم للناس حد مستقيم على أصلهم بل أظهر الأشياء الإنسان وحده بالحيوان الناطق عليه الاعتراضات المشهورة وكذلك حد الشمس وأمثال ذلك حتى إن النحاة لما دخل متأخروهم في الحدود ذكروا ل الاسم بضعة وعشرين حدا وكلها معترض عليها على أصلهم بل إنهم ذكروا ل الاسم سبعين حدا لم يصح منها شئ كما ذكر ذلك ابن الأنباري المتأخر والأصوليون ذكروا ل القياس بضعة وعشرين حدا وكلها معترض على أصلهم وعامة الحدود المذكورة في كتب الفلاسفة والأطباء والنحاة والاصوليين والمتكلمة معترضة على أصلهم وإن قيل بسلامة بعضها كان قليلا بل منتفيا فلو كان تصور الأشياء موقوفا على الحدود لم يكن إلى الساعة قد تصور الناس شيئا من هذه الأمور والتصديق موقوف على التصور فإذا لم يحصل تصور لم يحصل تصديق فلا يكون عند بني آدم علم في عامة علومهم وهذا من أعظم السفسطة الخامس إن تصور الماهية إنما يحصل عندهم بالحد الذي هو الحقيقي المؤلف من الذاتيات المشتركة والمميزة وهو المركب من الجنس والفصل وهذا الحد إما متعذر أو متعسر كما قد أقروا بذلك و حينئذ فلا يكون قد تصور حقيقة من الحقائق دائما أو غالبا وقد تصورت الحقائق فعلم استغناء التصورات عن الحد السادس إن الحدود الحقيقية عندهم إنما تكون الحقائق المركبة وهي الأنواع التي لها جنس وفصل وأما ما لا تركيب فيه وهو ما لا يدخل مع غيره تحت جنس كما م ثله بعضهم بالعقول فليس له حد وقد عرفوه وهو من التصورات المطلوبة عندهم فعلم استغناء التصورات عن الحد بل إذا أمكن معرفة هذه بلا حد فمعرفة تلك الأنواع أولى لأنها أقرب إلى الحس وان أشخاصها مشهودة وهم يقولون إن التصديق لا يقف على التصور التام الذي يحصل بالحد الحقيقي بل يكفي فيه أدنى تصور ولو بالخاصة وتصور العقول من هذا الباب وهذا اعتراف منهم بأن جنس التصور لا يقف على الحد الحقيقي لكن يقولون الموقوف عليه هو تصور الحقيقة أو التصور التام وسنبين إن شاء الله أنه ما من تصور إلا وفوقه تصور أتم منه وأنا نحن لا نتصور شيئا بجميع لوازمه حتى لا يشذ عنا منها شئ وأنه كلما كان التصور لصفات المتصور أكثر كان التصور أتم وأما جعل بعض الصفات داخلة في حقيقة الموصوف وبعضها خارجة فلا يعود إلى أمر حقيقي وإنما يعود ذلك إلى جعل الداخل ما دل عليه اللفظ بالتضمن والخارج اللازم ما دل عليه اللفظ باللزوم فتعود الصفات الداخلة في الماهية إلى ما دخل في مراد المتكلم بلفظه والخارجة اللازمة للماهية إلى ما يلزم مراده بلفظه وهذا أمر يتبع مراد المتكلم فلا يعود إلى حقيقة ثابتة في نفس الأمر للموصوف وقد بسطنا ألفاظهم في غير هذا الموضع وبينا ذلك بيانا مبسوطا يبين أن ما سموه الماهية أمر يعود إلى ما يقدر في الأذهان لا إلى ما يتحقق في الأعيان والمقدر في الأذهان بحسب ما يقدره كل أحد في ذهنه فيمتنع أن تكون الحقائق الموجودة تابعة لذلك السابع إن مستمع الحد يسمع الحد الذي هو مركب من ألفاظ كل منها لفظ دال على معنى فان لم يكن عارفا قبل ذلك بمفردات تلك الألفاظ ودلالتها على معانيها المفردة لم يمكنه فهم الكلام والعلم بأن اللفظ دال على المعنى أو موضوع له مسبوق بتصور المعنى فمن لم يتصور مسمى الخبر والماء والسماء والأرض والأب والأم لم يعرف دلالة اللفظ عليه وإذا كان متصورا لمسمى اللفظ ومعناه قبل استماعه وإن لم يعرف دلالة اللفظ عليه امتنع أن يقال إنه إنما تصوره باستماع اللفظ لأن في ذلك دورا قبليا إذ يستلزم أن يقال لم يتصور المعنى حتى سمع اللفظ وفهمه ولم يمكن أن يفهم المراد باللفظ حتى يكون قد تصور ذلك المعنى قبل ذلك وهذا كما أنه مذكور في دلالة الأسماء على مسمياتها المفردة فهو بعينه وارد في دلالة الحدود على المحدودات إذ كلاهما إنما يدل على معنى مفرد لكن الحد يفيد تفصيل ما دل عليه الاسم بالاجمال وقد يكون فيه عند المنطقين تفصيل صفاته المشتركة والمختصة وإن كان للمتكلمين في الحد طريق آخر إذ لا يحدون إلا بالخاصة المميزة الفاصلة دون المشتركة بل يمنعون من التركيب الذي يوجبه المنطقيون وهو لعمري اقرب إلى المقصود كما سنبينه إن شاء الله تعالى ونبين أن فائدة الحدود التمييز لا التصوير وإذا كان المطلوب التمييز فإنما ذاك بالمميز فقط دون المشترك ولأنه كلما كان أوجز واجمع وأخص كان احسن كالأسماء فليس الحد في الحقيقة إلا اسما من الأسماء أو اسمين أو ثلاثة كقولك حيوان ناطق وكذلك قيل في تعليم آدم الأسماء كلها تعليم حدودها وهي من جنس الحدود المحدود المذكورة في قوله تعالى وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله التوبة الثامن إن الحد إذا كان هو قول الحاد فمعلوم أن تصور المعاني لا يفتقر إلى الألفاظ فان المتكلم قد يتصور معنى ما يقوله بدون لفظ والمستمع قد يمكنه تصور تلك المعاني من غير مخاطب بالكلية فكيف يمكن أن يقال لا تتصور المفردات إلا بالحد الذي هو قول الحاد التاسع إن الموجودات المتصورة إما أن يتصورها الإنسان بحواسه الظاهرة كالطعم واللون والريح والأجسام التي تحمل هذه الصفات وإما أن يتصورها بمشاعره الباطنة كما تتصور الأمور الحسية الباطنة الوجدية مثل الجوع والشبع والحب والبغض والفرح والحزن واللذة والألم والإرادة والكراهية والعلم والجهل وأمثال ذلك وكل من الأمرين قد يتصوره معينا وقد يتصوره مطلقا أو عاما وهذه التصورات جميعها غنية عن الحد ولا يمكنه تصور شئ بدون مشاعره الظاهرة والباطنة وما غاب عنه يعرفه بالقياس والاعتبار بما شاهده العاشر إنهم يقولون إن للمعترض أن يطعن على حد الحاد بالنقض والمعارضة والنقض إما في الطرد وإما في العكس أما الطرد فهو انه حيث وجد الحد وجد المحدود فيكون الحد مانعا فإذا بين وجود الحد ولا محدود لم يكن مطردا ولا مانعا بل دخل فيه غيره كما لو قال في حد الإنسان إنه الحيوان وأما العكس وهو أن يكون حيث انتفى الحد انتفى المحدود لكون الحد جامعا وإذا لم يكن جامعا انتفى الحد مع بقاء بعض المحدود كما لو قال في حد الإنسان إنه العربي فلا يكون الحد منعكسا ولو استعمل لفظ الطرد في موضع العكس لكان سائغا والمقصود انه لا بد من اتفاق الحد والمحدود في العموم والخصوص فلا بد أن يكون مطابقا للمحدود لا يدخل فيه ما ليس من المحدود ولا يخرج منه ما هو من المحدود فمتى كان أحدهما اعم كان باطلا بالاتفاق وسمى ذلك نقضا فان النقض يرد على الحد والدليل والقضية الكلية والعلة لكن الدليل والقضية الكلية لا يجب فيهما الانعكاس إلا بسبب منفصل مثل المتلازمين إذا استدل بأحدهما على الآخر فهنا يكون الدليل مطردا منعكسا وأما الحد فلا بد فيه من الانعكاس والعلة إن كانت تامة وجب طردها وإن لم تكن تامة جاز تخلف الحكم عنها لفوات شرط او وجود مانع ويسمى ذلك تخصيصا ونقضا اما وجود الحكم بلا علة فيسمى عدم عكس وعدم تاثير ونفس الحكم المتعلق بها ينتفى لا بانتفائها ولا يجب انتفاء نظيره إذا كان له علة اخرى فمجرد عدم الانعكاس لا يدل على فساد العلة إلا إذا وجد الحكم بدون العلة من غير ان تخلفها علة اخرى وهو في الحقيقة وجود نظير الشخص وهو نوعه فهنا تكون العلة عديمة التأثير فتكون باطلة وبهذا يظهر ان عدم التأثير مبطل لها وعدم الانعكاس ليس مبطلا لها فانها إذا انتفت انتفى الحكم المعلق بها وإذا وجد الحكم بعلة اخرى فان كانت العلة مساوية هي كالأخرى فهى هي وإن كانت مجانبة لها فلا بد إن يختلف الحكم كما ان حل الدم كان اسم جنس فالحل الحاصل بالردة نوع غير النوع الحاصل بالزنا والحل الحاصل بالقتل فان الحل الحاصل بالقتل يجوز فيه الفداء والمعافاة والحل الحاصل بالردة يجوز فيه الغفران بالتوبة والحل الحاصل بالزنا فيه حد الرجم بالحجارة وبحضور شهود وكثير نظائر هذا فالى في احد الحلين إن كان مماثلا للاخر فالعلتان واحدة وإن اختلف الحكم اختلف العلة وانتقاض الوضوء بالبول والغائط نوع واحد ليس هو من باب تغاير الحكم بعلتين كالقتل بالحدود قال المعترض هذه الاوصاف لا تأثير لها في حل الدم فان الردة وزنا المحصن وحراب الكافر الاصلي يبيح الدم مع انتفاء هذه الاوصاف فيقال له فان الحل وجد لسبب آخر لا لعدم تأثر هذه الاوصاف كما يستحق الابن الارث بالنسب والنكاح والولاء ويثبت الملك بالمعاوضة والارث والايهاب والاغتنام وتلك المباحات لو كان للمستدل فيجب القود فياسا على القتل لم يرد عليه هذا السؤال لأن الواجب بالردة والزنا ليس قودا وأما عدم التأثير مبطل لما هو العلة لان تأثير الدلالة الذي يجمع فيه لا يدل على العلة فان الدليل لا يجب انعكاسه كما لو قال من يركب القياس في مسألة زكوة الصبي ملبوس فلا يجب له الزكوة كلباس الكبير قيل له لا تأثير لكونه لباسا لا في الفرع ولا في الاصل بل هذا الحكم ثابت عند اهل الشرع في جميع مال الصغير وهذه كلمات جوامع في هذه الكليات التي يكثر فيها اضطراب الناس وأما المعارضة للحد بحد آخر فظاهر فاذا كان المستمع للحد يبطله بالنقص تارة وب المعارضة أخرى ومعلوم ان كليهما لا يمكن إلا بعد تصور المحدود علم انه يمكن تصور المحدود بدون الحد وهو المطلوب الحادي عشر ان يقال هم معترفون بأن من التصورات ما يكون بديهيا لا يحتاج الى حد وإلا لزم الدور أو التسلسل وحينئذ فيقال كون العلم بديهيا او نظريا هو من الامور النسبية الاضافية مثل كون القضية يقينية او ظنية إذ قد يتيقن زيد ما يظنه عمرو وقد يبده زيدا من المعاني ما لا يعرفه غيره إلا بالنظر وقد يكون حسيا لزيد من العلوم ما هو خبرى عند عمرو وإن كان كثير من الناس يحسب ان كون العلم المعين ضروريا او كسبيا او بديهيا أو نظريا هو من الامور اللازمة له بحيث يشترك في ذلك جميع الناس وهذا غلط عظيم وهو مخالف للواقع فان من رأى الامور الموجودة في مكانه وزمانه كانت عنده من الحسيات المشاهدات وهي عند من علمها بالتواتر من المتواترات وقد يكون بعض الناس إنما علمها بخبر ظنى فتكون عنده من باب الظنيات فان لم يسمعها فهى عنده من المجهولات وكذلك العقليات فان الناس يتفاوتون في الادراك تفاوتا لا يكاد ينضبط طرفاه ولبعضهم من العلم البديهي عنده والضروري ما ينفيه غيره او يشك فيه وهذا بين في التصورات والتصديقات وإذا كان ذلك من الامور النسبية الاضافية أمكن ان يكون بديهيا عند بعض الناس من التصورات ما ليس بديهيا لغيره فلا يحتاج الى حد وهذا هو الواقع وإذا قيل فمن لم يحصل له تلك المحدودات بالبداهة حصلت له بالحد قيل كثير منهم يجعل هذا حكما عاما في جنس النظريات لجنس الناس وهذا خطا واضح ومن تفطن لما ذكرناه يقال له ذلك الشخص الذي لم يعلمها بالبديهة يمكن ان تصير بديهة له بمثل الاسباب التي حصلت لغيره فلا يجوز ان يقال لا يعلمها إلا بالحدود المقام الثاني المقام الايجابي في الحدود والتصورات وهو أنه هل يمكن تصور الاشياء بالحدود فيقال المحققون من النظار يعلمون ان الحد فائدته التمييز بين المحدود وغيره كالاسم ليس فائدته تصوير المحدود وتعريف حقيقته وإنما يدعى هذا أهل المنطق اليوناني أتباع ارسطو ومن سلك سبيلهم وحذا حذوهم تقليدا لهم من الإسلاميين وغيرهم فأما جماهير أهل النظر والكلام من المسلمين وغيرهم فعلى خلاف هذا وإنما دخل هذا في كلام من تكلم في أصول الدين والفقه بعد أبي حامد في أواخر المائة الخامسة وأوائل المائة السادسة فأما أبو حامد فقد وضع مقدمة منطقية في أول المستصفى وزعم أن من لم يحط بها علما فلا ثقة له بشئ من علومه وصنف في ذلك محك النظر ومعيار العلم ودواما اشتدت به ثقته وأعجب من ذلك أنه وضع كتابا سماه القسطاس المستقيم ونسبه الى أنه تعليم الانبياء وإنما تعلمه من ابن سينا وهو تعلمه من كتب ارسطو وهؤلاء الذين تكلموا في الحدود بعد أبى حامد هم الذين تكلموا في الحدود بطريقة اهل المنطق اليوناني وأما سائر طوائف النظار من جميع الطوائف المعتزلة والاشعرية والكرامية والشيعة وغيرهم ممن صنف في هذا الشأن من اتباع الائمة الاربعة وغيرهم فعندهم إنما تفيد الحدود التمييز بين المحدود وغيره بل أكثرهم لا يسوغون الحد إلا بما يميز المحدود عن غيره ولا يجوز ان يذكر في الحد ما يعم المحدود وغيره سواء سمي جنسا او عرضا عاما وإنما يحدون بما يلازم المحدود طردا وعكسا ولا فرق عندهم بين ما يسمى فصلا وخاصة ونحو ذلك مما يتميز به المحدود من غيره وهذا مشهور في كتب اهل النظر في مواضع يطول وصفها من كتب المتكلمين من اهل الاثبات وغيرهم كأبي الحسن الأشعري والقاضي ابي بكر اسحاق وابي بكر بن فورك والقاضي ابي يعلى وابن عقيل وابي المعالي الجويني وابي الميمون النسفي الحنفي وغيرهم وقبلهم ابو علي وابو هاشم وعبد الجبار وامثالهم من شيوخ المعتزلة وكذلك ابن النوبخت والموسى والطوسي وغيرهم من شيوخ الشيعة وكذلك محمد بن الهيصم وغيره من شيوخ الكرامية فانهم إذا تكلموا في الحد قالوا ان حد الشىء وحقيقته خاصته التي تميزه قال ابو القاسم الانصاري في شرح الارشاد قال امام الحرمين القصد من التحديد في اصطلاح المتكلمين التعرض لخاصة الشيء وحقيقة التي يقع بها الفصل بينه وبين غيره قال الاستاد حد الشيء معناه الذي لاجله كان بالوصف المقصود بالذكر قال ابو المعالي ولو قال قائل حد الشيء معناه واقتصر عليه كان سديد او قال حد الشيء حقيقته او خاصته كان حسنا قال فأن قيل اذا قلتم حد العلم أو حقيقة ما يعلم به فلم تذكروا خاصة العلم لأن العلم يشتمل على مختلفات ومتماثلات لا يجمع جميعها في خاصة واحدة فان المجتمعين في الاخص متماثلان فنقول انما غرضنا ان نبين ان المذكور حدا هو خاصة وصف المحدود في مقصود الحد إذ ليس الغرض بالسؤال عن العلم التعرض لتفصيله وإنما الغرض معرفة العلمية بأخص وصف العلم الذي يشترك فيه ما يختلف منه وما يتماثل بما ذكرناه حيث قلنا أنه المعرفة او ما يعلم به أو التبيين وهذا على طريقة الاستاذ ومن رام ذكر حد من قبيل المعلومات فانما غرضه الوقوف على صفة يشترك فيها القبيل المسئول عنه على وجه يتضح للسائل قال أبو المعالي فان قيل الحد يرجع الى قول المخبر أو الى صفة في المحدود قلنا ما صار اليه كافة الائمة ان الحد صفة المحدود سكت عنه الواصفون أم نطقوا وهو بمعنى الحقيقة وقد ذكر القاضي في التقريب أن الحد قول الحاد المنبئ عن الصفة التي تشترك فيها آحاد المحدود ووافق الأصحاب في أن حقيقة الشئ ومعناه راجعان الى صفة دون قول القائل وإنما بين ذلك في الحد لمشابهته الوصف ومشابهة الحقيقة الصفة ونحن نفصل بين الوصف والصفة ثم قال القاضي من الاشياء ما يحد ومنها ما لا يحد وما من محقق إلا وله حقيقة ومن صار إلى ان الحد يرجع الى حقيقة المحدود يقول ما من ذي حقيقة إلا وله حد نفيا كان أو إثباتا والغرض من التحديد التعرض لحقيقة الشئ التي بها يتميز عن غيره والشئ إنما يتميز عن غيره بنفسه وحقيقته لا بقول القائل ثم قال ابو المعالي قال المحققون الاطراد والانعكاس من شرائط الحد وإذا كان الغرض من الحد تمييز المحدود بصفة عما ليس منه فليس يتحقق ذلك إلا مع الاطراد والانعكاس ف الطرد هو تحقق المحدود مع تحقق الحد والعكس هو انتفاء المحدود مع انتفاء الحد وإذا قيل حد العلم هو العرض لم يطرد ذلك إذ ليس كل عرض علما فهذا نقض الحد ولو قلنا في حد العلم كل معرفة حادثة فهذا لا ينعكس إذ ثبت علم ليس بحادث والسائل عن حد العلم لم يقصد حد ضرب منه تخصيصا وإنما أراد الاحاطة بمعنى سائر العلوم وإذا قلنا العلم هو المعرفة ف كل معرفة علم وكل علم معرفة وكل ما ليس بعلم فليس بمعرفة وكل ما ليس بمعرفة فليس بعلم وهذه عبارات اربع عبارتان في النفي وعبارتان في الاثبات ولا تستقيم الحدود دون ذلك قال أبو المعالي فان قال قائل هل يجوز تركيب الحد من وصفين ام لا قلنا اختلف المتكلمون فذهب كثير منهم الى ان المركب ليس بحد وشيخنا ابو الحسن يميل الى ذلك ويقدح في التركيب وليس المراد بمنع التركيب تكليف المسئول ان يأتى في حد ما يسأل عنه بعبارة واحدة إذ المقصود إتحاد المعنى بدون اللفظ والعبارات لا تقصد لأنفسها وليست هي حدودا بل هي منبئة عن الحدود وقال شيخنا ابو الحسن في حد العلم مع منعه التركيب هو ما اوجب كون محله عالما وهذا يشتمل على كلمات ولم يعد هذا تركيبا فان المقصود بالحد التعرض لصفة واحدة هو إيجاب العلم حكمه وكذلك إذا قيل في حد الجوهر ما قبل العرض فليس بمركب وإن ذكر العرض وقبوله اياه ولكن المقصود بالحد التعرص للقبول فقط ثم التركيب فيه تقسيم فمنه باطل بالاتفاق ومنه مختلف فيه فالمتفق عليه هو أن يذكر الحاد معنيين يقع الاستقلال بأحدهما وذكر الاخر لغو فى مقصود الحد وشرطه وأما المختلف فيه فكما يقول المعتزلة في حد المرئي ما يكون لونا أو متلونا فهم يصححون هذا الحد ولا يرون هذا التركيب قادحا قالوا لأن المقصود من الحد حصر المحدود مع التعرض للحقيقة فإذا قامت الدلالة على أن المتحيز يرى وعلى أن الألوان مرئية ولا يجتمع الألوان والجوهر في حقيقة واحدة إذ الأوصاف الجامعة لها محدودة منها الوجود والحدوث وباطل تحديد المرئي بالموجود أو المحدث إذ يلزم منه رؤية الطعوم والروائح والعلوم ونحوها فإذا لم يمكن الجمع بين الجواهر والألوان في صفة جامعة لها في حكم الرؤية غير منتقضة فلا وجه إلا ذكر الجواهر بخاصتها وذكر الألوان بحقيقتها ومعظم المتكلمين على الامتناع من مثل ذلك في الحدود وقالوا المتحيز وكون اللون هيئة حكمان متنافيان فينبغي أن لا يثبت لهما مع تباينهما حكم لا تباين فيه وهو كون المرئي مرئيا قال الأستاذ أبو المعالي وأحسن طريقة في هذا ما ذكره القاضي فأنه قال ما يذكر من معرفة الحدود ينقسم فربما يتأتى ضبط آحاد المحدود بصفة واحدة يشترك فيها جملة الآحاد نحو تحديدنا العلم بالمعرفة والشيئية بالوجود وربما لا يتأتي ضبط جميع آحاد المحدود في صفة واحدة يشترك جميعها فيها فلو ذكر في حدها صفة جامعة لبطل فإذا كان الأمر كذلك وتأتي ضبط ما يسأل عنه بذكر صفتين يشتمل إحداهما على قبيل من المسئول والأخرى على القبيل الآخر لصح تحديده قال القاضي ولو حقق ذلك لزال فيه الخلاف فان الذي يحد بصفتين لو قيل له أتدعي اجتماع القبلين في صفة واحدة لما ادعاه ولو قيل لمطالبة اتنكر تحقيق الانحصار عند ذكر الصفتين لما وجد سبيلا الى انكار ذلك والحد ليس بموجب وانما هو بيان وكشف وهذا المعنى يتحقق في الصفتين تحققه في الصفة الواحدة فإن الكلام الى مناقشة في العبارة وقال القاضي أبو بكر بن الطيب وان قال لنا قائل ما حد العلم عندكم قلنا حده معرفة المعلوم على ما هو به والدليل على ذلك ان هذا الحد يحصره على معناه ولا يدخل فيه ما ليس منه ولا يخرج منه شيء هو فيه والحد إذا أحاط بالمحدود على هذا السبيل وجب ان يكون حدا ثابتا صحيحا فكلما حد به العلم وغيره وكانت حاله في حصر المحدود وتميزه من غيره واحاطته به حال ما حددنا به العلم وجب الاعتراف بصحته وقد ثبت ان كل علم تعلق بمعلوم فأنه معرفة له على ما هو به وكل معرفة بمعلوم فانها علم به فوجب توفيق الحد الذي حددنا به العلم وجعلناه تفسيرا لمعنى منه بانه علم قلت فقد بين القاضي ان كل ما احاط بالمحدود بحيث لا يدخل فيه ما ليس منه ولا يخرج منه ما هو منه كان حدا صحيحا اعتراف الغزالي باستعصاء الحد وقد ذكر الغزالي في كتابه الكبير في المنطق الذي سماه معيار العلم مذهب المتكلمين هذا بعد ان ذكر استعصاء الحد على طريقة المنطقيين فقال (الفصل السابع في استعصاء الحد على القوى البشرية الا عند غاية التشمير والجهد ومن عرف ما ذكرناه من مثارات الاشتباه في الحد عرف عن أن القوة البشرية لا تقوى على التحفظ عن كل ذلك الا على الندوز وهي كثيرة واعصاها على الذهن اربعة امور أحدها أن شرطنا أن نأخذ الجنس الاقرب ومن أين للطالب أن لا يغفل عنه فيأخذ جنسا يظن انه اقرب وربما يوجد ما هو أقرب منه فيحد الخمر بأنه مائع مسكر ويذهل عن الشراب الذي هو تحته وهو أقرب منه ويحد الانسان بأنه جسم ناطق مائت ويغفل عن الحيوان وامثاله الثاني انا إذا شرطنا ان تكون الفصول ذاتية كلها واللازم الذي لا يفارق في الوجود والوهم يشتبه بالذاتي غاية الاشتباه ودرك ذلك من أغمض الامور فمن أين له أن لا يغفل فيأخذ لازما فيورده بدل الفصل ويظن انه ذاتي الثالث أنا شرطنا أن يأتي بجميع الفصول الذاتيه حتى لا يحل بواحد ومن أين يأمن من شذوذ بعضها عنه لا سيما إذا وجد فصلا حصل به التمييز والمساواه في الاسم في الحمل كالجسم ذى النفس الحساس ومساواته لفظ الحيوان مع إغفال المتحرك بالارادة وهذا من أغمض ما يدرك الرابع إن الفصل مقوم ل النوع مقسم ل الجنس فاذا لم يراع شرط التقسيم اخذ في القسمة فصولا ليست أولية ل الجنس وهو غير مرضى في الحدود فان الجسم كما أنه ينقسم الى النامى وغير النامى انقساما ب فصل ذاتي فكذلك ينقسم الى الحساس وغير الحساس والى الناطق وغير الناطق فمهما قيل الجسم ينقسم الى الناطق وغير الناطق فقد قسم بما ليس هو الفصل القاسم أوليا بل ينبغي ان يقسم اولا الى النامي وغير النامي ثم النامى ينقسم الى الحيوان وغير الحيوان ثم الحيوان الى الناطق وغير الناطق وكذلك الحيوان ينقسم الى ذي رجلين والى ذي ارجل ولكن هذا التقسيم ليس ل فصول اولية بل ينبغي ان يقسم الحيوان الى ماش وغير ماش ثم الماشى ينقسم الى ذي رجلين وذى أرجل إذ الحيوان لم يستعد ل الرجلين والارجل باعتبار كونه حيوانا بل باعتبار كونه ماشيا واستعد لكونه ماشيا باعتبار كونه حيوانا فرعاية الترتيب في هذه الأمور شرط للوفاء بصناعة الحد وهي في غاية العسر ولذلك لما عسر اكتفى المتكلمون بالتمييز وقالوا إن الحد هو القول الجامع المانع ولم يشترطوا فيه إلا التمييز ويلزم عليه الاكتفاء بالخواص فيقال في حد الفرس إنه الصهال وفي حد الانسان إنه الضحاك وفي الكلب إنه النباح وذلك في غاية البعد عن غرض التعريف لذات المحدود ولأجل عسر التحديد قد رأينا أن نورد جملة من الحدود المعلومة المحررة في الفن الثاني من كتاب الحدود ثم قال الفن الثاني في الحدود المفصلة اعلم أن الأشياء التي يمكن تحديدها لا نهاية لها لأن العلوم التصديقية غير متناهية وهي تابعة ل التصورات وأقل ما يشتمل عليه التصديق تصوران وعلى الجملة فكل ما له اسم يمكن تحرير حده ورسمه أو شرح اسمه وإذا لم يكن في الاستقصاء مطمع فالأولى الاستقصار على القوانين المعروفة لطريقه وقد حصل ذلك بالفن الأول ولكنا أوردنا حدودا مفصلة لفائدتين إحداهما أن تحصل الدربة بكيفية تحرير الحد وتأليفه فان الامتحان والممارسة للشيء يفيد قوة عليه لا محالة الثانية ان يقع الاطلاع على معاني اسماء اطلقها الفلاسفة وقد اوردناها في كتاب تهافت الفلاسفة إذ لم يمكن مناظرتهم إلا بلغتهم وعلى حكم اصطلاحهم وإذا لم نفهم ما أوردناه من اصطلاحهم لا يمكن مناظرتهم فقد أوردنا ألفاظ أطلقوها في الالهيات والطبيعات وشيئا قليلا من الرياضيات فلتؤخذ هذه الحدود على أنها شرح الاسم فان قام البرهان على ان ما شرحوه هو كما شرحوه اعتقد حدا وإلا اعتقد شرحا للاسم كما يقال حد الجنى حيوان هوائي ناطق مشف الجرم من شانه ان يتشكل باشكال مختلفة فيكون هذا شرحا للاسم في تفاهم الناس فاما وجود هذا الشئ على هذا الوجه فيعرف بالبرهان فان دل على وجوده كان حدا بحسب الذات وإن لم يدل عليه بل دل على ان الجنى المراد به في الشرع موجود آخر كان هذا شرحا للاسم في تفاهم الناس وكما تقول في حد الخلاء إنه بعد يمكن ان يفرض فيه ابعاد ثلاثة قائم لا في مادة من شأنه ان يملأه جسم ويخلو عنه وربما دل الدليل على ان ذلك محال فيؤخذ على انه شرح للاسم في إطلاق النظار وإنما قدمنا هذه المقدمة ليعلم أن ما نورده من الحدود شرح لما أراده الفلاسفة بالاطلاق لا حكم بأن ما ذكروه كما ذكروه فان ذلك مما يتوقف على ما يوجبه البرهان) الرد على كلام الغزالي قلت ما ذكره من صعوبة الحد على الشروط التي ذكرها حق لو كان المقصود بالحد تصوير الحدود كما يدعونه وكان ذلك ممكنا لكن ما ذكروه في الحد باطل فإنه يمتنع ان يحصل بمجرد الحد تصور المحدود وما ذكروه من الفرق بين الصفات الذاتية المقومة الداخلة في الماهية والصفات الخارجة اللازمة أمر باطل لا حقيقة له وما أوجبوه من ذكر الصفتين في الحدود هو مما يحظره المتكلمون فيمتنعون منه في الحد والتحقيق انه لا واجب ولا محظور كما قد بيناه في موضع آخر وكل ما يذكرونه من الحدود فانما يفيد التمييز وإذا كان لا يحصل بالحد إلا التمييز فالتمييز قد يحصل بالفصل والخاصة فعلم ان طريقة المتكلمين اسد في تحصيل المقصود الصحيح بالحدود وأما قوله إن ذلك في غاية البعد عن التعريف لذات المحدود فيقال وكذلك سائر الحدود هي غير محصلة لتصوير ذات المحدود كما سنبينه إن شاء الله تعالى وما ذكره من الوجوه حجة عليهم فان ما ذكره من لزوم اخذ الجنس القريب امر اصطلاحي وذلك انه إذا أخذ البعيد كان الفصل يدل على القريب بالتضمن أو الالتزام كدلالة القريب على البعيد ف الناطق عندهم يدل على الحيوان والمسكر على الشراب كما يدل الحيوان على الجسم وكما يدل الشراب على المائع سواء جعلوا هذه دلالة تضمن او التزام فان كانوا يكتفون بمثل هذه الدلالة كان الفصل كافيا وإن كانوا لا يكتفون إلا بما يدل على الذاتيات بالمطابقة لم يكن ذكر الجنس القريب وحده كافيا فاذا قال مائع مسكر كان لفظ المسكر يدل عل انه الشراب فان المسكر ههنا اخص عندهم من الشراب ومن المائع وهو فصل كالناطق ل الانسان ومعلوم حينئذ ان كل مسكر شراب كما ان كل ناطق حيوان كما أنه إذا قيل في الانسان جسم ناطق ف الناطق عندهم اخص من الجسم ومن الحيوان وهو يدل على الحيوان بالتضمن او الالتزام ودل لفظ المائع على الجنس البعيد بالمطابقة وإذا قال شراب مسكر دل قوله شراب على انه مائع بالتضمن او الالتزام عندهم ودل على الجنس القريب بالمطابقة فصار الفرق بينهما انه تارة يدل على الجنس البعيد بالمطابقة والقريب بالتضمن وتارة بالعكس فاذا قالوا الأحسن أن يدل على القريب بالمطابقة لانه اخص بالمحدود وكلما كان اخص كان أكثر تمييزا قيل ليس في ذلك اختصاص احد الحدين بتصوير الماهية دون الآخر بل بأنه اتم تمييزا وهذا تكلم على المعنى الذي ذكره في حد الخمر بحسب ما قاله ف الخمر اسم ل المسكر عند الشارع سواء كان مائعا او جامدا طعاما او شربا كما قال النبي ﷺ - كل مسكر خمر فلو كان الخمر جامدة وأكلها كانت خمرا باتفاق المسلمين وأما الوجه الثاني فقوله اللازم الذي لا يفارق في الوجود والوهم يشتبه بالذاتي غاية الاشتباه كلام صحيح بل ليس بينهما في الحقيقة فرق إلا بمجرد الوضع والاصطلاح كما قد بين في غير هذا الموضع وبين انهم في هذا الوضع المنطقي والاصطلاح المنطقي فرقوا بين المتماثلين وسووا بين المختلفين وهذا وضع مخالف لصريح العقل وهو اصل صناعة الحدود الحقيقية عندهم فتكون صناعة باطلة إذ الفرق بين الحقائق لا يكون بمجرد امر وضعي بل بما هي عليه الحقائق في نفسها وليس بين ما سموه ذاتيا وما سموه لازما للماهية في الوجود والذهن فرق حقيقي في الخارج وإنما هي فروق اعتبارية تتبع الوضع واختيار الواضع وما يفرضه في ذهنه وهذا قد بسطناه في غير هذا الموضع وذكرنا ألفاظ أئمتهم في هذا الموضع وتفسيرها وإن حاصل ما عندهم أن ما يسمونه ماهية هي ما يتصوره الذهن فان أجزاء الماهية هي تلك الامور المتصورة فاذا تصور جسما ناميا حساسا متحركا بالارادة ناطقا او ضاحكا كان كل جزء من هذه الاجزاء المعنى المتصور وكان داخلا في هذا التصور وإن تصور حيوانا ناطقا كان أيضا كل منهما جزءا مما تصوره داخلا فيه وكان ما يلزم هذه الصورة الذهنية مثل كونه حيا وحساسا وناميا هو لازما لهذا المتصور في الذهن فالماهية بمنزلة المدلول عليه بالمطابقة وجزؤها المقوم لها الداخل فيها الذي هو وصف ذاتي لها بمنزلة المدلول عليه التضمن واللازم لها الخارج عنها بمنزلة المدلول عليه بالالتزام ومعلوم ان هذا امر يتبع ما يتصوره الانسان سواء كان مطابقا او غير مطابق ليس هو تابع للحقائق في نفسها وأصل غلط هؤلاء أنه اشتبه عليهم ما في الاذهان بما في الاعيان فالانسان إذا حد شيئا كالانسان مثلا بمن هو جسم حساس نام متحرك بالارادة ناطق كان هذا القول له لفظ ومعنى فكل لفظ من ألفاظه له معنى من هذه المعاني جزء هذا الكلام وأما قوله في الثالث إنه يشترط جميع الفصول فهذا كاشتراط الجنس وليس في ذلك ما يفيد تصوير الماهية واما التمييز فيحصل بدون ذلك وهذا امر وضعى والمتكلمون قد اتفقوا على انه لا يجوز الجمع بين وصفين متساويين في العموم والخصوص ضد ما يوجبه هؤلاء فلا يجمع بين فصلين وهذا كما إذا حد الحيوان نأنه جسم نام حساس متحرك بالارادة ف الحساس والمتحرك بالارادة فصلان والمنطقيون يوجبون ذكرهما والمنكلمون يمنعون من ذكرهما جميعا ويأمرون بالاقتصار على أحدهما أما الوجه الرابع فانه من جنس احد الجنس البعيد بدل القريب فان تقسيم الجنس بالفصول الآخرية دون الأولية مثل تقويم النوع بالأجناس الأولية دون الآخرية صناعة الحد وضع اصطلاحي غير فطري وقوله رعاية الترتيب في هذه الأمور شرط للوفاء بصناعة الحد وهو في غاية العسر فيقال هذه صناعة وضعية اصطلاحية ليست من الأمور الحقيقة العلمية وهي مع ذلك مخالفة لصريح العقل ولما عليه الوجود في مواضع فتكون باطلة ليست من الأوضاع المجردة كوضع أسماء الأعلام فان تلك فيها منفعة وهي لا تخالف عقلا ولا وجودا وأما وضعهم فمخالف لصريح العقل والوجود ولو كان وضعا مجردا لم يكن ميزانا للعلوم والحقائق فان الأمور الحقيقية العلمية لا تختلف باختلاف الأوضاع والاصطلاحات كالمعرفة بصفات الأشياء وحقائقها فالعلم بأن الشيء حي أو عالم أو قادر أو مريد أو متحرك أو ساكن أو حساس أو غير حساس ليس هو من الصناعات الوضعية بل هو من الأمور الحقيقية الفطرية التي فطر الله تعالى عباده عليها كما فطرهم على أنواع الارادات الصحيحة والحركات المستقيمة لاسيما وهؤلاء يقولون إن المنطق ميزان العلوم العقلية ومراعاته تعصم الذهن عن أن يغلط في فكر كما أن العروض ميزان الشعر والنحو والتصريف ميزان الألفاظ العربية المركبة والمفردة وآلات المواقيت موازين لها ولكن ليس الأمر كذلك فان العلوم العقلية تعلم بما فطر الله عليه بني آدم من أسباب الادراك لا تقف على ميزان وضعي لشخص معين ولا يقلد في العقليات أحد بخلاف العربية فانها عادة لقوم لا تعرف الا بالسماع وقوانينها لا تعرف إلا بالاستقراء بخلاف ما به يعرف مقادير المكيلات والمذونات والمزروعات والمعدودات فانها تفتقر إلى ذلك غالبا لكن تعيين ما به يكال ويوزن بقدر مخصوص أمر عادي كعادة الناس في اللغات وقد تنازع علماء المسلمين في مسمى الدرهم والدينار هل هو مقدر بالشرع أو المرجع فيه الى العرف على قولين أصحهما الثاني وعلى ذلك يبنى النصب الشرعي هل هو مائتا درهم يوزن معين او مائتا درهم مما يتعامل بها الناس باعتبار تقررها وأما ما ذكروه من صناعة الحد فلا ريب أنهم وضعوها وهم معترفون بأن الواضع لها ارسطو وهم يعظمونه بذلك ويقولون لم يسبقه احد الى جميع اجزاء المنطق وتنازعوا هل سبق بعض اجزائه على قولين واجزاء المنطق ثمانية -المفرادات وهى المقولات المعقولة المفردة و -التركيب الاول وهو تركيب القضايا و -التركيب الثاني وهو تركيب القياس من القضايا ثم -البرهانى والجدلى الخطابى الشعرى السفسطة ويسمون الجزء الاول إيساغوجى وقد يقولون أن فرفوريوس هو الذي أدخل ذلك المنطق بعد أرسطو وقد يجعلون القياس والبرهان واحدا ويجعلون أجزاءه سبعة ويقولون هذا قول أرسطو والجزء الثاني الذي يشتمل على المقدمات يسمونه هرمينياس ومعناه العبارات والثالث الذي يشتمل على القياس المطلق يسمونه انولوطيقيا الاول والبرهاني يسمونه انولوطيقا الثاني والجدلى يسمونه طوبيقا والخطابي يسمونه ديطويقا والشعري يسمونه اوقيوطيقا والسفسطة يسمونه سوفسطيقا وهذه عبارات يونانية فاذا تكلمت بها العرب فانها تعربها وتقربها الى لغاتها كسائر ما تكلمت به العرب من الالفاظ المعجمة فلهذا توجد ألفاظها مختلفة وقد كانت الامم قبلهم تعرف حقائق الاشياء بدون هذا الوضع وعامة الامم بعدهم تعرف حقائق الاشياء بدون وضعهم فان ارسطو كان وزيرا للاسكندر بن فيلبس المقدوني وليس هذا ذا القرنين المذكور في القرآن كما يظنه كثير منهم بل هذا كان قبل المسيح بنحو ثلثمائه سنة وجماهير العقلاء من جميع الامم يعرفون الحقائق من غير تعلم منهم بوضع ارسطو وهم إذا تدبروا انفسهم وجدوا انفسهم تعلم حقائق الاشياء بدون هذه الصناعة الوضعية ثم إن هذه الصناعة زعموا انها تفيد تعريف حقائق الاشياء ولا تعرف إلا بها وكلا هذين غلط ولما راموا ذلك لم يكن بد من أن يفرقوا بين بعض الصفات وبعض إذ جعلوا التصور بما جعلوه ذاتيا فلا بد أن يفرقوا بين ما هو ذاتي عندهم وما ليس كذلك ولا بد ان يرتبوا ذكرها على ترتيب مخصوص إذ لا تذكر على كل ترتيب فكانت الصفات الذاتية مادة الحد الوضعي والترتيب الذي ذكروه هو صورته ولما كان ذلك مستلزما للتفريق بين المتماثلين او المتقاربين كان ممتنعا أو عسرا إذ يفرقون بين صفة وصفة يجعل احدهما ذاتية دون اخرى مع تساويهما او تقاربهما ويفرقون بين ترتيب وترتيب بجعل احدهما معرفا للحقيقة دون الآخر مع تساويهما او تقاربهما وطلب الفرق بين المتماثلات طلب ما لا حقيقة له فهو ممتنع وإن كان بين المتقاربين كان عسرا فالمطلوب إما متعذرا وإما متعسرا فان كان متعذرا بطل بالكلية وإن كان متعسرا فهو بعد حصوله ليس فيه فائدة زائدة على ما كان يعرف قبل حصوله فصاروا بين ان يمتنع عليهم ما شرطوه او ينالوه ولا يحصل به ما قصدوه وعلى التقديرين ليس ما وضعوه من الحد طريقا لتصور الحقائق في نفس من لا يتصورها بدون الحد وإن كان الحد قد يفيد من تنبيه المخاطب وتمييز المحدود ما قد تفيده الاسماء كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وما ذكروه من الفرق بين الحد وشرح الاسم فتلخيصه ان المحدود المميز عن غيره إذا تصورت حقيقته فقد يكون هو الموجود الخارجي وقد يكون هو المراد الذهني وقد يراد بالحد تمييز ما عناه المتكلم بالاسم وتفهيمه سواء كان ذلك المعنى الذي اراده بالاسم ثابتا في الخارج او لم يكن وقد يراد به تمييز ما هو موجود في الخارج وهذا شأن كل من فسر كلام متكلم او شرحه فقد يفسر مراد المتكلم ومقصودة سواء كان مطابقا للخارج او لم يكن وقد يتبين مع ذلك انه مطابق للامر الخارج وأنه حق في نفسه وإذا كان الكلام غير حق لم يكن مطابقا للخارج فيريد المستمع أن يطابق بينه وبين الواقع فلا يطابقه ولا يوافقه حتى قد يظن الظان ان الشارح او المستمع لم يفهم مقصود المتكلم لعسرته ولا يكون كذلك بل لان ما ذكره من الكلام ليس بمطابق للواقع فلا يمكن مطابقته إياه وقد يكون ظن من ظنه مطابقا للخارج إحسانا للظن بالمتكلم ويكون قد ظن أنه لم يفهمه لدقته عليه فلا يكون كذلك وقولهم في الحد الحقيقي إنه متعسر وإنه لا يتوقف عليه إلا آحاد الناس هو من هذا الباب فان الحد الحقيقي إذا اريد به ما زعموه فإنه لا حقيقة له في الخارج إذ يريدون به أن الموصوف في نفسه مؤلف من بعض صفاته اللازمة له التي بعضها اعم منه وبعضها مطابق له دون بعض صفاته اللازمة المساوية لتلك العامة في العموم وللمطابقة في المطابقة دون بعض وأن حقيقته هي مركبة من تلك الصفات دون غيرها وان تلك الحقيقة يصورها الحد دون غيره فهذا ليس بحق فدعواهم تأليفه من بعض الصفات اللازمة دون بعض باطلة بل دعواهم انه مركب من الصفات باطلة ودعواهم له حقيقة ثابتة في الخارج يصورها الحد دون غيره باطلة وإنما الواقع ان المحدود الموصوف الذي ميز بالاسم أو الحد عن غيره قد يكون ثابتا في الخارج وقد يكون ثابتا في نفس المتكلم بالاسم او الحد وهو يظن ثبوته في الخارج وليس كذلك وبهذا يقال الحد يكون تارة بحسب الاسم وتارة بحسب المسمى ويقال الحد يكون تارة بحسب اسم الشئ وتارة بحسب حقيقته وإن كان الحد بحسب الاسم قد يكون مطابقا للخارج لكن المقصود أن الحد تارة يميز بين المراد باللفظ وغير المراد وتارة يميز بين الموجود في الخارج من الاعيان وبين غيره وهذا التمييز إنما يحصل بواسطة ذلك فالتمييز الذي في النفس يجب أن يكون مطابقا للتمييز في الخارج والتمييز الذي يحصل للمستمع هو بواسطة التمييز الذي في نفس المتكلم والله أعلم ================ خلط مقالات أهل المنطق بالعلوم النبوية وإفساد ذلك للعقول والأديان وقد تفطن ابو عبدالله الرازي بن الخطيب لما عليه ائمة الكلام وقرر في محصله وغيره ان التصورات لا تكون مكتسبة وهذا هو حقيقة قول القائلين إن الحد لا يفيد تصوير المحدود لكنه لم يهتد هو وأمثاله الى ما سبق اليه ائمة الكلام في هذا المقام وهذا مقام شريف ينبغي ان يعرف فانه بسبب إهماله دخل الفساد في العقول والاديان على كثير من الناس إذ خلطوا ما ذكره اهل المنطق في الحدود بالعلوم النبوية التي جاءت به الرسل التي عند المسلمين واليهود والنصارى بل وسائر العلوم كالطب والنحو وغير ذلك وصاروا يعظمون أمر الحدود ويدعون أنهم هم المحققون لذلك وأن ما يذكره غيرهم من الحدود إنما هي لفظية لا تفيد تعريف الماهية والحقيقة بخلاف حدودهم ويسلكون الطرق الصعبة الطويلة والعبارات المتكلفة الهائلة وليس لذلك فائدة إلا تضييع الزمان وإتعاب الاذهان وكثرة الهذيان ودعوى التحقيق بالكذب والبهتان وشغل النفوس بما لا ينفعها بل قد يضلها عما لا بد لها منه وإثبات الجهل الذي هو أصل النفاق في القلوب وإن ادعوا انه أصل المعرفة والتحقيق وهذا من توابع الكلام الذي كان السلف ينهون عنه وإن كان الذي نهوا عنه خيرا من هذا واحسن إذ هو كلام في أدلة وأحكام ولم يكن قدماء المتكلمين يرضون ان يخوضوا في الحدود على طريقة المنطقيين كما دخل في ذلك متأخروهم الذين يظنون ذلك من التحقيق وإنما هو زيغ عن سواء الطريق ولهذا لما كانت هذه الحدود ونحوها لا تفيد الانسان علما لم يكن عنده وإنما تفيده كثرة كلام سموهم أهل الكلام وهذا لعمرى في الحدود التي ليس فيها باطل فأما حدود المنطقين التي يدعون انهم يصورون بها الحقائق فانها باطلة يجمعون بها بين المختلفين ويفرقون بين المتماثلين الأدلة على بطلان دعواهم ان الحدود تفيد تصوير الحقائق ونحن نبين ان الحدود لا تفيد تصوير الحقائق وان حدود اهل المنطق التي يسمونها حقيقية تفسد العقل والدليل على ذلك وجوه الوجه الاول: الحد سواء جعل مركبا أو مفردا لا يفيد معرفة المحدود احدها إن الحد مجرد قول الحاد ودعواه فانه إذا قال حد الانسان مثلا إنه الحيوان الناطق أو الضاحك فهذه قضية خبرية ومجرد دعوى خلية عن حجة فاما ان يكون المستمع لها عالما يصدقها بدون هذا القول وإما ان لا يكون فان كان عالما بذلك ثبت أنه لم يستفد هذه المعرفة بهذا الحد وإن لم يكن عالما يصدقه بمجرد قول المخبر الذي لا دليل معه لا يفيده العلم كيف وهو يعلم انه ليس بمعصوم في قوله فقد تبين انه على التقديرين ليس الحد هو الذي يفيده معرفة المحدود فان قيل الحد ليس هو الجملة الخبرية وإنما هو مجرد قولك حيوان ناطق وهذا مفرد لا جملة وهذا السؤال وارد على احد اصطلاحيهم فانهم تارة يجعلون الحد هو الجملة كما يقول الغزالي وغيره وتارة يجعلون الحد هو المفرد المفيد كالاسم وهو الذي يسمونه التركيب التقييدي كما يذكر ذلك الرازي ونحوه قيل التكلم بالمفرد لا يفيد ولا يكون جوابا للسائل سواء كان موصوفا تركيبا مركبا تركيبا تقييديا او لم يكن كذلك ولهذا لما مر بعض العرب بمؤذن يقول اشهد ان محمدا رسول الله بالنصب قال فعل ماذا فاذا قيل ما هذا قيل طعام فهذا خبر مبتدإ محذوف باتفاق الناس تقديره هذا طعام كقوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله الزمر وقوله قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس الى قوله قل الله (الأنعام) وكقوله سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم الكهف أي هم ثلاثة وهم خمسة وهم سبعة ومنه قوله تعالى وقل الحق من ربكم الكهف أي هذا الحق من ربكم ليس كما يظنه بعض الجهال أي قل القول الحق فان هذا لو اريد لنصب لفظ الحق والمراد إثبات ان القرآن حق ولهذا قال الحق من ربكم ليس المراد ههنا بقول حق مطلق بل هذا المعنى مذكور في قوله وإذا قلتم فاعدلوا (الأنعام) وقوله الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق (الأعراف) ثم إذا قدر ان الحد هو المفرد فالمفرادات اسماء وغاية السائل ان يتصور مسماها لكن من أين له إذا تصور مسماها أن هذا المسمى هو المسئول عنه وأن هذا المسمى هو حقيقة المحدود فان قيل يفيده مجرد تصور المسمى من غير ان يحكم أنه هو ذلك أو غير ذلك بل تصور إنسان قيل فحينئذ يكون هذا كمجرد دلالة اللفظ المفرد على معناه وهو دلالة الاسم على مسماه كما لو قيل الانسان وهذا يحقق ما قلناه من أن دلالة الحد كدلالة الاسم وهذا هو قول أهل الصواب الذين يقولون الحد تفصيل ما دل عليه الاسم بالاجمال وحينئذ فيقال ان لا نزاع بين العقلاء ان مجرد الاسم لا يوجب تصوير المسمى لمن لم يتصوره بدون ذلك وإنما الاسم يفيد الدلالة عليه والاشارة إليه ولهذا قالوا إن المقصود باللغات ليس هو دلالة اللفظ المفرد على معناه وذلك لان اللفظ المفرد لا يعرف دلالته على المعنى إن لم يعرف أنه موضوع له ولا يعرف انه موضوع له حتى يتصور اللفظ والمعنى فلو كان المقصود بالوضع استفاده معانى الالفاظ المفردة لزم الدور وإذا لم يكن المقصود من الاسماء تصوير معانيها المفردة ودلالة الحد كدلالة الاسم لم يكن المقصود من الحد تصوير معناه المفرد وإذا كان دلالة الاسم على مسماه مسبوقا بتصور مسماه وجب أن تكون دلالة الحد على المحدود مسبوقا بتصور المحدود وإذا كان كل من المحدود والمسمى متصورا بدون الاسم والحد وكان تصور المسمى والمحدود مشتركا في دلالة الحد والاسم على معناه امتنع أن تتصور المحدودات بمجرد الحدود كما يمتنع تصور المسميات بمجرد الاسماء وهذا هو المطلوب ولهذا كان من المتفق عليه بين جميع اهل الارض أن الكلام المفيد لا يكون إلا جملة تامة كاسمين أو فعل واسم هذا مما اعترف به المنطقيون وقسموا الالفاظ الى اسم وكلمة وحرف يسمى اداة وقالوا المراد بالكلمة ما يريده النحاة بلفظ الفعل لكنهم مع هذا يناقضون ويجعلون ما هو اسم عند النحاة حرفا في اصطلاحهم فالضمائر ضمائر الرفع والنصب والجر والمتصلة والمنفصلة مثل قولك رأيته ومر بي فان هذه اسماء ويسميها النحاة الاسماء المضمرة والمنطقيون يقولون إنها في لغة اليونان من باب الحروف ويسمونها الخوالف كأنها خلف عن الاسماء الظاهرة فأما الاسم المفرد فلا يكون كلاما مفيدا عند أحد من أهل الارض بل ولا اهل السماء وإن كان وحده كان معه غيره مضمرا أو كان المقصود به تنبيها أو إشارة كما يقصد بالأصوات التي لم توضع لمعنى لا أنه يقصد به المعاني التي تقصد بالكلام استطراد ولهذا عد الناس من البدع ما يفعله بعض النساك من ذكر اسم الله وحده بدون تأليف كلام فان النبي ﷺ - قال أفضل الذكر لا إله إلا الله وافضل الدعاء الحمد لله رواه ابو حاتم في صحيحه وقال أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلى لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير رواه مالك وغيره وقد نواتر عن النبي ﷺ انه كان يعلم امته ذكر الله تعالى بالجمل التامة مثل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله افضل الكلام بعد القرآن أربع وهي من القرآن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر رواه مسلم وفي صحيح مسلم عنه ﷺ - أنه قال لأن اقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب الى مما طلعت عليه الشمس وقال من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وأمثال ذلك فظن طائفة من الناس ان ذكر الاسم المفرد مشروع بل ظنه بعضهم افضل في حق الخاصة من قول لا إله إلا الله ونحوها وظن بعضهم ان ذكر الاسم المضمر وهو هو هو افضل من ذكر الاسم المظهر، وأخرجهم الشيطان إلى أن يقولوا لفظا لا يفيد إيمانا ولا هدى بل دخلوا بذلك في مذهب اهل الزندقة والالحاد أهل وحده الوجود الذين يجعلون وجود المخلوقات وجود الخالق ويقول احدهم ليس إلا الله والله فقط ونحو ذلك وربما احتج بعضهم عليه بقوله تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وظنوا انه مأمور بان يقول الاسم مفردا وإنما هو جواب الاستفهام حيث قال وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ قال الله تعالى قل من انزل الكتب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا قل الله (الأنعام) أي الله انزل الكتاب الذي جاء به موسى عود إلى اصل الموضوع وإذا عرف ان مجرد الإسم ومجرد الحد لا يفيد ما يفيده الكلام بحال علم ان الحد خبر مبتدإ محذوف لتكون جملة تامة ثم قد بينا فساد قولهم سواء جعل الحد مفردا كالاسماء او مركبا كالجمل وأنه على التقديرين لا يفيد تصوير المسمى وهو المطلوب ودعوى المدعى أن الحد مجرد المفرد المفيد كدعواهم ان التصور الذي هو احد نوعى العلم هو التصور المجرد عن كل نفي وإثبات ومعلوم أن مثل هذا لا يكون علما عند أحد من العلماء بل إذا خطر ببال الانسان شيء ما ولم يخطر له ثبوته ولا انتفاءه بوجه من الوجوه لم يكن قد علم شيئا مثل من خطر له بحر زئبق أو جبل ياقوت خاطرا مجردا عن كون هذا التصور ثابتا في الخارج أو منتفيا ممكنا أو ممتنعا فان هذا من جنس الوسواس لا من جنس العلم وقد بسطنا الكلام على هذا في مواضع متعددة مثل الكلام على المحصل وبينا أن المشروط في التصديق من جنس العلم المشروط في القول فمن صدق بما لم يتصوره كان قد تكلم بغير علم ومن صدق بما تصوره كان كالمتكلم بعلم فقولهم في الحدود ألقولية من جنس قولهم في التصورات الذهنية الوجه الثاني: خبر الواحد بلا دليل لا يفيد العلم الثاني انهم يقولون الحد لا يمنع ولا يقوم عليه دليل وإنما يمكن إبطاله بالنقض والمعارضة بخلاف القياس فانه يمكن فيه الممانعة والمعارضة فيقال إذا لم يكن الحاد قد أقام دليلا على صحة الحد امتنع أن يعرف المستمع المحدود به إذا جوز عليه الخطأ فإنه إذا لم يعرف صحة الحد إلا بقوله وقوله محتمل للصدق والكذب امتنع أن يعرفه بقوله للصدق والكذب امتنع أن يعرفه بقوله ومن العجب أن هؤلاء يزعمون أن هذه طرق عقلية يقينية ويجعلون العلم بالمفرد أصلا للعلم بالمركب ويجعلون العمدة في ذلك على الحد الذي هو قول الحاد بلا دليل وهو خبر واحد عن أمر عقلي لا حسي يحتمل الصواب والخطأ والصدق والكذب ثم يعيبون على من يعتمد في الأمور السمعية على نقل الواحد الذي معه من القرائن ما يفيد المستمع العالم بها العلم اليقيني زاعمين أن خبر الواحد لا يفيد العلم ولا ريب أن مجرد خبر الواحد الذي لا دليل على صدقة لا يفيد العلم لكن هذا بعينه قولهم في الحد وإنه خبر واحد لا دليل على صدقه بل ولا يمكن عندهم إقامة دليل على صدقه فلم يكن الحد مفيدا لتصور المحدود ولكن إن كان المستمع قد تصور المحدود قبل هذا أو تصوره معه أو بعده بدون الحد وعلم أن ذلك حده علم صدقه في حده وحينئذ فلا يكون الحد أفاد التصوير وهذا بين وتلخيصه أن المحدود بالحد لا يمكن بدون العلم بصدق قول الحاد وصدق قوله لا يعلم بمجرد الخبر فلا يعلم المحدود بالحد ومن قال أنا أريد بالحد المفرد لم يكن قوله مفيدا لشيء أصلا فإن التكلم بالاسم المفرد لا المستمع شيئا بل إن كان تصور المحدود بدون هذا اللفظ كان قد تصوره بدون هذا اللفظ المفرد وإن لم يكن تصوره لا قبله ولا بعده الوجه الثالث: لو حصل تصور المحدود بالحد لحصل ذلك قبل العلم بصحة الحد الثالث أن يقال لو كان مفيدا لتصور المحدود لم يحصل ذلك إلا بعد العلم بصحة الحد فانه دليل التصور وطريقه وكاشفه فمن الممتنع أن نعلم صحة المعرف المحدود قبل العلم بصحة المعرف والعلم بصحة الحد لا يحصل إلا بعد العلم بالمحدود إذ الحد خبر عن مخبر هو المحدود فمن الممتنع أن يعلم صحة الخبر وصدقه قبل تصور المخبر عنه من غير تقليد المخبر وقبول قوله فيما يشترك في العلم به المخبر والمخبر ليس هو من باب الاخبار عن الأمور الغائبة الوجه الرابع: معرفة المحدود يتوقف على العلم بالمسمى واسمه فقط الرابع أنهم يحدون المحدود بالصفات التي يسمونها الذاتية ويسمونها اجزاء الحد وأجزاء الماهية والمقومة لها والداخلة فيها ونحو ذلك من العبارات فان لم يعلم المستمع ان المحدود موصوف بتلك الصفات امتنع ان يتصوره وإن علم أنه موصوف بها كان قد تصوره بدون الحد فثبت انه على تقدير النقيضين لا يكون قد تصوره بالحد وهذا بين فانه إذا قيل الانسان هو الحيوان الناطق فان لم يكن قد عرف الانسان قبل هذا كان متصورا لمسمى الحيوان الناطق ولا يعلم انه الانسان احتاج الى العلم بهذه النسبة وإن لم يكن متصورا لمسمى الحيوان الناطق احتاج الى شيئين الى تصور ذلك وإلى العلم بالنسبة المذكورة وإن عرف ذلك كان قد تصور الانسان بدون الحد الحد قد ينبه تنبيها نعم الحد قد ينبه على تصور المحدود كما ينبه الاسم فان الذهن قد يكون غافلا عن الشئ فاذا سمع اسمه أو حده اقبل بذهنه الى الشئ الذي اشير اليه بالاسم او الحد فيتصوره فيكون فائدة الحد من جنس فائدة الاسم وهذا هو الصواب وهو التمييز بين الشئ المحدود وغيره ويكون الحدود للانواع بالصفات كالحدود للاعيان بالجهات كما إذا قيل حد الارض من الجانب القبلي كذا ومن الجانب الشرقي كذا وميزت الارض باسمها وحدها وحد الارض يحتاج اليه إذ خيف من الزيادة في المسمى او النقص منه فيفيد إدخال المحدود جميعه وإخراج ما ليس منه كما يفيد الاسم وكذلك حد النوع وهذا يحصل بالحدود اللفظية تارة وبالوصفية أخرى وحقيقة الحد في الموضعين بيان مسمى الاسم فقط وتمييز المحدود عن غيره لا تصوير المحدود وإذا كان فائدة الحد بيان مسمى الاسم والتسمية امر لغوي وضعي رجع في ذلك الى قصد ذلك المسمى ولغته ولهذا يقول الفقهاء من الاسماء ما يعرف حده باللغة ومنه ما يعرف حده بالشرع ومنه ما يعرف حده بالعرف ومن هذا تفسير الكلام وشرحه إذا أريد به تبيين مراد المتكلم فهذا يبنى على معرفة حدود كلامه وإذا أريد به تبيين صحته وتقريره فانه يحتاج الى معرفة دليل صحة الكلام فالاول فيه بيان تصوير كلامه والثاني بيان تصديق كلامه وتصوير كلامه كتصوير مسميات الاسماء بالترجمة تارة لمن يكون قد تصور المسمى ولم يعرف ان ذلك اسمه وتارة لمن لم يكن قد تصور المسمى فيشار له إلى المسمى بحسب الامكان إما إلى عينة وإما الى نظيره ولهذا يقال الحد تارة يكون ل الاسم وتارة يكون ل المسمى وأئمة المصنفين في صناعة الحدود على طريقة المنطقيين يعترفون عند التحقيق بهذا كما ذكر أبو حامد الغزالي في كتاب معيار العلم الذي صنفه في المنطق بعد ان قال البحث النظري الجاري في الطلب إما أن يتجه الى تصور او إلى تصديق فالموصل الى التصور يسمى قولا شارحا فمنه حد ومنه رسم والموصل الى التصديق يسمى حجة فمنه قياس ومنه استقراء وغيره قال الغزالي: مضمون هذا الكتاب تعريف مبادئ القول الشارح لما أريد تصوره حدا كان أو رسما وتعريف مبادئ الحجة الموصلة الى التصديق قياسا كان او غيره مع التنبيه على شروط صحتها ومثار الغلط فيها قال: فان قلت كيف يجهل الانسان العلم التصوري حتى يفتقر الى الحد قلنا بان يسمع الانسان اسما لا يعرف معناه كمن قال ما الخلاء وما الملاء وما الشيطان وما العقار فيقال العقار الخمر فان لم يعرفه باسمه المعروف يفهمه بحده فيقال الخمر هو شراب مسكر معتصر من العنب فيحصل له علم تصوري بذات الخمر قلت فقد بين أن فائدة الحدود من جنس فائدة الاسماء وان ذلك كمن سمع اسما لا يعرف معناه فيذكر له اسم فان لم يتصوره وإلا ذكر له الحد وهذا مما يعترف به حذاقهم حتى بين معلمهم الثاني ابو نصر الفارابي وهو أعظم الفلاسفة كلاما في المنطق وتفاريعه من برهانه ومعلوم ان الاسم لا يفيد بنفسه تصوير المسمى وإنما يفيد التمييز بينه وبين غيره وأما تصور المسمى فتارة يتصوره الانسان بذاته بحسه الباطن أو الظاهر وتارة يتصوره بتصور نظيره وهو ابعد فمن عرف عين الخمر إذا لم يعرف مسمى لفظ العقار قيل له هو الخمر او غيرها من الاسماء فعرفها ومن لم يعرف عين الخمر بحال عرف بنظيرها فقيل له هو شراب فاذا تصور القدر المشترك بين النظيرين ذكر له ما يميزها فقيل مسكر ولكن الكلام في تصوره لمعنى المسكر كالكلام في تصوره لمعنى الخمر فان لم يعرف عين المسكر وإلا لم يمكن تعريفه إلا بنظيره فيقال هو زوال العقل وهذا جنس يشترك فيه النوم والجنون والاغماء والسكر فلا بد ان يميز السكر فيقال زوال العقل بما يلتذ به ثم اللذة لا بد ان يكون قد تصور جنسها بالاكل والشرب وغيرهما وهذا يبين أن فائدة الحدود قد تكون اضعف من فائدة الاسماء لأنها تفيد معرفة الشئ بنظيره والاسم يكتفى به من عرفه بنفسه وحقيقة الامر ان الحد هو ان تصف المحدود بما تفصل به بينه وبين غيره والصفات تفيد معرفة الموصوف خبرا وليس المخبر كالمعاين ولا من عرف المشهود عليه بعينه كمن عرفه بصفته وحليته فمن عرف المسمى بعينه كان الاسم مغنيا له عن الحد كما تقدم ومن لم يعرفه بعينه لم يفده الحد ما يفيد الاسم لمن عرفه بعينه إذ الاسم هناك يدل على العين التي عرفها بنفسها والحد لمن لم يعرف العين إنما يفيده معرفة النوع لا معرفة العين كما يتصور اللذه بشرب الخمر من لم يشربها قياسا على اللذة بالخبز واللحم ومعلوم فرق ما بين اللذتين وليس مقصودنا أن فائدة الحدود اضعف مطلقا وإنما المقصود انها من جنس فائدة الاسماء وأنها مذكرة لا مصورة او معرفة بالتسمية مميزة للمسمى من غيره او معرفة بالقياس اعتراف ابن سينا بأن من الامور ما هو متصور بذاته وهكذا يقول حذاقهم في تحديد امور كثيرة قد حدها غيرهم يقولون لا يمكن تحديدها تحديد تعريف لماهياتها بل تحديد تنبيه وتمييز كما قال ابن سينا في الشفاء قال فنقول إن الموجود والشئ والضروري معانيها ترتسم في النفس إرتساما أوليا ليس ذلك الارتسام مما يحتاج أن يجلب بأشياء هو أعرف منها فانه كما أنه في باب التصديق مباديء أولية يقع التصديق بها لذاتها ويكون التصديق لغيرها بسببها وإذا لم يخطر بالبال أو يفهم اللفظ الدال عليها لم يمكن التوصل إلى معرفة ما يعرف بها وإذا لم يكن التعريف الذي يحاول إخطارها بالبال أو يفهم ما يدل عليها من الألفاظ محاولا لافادة علم ما ليس في الغريزة بل منبها على تفهيم ما يريده القائل أو يذهب إليه وربما كان ذلك بأشياء هي في أنفسها أخفى من المراد تعريفه لكنها لعلة ما وعبارة ما صارت أعرف كذلك في التصورات أشياء هي مباديء للتصور هي متصورات لذاتها وإذا أريد أن يدل عليها لم يكن ذلك في الحقيقة تعريفا لمجهول بل تنبيها وإخطارا بالبال باسم العلامة وربما كانت في نفسها أخفى منه لكنها لعلة ما وحال ما تكون أظهر دلالة فاذا استعملت تلك العلامة نبهت النفس على إخطار ذلك المعنى بالبال من حيث أنه هو المراد لا غيره من غير أن تكون العلامة بالحقيقة معلمة إياه ولو كان كل تصور يحتاج إلى أن يسبقه تصور قبله لذهب الأمر إلى غير النهاية أو لدار وأولى الأشياء بأن تكون متصورة لأنفسها الأشياء العامة للأمور كلها كالموجود والشيء والواحد وغيره ولهذا ليس يمكن أن يبين شيء منها ببيان لا دور فيه ألبتة أو ببيان وشيء أعرف منها وكذلك من حاول أن يقول فيها شيئا وقع في اضطراب كمن يقول إن من حقيقة الموجود أن يكون فاعلا أو منفعلا وهذا وإن كان ولا بد فمن اقسام الموجود والموجود أعرف من الفاعل والمنفعل وجمهور الناس يتصورون حقيقة الموجود ولا يعرفون ألبتة أنه يجب أن يكون فاعلا أو منفعلا وأنا إلى هذه الغاية لم يتضح لي ذلك إلا بقياس لاغير فكيف يكون حال من يروم أن يعرف الشيء الظاهر بصفة له تحتاج إلى بيان حتى يثبت وجودها له وكذلك قول من قال إن الشيء هو الذي يصح عنه الخبر فان يصح أخفى من ل الشيء والخبر أخفى من الشيء فكيف يكون هذا تعريفا ل الشيء وإنما تعرف الصحة ويعرف الخبر بعد أن يستعمل في بيان كل واحد منهما أنه شيء أو أنه أمر أو أنه ما أو أنه الذي وجميع ذلك كالمرادفات لاسم الشيء فكيف يصح أن يعرف الشيء تعريفا حقيقيا بما لا يعرف إلا به نعم ربما كان في ذلك وأمثاله تنبيه ما وأما بالحقيقة فانك إذا قلت إن الشيء هو ما يصح ان يخبر عنه تكون كأنك قلت إن الشيء هو الشيء الذي يصح عنه الخبر لأن معنى ما والذي والشيء معنى واحد فتكون قد أخذت الشيء في حد الشيء على أننا لا ننكر أن يقع بهذا وما أشبهه مع فساد مأخذه تنبيه بوجه ما على الشئ ونقول إن معنى الموجود ومعنى الشئ متصوران في الانفس وهما معنيان والموجود والمثبت والمحصل اسماء مترادفة على معنى واحد ولا شك ان معناها قد حصل في نفس من يقرأ هذا الكتاب وكذلك قال في حد الواحد والكثير قال فصل في تحقيق الواحد والكثير وإبانة ان العدد عرض والذي يصعب علينا تحقيقه ما هية الواحد وذلك انا إذا قلنا إن الواحد الذي لا ينقسم فقد قلنا إن الواحد الذي لا يتكثر ضرورة فأخذنا في بيان الواحد الكثرة وأما الكثرة فمن الضرورة أن تحد بالواحد لان الواحد مبدأ الكثرة ومنه وجودها وماهيتها ثم أي حد حددنا به الكثرة استعملنا فيه الواحد بالضرورة فمن ذلك ما نقول إن الكثرة هو المجتمع من وحدات فقد اخذنا الوحدة في حد الكثرة ثم عملنا شيئا آخر وهو أنا أخذنا المجمتع في حدها والمجتمع يشبه ان يكون هو الكثرة نفسها وإذا قلنا من الوحدات أو الوحدان أو الآحاد فقد أوردنا بدل لفظ الجمع هذا اللفظ ولا يفهم معناه ولا يعرف إلا بالكثرة وإذا قلنا إن الكثرة هي التي تعد بالواحد فنكون قد أخذنا في حد الكثرة الوحدة ونكون أيضا أخذنا في حدها العدد والتقدير وذلك إنما يفهم بالكثرة أيضا فما أغنى علينا أن نقول في هذا الباب شيئا يعتد به لكنه يشبه أن تكون الكثرة أيضا أعرف عند تخيلنا ويشبه أن تكون الوحدة والكثرة من الأمور التي يتصورها بديا فذكر الكثرة نتخيلها أولا والوحدة نعقلها من غير مبدأ لتصورها ثم إن كان ولابد فخيالي ثم تعريفنا الكثرة بالوحدة تعريفا عقليا وهنالك نأخذ الوحدة متصورة بذاتها ومن أوائل التصور يكون تعريفنا الوحدة بالكثرة تنبيها يستعمل فيه المذهب الخيالي النومي إلى معقول عندنا لا يتصور حاضرا في الذهن فاذا قالوا إن الوحدة هي الشيء الذي ليست فيه كثرة دلوا على أن المراد بهذه اللفظة الشيء المعقول عندنا بديا الذي يقابل هذا الآخر وليس هو فينبه عليه بسلب هذا عنه والعجب ممن يحدد العدد ويقول إن العدد كثرة مؤلفة من وحدة أو آحاد والكثرة نفس العدد ليس كالجنس ل العدد وحقيقة الكثرة أنها مؤلفة من وحدات فقولهم إن الكثرة مؤلفة من وحدات كقولهم إن الكثرة كثرة فان الكثرة ليس إلا اسما ل المؤلف من الوحدات فان قال قائل إن الكثرة قد تؤلف من أشياء غير الوحدات مثل الناس والدواب فنقول إنه هذه كما أن الأشياء ليست كثرات بل أشياء موضوعة ل الكثرة وكما أن تلك الأشياء وحدان لا وحدات فكذلك هي كثيرة لا كثرة والذين يحسبون أنهم اذا قالوا إن العدد كمية منفصلة ذات ترتيب فقد تخلصوا من هذا فما تخلصوا فان الكمية تحوج تصورها للنفس إلى أن تعرف بالجزء أ أو القسمة أو المساوة أما الجزء والقسمة فانما يمكن تصورهما بالكثرة وأما المساوة فان الكمية أعرف منها عند العقل الصريح لأن المساواة من الأعراض الخاصة بالكمية التي يجب أن توخذ في حدها الكمية فيقال إن المساوة هي اتحاد في الكمية والترتيب الذي أخذ في حد العدد أيضا هو ما لا يفهم إلا بعد فهم العدد فيجب أن يعلم أن هذه كلها تنبيهات مثل الشبيه بالأمثلة والأسماء المترادفة فان هذه المعاني متصورة كلها أو بعضها لذواتها وإنما يدل عليها بهذه الأشياء لينبه عليها وتميز فقط قلت فهذا الكلام الذي ذكره ابن سينا هنا قد تلقوه عنه بالقبول كما يذكر مثل ذلك أبو حامد والرازي والسهروردي وغيرهم فيقال هذا الذي ذكروه في حدود هذه الأمور هو موجود في سائر ما يرومون بيانه بحدودهم عند التدبر والتأمل لكن منها ما هو بين لكل أحد كالأمور العامة ومنها ما هو بين لبعض الناس كما يعرف أهل الصناعات والمقالات أمورا لا يعرفها غيرهم فحدودها بالنسبة إلى هؤلاء كحدود تلك الأمور التي يعم علمها بالنسبة إلى العموم وأما الأمور التي تخفى فمجرد الحدود لا تفيد تعريف حقيقتها بعينها وإنما تفيد تمييزها ونوعا من التعريف الشبهي وهذا يتبين بتقرير قاعدة في ذلك فنقول التحقيق السديد في مسألة التحديد المقول في جواب ما هو المطلوب تعريفه بالحد هو جواب لقول سائل قال ما كذا كما يقول ما الخمر أو ما الانسان أو ما الثلج فهذا الاسم المستفهم عنه المذكور في السؤال إما أن يكون السائل غير عالم بمسماه وإما أن يكون عالما بمسماه مطلوب السائل المتصور للمعنى الجاهل بدلالة اللفظ عليه فالأول كالسائل عن اسم تحديد في غير لغته أو عن اسم غريب في لغته أو عن اسم معروف في لغته لكن مقصوده تحديد مسماه مثل العربي إذا سأل عن معاني الأسماء الأعجمية إذا سأل عن معاني الأسماء العربية وبعض الأعاجم إذا سأل بعضا عن معاني الأسماء التي تكون في لغة المسئول دون السائل وهذا هو الترجمة الترجمة وأحكامها فالمترجم لا بد أن يعرف اللغتين التي يترجمها والتي يترجم بها وإذا عرف أن المعنى الذي يقصد بهذا الاسم في هذه اللغة هو المعنى الذي يقصد به في اللغة الأخرى ترجمه كما يترجم اسم الخبز والماء والأكل والشرب والسماء والأرض والليل والنهار والشمس والقمر ونحو ذلك من أسماء الأعيان والأجناس وما تضمنته من الأشخاص سواء كانت مسمياتها أعيانا أو معاني والترجمة تكون ل المفردات ول الكلام المؤلف التام وإن كان كثير من الترجمة لا يأتي بحقيقة المعنى التي في تلك اللغة بل بما يقاربه لأن تلك المعاني قد لا تكون لها في اللغة الأخرى ألفاظ تطابقها على الحقيقة لا سيما لغة العرب فان ترجمتها في الغالب تقريب ومن هذا الباب ذكر غريب القرآن والحديث وغيرهما بل وتفسير القرآن وغيره من سائر أنواع الكلام وهو في أول درجاته من هذا الباب فان المقصود ذكر مراد المتكلم بتلك الأسماء أو بذلك الكلام وهذا الحد هم متفقون على أنه من الحدود اللفظية مع أن هذا هو الذي يحتاج إليه في إقراء العلوم المصنفة بل في قراءة جميع الكتب بل في جميع أنواع المخاطبات بتلك فان من قرأ كتب النحو والطب أو غيرهما لا بد أن يعرف مراد أصحابها بتلك الأسماء ويعرف مرادهم بالكلام المؤلف وكذلك من قرأكتب الفقه والكلام والفلسفة وغير ذلك معرفة الحدود الشرعية من الدين وهذه الحدود معرفتها من الدين في كل لفظ هو كتاب الله وسنة رسوله ﷺ - ثم قد تكون معرفتها فرض عين وقد تكون فرض كفاية ولهذا ذم الله تعالى من لم يعرف هذه الحدود بقوله تعالى الاعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر الا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والذي أنزله على رسوله فيه ما قد يكون الاسم غريبا بالنسبة إلى المستمع كلفظ ضيزى وقسورة وعسعس وأمثال ذلك وقد يكون مشهورا لكن لا يعلم حده بل يعلم معناه على سبيل الاجمال كاسم الصلوة والزكوة والصيام والحج فان هذه وإن كان جمهور المخاطبين يعلمون معناها على سبيل الاجمال فلا يعلمون مسماها على سبيل التحديد الجامع المانع إلا من جهة الرسول ﷺ - وهي التي يقال لها الأسماء الشرعية كما إذا قيل صلوة الجنازة وسجدة السهو وسجود الشكر والطواف هل تدخل في مسمى الصلوة في قوله ﷺ - مفتاح الصلوة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم فقيل هل كل ذلك صلوة تجب فيها الطهارة وهل لا تجب الطهارة لمثل ذلك فهل تجب لما تحريمه التكبير وتحليله التسليم وهي كصلوة الجنازة وسجد السهو دون الطواف سجود التلاوة وكذلك اسم الخمر والربوا والميسر ونحو ذلك يعلم أشياء من مسمياتها ومنها ما لا يعلم إلا ببيان آخر فانه قد يكون الشيء داخلا في اسم الربوا والميسر والانسان لا يعلم ذلك إلا بدليل يدل على ذلك شرعي أو غيره ومن هذا قول النبي ﷺ - لما سئل عن حد الغيبة فقال ذكرك أخاك بما يكره فقال له أرأيت إن كان في أخي ما أقول فقال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته وكذلك قوله لما قال لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا أفمن الكبر ذلك فقال لا الكبر بطر الحق وغمط الناس وكذلك لما قيل له ما الإسلام وما الإيمان وما الإحسان ولما سئل عن أشياء أهي من الخمر وغير ذلك بالجملة فالحاجة إلى معرفة هذه الحدود ماسة لكل أمة وفي كل لغة فان معرفتها من ضرورة التخاطب الذي هو النطق الذي لا بد منه لبني آدم أقسام الحدود اللفظية وهذا الذي يقال له حد بحسب الاسم والمقول في جواب ما هو من هذا النوع وقد يكون اسما مرادفا وقد يكون مكافيا غير مرادف بحيث يدل على الذات مع صفة أخرى كما إذا قال ما الصراط المستقيم فقال هو الاسلام واتباع القرآن أو طاعة الله ورسوله والعلم النافع والعمل الصالح وما الصارم فقيل هو المهند وما أشبه ذلك وقد يكون الجواب بالمثال كما إذا سئل عن لفظ الخبز ورأى رغيفا فقال هذا فان معرفة الشخص يعرف منه النوع وإذا سئل عن المقتصد والسابق والظالم فقال المقتصد الذي يصلي الفريضة في وقتها ولا يزيد والظالم الذي يؤخرها عن الوقت والسابق الذي يصليها في أول الوقت ويزيد عليها النوافل الراتبة ونحو ذلك من التفسير الذي هو تمثيل يفيد تعريف المسمى بالمثال لا خطاره بالبال لا لأن السائل لم يكن يعرف المصلي في أول الوقت وفي أثنائه والمؤخر عن الوقت لكن لم يكن يعرف أن هذه الثلاثة أمثلة الظالم والمقتصد والسابق فاذا عرف ذلك قاس به ما يماثله من المقتصر على الواجب والزائد عليه والناقص عنه ثم إن معرفة حدود هذه الأسماء في الغالب تحصل بغير سؤال لمن يباشر المتخاطبين بتلك اللغة أو يقرأ كتبهم فان معرفة معاني اللغات تقع كذلك وهذه الحدود قد يظن بعض الناس أنها حدود لغوية يكفي في معرفتها العلم باللغة والكتب المصنفة في اللغة وكتب الترجمة وليس كذلك على الاطلاق بل الأسماء المذكورة في الكتاب والسنة ثلاثة أصناف ألف منها ما يعرف حده باللغة كالشمس والقمر والكوكب ونحو ذلك ب ومنها مالا يعرف إلا بالشرع كأسماء الواجبات الشرعية والمحرمات الشرعية كالصلوة والحج والربوا والميسر ج ومنها ما يعرف بالعرف العادي وهو عرف الخطاب باللفظ كاسم النكاح والبيع والقبض وغير ذلك هذا في معرفة حدود ها التي هي مسمياتها على العموم الاجتهاد و التأويل وأما معرفة دخول الأعيان الموجودة في هذه الأسماء والألفاظ فهذا قد يكون ظاهرا وقد يكون خفيا يحتاج إلى اجتهاد وهذا هو التأويل في لفظ الشارع الذي يتفاضل الفقهاء وغيرهم فيه فانهم قد اشتركوا في حفظ الألفاظ الشرعية بما فيها من الأسماء أو حفظ كلام الفقهاء أو النحاة أو الأطباء وغيرهم ثم يتفاضلون بأن يسبق أحدهم إلى أن يعرف أن هذا المعنى الموجود هو المراد أو مراد هذا الاسم كما يسبق الفقيه الفاضل إلى حادثة فينزل عليها كلام الشارع أو كلام الفقهاء وكذلك الطبيب يسبق إلى مرض لشخص معين فينزل عليه كلام الأطباء إذ الكتب والكلام المنقول عن الأنبياء والعلماء إنما هو مطلق بذكر الأشياء لصفاتها وعلاماتها فلا بد يعرف أن هذا المعين هو ذاك وإذا كان خفيا فقد يسميه بعض الناس تحقيق المناط فان الشارع قد ناط الحكم بوصف كما ناط قبول الشهادة بكونه ذا عدل وكما ناط العشرة المأمور بها بكونها بالمعروف وكما ناط النفقة الواجبة بالمعروف وكما ناط الاستقبال في الصلوة بالتوجه شطر المسجد الحرام يبقي النظر في هذا المعين هل هو شطر المسجد الحرام وهل هذا الشخص ذو عدل وهل هذه النفقة نفقة بالمعروف وأمثال ذلك لابد فيه من نظر خاص لا يعلم ذلك بمجرد الاسم وقد يكون الاجتهاد في دخول بعض الأنواع في مسمى ذلك الاسم كدخول الأشربة المسكرة من غير العنب والنخل في مسمى الخمر ودخول الشطرنج والنرد ونحوهما في مسمى الميسر ودخول السبق بغير محلل في سباق الخيل ورمى النشاب في ذلك ودخول الرمل ونحوه في الصعيد الذي في قوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا ودخول من خرج منه منى فاسد في قوله وإن كنتم جنبا فاطهروا ودخول الساعد في قوله فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه ودخول البياض الذي بين العذار والأذن في قوله فاغسلوا وجوهكم ودخول الماء المتغير بالطهارات أو ما أوقعت به نحاسة ولم تغيره في قوله فلم تجدوا ماء ودخول المائع الذي لم يغيره ما مات فيه من الطيبات أو الخبائث ودخول سارق الأموال الرطبة في قوله السارق والسارقة ودخول النباش في ذلك ودخول الحلفة بما يلزم لله في مسمى الأيمان ودخول بنات البنات والجدات في قوله حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم ومثل هذا الاجتهاد متفق عليه بين المسلمين ممن يثبت القياس ومن ينفيه فان بعض الجهال يظن أن من نفى القياس يكفيه في معرفة مراد الشارع مجرد العلم باللغة وهذا غلط عظيم جدا ولهذا قال ابن عباس التفسير على أربعة أوجه تفسير تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه إلا الله والتفسير الذي يعلمه العلماء فيتضمن الأنواع التي لا تعلم بمجرد اللغة كالأسماء الشرعية ويتضمن أعيان المسميات وأنواعها التي يفتقر دخولها في المسمى إلى اجتهاد العلماء فصل ثم إن هذا الاسم المسئول عنه الذي لا يعلم السائل معناه إذا أجيب عنه بما يقال في جواب ما هو ينقسم حال السائل فيه إلى نوعين أحدهما أن يكون قد تصور المعنى بغير ذلك اللفظ ولكن لم يعرف أنه يعنى بذلك اللفظ فهذا لا يفتقر إلا إلى ترجمة اللفظ كالمعاني المشهورة عند الناس من الاعيان والصفات والافعال كالخبز والماء والاكل والشرب والبياض والسواد والطول والقصر والحركة والسكون ونحو ذلك مطلوب السائل الغير المتصور للمعنى الجاهل باسمه والثاني أن يكون غير متصور المعنى كما أنه غير عالم بدلالة اللفظ عليه وهذا يحتاج إلى شيئين إلى ترجمة اللفظ وإلى تصور المعنى الى حد الاسم والمسمى وهذا مثل من يسأل عن لفظ الثلج وهو لم يره قط أو يسأل عن اسم نوع من الفاكهة او الحيوان الذي لم يره أو لم يكن في بلاده أو يسأل عن اسم المسجد والصلوة والحج وكان حديث عهد بالاسلام لم يتصور هذه المعاني او يسأل عن اسم نوع من الاطعمة والاشربة التي لا يعرفها أو اسم نوع من أنواع الثياب والمساكن التي لا يعرفها وبالجملة فكل ما لا يعرفه الشخص من الاعيان والافعال والصور إذا سمع اسمه إما في كلام الشارع أو كلام العلماء أو كلام بعض الناس فانه إذا كان ذلك المعنى هو لم يتصوره ولا له في لغته لفظ فهنا لا يمكن تعريفه إياه بمجرد ترجمة اللفظ بل الطريق في تعريفه إياه إما التعيين وإما الصفة وأما التعيين فانه بحضور الشئ المسمى ليراه إن كان مما يرى أو يذوقه او يلمسه ونحو ذلك بحيث يعرف المسمى كما عرفه المتكلمون بذلك الاسم فاذا رأى الثلج وذاقه ورأى الفاكهة أو الطبيخ أو الحلوى وذاقه أو رأى الحيوان الذي لم يألفه أو رأى العبادات أو الاعمال التي لم يكن يعرفها فحيئذ يتصورها ويتصور اسمها كما تصورها أهل اللغة وهم على قسمين منهم من علم ذلك بالمشاهدة ولم يذق حقيقته ومنهم من يكون قد ذاقه وأما الطريق الثاني وهو أن يوصف له ذلك والوصف قد يقوم مقام العيان كما قال النبي ﷺ - لا تنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها ولهذا جاز عند جمهور العلماء بيع الاعيان الغائبة بالصفة هذا مع ان الموصوف شخص واما وصف الانواع فاسهل ولهذا التعريف بالوصف هو التعريف بالحد فانه لا بد ان يذكر من الصفات ما يميز الموصوف والمحدود من غيره بحيث يجمع أفراده وأجزاءه ويمنع أن يدخل فيه ما ليس منه وهي في الحقيقة تعريف بالقياس والتمثيل إذ الشيء لا يتصوره إلا بنفسه أو بنظيرة وبيان ذلك أنه يذكر من الصفات المشتركة بينه وبين غيره ما يكون مميزا لنوعه فكل صفة من تلك الصفات إنما تدل على القدر المشترك بينه وبين غيره من النوع مثلا والقدر المشترك إنما يفيد المعرفة للعين بالمثال لا يفيد معرفة العين المختصة إذ الدال على ما به الاشتراك لا يدل على ما به الامتياز لكن يكون مجموع الصفات مميزا له تمييز تمثيل لا تمييز تعيين فان غير نوعه لا تجمع له تلك الصفات وهو نفسه لا يميز إلا بما يخصه فالحد يفيد الدلالة عليه لا تعريف عينه بمنزلة من يقال له فلان في هذه الدار يدل عليه قبل أن يراه وهو قد يصور المشترك بينه وبين غيره بدون هذه الدلالة ومن تدبر هذا تبين له أن الحدود المصورة للمحدود لمن لا يعرفه إنما هي مؤلفة من الصفات المشتركة لا يدخل فيها وصف مختص به إذ المختص وإن كان لا بد منه في الحد المميز فهو لم يتصوره وأنها لا تفيد تعريف عينه فضلا عن تصوير ما يتنبه له وإنما يفيد تعريفه بطريق التمثيل المقارب إذ لو عرف المثل المطابق لعرف حقيقة ثم قد يكون المخصص صفة واحدة وقد يكون الاختصاص بمجموع الصفتين ولو عرف المستمع الوصف الذي يخصه كان قد تصورة ب عينه فيكون هو من القسم الاول الذي يترجم له اللفظ فقط مثال ذلك أنه إذا سمع لفظ الخمر وهو لا يعرف اللفظ ولا مسماه فيقال له هو الشراب المسكر ولفظ الشراب جنس ل الخمر يدخل فيه الخمر وغيرها من الاشربة وهذا واضح وكذلك لفظ المسكر الذي يظن أنه فصل مختص بالخمر وهو في الحقيقة جنس فيه يشترك الشراب وغيره فان لفظ المسكر ومعناه لا يختص بالشراب بل قد يكون ب طعام وقد يحصل السكر بغير طعام وشراب فحينئذ فلا فرق بين ان يقول هو المسكر من الاشربة أو ما اجتمع فيه الشرب والسكر أو يقول الشراب المسكر إنما هو كما يقول ثوب خز وباب حديد ورجل طويل أو قصير فان الرجل أعم من الطويل والطويل اعم من الرجل ولكن باجتماع هذين يتميز وكذلك قولهم في حد الانسان هو الحيوان الناطق فلما نقضوا عليهم بالملك زاد المتأخرون المائت وهي زيادة فاسدة فان كونه مائتا ليس بوصف ذاتى له إذ يمكن تصور الانسان مع عدم خطور موته بالبال بل ولا هو صفة لازمة فضلا عن ان تكون ذاتية فان الانسان في الاخرة هو إنسان كامل وهو حي أبدا وهب ان من الناس من يشك في ذلك او يكذب به أليس هو مما يمكن تصوره في العقل فاذا قدر الانسان على الحال الذي اخبرت به الرسل عليهم السلام اليس هو إنسانا كاملا وهو غير مائت ثم يقال ايضا والملك يموت عند كثير من المسلمين واليهود والنصارى أو أكثرهم وهب انه لا يموت كما قالته طائفة من اهل الملل وغيرهم كما يقوله من يقوله ولكن ليس ذلك معلوما للمخاطب بالحد لا سيما والنفس الناطقة من جنس ما يسمونه الملائكة وهي العقول والنفوس الفلكية عندهم فظهر ضعف ما يذكره الفارابي وابو حامد وغيرهما من هذا الاحتراز ولكن يقال اسم الحيوان عندهم مختص بالنامى المغتذى وهذا يخرج الملك ف الحيوان يخرج الملك وحينئذ ف الناطق اعم من الانسان إذ قد يكون إنسانا وغير إنسان كما أن الحيوان أعم منه وهب أنا نقبل فصلهم بالمائت فنقول المائت ايضا ليس مختصا بالانسان بل هو من الصفات التي يشترك فيها الحيوان فقد تبين ان كل صفة من هذه الصفات الحيوان والناطق والمائت ليس منها واحد مختص بنوع الانسان فبطل قولهم إن الفصل لا يكون إلا بالصفات المختصة بالنوع فضلا عن كونها ذاتية وإنما يحصل التمييز بذكر المجموع إما الوصفين وإما الثلاثة < الرد على المنطقيين الرد على المنطقيين هذا إذا جعل الفصل مصورا للمحدود في نفس من لم يتصوره وأما إذا جعل الفصل مميزا له عن غيره فلا ريب أنه يكون بالصفات المختصة والمقصود انه من تصور المحدود بنفسه فلا بد ان يتصور ما يختصه ويميزه عن غيره وهذا لا يحتاج في تصوره الى حد ولكن يترجم له الاسم الدال عليه ويميز له المسمى عن غيره لكن الحد يكون منبها له على الحقيقة كما ينبهه الاسم إذا كان عارفا بمسماه وأما من لم يكن متصورا له فلا يمكن ان يذكر له صفة واحدة تختص بالمحدود فلا يمكن تعريفه إياه لا ب فصل ولا خاصة سواء ذكر الجنس والعرض العام او لم يذكر لان الصفة التي تختص المحدود لا تتصور بدون تصور المحدود إذ لا وجود لها بدونه والعقل إنما يجرد الكليات إذا تصور بعض جزئياتها فمن لم يتصور الشيء الموجود كيف يتصور جنسه ونوعه ولكن يتصور بالتثميل والتشبيه ويتصور القدر المشترك بين تلك الصفة الخاصة وبين نظيرها من الصفات والقدر المشترك ليس هو فصلا ولا خاصة ولكن قد ينتظم من قدر مشترك وقدر مشترك ما يخص المحدود كما في قولك شراب مسكر وعلى هذا فاذا قيل في الفرس إنه حيوان صاهل وفي الحمار إنه حيوان ناهق وفي البعير إنه حيوان راغ وفي الثور إنه حيوان خائر وفي الشاة إنها حيوان ثاغ وفي الظبي إنه حيوان باغم وامثال ذلك فهذه الاصوات مختصة بهذه الانواع لكن لا تفيد تعريف هذه الحيوانات لمن لم يكن عارفا بها فمن لم يعرف الفرس لا يعرف الصهيل ومن لم يعرف الحمار لا يعرف النهيق أعنى لا يعرف معناه وإن سمع اللفظ فاذا أريد تعريف النهيق قيل له هو صوت الحمار فيلزم الدور إذ يكون قد عرف الحمار بالنهيق والنهيق بالحمار وهكذا سائر الخواص المميزة للمحدود لا يعرف بها المحدود لمن لم يكن عرفه فتبين ان تعريف الشئ إنما هو بتعريف عينه أو بذكر ما يشبهه فمن عرف عين الشئ لا يقتصر في معرفته الى حد ومن لم يعرفه فانما يعرف به إذا عرف ما يشبهه ولو من بعض الوجوه فيؤلف له من الصفات المشتبهة المشتركة بينه وبين غيره ما يخص المعرف ومن تدبر هذا وجد حقيقته وعلم معرفة الخلق بما أخبروا به من الغيب من الملائكة واليوم الاخر وما في الجنة والنار من انواع النعيم والعذاب بل عرف أيضا ما يدخل من ذلك في معرفتهم بالله تعالى وصفاته ولم قال كثير من السلف المتشابه هو الوعد والوعيد والمحكم هو الامر والنهى ولم قيل القرآن يعمل ب محكمة ويؤمن ب متشابهه وعلم أن تأويل المتشابه الذي هو العلم بكيفية ما أخبرنا به لا يعلمه إلا الله وإن كان العلم بتأويله الذي هو تفسيره ومعناه المراد به يعلمه الراسخون في العلم كما قد بسطناه في غير هذا الموضع هذا كله إذا كان السائل القائل ما هو غير عالم بالمسمى واما إن كان عالما بالمسمى ودلالة الاسم عليه فلا يحتاج الى التمييز بين المسمى وغيره ولا الى تعريفه دلالة الاسم عليه فيكون مطلوبه قدرا زائدا على التمييز بينه وبين غيره وهذا هو الذي يجعلونه مطلوبا للسائل عن المحدود وجوابه هو عندهم المقول في جواب ما هو ومعلوم أن مطلوب هذا قد يكون ذكر خصائص له باطنة لم يطلع عليها وقد يكون مطلوبه بيان علته الفاعلية أو الغائية وقد يكون مطلوبه معرفة ما تركب منه شئ ما وقد يكون مطلوبه معرفة حقيقته التي لا يعلمها المسئول او علمها ولا عبارة تدل السائل عليها كالسائل عن حقيقة النفس وأمثال ذلك وجواب مثل هذا لا يجب ان يحصل بذكر صفة مشتركة مع الصفات المختصة بل قد لا يحصل إلا بذكر جميع المشتركات وقد يحصل بذكر بعض المختصات وقد يحصل بغير ذلك بحسب غرض السائل ومقصوده الوجه الخامس: التصورات المفردة يمتنع أن تكون مطلوبة الخامس إن التصورات المفردة يمتنع ان تكون مطلوبة فيمتنع ان تطلب بالحد وذلك لأن الذهن إما أن يكون شاعرا بها وإما أن لا يكون شاعرا بها فان كان شاعرا بها امتنع طلب الشعور وحصوله لان تحصيل الحاصل ممتنع وإنما قد يطلب دوام الشعور وتكرره او قوته وإن لم يكن شاعرا بها امتنع من النفس طلب ما لا تشعر به فان الطلب والقصد مسبوق بالشعور فان قيل فالانسان يطلب تصور الملك والجن والروح واشياء كثيرة وهو لا يشعر بها قيل هو قد سمع هذه الاسماء فهو يطلب تصور مسماها كما يطلب من سمع الفاظا لا يفهم معانيها تصور معانيها سواء كانت المعاني متصورة له قبل ذلك او لم تكن وهو اذا تصور مسمى هذه الاسماء فلا بد ان يعلم انها مسماة بهذا الاسم اذ لو تصور حقيقة ولم يكن ذلك الاسم فيها لم يكن تصور مطلوبه فهنا المتصور ذات وانها مسماة بكذا من جنس ما يرى الثلج من لم يكن يعرفه فيراه ويعلم ان اسمه الثلج وهذا ليس تصورا للمعنى فقط بل للمعنى ولا سمه وهذا لا ريب ان يكون مطلوبا ولكن هذا لا يوجب ان يكون المعنى المفرد مطلوبا فان المطلوب هنا تصديق وفيه امر لغوي وايضا فان المطلوب هنا لا يحصل بمجرد الحد بل لا بد من تعريف المحدود بالاشارة اليه او غير ذلك مما لا يكتفى فيه بمجرد اللفظ فان قيل جعلتم امتناع الطلب لازما للنقيضين والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان واذا عدم اللازم عدم الملزوم فاذا كان امتناع الطلب وهو اللازم معدوما لزم عدم النقيضين وعدم النقيضين محال قيل هذا الامتناع لازم على تقدير هذا النقيض او تقدير هذا النقيض فأيهما كان ثابتا في نفس الامر كان الامتناع لازما له يلزم به في نفس الامر وليس في هذا جمع بين النقيضين ولا رفع للنقيضين وهذا يقوى المقصود فان هذا الامتناع اذا لزم من انتفائه المحال لم يكن منتفيا بل يكون هذا الامتناع ثابتا وهو المطلوب واذا كان عدم هذا الامتناع مستلزما للنقيضين كان محالا فيكون نقيضه وهو ثبوت هذا الامتناع حقا فيكون امتناع الطلب للتصورات المفردة ثابتا وهو المراد واذا لم تكن التصورات المفردة مطلوبة فاما ان تكون حاصلة للانسان فلا تحصل بالحد فلا يفيد الحد التصوير واما ان تكون حاصلة فمجرد حصول الحد لا يوجب ذكر الاسماء تصور المسميات لمن لا يعرفها ومتى كان له شعور بها لم يحتج الى الحد في ذلك الشعور الا من جنس ما يحتاج الى الاسم والمقصود هو التسوية بين فائدة الحدود وفائدة الاسم لكن الحد اذا تعددت فيه الالفاظ كان كتعداد الاسماء سواء كانت مشتقة او غير مشتقة الوجه السادس: التفريق بين الذاتي والعرضي باطل السادس ان يقال المفيد لتصور الحقيقة عندهم هو الحد التام وهو الحقيقي وهو المؤلف من الجنس والفصل من الذاتيات المشتركة والمميزة دون العرضيات العرضيات التي هي العرض العام والخاصة والمثال المشهور عندهم ان الذاتي المميز الانسان الذي هو الفصل هو الناطق والخاصة هي الضاحك فنقول مبنى هذا الكلام على الفرق بين الذاتي والعرضي وهم يقولون المحمول الذاتي داخل في حقيقة الموضوع أي الوصف الذاتي داخل في حقيقة الموصوف بخلاف المحمول العرضي فانه خارج عن حقيقة ويقولون الذاتي هو الذي تتوقف الحقيقة عليه بخلاف العرضي ويقسمون العرضي الى لازم وعارض واللازم الى لازم لوجود الماهية دون حقيقتها كالظل للفرس والموت للحيوان والى لازم للماهية كالزوجية والفردية للا ربعة والثلاثة والفرق بين لازم الماهية ولازم وجودها ان لازم وجودها يمكن ان تعقل الماهيه موجودة دونه بخلاف لازم الماهية لا يمكن ان يعقل موجودا دونه وجعلوا له خاصة ثانيه وهو ان الذاتي ما كان معلولا للماهيه بخلاف للازم ثم قالوا من اللوازم ما يكون معلولا للماهيه بغير وسط وقد يقولون ما كان ثابتا لها بواسطة وقالوا ايضا الذاتي ما يكون سابقا للماهية في الذهن والخارج بخلاف اللازم فانه ما يكون تابعا فذكروا هذه الفروق الثلاثة وطعن محققوهم في كل واحد من هذه الفروق الثلاثة وبينوا انه لا يحصل به الفرق بين الذاتي وغيره كما قد بسطت كلامهم في غير هذا الموضع وقد يقولون ايضا هو المقوم للماهية الذي يكون متقدما عليها في الوجود وهذه الماهية وهو ان يسبق الذاتي للماهية فانه لا يتأخر عن الماهية في التصور والفرق الثالث انه لازم لها بواسطة والعرض اللازم لازم لها بوسط والوسط عند ائمتهم كابن سينا وغيره وهو ما يسمونه باللازم في ذلك ولانه معناه الدليل لبعض متأخريهم كالرازي ثم قد تناقضوا في هذا المقام كما قد بسطته في غير هذا المقام لما حكيت الفاظهم وتناقضهم كما ذكرته من اقوال ابن سينا في الاشارات وغير ذلك من اقوالهم اذ لم نحك هنا نفس الفاظهم وانما القصد التنبيه على جوامع تعرف ما يظهر به بطلان كثير من اقوالهم المنطقية وهذا الكلام الذي ذكروه مبني على اصلين فاسدين الفرق بين الماهية ووجودها ثم الفرق بين الذاتي لها واللازم لها الكلام على الفرق بين الماهية ووجودها فالاصل الاول قولهم ان الماهية لها حقيقة ثابتة في الخارج غير وجودها وهذا هو قولهم بان حقائق الانواع المطلقة التي هي ماهيات الانواع والاجناس وسائر الكليات موجودة في الاعيان وهو يشبه من بعض الوجوه قول من يقول المعدوم شيء وقد بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع وهذا من افسد ما يكون وانما اصل ضلالهم انهم راوا الشيء قبل وجوده يعلم ويراد ويميز بين المقدور عليه والمعجوز عنه ونحو ذلك فقالوا ولو لم يكن ثابتا لما كان كذلك كما انا نتكلم في حقائق الاشياء التي هي ماهياتها مع قطع النظر عن وجودها في الخارج فنتخيل الغلط ان هذه الحقائق والماهيات امور ثابتة في الخارج والتحقيق ان ذلك كله امر موجود وثابت في الذهن لا في الخارج عن الذهن والمقدر في الاذهان قد يكون اوسع من الموجود في الاعيان وهو موجود وثابت في الذهن وليس هو في نفس الامر لا موجودا ولا ثابتا فالتفريق بين الوجود والثبوت مع دعوى ان كليهما في الخارج غلط عظيم وكذلك التفريق بين الوجود والماهية مع دعوى ان كليهما في الخارج وانما نشأت الشبهة من جهة انه غلب على ان ما يوجد في الذهن يسمى ماهية وما يوجد في الخارج يسمى وجودا لان الماهية مأخوذة من قولهم ما هو كسائر الاسماء المأخوذة من الجمل الاستفهامية كما يقولون الكيفية والاينية ويقال ماهية ومايية وهي أسماء مولدة وهي المقول في جواب ما هو بما يصور الشئ في نفس السائل فلما كانت الماهية منسوبة الى الاستفهام ب ما هو والمستفهم إنما يطلب تصوير الشئ في نفسه كان الجواب عنها هو المقول في جواب ما هو بما يصور الشئ في نفس السائل وهو الثبوت الذهني سواء كان ذلك المقول موجودا في الخارج او لم يكن فصار بحكم الاصطلاح اكثر ما يطلق الماهية على ما في الذهن ويطلق الوجود على ما في الخارج فهذا امر لفظي اصطلاحي وإذا قيد وقيل الوجود الذهبي كان هو الماهية التي في الذهن وإذا قيل ماهية الشئ في الخارج كان هو عين وجوده الذي في الخارج فوجود الشئ في الخارج عين ماهيته في الخارج كما اتفق على ذلك أئمة النظار المنتسبين الى أهل السنة والجماعة وسائر أهل الاثبات من المتكلمة الصفاتية وغيرهم كأبى محمد بن كلاب وأبى الحسن الاشعري وابى عبدالله بن كرام وأتباعهم دع أئمة أهل السنة والجماعة من السلف والائمة الكبار واتفقوا على ان المعدوم ليس له في الخارج ذات قبل وجوده وأما في الذهن فنفس ماهيته التي في الذهن هي ايضا وجوده الذي في الذهن وإذا أريد بالماهية ما في الذهن وب الوجود ما في الخارج كانت هذه الماهية غير الوجود لكن ذلك لا يقتضى ان يكون وجود الماهيات التي في الخارج زائدا عليها في الخارج وأن يكون للماهيات ثبوت في الخارج غير وجودها في الخارج ومما يوضح الكلام في الاصل الاول ان المتفلسفة أتباع أرسطو كابن سينا ودونه لا يقولون ان كل معدوم من الاشخاص وغيرها هو ثابت في الخارج وإنما يقول ذلك من يقوله من المعتزلة والشيعة وهم أحسن حالا من المتفلسفة فان المتفلسفة على قولين وأما قد ماؤهم كفيثاغورس وأتباعه وأفلاطون وأتباعه فقد كانوا في ذلك على ضلال مبين رد عليهم أرسطو وأتباعه كما ذكر ذلك ابن سينا في الشفاء وغيره كان اصحاب فيثاغورس يظنون ان الاعداد والمقادير امور موجودة في الخارج غير المعدودات والمقدرات ثم اصحاب أفلاطون تفطنوا لفساد هذا وظنوا ان الحقائق النوعية كحقيقة الانسان والفرس وامثال ذلك ثابتة في الخارج غير الاعيان الموجودة في الخارج وأنها ازلية لا تقبل الاستحالة وهذه التي تسمى المثل الافلاطونية والمثل المعلقة ولم يقتصروا على ذلك بل أثبتوا ذلك ايضا في المادة والمدة والمكان فأثبتوا مادة مجردة عن الصور ثابتة في الخارج وهي الهيولى الاولية التي غلطهم فيها جمهور العقلاء من إخوانهم وغير إخوانهم وأثبتوا مدة وجودية خارجة عن الاجسام وصفاتها وأثبتوا خلاء وجوديا خارجا من الاجسام وصفاتها وتفطن ارسطو وذووه ان هذه كلها امور مقدرة في الاذهان لا ثابتة في الاعيان كالعدد مع المعدود ثم زعم أرسطو وذووه ان المادة موجوده في الخارج غير الصور المشهودة وأن الحقائق النوعية ثابتة في الخارج غير الاشخاص المعينة وهذا أيضا باطل كما بسط في غير هذا الموضع وبين ان قول من يقول إن الجسم مركب من الهيولى والصورة باطل كما ان قول من يقول إنه مركب من الجواهر المفردة باطل وأن اكثر فرق اهل الكلام من المسلمين وغيرهم كالكلابية والنجارية والضرارية والهشامية وكثير من الكرامية لا يقولون بهذا ولا بهذا كما عليه جماهير أهل الفقه وغيرهم والكلام على من فرق بين الوجود والماهية مبسوط في غير هذا الموضع والمقصود هنا التنبيه على أن ما ذكروه في المنطق من الفرق بين الماهية ووجود الماهية في الخارج هو مبنى على هذا الأصل الفاسد وحقيقة الفرق الصحيح أن الماهية هي ما يرتسم في النفس من الشيء والوجود هو نفس ما يكون في الخارج منه وهذا فرق صحيح فان الفرق بين ما في النفس وما في الخارج ثابت معلوم لا ريب فيه وأما تقدير حقيقة لا تكون ثابتة في العلم ولا في الوجود فهذا باطل ومعلوم أن لفظ الماهية يراد به ما في النفس والموجود في الخارج ولفظ الوجود يراد به بيان ما في النفس والموجود في الخارج فمتى أريد بهما ما في النفس ف الماهية هي الوجود وإن أريد بهما ما في الخارج ف الماهية هي الوجود أيضا وأما إذا بأحدهما ما في النفس وبالأخر ما في الوجود الخارج ف الماهية غير الوجود وكلامهم إنما يستلزم ثبوت ماهية في الذهن لا في الوجود الخارجي وهذا لا نزاع فيه ولا فائدة فيه إذ هذا خبر عن مجرد وضع واختراع إذ يقدر كل إنسان أن يخترع ماهية في نفسه غير ما اخترعه الأخر وإذا ادعى هذا أن الماهية هي الحيوان الناطق أمكن الأخر أن يقول بل هي الحيوان الضاحك وإذا قال هذا إن الحيوانية ذاتية ل الانسان بخلاف العددية ل الزوج والفرد أمكن الآخر أن يعارضه ويقول بل العدد ذاتي ل الزوج والفرد واللون ذاتي ل السواد بخلاف الحيوان فليس ذاتيا ل الانسان إذ مضمون هذا كله أن يأتي شخص إلى صفات متماثلة في الخارج فيدعى أن الماهية التي يخترعها في نفسه هي هذه الصفة دون هذه فأنه إن جعل هذا مطابقا للأمر في نفسه وهو قولهم كان مبطلا وإن قال هذا اصطلاح اصطلحته قوبل باصطلاح آخر وكان هذا مما لا فائدة فيه فان قيل فهم يردون بذلك ما ذكره ابن سينا وغيره من أن كون العدد زوجا وفردا ليس وصفا بينا لكل عدد بل تارة يعلم ثبوته ل العدد بلا وسط كما يعلم أن الاثنين نصف الأربعة وتارة لا يعلم ثبوته إلا بوسط به يعلم أن هذا نصف هذا كما يعلم أن ألفا وثلاثمائة واثنين وسبعين لها نصف بخلاف الحيوانية ل الحيوان فانها بينة بلا وسط إذ كل حيوان أنه حيوان قيل هذا باطل من وجهين أحدهما إن هذا أمر يرجع إلى علم الانسان بأن هذه الصفة ثابتة للموصوف بلا وسط وإلى أن علمه بأن هذه الصفة ثابتة لا بد له من وسط وليس هذا فرقا يعود إلى الموجودات في نفسها فان كون هذا العدد زوجا أو فردا هو مثل كون هذا العدد زوجا أو فردا سواء علم الانسان بذلك أو لم يعلم وإذا كان علمه بأحدهما يحتاج إلى دليل دون الآخر لم يوجب ذلك الفرق بينهما في نفس الأمر ولكن هذا مما يبين حقيقة قولهم الذي بيناه في غير هذا الموضع وهو أن الماهية عندهم عبارة عما دل عليه اللفظ بالمطابقة وجزؤها الداخل فيها ما دل عليه اللفظ بالتضمن واللازم الخارج عنها ما دل عليه بالالتزام فترجع الماهية وجزؤها الداخل واللازم الخارج إلى مدلول المطابقة والتضمن والالتزام وهذا أمر يتبع قصد المتكلم وغايته وما دل عليه بلفظه لا يتبع الحقائق الموجودة في نفسها فان تصور المتكلم قد يكون مطابقا وقد يكون غير مطابق وهم هنا فرقوا بين الصفات المتماثلة فجعلوا بعضها ذاتيا داخلا في الحقيقة وبعضها عرضيا خارجا لازما للحقيقة الوجه الثاني أن يقال علم الناس بلزوم الصفات للموصوف وعدم لزومها أمر يتفاوت فيه الناس فقد يشك بعض الناس في بعض الأشياء أنه حيوان أو أنه لون حتى يعلم ذلك كما يشك في بعض الأعداد أنه زوج حتى يعلم ذلك بالوسط فلا فرق حينئذ بين ما جعلوه ذاتيا وما جعلوه عرضيا لازما للحقيقة وهو المطلوب وأما اللازم للماهية والعرض لوجودها فملخصه أنه يمكن أن يفرض في الذهن ماهية خالية عن هذا اللازم بخلاف الآخر كما يفرض في الذهن فرس لاظل لها وفرس غير مخلوقة بل كما يفرض في الذهن زنجي غير أسود وغراب غير أسود وأمثال ذلك فيقال إذا قدر أن هذا الذي في الذهن هو الحقيقة فان عني به هو حقيقة ما في الذهن فهذا حق وهذا وجود ما في الذهن فلا فرق بين الماهية ووجودها وإن عني به أن هذا هو الماهية التي في الخارج كان بمنزلة أن يقال هذا هو الموجود الذي في الخارج فانه إن جعلت الماهية التي في الخارج مجردة عن هذه الصفات اللازمة أمكن أن يجعل الوجود الذي في الخارج مجردا عن هذه الصفات اللازمة وإن جعل هذا هو نفس الماهية بلوازمها كان هذا بمنزلة أن يقال هذا الوجود بلوازمه وعلى التقديرين فلا فرق بين الوجود والماهية إلا فرق بين ما في الذهن وما في الخارج وتقدير ماهية في الخارج بدون هذا اللازم كتقدير وجود في الخارج بدون هذا اللازم وهما باطلان الكلام على التفريق بين الذاتي واللازم الأصل الثاني وهو المقصود إن ما ذكروه من الفرق بين العرضي اللازم للماهية والذاتي لا حقيقة له فان الزوجية والفردية للعدد الزوج والفرد مثل الناطقية والصاهلية للحيوان الانسان والفرس وكلاهما إذا خطر بالبال منه الموصوف والصفة لم يمكن تقدير الموصوف دون الصفة وإذا قيل إنه يمكن أن يخطر بالبال الأربعة والثلاثة فيفهم بدون أن يخطر بالبال كون ذلك عددا شفعا أو وترا قيل يمكن أن يخطر بالبال الانسان مع أنه لم يخطر بالبال أنه ناطق ولا أنه حيوان وإذا قيل إن هذا لا يكون تصورا تاما ل الانسان قيل إن هذا لا يكون تصورا تاما ل الأربعة أو الثلاثة وكذلك العرض الذي هو سواد إذا خطر بالبال أنه سواد ولم يخطر أنه لون أو لم يخطر بالبال أنه عرض أو صفة لغيره أو قائم بغيره ونحو ذلك فأنه لا يمكن أن يقدر في الذهن سواد أو بياض ويقدر أنه ليس ب قائم بغيره بل إذا خطر بالبال معا فلا بد أن يعلم أنه قائم بغيره كما إذا خطر بالبال الجسم الحساس النامي المتحرك بالارادة مع الانسان فلا بد أن يعلم أنه موصوف بذلك بل لزوم ذلك ل اللون في الذهن آكد فجعل هذه الصفات اللازمة في الذهن لهذه الموصوفات ليست ذاتية لها وهذه ذاتية ل الانسان تحكم محض ولعلة إلى العكس أقرب إن صح التفريق بينهما لهذا يتناقضون في التمثيل فهم يقولون الحيوانية ذاتية ل الحيوان كالانسان والفرس وغيرهما ف الحيوان هو الذاتي المشترك والناطق هو الذاتي المميز ويقولون العددية ليست ذاتية مشتركة ل الزوج والفرد ولا الزوجية والفردية ذاتية مميزة ل الزوج والفرد وأما اللونية فتارة يجعلونها ك الحيوانية فيجعلونها ذاتية وتارة يجعلونها ك العددية فيجعلونها غير ذاتية وسسب ذلك دعواهم أن كون العدد المعين زوجا أو فردا قد يخفى فلا يعلم إلا بوسط هو الدليل بخلاف كون الانسان والفرس والجمل والحمار والقرد ونحو ذلك حيوانا فانه بين لكل أحد ومعلوم أن جميع الصفات اللازمة منها ما هو خاص بالموصوف يصلح أن يكون فصلا ومنها ما هو مشترك بينه وبين غيره وكل منهما في الخارج واحد فكما أن السواد هو اللون وهو العرض القائم بغيره والثلاثة هي العدد وهي الفرد فالانسان هو الحيوان وهوالناطق والفرس هو الحيوان وهو الصاهل وهكذا سائر المحدودات وما ذكروه من أن ما جعلوه هو الذاتي يتقدم تصوره في الذهن لتصور الموصوف دون الآخر فباطل من وجهين أحدهما إن هذا خبر عن وضعهم إذ هم يقدمون هذا في أذهانهم ويؤخرون هذا وهذا تحكم محض فكل من قدم هذا دون هذا فانما قلدهم في ذلك ومعلوم أن الحقائق الخارجية المستغنية عنا لا تكون تابعة لتصوراتنا بل تصوراتنا تابعة لها فليس إذا فرضنا هذا مقدما وهذا مؤخرا يكون هذا في الخارج كذلك وسائر بني آدم الذين لم يقلدوهم في هذا الوضع لا يستحضرون هذا التقديم والتأخير ولو كان هذا فطريا لكانت الفطرة تدركه بدون التقليد المغير لها كما تدرك سائر الأمور الفطرية والذي في الفطرة أن هذه اللوازم كلها لوازم للموصوف وقد تخطر بالبال وقد لاتخطر وكلما خطرت كان الانسان أعلم بالموصوف وإذا لم تخطر كان علمه بصفاته أقل أما أ أن يكون هذا خارجا عن الذات وهذا داخلا في الذات فهذا تحكم ليس له شاهد لا في الخارج ولا في الفطرة، لاسيما وهم يقولون الذاتي يتقدم على الماهية في الذهن وفي الخارج ويسمونه الجزء المقوم لها ويقولون أجزاء الماهية متقدمة عليها في الذهن وفي الخارج لأن الماهية مركبة منها وكل مركب فانه مسبوق بمفرداته ومعلوم أن صفات الموصوف قائمة به يمتنع أن تكون مقدمة عليه في الخارج وأما تسمية الصفة جزء فسبب ذلك أنها أجزاء في التصور الذهني وفي اللفظ فانك إذا قلت جسم حساس نام متحرك بالارادة ناطق كان هذا المجموع لفظه ومعناه مركبا من هذه الألفاظ ومعانيها وتلك من أجزاء هذا المركب ولكن هذا تحقيق ما قلناه من أن ما سموه الماهية وجزئها الداخل فيها ولازمها الخارج منها يعود إلى المعاني المتصورة في الذهن التي يدل عليها اللفظ بالمطابقة وجزؤها هو ما دل عليه بالتضمن وخارجها اللازم ما دل عليه بالالتزام وهم تارة يقولون الذاتي يسبق الماهية وتارة يقولون لا يتأخر عنها ويجعلون كلا من هذين فرقا وهما متداخلان فان ما يتقدم عنها يمتنع أن يتأخر عنها الوجه الثاني إن كون الوصف ذاتيا للموصوف هو أمر تابع للحقيقة التي هو بها سواء تصورته أذهاننا أو لم تتصوره فلا بد إذا كان احد الوصفين ذاتيا دون الآخر ان يكون بينهما أمرا يعود الى حقيقتهما الخارجة الثابتة بدون الذهن وأما أن يكون الفرق بين الحقائق الخارجة لا حقيقة له إلا بمجرد التقدم والتأخر في الذهن فهذا لا يكون حقا إلا ان تكون الحقيقة والماهية هي ما تقدر في الذهن لا ما يوجد في الخارج وذلك أمر يتبع تقدير صاحب الذهن وحينئذ فيعود حاصل هذا الكلام الى امور مقدرة في الاذهان لا حقيقة لها في الخارج وهي التخيلات والوهميات الباطلة وهذا كثير في أصولهم كما بيناه في غير موضع في بيان ما ذكروه في الهيولي والعقول والماهيات وغير ذلك وهنا وجه ثالث يظهر به فساد ما ذكروه وهو أنهم قالوا الذاتيات هي أجزاء الماهية وهي متقدمة عليها في الذهن وفي الخارج والاجزاء هي هذه الصفات فجعلوا صفة الموصوف متقدمة عليه في الخارج وهذا مما يعلم بصريح العقل بطلانه وسبب غلطهم أن ذلك الوصف إذا تكلم به كان جزءا من الكلام متقدما على سائر الجملة في التصور والتعبير وهو في الذهن واللسان جزؤ من الجملة التي هي في الحقيقة وما به الماهية عندهم فلما كان ما يشتبه عليهم ما في الاذهان وما في الاعيان فظنوا أن صفات الاعيان المقومة لماهياتها الثابتة في الخارج هي متقدمة عليها في الخارج وكان هذا من أظهر الغلط لمن تصور ما قالوا وقد يثبتون ماهيته متقدم عليها الوجه السابع اشتراط الصفات الذاتية المشتركة أمر وضعي محض الوجه السابع ان يقال قولهم إن الحد التام يفيد تصوير الحقيقة واشتراطهم ان يكون مؤلفا من الذاتي المميز والذاتي المشترك وهو الجنس يقال لهم هل تشترطون فيه ان تتصور جميع صفاته الذاتيه المشتركة بينه وبين غيره ام لا فان اشترطتم ذلك لزم ان تقولوا مثلا جسم نام حساس متحرك بالارادة فأما لفظ الحيوان فلا يدل على هذه الصفات بالمطابقة ولا ب فصلها وإن لم تشترطوا ذلك فاكتفوا بمجرد المميز ك الناطق مثلا فان الناطق يدل على الحيوان كما يدل الحيوان على النامى إذ النامى جنس قريب ل الحيوان يشترك فيه الحيوان والنبات فاذا اردت حد الحيوان على وضعهم قلت الجسم النامى الحساس المتحرك بالارادة كما تقول في الانسان حيوان ناطق والمقصود انهم إن اكتفوا في الدلالة على الصفات المشتركة بما يدل بالتضمين أو بالالتزام ف الفصل يدل على ذلك وإن أرادوا تفصيلها بدلالة المطابقة فلم يفعلوا ذلك وهذا يبين أن إيجابهم في الحد التام الجنس القريب دون غيره تحكم محض ونظير هذا دعواهم أن البرهان لا بد أن يكون مؤلفا من مقدمتين لا أقل ولا أكثر فان اكتفى فبه ب مقدمة واحدة قالوا الأخرى محذوفة وسموه قياس الضمير وإن احتج فيه إلى مقدمات قالوا هذه قياسات متداخلة، فاصطلحوا على انه لابد في الحد من لفظين جنس وفصل ولابد في القياس من مقدمتين وكل هذا تحكم فان البرهان قد يكتفى فيه ب مقدمة وقد لا يتم إلا ب مقدمتين وقد لايتم إلا بثلاث مقدمات وأربع وخمس بحسب حاجة المستدل وما يعلم مما لا يعلم من المقددمات وكذلك اكتفاؤهم في الحد بلفظين لفظ يدل على المشترك ولفظ يدل على المميز وزعمهم أن الحد التام لا يحصل إلا بهذا لا يحتاج إلى زيادة عليه ولا يحصل بدونه فانه يقال إن أريد بالحد التام ما يصور الصفات الذاتيات على التفصيل مشتركها ومميزيها ف الجنس القريب مع الفصل لا يحصل ذلك وإن أريد بما يدل على الذاتيات ولو بالتضمن او الالتزام ف الفصل بل الخاصة يدل على ذلك وإذا عارضهم من يوجب ذكر جميع الأجناس او يحذف جميع الأجناس لم يكن لهم عنه جواب إلا ان هذا وضعهم واصطلاحهم ومعلوم أن العلوم الحقيقية لا تختلف باختلاف الأوضاع فقد تبين أن ما ذكروه هو من باب الوضع والاصطلاح الذي جعلوه من باب الحقائق الذاتية والمعارف وهذا عين الضلال والاضلال كمن يجيء إلى شخصين متماثلين يجعل هذا مؤمنا وهذا كافرا وهذا عالما وهذا جاهلا وهذا سعيدا وهذا شقيا من غير افتراق بين ذاتيهما وصفاتهما بل بمجرد وضعه واصطلاحه فهم مع دعواهم القياس العقلي يفرقون بين المتماثلات ويسوون بين المختلفات ولهذا كان الذي عليه عامة الناس من نظار المسلمين وغيرهم الاقتصار في الحدود على الوصف المميز الفاصل بن المحدود وغيره إذ التمييز يحصل بهذا وذلك هو الوصف المطابق للمحدود في العموم والخصوص إلى أخرها بحيث يدخل فيه جميع أفراد المحدود وأجزائه ويخرج منه ما ليس منه فهذا هو الحد الذي عليه نظار المسلمين كما يسطنا قولهم في غير هذا الموضع وأما سائر الصفات المشتركة فقد لا يمكن الاحاطة بها ولا ريب أنه كلما كان الانسان بها أعلم كان بالموصوف اعلم وأنه ما من تصور إلا وفوقه تصور أكمل منه ونحن لا سبيل إلى ان نعلم شيئا من كل وجه ولا نعلم لوازم كل مربوب ولوازم لوازمه إلى آخرها فانه ما من مخلوق إلا وهو مستلزم للخالق والخالق مستلزم لصفاته التي منها علمه وعلمه محيط بكل شئ فلو علمنا لوازم لوازم الشئ الى آخرها لزم أن نعلم كل شئ وهذا ممتنع من البشر فان الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الاشياء كما هي عليه من غير احتمال زيادة وأما نحن فما من شئ نعلمه إلا ويخفى علينا من أموره ولوازمه ما لا نعلمه يوضح ذلك انهم يقولون ما ذكره أبو حامد في معيار العلم أن دلالة التضمن كدلالة لفظ البيت على الحائط ودلالة لفظ الانسان على الحيوان وكذلك دلالة كل وصف اخص على الوصف الاعم الجوهري، ودلالة الالتزام والاستتباع كدلالة لفظ السقف على الحائط فانه مستتبع له استتباع الرفيق اللازم الخارج عن ذاته ودلالة لفظ الانسان على قابل صنعة الخياطة ومعلمها قال: والمعتبر في التعريفات دلالة المطابقة والتضمن فأما دلالة الالتزام فلا لأن المدلول عليه فيها غير محدود ولا محصور إذ لوازم الاشياء ولوازم لوازمها لا تنضبط ولا تنحصر فيؤدي الى ان يكون اللفظ الواحد على ما لا يتناهى من المعانى وهو محال فقد جعل دلالة الخاص على الاسم دلالة تضمن كدلالة الانسان على الحيوان وذكر أنها معتبرة فىالتعريفات ومعلوم أن دلالة الحيوان على الحساس المتحرك بالارادة ودلالة الحساس على النامى ودلالة النامى على الجسم هو كذلك عندهم ومعلوم أن دلالة الناطق على الحيوان كدلالة النامى على الجسم فكان الواجب حينئذ ان يكتفى بالناطق أو لا يكتفي معه بلفظ الحيوان فانهم إن اكتفوا بدلالة التضمن لزم الحذف وإن لم يكتفوا لزم التفصيل الوجه الثامن: اشتراط ذكر الفصول مع التفريق بين الذاتي واللازم غير ممكن الوجه الثامن وهو أن اشتراطهم مثلا ذكر الفصول التي هي الذاتيات المميزة مع تفريقهم بين الذاتي والعرضى اللازم للماهية غير ممكن إذ ما من مميز هو من خواص المحدود المطابقة له في العموم والخصوص إلا ويمكن شخصا أن يجعله ذاتيا مميزا ويمكن الآخر ان يجعله عرضيا لازما للماهية الوجه التاسع: توقف معرفة الذات على معرفة الذاتيات وبالعكس يستلزم الدور الوجه التاسع ان يقال هذا التعليم دوري قبلي فلا يصح وذلك أنهم يقولون إن المحدود لا يتصور ولا يحد حدا حقيقيا إلا بذكر صفاته الذاتية ثم يقولون الذاتي هو ما لا يمكن تصور الماهية بدون تصوره فيفرقون بين الذاتي وغير الذاتي ان الذاتي ما يتوقف عليه تصور الماهية فلا بد أن يتصور قبلها ويقولون تارة لا بد أن يتصور معها فلا يمكن عندهم أن يتأخر تصوره عن تصور الماهية وبذلك يعرف أنه وصف ذاتي فحقيقة قولهم انه لا يعلم الذاتي من غير الذاتي حتى تعلم الماهية ولا تعلم الماهية حتى تعلم الصفات الذاتية التي منها تؤلف الماهية وهذا دور فاذا كان المتعلم لا يتصور المحدود حتى يتصور صفاته الذاتية ولا يعرف ان الصفة ذاتية حتى يتصور الموصوف الذي هو المحدود حتى تتصور فلا يعلم أنها ذاتية حتى يتصور الموصوف ولا يتصور الموصوف حتى يتصور الصفات الذاتية ويميز بينها وبين غيرها داخل فيها وما هو جزء لها فان تصور كون الشيء جزءا لغيره بدون تصور ذلك الغير ممتنع ونحن لم نقل أنه لا يتصور الوصف الذاتي حتى يتصور الموصوف بل الانسان يتصور أشياء كثيرة ولا يتصور أنها صفات لغيرها ولا أجزاء لها فضلا عن كونها لازمة ذاتية أو غير لازمة وإنا قلنا لا يعلم أنها جزء من الماهية وأنها ذاتية ل الماهية داخلة في حقيقة الماهية إن لم تتصور الماهية وإن قيل إن مجرد تصور الصفات الذاتيات كاف في تصور الماهية وإن لم أعلم ان تلك الصفات ذاتية قيل من أين يعلم الانسان أن هذه الصفات هي الذاتيات دون غيرها إن لم يعرف الماهية التي هذه الصفات ذاتيه لها داخلة فيها ومن اين يعلم إذا تصور بعض الصفات اللازمة أن هذه هي الذاتية التي تتركب منها الماهية والذات دون غيرها إن لم يعلم الذات فيتوقف معرفة الذات التي هي الماهية على معرفة الذاتيات وتتوقف معرفة الذاتيات أي معرفة كونها هي الذاتيات لهذه الماهية دون غيرها من اللوازم على معرفة الذات فيتوقف معرفتها على معرفتها فلا يعرف هو ولا يعرف الذاتيات وهذا كلام متين يجتاح اصل كلامهم ويبين أنهم متحكمون فيما وضعوه لم يثبتوه على اصل علمي تابع للحقائق ولكن قالوا هذا ذاتي وهذا غير ذاتي بمجرد التحكم ولم يعتمدوا على امر يمكن الفرق به بين الذاتي وغيره إذ هذا غير ممكن فيما وضعوه ويبين ان ما ذكروه مما زعموا انه صفات ذاتية لا يعرف حقيقة الموصوف اصلا بل ما ذكروه يستلزم انه لا يمكن حده فاذا لم يعرف المحدود إلا بالحد والحد غير ممكن لم يعرف وذلك باطل مثال ذلك إذا قدر أنه لا تتصور حقيقة الانسان حتى تتصور صفاته الذاتية التي هي عندهم الحيوانية والناطقية وهذه الحيوانية والناطقية لا يعرف انها صفاته الذاتية دون غيرها حتى يعرف ان ذاته لا تتصور إلا بها وأن ذاته تتصور بها دون غيرها ولا يعلم أن ذاته لا تتصور إلا بها حتى تعرف ذاته فان قيل مجرد تصور الحيوانية والناطقية يوجب تصور الانسان قيل مجرد تصوره بذلك لا يوجب ان يعلم أن هذا هو الانسان حتى يعلم ان الانسان مؤلف من هذه دون غيرها وهذا يوجب معرفته بالانسان قبل ذلك وأما مجرد قوله حيوان ناطق إذا جعل مفردا ولم يكن خبر مبتدإ محذوف فانه بمنزلة الاسم المفرد وهذا لا يفيد فهم كلام وإذا ادعى المدعى أن من تصور هذا فقد تصور الانسان بدون دليل يقيمة على ان هذا هو حقيقة الانسان كان بمنزلة من يقول في حده الحيوان الضاحك ويدعى ان هذا هو حقيقة الانسان فكلاهما دعوى بلا برهان وهذا يبين ان دلالة الحد بمنزلة دلالة الاسم إنما يفيد التمييز بين المحدود المسمى وغيره ولكنه قد يفيد تفصيل ما دل عليه الاسم بالاجمال وذلك التفصيل يتنوع بحسب ما يذكر من الصفات لا يختص ذلك ببعض الصفات المطابقة للموصوف التي هي لازمة ملزومة دون غيرها ويبين أن الالفاظ بمجردها لا تفيد تصور الحقائق لمن لم يتصورها بدون ذلك لكنها تفيد التنبيه والاشارة لمن كان غافلا معرضا فان قيل تصوره موقوف على تصور الصفات الذاتية لا على معرفة أنها ذاتية وقد يمكن تصورها وإن لم يعرف أنها ذاتية له قيل هب أن الامر كذلك لكن لا بد من التمييز بين الصفات الذاتية التي لا تتصور الذات إلا بها وبين العرضية التي تتصور بدونها ولا يمكن التمييز بين هذين النوعين إلا إذا عرفت ذاته المؤلفة من الصفات الذاتية ولا تعرف ذاته حتى تعرف الصفات الذاتية ولا تميز بين الذاتيات وغيرها حتى تعرف ذاته فصار معرفة الذات موقوفا على معرفة الذات وهذا هوالدور وكذلك معرفة الذاتيات موقوف على معرفة الذاتيات فلا تعرف الصفات التي هي ذاتية للموصوف حتى تعرف ان تصور الذات موقوف على تصورها ولا يعرف أن تصور الذات موقوف على تصورها حتى تعرف الذات ولا تعرف الذات حتى تعرف الذاتيات وهذا بين عند تأمل مقصودهم فانهم يقولون لا يحد الشيء حدا حقيقيا إلا بذكر صفاته الذاتية فلا بد من الفرق بين صفاته الذاتية والعرضية والفرق بينهما أن الذاتي هو ما لا تتصور الحقيقة إلا به فاذا كنالم نعرف الحقيقة لم نعرف الصفات التي يتوقف معرفة الحقيقة عليها وإذا لم نعرف هذه الصفات لم نعرف الصفات الذاتية من العرضية وهو المطلوب وهذا بخلاف الفرق بين الصفات اللازمة والعارضة فانه فرق حقيقي ثابت في نفس الأمر أبحاث في حد العلم والخبر مثال ذلك إنهم يتنازعون في حد العلم والأمر والخبر ونحو ذلك من الأمور التي شاع الكلام عليها في العلوم المشهورة فمن النظار من يحدها كما يقولون في العلم معرفة المعلوم على ما هو به أو يقولون إعتقاد المعلوم على رأي ال معتزلة الذين لا يقولون إن لله علما أو يقولون العلم ما أوجب لمن قام به أن يكون عالما ونحو ذلك ويقال في حد الخبر هو ما احتمل الصدق والكذب أو ما شاع أن يقال لصاحبه في اللغة صدقت أو كذبت ونحو ذلك ويعترض على هذه الحدود بالاعتراضات المشهورة مثل أن يقال المعلوم مشتق من العلم ومعرفة المشتق متوقفة على معرفة المشتق منه فلو عرف المشتق بالمشتق منه لزم الدور أو يقال العلم هو المعرفة وهذا حد لفظي أو يقال قولك على ما هو به زيادة ويقال إدخال الصدق والكذب او التصديق والتكذيب في حد الخبر لا يصلح لأنهما نوعا الخبر وتعريفهما إنما يمكن بالخبر فلو عرف الخبر بهما لزم الدور وأمثال ذلك من الاعتراضات المشهورة على الحدود المشهورة ومنهم من يقول هذه الأشياء لا يمكن تحديدها أو لا يحتاج إلى تحديدها بل هي غنية عن الحد كما يقال في العلم إن غير العلم لا يعرف إلا بالعلم فلو عرف العلم بغيره لزم الدور أو يقال تصوره العلم لا يحصل إلا ب علم وذلك العلم العين موقوف على العلم فلو توقف تصور العلم على غيره لزم الدور أو يقال في تعريف العلم والخبر والأمر إن كل أحد يعلم جوعه وشبعه ويعلم أنه عالم بذاك والعلم بالمركب مسبوق بالعلم بالمفرد فاذن كل أحد يعلم العلم فيكون تصوره بديهيا ويقال في الأمر والخبر كل أحد يحسن أن يأمر وأن يخبر ويعلم أن هذا أمر وهذا خبر والعلم بالمركب مسبوق بالعلم بالمفرد فيقال له العلم بالخبر المعين والأمر المعين لا يستلزم العلم بالمطلوب بالحد لأن المطلوب بالحد تعريف الحقيقة العامة الجامعة المانعة وتصور المعين إنما يستلزم تصور الحقيقة مطلقا لا بشرط العموم والمطابقة فان الحقيقة لا توجد عامة في الأعيان اذ الكليات بشرطكونها كليات انما توجد في الذهن والعلم بالعين لا يستلزم العلم بالكلى بشرط كونه كليا فإذن ما علمه بالمعين ليس هو المحدود يوضح ذلك بأن تصور خر معين وعلم معين تصور لامر جزئي والمطلوب بالحد هو المعنى الكلي الجامع المانع فأن قيل يلزم من وجود الجزئي وجود الكلي او قيل المطلق جزؤ المعين فإن اريد بذلك انه يوجد جزءا معينا فأن ما هو مطلق في الذهن اذا وجد في الخارج كان معينا فهذا حق ولكن لا يفيدهم واما ان اريد بذلك ان المطلق الذي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه هو نفسه جزء من هذا المعين مع كونه كليا فهذا مكابرة ظاهرة ونفس تصوره كاف للعلم بفساده فأن الجزئي من معين خاص والكلي اعم واكثر منه فكيف يكون الكثير بعض القليل وإذا كان المطلوب بالحد هو الكلي الجامع المانع الذي يطابق جميع أفراد المحدود فلا يخرج عنه شيء ولا يدخل فيه ما ليس منه فمعلوم أن تصور المعين لا يستلزم مثل هذا وأيضا فهذا منقوض بسائر المحدودات كالانسان وغيره مما يتصور جنس مفرداته كل أحد ويقال قوله إن غير العلم لا يعرف إلا بالعلم فلو عرف العلم بغيره لزم إن أراد به المعلوم لا يعرف إلا بعلمه فهذا حق لكن العلم لا يعرف ب غير العلم فيعرف العلم المطلق أو العام ب علم معين فلفظ العلم في أحد المقدمتين ليس معناه معنى العلم في المقدمة الأخرى فيلزم الدور إذ قول القائل العلم لا يعرف إلا بالعلم معناه أن كل معلوم لا يعرف إلا بالعلم وقوله فلو عرف العلم بغيره لزم الدور يقال المعرف المحدود ليس هو علما ب معلوم معين بل هو العلم الكلي والعلم الكلي يعلم ب علم جزئي مقيد ولا منافاة في ذلك كما يخبر عن الخبر بخبر فيخبر عن الخبر المطلق أو العام ب خبر معين خاص وقول القائل في الجواب إن توقف تصور غير العلم على حصول العلم بغيره أي ب غير العلم لا على تصور العلم فانقطع الدور وهو أحد الجوابين فان حصول العلم بكل معلوم يتوقف على حصول العلم المعين لا على تصوره والمطلوب ما يحد تصور العلم لا حصول العلم بتلك المعلومات والجواب الآخر أن يقال تصور غير العلم مما يتوقف على حصول العلم بذلك المعلوم لا على حصول العلم المحدود وهو الجامع المانع والمطلوب بالحد هو هذا قدر فلو أن حصول تصور غير العلم موقوف على العلم بذلك المعلوم وعلى تصور ذلك العلم لم يكن هذا مانعا من الحاجة إلى الحد فكيف وقد يقال من علم الشيء قد يعلم أنه عالم ويعود ما ذكر وإيضاح هذا أن في الخارج امورا معينة كالانسان المعين والعلم المعين والخبر المعين وقد يتصور الانسان أمرا مطلقا كالانسان المطلق والعلم المطلق والخبر المطلق وهذا المطلق قد يراد به المطلق بشرط له إطلاق وهو الذي يقال إنه كل عقل وقد يراد به المطلق لا بشرط وهو الذي يسمى الكلى الطبيعي وهذا الكلى المطلق لا بشرط قد يتنازعون هل هو موجود في الخارج ام لا والتحقيق انه يوجد في الخارج لكن معينا مشخصا فلا يوجد في الخارج إلا إنسان معين وفيه حيوانية معينة وناطقية معينة ولا يوجد فيه إلا علم معين وخبر معين ثم من الناس من يقول إن المطلق جزؤ من المعين ويقولون العام جزؤ من الخاص فانه حيث وجد هذا الانسان وهذا الحيوان وجد مسمى الانسان ومسمى الحيوان وهو المطلق ومن الناس من ينكر هذا ويقول المطلق الكلى هو الذي لا يمنع تصور معناه من وقوع الشركة فيه فيجوز ان تدخل فيه أفراد كثيرة والمعين هو جزئي يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه فكيف يكون الكبير بعض القليل وكيف يكون العام أو المطلق الذي يتناول أفرادا كثيرة أو يصلح ليتناول جزءا من المعين الجزئي الذي لا يتناول إلا ذلك الشخص الجزئي الموجود في الخارج وفصل الخطاب انه ليس في الخارج إلا جزئي معين ليس في الخارج ما هو مطلق عام مع كونه مطلقا عاما وإذا وجد المعين الجزئي ف الانسان والحيوان وجدت فيه إنسانية معينة مختصة مقيدة غير عامة ولا مطلقة ف المطلق إذا قيل هو جزؤ من المعين فانما يكون جزءا بشرط ان لا يكون مطلقا عاما والمعنى أن ما يتصوره الذهن مطلقا عاما يوجد في الخارج لكن لا يوجد إلا مقيدا خاصا وهذا كما إذا قيل إن ما في نفسي وجد أو فعل أو فعلت ما في نفسي فمعناه ان الصور الذهنية وجدت في الخارج أي وجد ما يطابقها إذا عرف هذا فكل ما يعلم إنما يعلم بعلم معين وهذا العلم المعين فيه حصة من العلم المطلق العام ليس فيه علم مطلق عام مع كونه مطلقا عاما والانسان إذا تصور هذا الانسان وهذا العلم وهذا الخبر لم يتصوره مطلقا عاما وإنما يتصوره معينا خاصا وذلك لا يستلزم ان يعلم المحدود الكلى الجامع المانع الشامل لجميع الافراد المانع من دخول غيرها فيه ف غير العلم إذا توقف على حصول العلم فانما توقف على حصول علم معين جزئي لا على تصوره كما قيل في الجواب الاول فلو قيل إنه موقوف أيضا على تصوره لكان موقوفا على تصور امر جزئي معين لا على تصور المحدود المطلق الجامع المانع فان تصور هذا الكلى الجامع المانع لا يتوقف عليه وجود علم شئ من الاشياء ولا يتوقف على وجوده ولا على تصوره فلا يتوقف العلم بشئ من الاشياء على المحدود وهو العلم الجامع المانع ولا على الحد وهو العلم بهذا الجامع المانع فلا يقف لا على تصوره ولا على وجوده وكذلك ما ذكروه في إثبات النظر بالنظر يقال فيه صحة جنس النظر ب نظر معين والنظر المعين يعلم صحته بالضرورة فالدليل نظر معين والمدلول عليه جنس النظر والنظر المعين يعلم صحته بالضرورة وأمثال ذلك من التصورات والتصديقات التي يعلم المعين منها بالضرورة ويعلم جنسها بهذا المعين منها وليس ذلك من باب تعريف الشئ بنفسه فاذا كان القول ب ان هذه الامور محدودة بالحدود الممكنة ترد عليه الاعتراضات القادحة على أصلهم والقول ب انها غير مفتقرة الى الحدود ترد عليه الاعتراضات الفادحة على أصلهم لم يكن القول على أصلهم لا بأنها محدودة بما يمكن من الحدود ولا بأنها مستغنية عن الحدود وإذا لم تكن غنية عن الحد بل مفتقرة اليه والحدود غير ممكنة لزم توقف تعريفها على ما لا يمكن فيلزم امتناع تعريفها ومعلوم أن معرفتها حاصلة فعلم بطلان قولهم وأيضا فيبقى الانسان غير متمكن لا من إثبات أن لها حدودا ولا من نفي أن يكون لها حدود وما استلزم المنع من النفي والاثبات أو رفع النفي والاثبات كان باطلا فان كل ما يذكر من الحدود يرد عليه ما يقدح فيه على أصلهم وقد ثبت عندهم انه لا بد لها من حد فيلزم أنه لا بد لها من حد وكل حد فهو باطل فيلزم إثبات الحد ونفيه وما استلزم ذاك إلا لأنهم جعلوا مقصود الحد تصوير المحدود وإذا قيل المقصود من الحد التمييز بين المحدود وغيره كان كل من القولين حقا ولم يتقابل النفي والاثبات بل الذين حدوها بحدودهم أفادت حدودهم التمييز بينها وبين غيرها والتمييز يحصل بما يطابق المحدود في العموم والخصوص وهو الملازم له من الطرفين في النفي والاثبات وأما اللوازم فقد تكون أعم من المحدود كما أن الملزومات قد تكون أخص منه فان الملزوم قد يكون اخص من اللازم كما أن اللازم قد يكون أعم من الملزوم فان الانسان مستلزم الحيوان والانسان أخص منه والحيوان لازم له وهو أعم منه بخلاف المتلازمين فانهما متساويان في العموم والخصوص كالانسانية مع الناطقية والصاهلية مع الفرسية ونحو ذلك والحدود لا تجوز إلا بالملازم في الطرفين النفي والاثبات لا بمجرد اللوازم كما يطلقه بعضهم ولا بمجرد الملزومات ثم التمييز يحصل بالمطابق الملازم وإن كان قد لا يحتاج الى هذا التمييز إذا حصل الاستغناء عنه بالاسم والذين قالوا إنها غنية عن الحدود بينوا ان مطلق الحقيقة تتصور بلا حد وهذا حق بل هذا ثابت في جميع الحقائق ان مطلقها متصور بلا حد ولكن المقصود التمييز بين مسمى هذا الاسم العام وبين غيره أو التمييز بين المعنى العام المتشابه في افراده وبين غيره وتمييز العام من غيره قد لا يكفى فيه مجرد تصوره مطلقا او تصور بعض افراده فليس كل من تصور معنى مطلقا تصوره عاما مميزا بينه وبين غيره فكيف إذا لم يتصوره إلا خاصا مقيدا معينا إذ قد يقطع في مواضع بأنها خبر وأنها امر وأنها علم ويشك في مواضع كما يشك في الاعتقاد المطابق الذي يحصل للمقلد وفي امر الادنى للاعلى وفي الامر الخالي عن الارادة ونحو ذلك فالمطلوب من الجمع والمنع الذي هو مقصود الحد لا يحصل بتصور أعيان معينة ولكن يحصل منه تصور الحقيقة في الجملة فان من تصورها معينة تصورها في الجملة وهو تصورها مع كونها مقيدة فيمكنه حينئذ ان يتصورها لا بشرط إذا جردها عن التعريف بمعنىا انه لا يشترط فيها التعريف ولا انه يشترط عدمه وهذا المطلق هل هو في الخارج جزؤ من المعين أو هذا المطلق وهوالمطلق لا بشرط ليس هو في الخارج شيئا غير الاعيان الموجودة فيه قولان كما تقدم بيانه وفصل الخطاب فيه فحينئذ فلا يكون المتصور ل الامر المعين والخبر المعين والعلم المعين قد تصور الاشياء معينة او تصور الحقيقة معينة لا مطلقة ولا عامة المقام الثالث: المقام السلبي في الاقيسة والتصديقات، في قولهم إنه لا يعلم شئ من التصديقات إلا بالقياس فصل وأما القياس فالكلام في المقامين ايضا المقام الاول السلبي فنقول حصر العلم على القياس قول بغير علم قولهم إنه لا يعلم شئ من التصديقات إلا بالقياس الذي ذكروا صورته ومادته قضية سلبية نافية ليست معلومة بالبديهة ولم يذكروا على هذا السلب دليلا أصلا فصاروا مدعين مالم يبينوه بل قائلين بغير علم إذ العلم بهذا السلب متعذر على أصلهم فمن اين لهم انه لا يمكن أحدا من بني آدم ان يعلم شيئا من التصديقات التي ليست عندهم بديهية إلا بواسطة القياس المنطقي الشمولي الذي وصفوا مادته وصورته الفرق بين البديهي والنظري أمر نسبي محض والثاني أن يقال هم معترفون بما لا بد منه من أن التصديقات منها بديهي ومنها نظري وأنه يمتنع أن تكون كلها نظرية لافتقار النظري الى البديهي وإذا كان كذلك فالفرق بين البديهي والنظري إنما هو بالنسبة الاضافة فد يبده هذا من العلم ويبتدى في نفسه ما يكون بديهيا له وإن كان غيره لا يناله إلا بنظر قصير أو طويل بل قد يكون غيره يتعسر عليه حصوله بالنظر وقد تقدم التنبيه على هذا في التصورات لكن نزيده هنا دليلا يختص هذا فنقول البديهي من التصديقات هو ما يكفى تصور طرفيه موضوعه ومحموله في حصول تصديقه فلا يتوقف على وسط يكون بينهما وهو الدليل الذي هو الحد الاوسط سواء كان تصور الطرفين بديهيا او لم يكن ومعلوم أن الناس يتفاوتون في قوى الاذهان اعظم من تفاوتهم في قوى الابدان فمن الناس من يكون في سرعة التصور وجودته في غاية يباين بها غيره مباينة كبيرة وحينئذ فيتصور الطرفين تصورا تاما بحيث تتبين بذلك التصور التام اللوازم التي لا تتبين لغيره الذي لم يتصور الطرفين التصور التام وذلك ان من الناس من يكون لم يتصور الطرفين إلا ببعض صفاتهما المميزة فيكون من تصورهما ببعض صفاتهما المشتركة مع ذلك سواء سميت ذاتية او لم تسم عالما بثبوت تلك الصفات لهما وثبوت كثير مما يكون لازما لهما بخلاف من لم يتصور إلا الصفات المميزة بطلان التفريق بين الذاتي واللازم لثبوت كل منهما بغير وسط وذلك أنهم قرروا في المنطق ان من اللوازم ما يكون لازما بغير وسط فهذا يعلم بنفس تصور الملزوم والوسط المذكور في هذه المواضع هو عند ابن سينا ومحققيهم هو الدليل، وهو الحد الاوسط وهذا يختلف باختلاف الناس فقد يحتاج هذا في العلم بالملزوم الى دليل بخلاف الاخر ومن لم يفهم مرادهم في هذا الموضع يظن أنهم أرادوا بالوسط ما هو وسط في نفس الموصوف بحيث يكون ثبوت الوصف اللازم ل الملزوم بواسطته لا يثبت بنفسه كما قد فهم ذلك عنهم طائفة منهم الرازي وغيره وهذا مع انه غلط عليهم كما بينا الفاظهم في غير هذا الموضع فهو ايضا باطل في نفسه ولا ريب ان من اللوازم ما يفتقر الى وسط ومنها ما لا يفتقر الى وسط عندهم وهذا احد الفروق الثلاثة التي فرقوا بها بين الذاتي والعرضي اللازم للماهية وقد أبطلوا هذا الفرق ويعبر بعضهم عن هذا الفرق بالتعليل كما يعبر به ابن حاجب فاذا كان في اللوازم ما هو ثابت في نفس الامر بغير وسط ولا علة لم يبق هذا فرقا بين الذاتي وبين هذه اللوازم فبطلت التصديق بهذا لكن من تصور الذات بهذه اللوازم فتصوره أتم ممن لم يتصورها بهذه اللوازم وإذا كان المراد بالوسط الدليل الذي يعلل به الثبوت الذهني لا الخارجي فهذا يختلف باختلاف الناس ولا ريب أن ما يستدل به سواء سمى قياسا أو برهانا أو غير ذلك قد يكون هو علة لثبوت الحكم في نفس الامر ويسمى قياس العلة وبرهان العلة وبرهان لم وقد لا يكون كذلك وهو الدليل المطلق ويسمى قياس الدلالة وبرهان الدلالة وبرهان ان وهذا مراد ابن سينا وغيره بالوسط وهذا مما تختلف فيه أحوال الناس فالتقريق بين الذاتي والعرضي اللازم ابعد ولهذا ابطل ابن سينا الفرق بهذا كما قد ذكرنا لفظه في موضع آخر فانه على التفسيرين من اللوازم ما يثبت بغير وسط فاذا قيل الذاتي ما يثبت بغير وسط وقد عرف ان من اللوازم ما ثبت بغير وسط تبين بطلان هذا الفرق على كل تقدير اختلاف احوال الناس في احتياجهم وعدم احتياجهم الى الدليل وأما كون الوسط الذي هو الدليل قد يفتقر اليه في بعض القضايا بعض الناس دون بعض فهذا امر بين فان كثيرا من الناس تكون القضية عنده حسية أو مجربة او برهانية او متواترة وغيره إنما عرفه بالنظر والاستدلال ولهذا كثير من الناس لا يحتاج في ثبوت المحمول ل الموضوع الى دليل لنفسه بل لغيره ويبين ذلك لغيره بأدلة هو غنى عنها حتى يضرب له أمثالا ويقول له أليس كذا أليس كذا ويحتج عليه من الادلة العقلية والسمعية بما يكون حدا أوسط عند المخاطب مما لا يحتاج اليه المستدل بل قد يعلم الشئ بالحس ويستدل على ثبوته لغيره بالدليل وهذا أكبر من أن يحتاج الى تمثيل فما أكثر من يرى الكواكب ويرى الهلال وغيره فيقول قد طلع الهلال وتكون هذه القضية له حسية وقد تكون عند غيره مشكوكا فيها او مظنونة او خبرية بل قد يظنها كذبا إذا صدق المنجم الخارص القائل إنه لا يرى بطلان منع المنطقيين الاحتجاج بالمتواترات والمجربات والحدسيات وقد ذكر من ذكر من هؤلاء المنطقيين ان القضايا المعلومة بالتواتر والتجربة والحدس يختص بها من علمها بهذه الطريق فلا تكون حجة على غيره بخلاف غيرها فانها مشتركة يحتج بها على المنازع وقد بينا في غير هذا الموضع ان هذا تفريق فاسد فان الحسيات الظاهرة والباطنة تنقسم الى خاصة وعامة وليس ما رآه زيد أو شمه أو ذاقة او لمسة يجب اشتراك الناس فيه وكذلك ما وجده في نفسه من جوعه وعطشه وألمه ولذته ولكن بعض الحسيات قد تكون مشتركة بين الناس كاشتراكهم في رؤية الشمس والقمر والكواكب وأخص من ذلك اشتراك أهل البلد الواحد في رؤية ما عندهم من جبل وجامع ونهر وغير ذلك من الامور المخلوقة والمصنوعة وكذلك الامور المعلومة بالتواتر والتجارب قد يشترك فيها عامة الناس كاشتراك الناس في العلم بوجود مكة ونحوها من البلاد الشهورة واشتراكهم في وجود البحر وأكثرهم ما رآه وأشتراكهم في العلم بوجود موسى وعيسى ومحمد وادعائهم النبوة ونحو ذلك فان هؤلاء قد تواتر خبرهم الى عامة بني آدم وإن قدر من لم يبلغه أخبارهم فهم في أطراف المعمورة لا في الوسط المجربات تحصل بالحس والعقل وكذلك المجربات فعامة الناس قد جربوا أن شرب الماء يحصل معه الري وأن قطع العنق يحصل معه الموت وأن الضرب الشديد يوجب الالم والعلم بهذه القضية الكلية تجربي فان الحس إنما يدرك ريا معينا وموت شخص معين وألم شخص معين أما كون كل من فعل به ذلك يحصل له مثل ذلك فهذه القضية الكلية لا تعلم بالحس بل بما يتركب من الحس والعقل وليس الحس هنا هو السمع وهذا النوع قد يسميه بعض الناس كله تجربيات وبعضهم يجعله نوعين تجربيات وخدسيات فان كان الحس المقرون بالعقل من فعل الانسان كأكله وشربه وتناوله الدواء سماه تجربيا وإن كان خارجا عن قدرته كتغير أشكال القمر عند مقابلة الشمس سماه حدسيا والاول اشبه باللغة فان العرب تقول رجل مجرب بالفتح لمن جربته الامور واحكمته وإن كانت تلك من أنواع البلايا التي لا تكون باختياره وذلك ان التجربة تحصل بنظره واعتباره وتدبره كحصول الاثر المعين دائرا مع المؤثر المعين دائما فيرى ذلك عاده مسمرة لا سيما إن شعر بالسبب المناسب فيضم المناسب الى الدوران مع السبر والتقسيم فانه لا بد في جميع ذلك من السبر والتقسيم الذي ينفى المتزاحم وإلا فمتى حصل الاثر مقرونا بأمرين لم تكن إضافته الى أحدهما دون الآخر بأولى من العكس ومن إضافته إلى كليهما وما يحتج به الفقهاء في إثبات كون الوصف علة للحكم من دوران ومناسبة وغير ذلك إنما يفيد المقصود مع نفى المزاحم وذلك يعلم بالسبر والتقسيم فان كان نفى المزاحم ظنيا كان اعتقاد العلية ظنيا وإن كان قطعيا كان الاعتقاد قطعيا إذا كان قاطعا بأن الحكم لا بد له من علة وقاطعا بأنه لا يصلح للعلة إلا الوصف الفلاني وهكذا القضايا العادية من قضايا الطب وغيرها هي من هذا الباب وكذلك قضايا النحو والتصريف واللغة من هذا الباب ولكن في اللغة يدور المعنى مع اللفظ لا هذا الباب وفي النحو والتصريف يدور الحكم مع النوع وهذا كالعلم بأن أكل الخبز ونحو ه يشبع وشرب الماء ونحوه يروى ولبس الحشايا يوجب الدفأ والتجرد من الثياب يوجب البرد ونحو ذلك لكن من لا يثبت الأسباب والعلل من أهل الكلام كالجهم وموافقيه في ذلك مثل ابي الحسن وأتباعه يجعلون المعلوم اقتران احد الامرين بالاخر لمحض مشيئة القادر المريد من غير أن يكون احدهما سببا للاخر ولا مولدا له وأما جمهور العقلاء من المسلمين وغير المسلمين وأهل السنة من أهل الكلام والفقة والحديث والتصوف وغير أهل السنة من المعتزلة وغيرهم فيثبتون الاسباب ويقولون كما يعلم اقتران احدهما بالاخر فيعلم أن في النار قوة تقتضى التسخين وفي الماء قوة تقتضى التبريد وكذلك في العين قوة تقتضى الابصار وفي اللسان قوة تقتضى الذوق ويثبتون الطبيعة التي تسمى الغريزة والنحيزة والخلق والعادة ونحو ذلك من الاسماء ولهذا كان السلف كاحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما يقولون العقل غريزة وأما نفاة الطبائع فليس العقل عندهم إلا مجرد العلم كما هو قول أبى الحسن الاشعري والقاضي أبى بكر والقاضي أبى يعلى وأبن عقيل وأبي الخطاب والقاضي ابي بكر بن العربي وغيرهم وإن كان بعض هؤلاء قد يختلف كلامهم فيثبتون في موضع آخر الغرائز والاسباب كما هو مذهب الفقهاء والجمهور فالمقصود ان لفظ التجربة يستعمل فيما جربه الانسان ب عقله وحسه وإن لم يكن من مقدوراته كما قد جربوا انه إذا طلعت الشمس انتشر الضوء في الافاق وإذ غابت أظلم الليل وجربوا انه إذا بعدت الشمس عن سمت رؤؤسهم جاء البرد وإذا جاء البرد سقط ورق الاشجار وبرد ظاهر الارض وسخن باطنها وإذا قربت من سمت رؤوسهم جاء الحر وإذا جاء الحر أورقت الاشجار وأزهرت فهذا امر يشترك في العلم به جميع الناس لما قد اعتادوه وجربوه ثم يعلم من يثبت الاسباب ان سبب ذلك ان شبيه الشئ منجذب اليه وضده هارب منه فاذا برد الهواء برد ظاهر الارض وظاهر ما عليها فهربت السخونة الى البواطن فيسخن جوف الارض ويسخن الماء الذي في جوفه ولهذا تكون الينابيع في الشتاء حارة وتكون اجواف الحيوان حارة فتاكل في الشتاء أكثر مما تأكل في الصيف بسبب هضم الحرارة للطعام وإذا كان الصيف سخن الهواء فسخنت الظواهر وهربت البرودة الى البواطن فيبرد باطن الارض وأجواف الحيوان وتبرد الينابيع ولهذا يكون الماء النابع في الصيف ابرد منه في الشتاء ويضعف الهضم للطعام فهذه القضايا ونحوها مجربات عاديات وإن كان كثير منها يقع بغير فعل بنى آدم وكذلك ماعلم من سنة الله تعالى من نصر أنبيائه وعباده المؤمنين وعقوباته لأعدائه الكافرين هو مما قد علم ويحصل به الاعتبار وإن لم يكن ذلك مما يقدر عليه المجرب نفسه وقد يعلم الانسان من فعل غيره ما يحصل له به العلم التجربي وإن لم يكن له قدرة على فعل الغير وأيضا فالسبب المقتضى للعلم بالمجربات هو يكرر اقتران أحد الأمرين بالآخر إما مطلقا وإما مع الشعور بالمناسب وهذا القدر يشترك فيه ما تكرر بفعله وما تكرر بغير فعله فكونه بفعله وصف عديم التأثير في اقتضاء العلم فلا يحتاج أن يجعل هذا نوعا غير النوع الآخر مع تساويهما في السبب المقتضى للعلم إلا لبيان شمول المجربات لهذين الصنفين كما يقال في الحسيات أنها تتناول ما أحسه ببصره وسمعه وشمه وذوقه ولمسه ونحو ذلك مع أن الفرق الذي بين أنواع الحسيات تختلف فيه أنواع العلوم أعظم مما تختلف في هذا فان البصر يرى غير مباشرة المرئي والذوق والشم واللمس لا يحصل له الاحساس إلا بمباشرة المحسوس والسمع وإن كان يحس الأصوات فالمقصود الأعظم به معرفة الكلام وما يخبر به المخبرون من العلم وهذا سبب تفضيل طائفة من الناس ل السمع على البصر كما ذهب إليه ابن قتيبية وغيره وقال الأكثرون البصر أفضل من السمع والتحقيق أن إدراك البصر أكمل كما قاله الأكثرون كما قال النبي ﷺ - ليس المخبر كالمعاين لكن السمع يحصل به من العلم لنا أكثر مما يحصل بالبصر ف البصر أقوى وأكمل والسمع أعم وأشمل وهاتان الحاستان هما الأصل في العلم بالمعلومات التي يمتاز بها الانسان عن البهائم استطراد ولهذا يقرن الله بينهما الفؤاد في مواضع كقوله تعالى إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا وقوله تعالى والله أخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصاروالافئدة لعلكم تشكرون وقال ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم ءاذان لا يسمعون بها أولئك ك(الأنعام) بل هم أضل اولئك هم الغافلون وقال وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ماكانوا به يستهزءون وقال تعالى ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة وقال تعالى صم بكم عمى فهم لا يرجعون في حق المنافقين وقال في حق الكافرين فهم لا يعقلون وقال تعالى وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي ءاذاننا ومن بيننا وبينك حجاب وقال تعالى وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة ان يفقهوه وفي ءاذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ونظائر هذا متعددة عود إلى أصل الموضوع وأما الشم والذوق واللمس فحس محض لا يحصل إلا بمباشرة الحيوان لذلك فالثلاثة كالجنس الواحد وقد قال تعالى ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون فالجلود إن خصت باللمس لم يدخل فيها الشم والذوق وإن قيل بل يدخل فيها عمت الجميع وإنما ميزت عن اللمس لاختصاصها ببعض الأعضاء وبنوع من المدركات وهو الطعوم والروائح فان سائر البدن لا يميز بين طعم وطعم وريح وريح ولكن يميز بين الحار والبارد واللين والصلب والناعم والخشن ويميز بين ما يلتذ به وبين ما يتألم ونحو ذلك والمقصود انهم جعلوا المجربات والمتواترات مما يختص به من حصل له ذلك فلا يصلح أن يحتج به على غيره وهذه قد يحصل فيها اختصاص واشتراك كما أن الحسيات كذلك قد يحصل فيها اختصاص واشتراك وأيضا فالاشتراك قد يكون في عين المعلوم المدرك وقد يكون في نوعه فالأول كاشتراك الناس في رؤية الشمس والقمر وغيرهما والثاني كاشتراكهم في معرفة الجوع والعطش والري والشبع واللذة والألم فان المعين الذي ذاقه هذا الشخص ليس هو المعين الذي ذاقه هذا إذ كل إنسان يذوق ما في باطنه ولكن يشترك الناس في معرفة جنس ذلك وما يسمونه من الرعد وما يرونه من البرق يشترك أهل المكان الواحد في رؤية المعين وسمعه ويشترك الناس في رؤية النوع وسمعه إذ الرعد والبرق الذي يحصل في زمان ومكان يكون غير ما يحصل في زمان آخر ومكان آخر ومن المحسوسات المعروفة بالرؤية أنواع كثيرة من الحيوان والنبات وغير ذلك يوجد ببعض البلاد دون بعض فتكون مشهورة ومرئية لمن رآها دون سائر الناس فانهم إنما يعلمون ذلك بالخبر وذلك الخبر قد يكون المشتركون فيه أكثر من المشتركين في الرؤية فتبين أن القضايا الحسية والمتواترة والمجربة قد تكون مشتركة وقد تكون مختصة فلا معنى للفرق بأن هذه يحتج بها على المنازع دون هذه إنكار المتواترات هو من أصول الالحاد والكفر ثم هذا الفرق مع ظهور بطلانه هو من أصول الالحاد والكفر فان المنقول عن الأنبياء بالتواتر من المعجزات وغيرها يقول احد هؤلاء بناء على هذا الفرق هذا لم يتواتر عندي فلا يقوم به الحجة على فيقال له اسمع كما سمع غيرك وحينئذ يحصل لك العلم وإنما هذا كقول من يقول رؤية الهلال أو غيره لا تحصل إلا بالحس وانا لم أره فيقال له أنظر إليه كما نظر غيرك فتراه إذا كنت لم تصدق المخبرين وكمن يقول العلم بالنبوة لا يحصل إلا بعد النظر وأنا لا أنظر أو لا أعلم وجوب النظر حتى أنظر ومن جواب هؤلاء أن حجة الله برسله قامت بالتمكن من العلم فليس من شرط حجة الله تعالى علم المدعوين بها ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع القرآن وتدبره مانعا من قيام حجة الله تعالى عليهم وكذلك إعراضهم عن استماع المنقول عن الأنبياء وقراءة الآثار المأثورة عنهم لا يمنع الحجة إذ المكنة حاصلة فلذلك قال تعالى وإذا تتلى عليه ءايتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في اذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم وقال تعالى وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه لعلكم تغلبون فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا وقال تعالى وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرءان مهجورا وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرأ وقال تعالى فاما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك ءايتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وقال تعالى وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت النفقين يصدون عنك صدودا وقال ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ومن هذا الباب إنكار كثير من أهل البدع والكلام والفلسفة لما يعلمه أهل الحديث والسنة من الآثار النبوية والسلفية المعلومة عندهم بل المتواترة عندهم عن النبي ﷺ - والصحابة والتابعين لهم باحسان، فان هؤلاء يقولون هذه غير معلومة لنا كما يقول من يقول من الكفار إن معجزات الأنبياء غير معلومة لهم وهذا لكونهم لم يطبلوا السبب الموجب للعلم بذلك وإلا فلو سمعوا ما سمع اولئك وقرأوا الكتب المصنفة التي قرأها أولئك تحصل لهم من العلم ما حصل لأولئك وعدم العلم ليس علما بالعدم وعدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود فهم إذا لم يعلموا ذلك لم يكن هذا علما منهم بعدم ذلك ولا بعدم علم غيرهم به بل هم كما قال الله تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله وتكذيب من كذب بالجن هو هذا الباب وإلا فليس عند المتطيب والمتفلسف دليل عقلي ينفي وجودهم لكن غايته أنه ليس في صناعته ما يدل على وجودهم وهذا إنما يفيد عدم العلم لا العلم بالعدم وقد اعترف بهذا حذاق الأطباء والفلاسفة كأبقراط وغيره والمقصود هنا التنبيه على كليات طرق العلم التي تكلم فيها هؤلاء وغيرهم شرك الفلاسفة أشنع من شرك الجاهلية: بحث قيم على سبيل الاستطراد ولهذا لما صنف طائفة في تقدير الشرك على أصولهم وأثبتوا الشفاعة التي يثبتها المشركون كان شرك هؤلاء شرا من شرك مشركي العرب وغيرهم فان مشركي العرب وغيرهم ممن يقر بأن الرب فاعل بمشيئته وقدرته وأنه خالق كل شيء وأن السموات والأرض مخلوقة لله ليست مقارنة له في الوجود دائمة بدوامه كانوا يعبدون غير الله ليقربوهم إليه زلفى ويتخذونهم شفعاء يشفعون لهم عند الله بمعنى أنهم يدعون الله لهم فيجيب الله دعاءهم له وهؤلاء المشركون الذين بين القرآن كفرهم وجاهدهم رسول الله ﷺ - على شركهم قال تعالى ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله وقال تعالى والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى وقال تعالى قل ادعوا الذين زعمتهم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا اولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ايهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ان عذاب ربك كان محذورا قالت طائفة من السلف كان اقوام يدعون الملائكة والانبياء فقال تعالى هؤلاء الذين تدعونهم يتوسلون الى كما تتوسلون الى ويرجون رحمتي كما ترجون رحمتي ويخافون عذابي كما تخافون عذابي وقال تعالى ما كان لبشر ان يؤتية الله الكتب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم ان تتخذوا الملائكة والنبين اربابا يأمر بالكفر بعد اذ انتم مسلمون وقال تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الارض وما لهم فيها من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنغع الشفاعة عنده الا لمن اذن له وقال تعالى وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا الا من بعد ان يأذن الله لمن يشاء ويرضى وقال تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومثل هذا في القران كثير والعرب كانوا مع شركهم وكفرهم يقولون ان الملائكة مخلوقون وكان من يقول منهم ان الملائكة بنات يقولون ايضا انهم محدثون ويقولون انه صاهر إلى الجن فولدت له الملائكة وقولهم من جنس قول النصارى في أن المسيح ابن الله مع ان مريم امه ولهذا قرن سبحانه بين هؤلاء وهؤلاء وقول هؤلاء الفلاسفة شر من قول هؤلاء كلهم فان الملائكة عند من آمن بالنبوات منهم هي العقول العشرة وتلك عندهم قديمة ازلية والعقل رب كل ما سوى الرب عندهم وهذا لم يقل مثله احد من اليهود والنصارى ومشركي العرب لم يقل احد ان ملكا من الملائكة رب العالم كله ويقولون ان العقل الفعال مبدع لما تحت فلك القمر وهذا ايضا كفر لم يصل اليه احد من كفار اهل الكتاب ومشركي العرب وهؤلاء يقولون ما ذكره ابن سينا واتباعه كصاحب الكتب المضنون بها على غير اهلها ومن وافقهم من القرامطة والباطنية من الملاحدة والجهال الذين دخلوا في الصوفية واهل الكلام كأهل وحدة الوجود وغيرهم يجعلون الشفاعة مبنية على ما يعتقدونه من ان الرب لا يفعل بمشيئته وقدرته وليس عالما بالجزئيات ولا يقدر ان يغير العالم بل العالم فيض فاض عنه بغير مشيئته وقدرته وعلمه، فيقولون اذا توجه المستشفع الى من يعظمه من الجواهر العالية كالعقول والنفوس والكواكب والشمس والقمر او الى النفوس المفارقة مثل بعض الصالحين فانه يتصل بذلك المعظم المستشفع به فاذا فاض على ذلك ما يفيض من جهة الرب فاض على هذا المستشفع من جهة شفيعة ويمثلونه بالشمس اذا طلعت على مرآة فانعكس الشعاع الذي على المراة على موضع اخر فأشرق بذلك الشعاع فذلك الشعاع حصل له بمقابلة المراة وحصل للمراة بمقابلة الشمس فهذا الداعى المستشفع اذا توجه الى شفيعه اشرق عليه من جهته مقصود الشفاعة وذلك الشفيع يشرق عليه من جهة الحق ولهذا يرى هؤلاء دعاء الموتي عند القبور وغير القبور ويتوجهون اليهم ويستعينون بهم ويقولون ان ارواحنا اذا توجهت الى روح المقبور في القبور اتصلت به ففاضت عليها المقاصد من جهته وكثير منهم ومن غيرهم من الجهال يرون الصلوة والدعاء عند قبور الانبياء والصالحين من اهل البيت وغيرهم افضل من الصلوات الخمس والدعاء في المساجد وافضل من حج البيت العتيق ومعلوم ان كفر هؤلاء بما يقولونه في الشفعاء اعظم من كفر مشركي العرب بما قالوه فيهم لان كلتى الطائفتين عبدوا من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم وقالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله لكن العرب اقروا بأن الله عالم بهم قادر عليهم يخلق بمشيئته وقدرته وقالوا إن هؤلاء ينفعونا بدعائهم لنا وأما مشركو الفلاسفة كما ذكره ابن سينا ومن اتبعه فيقولون إن من يستشفع به لا يدعو الله لنا بشئ والله لا يعلم دعاءنا ولا دعاءه ولا يسمع نداءنا ولا نداءه بل ولا يعرف بنا ولا نراه ولا يعرف به فانا نحن من الجزئيات والله لا يعلم الجزئيات عندهم ولا يقدر على تغيير شئ من العالم ولا يفعل بمشيئته لكن قالوا لكن نحن إذا توجهنا الى هؤلاء بالدعاء لهم والسؤال منهم بل وبالعبادة لهم فاض علينا ما يفيض منهم وفاض عليهم ما يفيض من جهة الله ثم إن طائفة من أهل الكلام يردون عليهم باطلهم بقول باطل فيردون فاسدا بفاسد وإن كان أحدهما أكثر فسادا مثل إنكار كثير منهم لكثير من الامور الرياضية كاستدارة الفلك وغير ذلك مما دل عليه الكتاب والسنة وآثار السلف مع دلالة العقل أو يفعلون كما فعله الشهرستاني في الملل و(النحل) حيث اخذ يذكر المفاضلة بين الارواح العلوية وبين الانبياء ويجعل إثبات هذه وسائط آولى من تلك تفضيلا لأقوال الحنفاء على أقوال الصابئة وهذا غلط عظيم، فان الحنفاء لا يثبتون بين الله وبين مخلوقاته واسطة في عبادته وسؤاله وإنما يثبتون الوسائط في تبليغ رسالاته فأصل الحنفاء شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا وغيره من الرسل رسل الله وأما الوسائط التي يثبتها المشركون فيجعلون الملئكة معبودين وهذا كفر وضلال وتوسط الملئكة بمعنى تبليغ رسالات الله أو بمعنى أنهم يفعلون ما يفعلونه باذن الله مما اتفق عليه الحنفاء ومعلوم أن المشركين من عباد الاصنام وغيرهم كانت الشياطين تضلهم فتكلمهم وتقضى لهم بعض حوائجهم وتخبرهم بأمور غائبة عنهم وكان للكهان شياطين تخبرهم وتأمرهم وإن كان الكذب فيما يقولونه اكثر من الصدق وهكذا المشركون في زماننا الذين يدعون غير الله كالشيوخ الغائبين والموتى تتصور لهم الشياطين في صور الشيوخ حتى يظنوا ان الشيخ حضر وأن الله صور على صورته ملكا وأن ذلك من بركة دعائه وإنما يكون الذي تصور لهم شيطان من الشياطين وهذا مما نعرف أنه ابتلى في زماننا وغير زماننا خلق كثير أعرف منهم عددا وأعرف من ذلك وقائع متعددة والشياطين ايضا تضل عباد القبور كما كانت تضل المشركين من العرب وغيرهم وكانت اليونان من المشركين يعبدون الاوثان ويعانون السحر كما ذكروا ذلك عن أرسطو وغيره وكانت الشياطين تضلهم وبهم يتم سحرهم وقد لا يعرفونهم أن ذلك من الشياطين بل قد لا يقرون بالشياطين بل يظنون ذلك كله من قوة النفس او من أمور طبيعية او من قوى فلكية فان هذه الثلاثة هي اسباب عجائب العالم عند ابن سينا وموافقيه وهم جاهلون بما سوى ذلك من أفعال الشياطين الذين هم أعظم تأثيرا في العالم في الشر من هذا كله وجاهلون بملائكة الله الذين يجرى بسببهم كل خير في السماء والارض. وما يدعونه من جعل الملئكة هي العقول العشرة او هي القوى الصالحة في النفس وأن الشياطين هي القوى الخبيئة مما قد عرف فساده بالدلائل العقلية بل بالضرورة من دين الرسول فاذا كان شرك هؤلاء وكفرهم في نفس التوحيد وعبادة الله وحده أعظم من شرك مشركى العرب وكفرهم فأى كمال للنفس في هذه الجهالات وهذا وأمثاله يفتقر الى بسط كثير وقد ذكرنا منه طرفا في مواضع غير هذا والمقصود هنا ذكر ما ادعاه هؤلاء في البرهان المنطقي بطلان دعواهم لا بد في البرهان من قضية كلية وايضا فاذا قالوا العلوم اليقينية النظرية لا تحصل إلا بالبرهان الذي هو عندهم قياس شمولي وعندهم لا بد فيه من قضية كلية موجبة ولهذا قالوا لا نتاج عن قضيتين سالبتين ولا جزئيتين في شئ من انواع القياس لا بحسب صورته كالحملي والشرطي المتصل والمنفصل ولا بحسب مادته لا البرهانى ولا الخطابي ولا الجدلى بل ولا الشعري فيقال إذا كان لا بد في كل ما يسمونه برهانا من قضية كلية فلا بد من العلم بتلك القضية الكلية أي من العلم بكونها كلية وإلا فمتى جوز عليها أن لا تكون كلية بل جزئية لم يحصل العلم بموجبها والمهملة وهي المطلقة التي يحتمل لفظها أن يكون كلية وجزئية في قوة الجزئية وإذا كان لا بد في العلم الحاصل بالقياس الذي يخصونه باسم البرهان من العلم ب قضية كلية موجبة فيقال العلم بتلك القضية إن كان بديهيا أمكن أن يكون كل واحد من أفرادها بديهيا بطريق الاولى وإن كان نظريا احتاج الى علم بديهي فيفضى الى الدور المعى أو التسلسل في أمور لها مبدأ محدود فان علم ابن آدم إذا توقف على علم منه وعلمه على علم منه فعلمه له مبدأ لانه نفسه مبدأ ليس هذا ك تسلسل الحوادث الماضية وأيضا فانه تسلسل في المؤثرات وكلاهما باطل وهكذا يقال في سائر القضايا الكلية التي يجعلونها مبادئ البرهان ويسمونها الواجب قبولها سواء كانت حسية ظاهرة او باطنة وهي التي يحسها بنفسه أو كانت من المجربات أو المتواترات أو الحدسيات عند من يجعل منها ما هو من اليقينيات الواجب قبولها مثل العلم بكون ضوء القمر مستفادا من الشمس إذا راى اختلاف اشكاله عند اختلاف محاذياته للشمس كما يختلف إذا فارقها بعد الاجتماع كما في ليلة الهلال وإذا كان ليلة الاستقبال عند الابدار وهم متنازعون هل الحدس قد يفيد اليقين أم لا ومثل العقليات المحضة كقولنا الواحد نصف الاثنين والكل أعظم من الجزء والاشياء المساوية لشئ واحد متساية والضدان لا يجتمعان والنقيضان لا يرتفعان ولا يجتمعان فما من قضية من هذه القضايا الكلية التي تجعل مقدمة في البرهان إلا والعلم بالنتيجة ممكن بدون توسط ذلك البرهان بل هو الواقع كثيرا فاذا علم ان كل واحد فهو نصف كل اثنين وأن كل اثنين نصفهما واحد فانه يعلم ان هذا الواحد نصف هذين الاثنين وهلم جرا في سائر القضايا المعينة من غير استدلال على ذلك بالقضية الكلية وكذلك كل كل وجزء يمكن العلم بأن هذا الكل اعظم من جزئة بدون توسط القضية الكلية وكذلك هذان النقيضان من تصورهما نقيضين فانه يعلم انهما لا يجتمعان ولا يرتفعان فكل أحد يعلم أن هذا المعين لا يكون موجودا معدوما ولا يخلو من الوجود والعدم كما يعلم المعين الآخر ولا يحتاج ذلك الى ان يستدل عليه بأن كل شئ لا يكون موجودا معدوما معا وكذلك الضدان فان الانسان يعلم ان هذا الشئ لا يكون اسود ابيض ولا يكون متحركا ساكنا كما يعلم أن الاخر كذلك ولا يحتاج في العلم بذلك الى قضية كلية بان كل شئ لا يكون اسود ابيض ولا يكون متحركا ساكنا وكذلك في سائر ما يعلم تضادهما فان علم تضاد المعينين علم انهما لا يجتمعان وإن لم يعلم تضادهما لم يغنه العلم بالقضية الكلية وهي علمه بأن كل ضدين لا يجتمعان فان العلم بالقضية الكلية يفيد العلم بالمقدمة الكبرى المشتملة على الحد الاكبر وذلك لا يغنى بدون العلم بالمقدمة الصغرى المشتملة على الحد الاصغر والعلم بالنتيجتة وهو أن هذين المعينين ضدان فلا يجتمعان يمكن بدون العلم بالمقدمة الكبرى وهو أن كل ضدين لا يجتمعان فلم يفتقر العلم بذلك الى القياس الذي خصوه باسم البرهان وإن كان البرهان في كلام الله ورسوله وكلام سائر أصناف العلماء لا يختص بما يسمونه هم البرهان وإنما خصوا هم لفظ البرهان بما اشتمل على القياس الذي خصوا صورته ومادته بما ذكروه مثال ذلك انه إذا اريد إبطال قول من يثبت الاحوال ويقول إنها لا موجودة ولا معدومة فقيل هذان نقيضان وكل نقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان فان هذا جعل للواحد لا موجودا ولا معدوما ولا يمكن جعل شئ من الاشياء لا موجودا ولا معدوما في حال واحدة فلا يمكن جعل الحال لا موجودة ولا معدومة كان العلم بأن هذا المعين لا يكون موجودا معدوما ممكنا بدون هذه القضية الكلية فلا يفتقر العلم بالنتيجة الى البرهان وكذلك إذا قيل إن هذا ممكن وكل ممكن فلا بد له من مرجح لوجوده على عدمه على اصح القولين أو لاحد طرفيه على قول طائفة من الناس او قيل هذا محدث وكل محدث فلا بد له من محدث فتلك القضية الكلية وهى قولنا كل محدث لا بد له من محدث وكل ممكن لا بد له مرجح يمكن العلم بأفرادها المطلوبة بالقياس البرهاني عندهم بدون العلم بالقضية الكلية التي لا يتم البرهان عندهم إلا بها فيعلم ان هذا المحدث لا بد له من محدث وهذا الممكن لا بد له من مرجح فان شك عقله وجوز ان يحدث هو بلا محدث احدثه او ان يكون وهو ممكن يقبل الوجود والعدم بدون مرجح يرجح وجوده جوز ذلك في غيره من المحدثات والممكنات بطريق الاولى وإن جزم بذلك في نفسه لم يحتج علمه بالنتيجة المعينة وهو قولنا وهذا محدث فله محدث أو هذا ممكن فله مرجح الى العلم بالقضية الكلية فلا يحتاج الى القياس البرهاني ومما يوضح هذا أنك لا تجد أحدا من بني آدم يريد ان يعلم مطلوبا بالنظر ويستدل عليه بقياس برهاني يعلم صحته إلا ويمكنه العلم به بدون ذلك القياس البرهاني المنطقي فساد قولهم بأنه لا بد في كل علم نظري من مقدمتين ولهذا لا تجد أحدا من سائر اصناف العقلاء غير هؤلاء ينظم دليله من المقدمتين كما ينظمه هؤلاء بل يذكرون الدليل المستلزم للمدلول ثم الدليل قد يكون مقدمة واحدة وقد يكون مقدمتين وقد يكون مقدمات بحسب حاجة الناظر المستدل إذ حاجة الناس تختلف وقد بسطنا ذلك في الكلام على المحصل وبينا تخطئة جمهور العقلاء لمن قال إنه لا بد في كل علم نظري من مقدمتين لا يستغنى عنهما ولا يحتاج الى أكثر منهما كما يقوله من يقوله من المنطقيين وهذا ينبغي ان تأخذه من المواد العقلية التي لا يستدل عليها بنصوص الانبياء فانه يظهر بها فساد منطقهم الكلام على تمثيلهم كل مسكر خمر وكل خمر حرام فكل مسكر حرام وأما إذا أخذته من المواد المعلومة بأقوال الانبياء فانه يظهر الاحتياج الى القضية الكلية كما إذا أردنا بيان تحريم النبيذ المتنازع فيه فقلنا النبيذ مسكر وكل مسكر حرام او قلنا إنه خمر وكل خمر حرام فقولنا النبيذ المسكر خمر يعلم بالنص وهو قول النبي ﷺ - كل مسكر خمر وقولنا كل خمر حرام يعلم بالنص والاجماع وليس في ذلك نزاع وإنما النزاع في المقدمة الصغرى وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي ﷺ - انه قال كل مسكر خمر وكل مسكر حرام وفي لفظ كل مسكر خمر وكل خمر حرام وقد يظن بعض الناس ان النبي ﷺ - ذكر هذا على النظم المنطقي لتبيين النتيجة بالمقدمتين كما يفعله المنطقيون وهذا جهل عظيم ممن يظنه فان النبي ﷺ - أجل قدرا من ان يستعمل مثل هذا الطريق في بيان العلم بل من هو أضعف عقلا وعلما من آحاد علماء امته لا يرضى لنفسه ان يسلك طريقة هؤلاء المنطقيين بل يعدونهم من الجهال الذين لا يحسنون الاستدال ويقولون هؤلاء قوم كانوا يحسنون الصناعات كالحساب والطب ونحو ذلك وأما العلوم البرهانية الكلية اليقينية والعلوم الالهية فلم يكونوا من رجالها وقد بين ذلك نظار المسلمين في كتبهم وبسطوا الكلام عليهم وذلك أن كون كل خمر حراما هو مما علمه المسلمون فلا يحتاجون الى معرفة ذلك بالقياس وإنما شك بعضهم في أنواع من الاشربة المسكرة كالنبيذ المصنوع من العسل والحبوب وغير ذلك كما في الصحيحين عن أبي موسى الاشعري أنه قيل: يا رسول الله عندنا شراب يصنع من العسل يقال له البتع وشراب يصنع من الذرة يقال له المزر قال وكان قد أوتى جوامع الكلم فقال كل مسكر حرام فأجابهم ﷺ - بقضية كلية بين بها أن كل ما يسكر فهو محرم وبين ايضا ان كل ما يسكر فهو خمر وهاتان قضيتان كليتان صادقتان متطابقتان العلم بأيهما كان يوجب العلم بتحريم كل مسكر إذ ليس العلم بتحريم كل مسكر متوقفا على العلم بهما جميعا فان من علم أن النبي ﷺ - قال كل مسكر حرام وهو من المؤمنين به علم ان النبيذ المسكر حرام ولكن قد يحصل له الشك هل أراد القدر المسكر أو أراد جنس المسكر وهذا شك في مدلول قوله فاذا علم مراده ﷺ - علم المطلوب وكذلك إذا علم ان النبيذ خمر والعلم بهذا او كد في التحريم فان من يحلل النبيذ المتنازع فيه لا يسميه خمرا فاذا علم بالنص ان كل مسكر خمر كان هذا وحده دليلا على تحريم كل مسكر عند أهل الايمان الذين يعلمون ان الخمر محرم وأما من لم يعلم تحريم الخمر لكونه لم يؤمن بالرسول فهذا لا يستدل بنصه وإن علم ان محمدا رسول الله لكن لم يعلم انه حرم الخمر فهذا لا ينفعه قوله كل مسكر خمر بل ينفعه قوله كل مسكر حرام وحينئذ يعلم بهذا تحريم الخمر لأن الخرم والمسكر اسمان لمسمى واحد عند الشارع وهما متلازمان عنده في العموم والخصوص عند جمهور العلماء الذين يحرمون كل مسكر وليس المقصود هنا الكلام في تقرير المسألة الشرعية بل التنبيه على التمثيل فان هذا المثال كثيرا ما يمثل به من صنف في المنطق من علماء المسلمين التمثيل بصور مجردة عن المواد المعينة والمنطقيون يمثلون بصور مجردة عن المواد لا تدل على شئ يعينه لئلا يستفاد العل بالمثال من صورته المعينة كما يقولون كل ا ب وكل ب ج فكل ا ج لكن المقصود هو العلم المطلوب من المواد المعينة فاذا جردت يظن الظان ان هذا يحتاج اليه في المعينات وليس الامر كذلك بل إذا طولبوا بالعلم بالمقدمتين الكليتين في جميع مطالبهم العقلية التي لم تؤخذ عن المعصومين تجدهم يحتجون بما يمكن معه العلم بالمعينات المطلوبة بدون العلم بالقضية الكلية فلا يكون العلم بها موقوفا على البرهان فالقضايا النبوية لا تحتاج الى القياس العقلى الذي سموه برهانا وما يستفاد بالعقل من العلوم ايضا لا يحتاج الى قياسهم البرهاني فلا يحتاج اليه لا في العقليات ولا في السمعيات فامتنع أن يقال لا يحصل علم إلا بالقياس البرهاني الذي ذكروه العلوم الحسية لا تكون إلا جزئية معينة ومما يوضح ذلك ان القضايا الحسية لا تكون إلا جزئية فنحن لم ندرك بالحس إلا إحراق هذه النار وهذه النار لم ندرك ان كل نار محرقة فاذا جعلنا هذه قضية كلية وقلنا كل نار محرقة لم يكن لنا طريق يعلم به صدق هذه القضية الكلية علما يقينيا إلا والعلم بذلك ممكن في الاعيان المعينة بطريق الاولى وإن قيل ليس المراد العلم بالامور المعينة فان البرهان لا يفيد إلا العلم بقضية كلية فالنتائج المعلومة بالبرهان لا تكون إلا كلية كما يقولون هم ذلك والكليات إنما تكون كليات في الاذهان لا في الاعيان قيل فعلى هذا التقدير لا يفيد البرهان العلم بشئ موجود بل بأمور مقدرة في الاذهان لا يعلم تحققها في الاعيان وإذا لم يكن في هذا علم بشئ موجود لم يكن في البرهان علم بموجود فيكون قليل المنفعة جدا بل عديم المنفعة وهم لا يقولوك بذلك بل يستعملونه في العلم بالموجودات الخارجة الطبيعية والالهية ولكن حقيقة الامر كما بيناه في غير هذا الموضع ان المطالب الطبيعية التي ليست من الكليات اللازمة بل الاكثرية فلا تفيد مقصود البرهان وأما الالهيات فكلياتهم فيها أفسد من كليات الطبيعية وغالب كلامهم فيها ظنون كاذبة فضلا عن ان تكون قضايا صادقة يؤلف منها البرهان ولهذا حدثونا باسناد متصل عن فاضل زمانه في المنطق وهو الخونجي صاحب كشف اسرار المنطق والموجز وغيرهما انه قال عند الموت أموت وما عرفت شيئا إلا علمي بأن الممكن يفتقر الى المؤثر ثم قال الافتقار وصف سلبي فأنا أموت وما عرفت شيئا وكذلك حدثونا عن آخر من افاضلهم فهذا امر يعرفه كل من خبرهم ويعرف انهم اجهل اهل الارض بالطرق التي ينال بها العلوم العقلية والسمعية إلا من علم منهم علما من غير الطريق المنطقية فتكون علومه من تلك الجهة لا من جهتهم مع كثرة تعبهم في البرهان الذين يزعمون أنهم يزنون به العلوم ومن عرف منهم بشئ من العلوم لم يكن ذلك بواسطة ما حرروه في المنطق القضايا الكلية تعلم بقياس التمثيل ومما يبين ان حصول العلوم اليقينية الكلية والجزئية لا يفتقر الى برهانهم ان يقال إذا كان لا بد في برهانهم من قضية كلية فالعلم بتلك القضية الكلية لا بد له من سبب فان عرفوها ب اعتبار الغائب بالشاهد وان حكم الشيء حكم مثله كما إذا عرفنا أن هذا النار محرقة علمنا ان النار الغائبة محرقة لانها مثلها وحكم الشيء حكم مثله فيقال هذا استدلال ب قياس التمثيل وهم يزعمون انه لا يفيد اليقين بل الظن فاذا كانوا علموا القضية الكلية بقياس التمثيل رجعوا في اليقين الى ما يقولون إنه لا يفيد إلا الظن وإن قالوا بل عند الاحساس بالجزئيات يحصل في النفس علم الكلى من واهب العقل أو تستعد النفس عند الاحساس بالجزئيات لان يفيض عليها الكلى من واهب العقل او قالوا من العقل الفعال عندهم او نحو ذلك قيل لهم الكلام فيها به يعلم ان ذلك الحكم الكلى الذي في النفس علم لا ظن ولا جهل فان قالوا هذا يعلم بالبديهة والضرورة كان هذا قولا بأن هذه القضايا الكلية معلومة بالبديهة والضرورة وأن النفس مضطرة الى هذا العلم وهذا إن كان حقا فالعلم بالأعيان المعينة وبأنواع الكليات يحصل أيضا في النفس بالبديهة والضرورة كما هو الواقع فان جزم العقلاء بالشخصيات من الحسيات أعظم من جزمهم بالكليات وجزمهم بكلية الانواع أعظم من جزمهم بكلية الاجناس والعلم بالجزئيات أسبق الى الفطرة فجزم الفطرة بها اقوى ثم كلما قوى العقل اتسعت الكليات وحينئذ فلا يجوز ان يقال إن العلم بالاشخاص موقوف على العلم بالانواع والاجناس ولا ان العلم بالانواع موقوف على العلم بالاجناس بل قد يعلم الانسان انه حساس متحرك بالارادة قبل ان يعلم ان كل إنسان كذلك ويعلم ان الانسان كذلك قبل ان يعلم ان كل حيوان كذلك فلم يبق علمه ب انه أو ب ان غيره من الحيوان حساس متحرك بالارادة موقوفا على البرهان وإذا علم حكم سائر الناس وسائر الحيوان فالنفس تحكم بذلك بواسطة علمها أن ذلك الغائب مثل هذا الشاهد أو انه يساويه في السبب الموجب لكونه حساسا متحركا بالارادة ونحو ذلك من قياس التمثيل والتعليل الذي يحتج به الفقهاء في إثبات الاحكام الشرعية استواء قياس التمثيل وقياس الشمول وهؤلاء يزعمون ان ذلك القياس إنما يفيد الظن وقياسهم هو الذي يفيد اليقين وقد بينا في غير هذا الموضع ان قولهم هذا من أفسد الاقوال وأن قياس التمثيل وقياس الشمول سواء وإنما يختلف اليقين والظن بحسب المواد فالمادة المعينة إن كانت يقينية في أحدهما كانت يقينية في الاخر وإن كانت ظنية في أحدهما كانت ظنية في الاخر وذلك ان قياس الشمول مؤلف من الحدود الثلاثة الاصغر والاوسط والاكبر والحد الاوسط فيه هو الذي يسمى في قياس التمثيل علة ومناطا وجامعا ومشتركا وصفا ومقتضيا ونحو ذلك من العبارات فاذا قال في مسألة النبيذ كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام فلا بد له من إثبات المقدمة الكبرى وحينئذ يتم البرهان، وحينئذ فيمكنه ان يقول النبيذ مسكر فيكون حراما قياسا على خمر العنب بجامع ما يشتركان فيه من الاسكار فان الاسكار هو مناط التحريم في الاصل وهو موجود في الفرع فيما به يقرر ان كل مسكر حرام به يقرر ان السكر مناط التحريم بطريق الاولى بل التقرير في قياس التمثيل اسهل عليه لشهادة الاصل له بالتحريم فيكون الحكم قد علم ثبوته في بعض الجزئيات لا يكفى في قياس التمثيل إثباته في أحد الجزئين لثبوته في الجزء الاخر ل اشتراكهما في امر لم يقم دليل على استلزامه للحكم كما يظنه هؤلاء الغالطون بل لا بد من ان يعلم ان المشترك بينهما مستلزم للحكم والمشترك بينهما هو الحد الاوسط وهو الذي يسميه الفقهاء واهل اصول الفقه المطالبة بتأثير الوصف في الحكم وهذا السؤال أعظم سؤال يرد على القياس وجوابه هو الذي يحتاج اليه غالبا في تقرير صحة القياس فان المعترض قد يمنع الوصف في الاصل وقد يمنع الحكم في الاصل وقد يمنع الوصف في الفرع وقد يمنع كون الوصف علة في الحكم ويقول لا اسلم ان ما ذكرته من الوصف المشترك هو العلة او دليل العلة فلا بد من دليل يدل على ذلك إما من نص او إجماع او سبر وتقسيم أو المناسبة او الدوران عند من يستدل بذلك فما دل على ان الوصف المشترك مستلزم الحكم إما علة وإما دليل العلة هو الذي يدل على ان الحد الاوسط مستلزم الاكبر وهو الدال على صحة المقدمة الكبرى فان اثبت العلة كان برهان علة وإن اثبت دليلها كان برهان دلالة وإن لم يفد العلم بل افاد الظن فكذلك المقدمة الكبرى في ذلك القياس لا تكون إلا ظنية وهذا أمر بين ولهذا صار كثير من الفقهاء يستعملون في الفقه القياس الشمولى كما يستعمل في العقليات القياس التمثيلى وحقيقة احدهما هو حقيقة الاخر رد القول بأنه لا قياس في العقليات إنما هو في الشرعيات ومن قال من متأخري اهل الكلام والرأى كأبي المعالي وأبي حامد والرازي وأبي محمد المقدسي وغيرهم إن العقليات ليس فيها قياس وإنما القياس في الشرعيات ولكن الاعتماد في العقليات على الدليل الدال على ذلك مطلقا فقولهم مخالف لقول جمهور نظار المسلمين بل وسائر العقلاء فان القياس يستدل به في العقليات كما يستدل به في الشرعيات فانه إذا ثبت ان الوصف المشترك مستلزم الحكم كان هذا دليلا في جميع العلوم وكذلك إذا ثبت انه ليس بين الفرع والاصل فرق مؤثر كان هذا دليلا في جميع العلوم وحيث لا يستدل بالقياس التمثيلي لا يستدل بالقياس الشمولي وأبو المعالي ومن قبله من نظار المتكلمين لا يسلكون طريقة المنطقيين ولا يرضونها بل يستدلون بالادلة المستلزمة عندهم لمدلولاتها من غير اعتبار ذلك غير ان المنطقيين وجمهور النظار يقيسون الغائب على الشاهد إذا كان المشترك مستلزما للحكم كما يمثلون به من الجمع بالحد والعلة والشرط والدليل ومنازعهم يقول لم يثبت الحكم في الغائب لاجل ثبوته في الشاهد بل نفس القضية الكلية كافية في المقصود من غير احتياج الى التمثيل فيقال لهم وهكذا في الشرعيات فانه متى قام الدليل على ان الحكم معلق بالوصف الجامع لم يحتج الى الاصل بل نفس الدليل الدال على ان الحكم معلق بالوصف كاف لكن لما كان هذا كليا والكلى لا يوجد إلا معينا كان تعيين الاصل مما يعلم به تحقق هذا الكلى وهذا امر نافع في الشرعيات والعقليات فعلمت ان القياس حيث قام الدليل على ان الجامع مناط الحكم او على إلغاء الفارق بين الاصل والفرع فهو قياس صحيح ودليل صحيح في أي شئ كان تنازع الناس في مسمى القياس وقد تنازع الناس في مسمى القياس فقالت طائفة من اهل الاصول هو حقيقة في قياس التمثيل مجاز في قياس الشمول كابي حامد الغزالي وابي محمد المقدسي وغيرهما وقالت طائفة بل هو بالعكس حقيقة في الشمول مجاز في التمثيل كابن حزم وغيره وقال جمهور العلماء بل هو حقيقة فيهما والقياس العقلي يتناولهما جميعا وهذا قول اكثر من تكلم في أصول الدين واصول الفقه وانواع العلوم العقلية وهو الصواب وهو قول الجمهور من أتباع الائمة الاربعة وغيرهم كالشيخ ابي حامد والقاضي ابي الطيب وأمثالهما وكالقاضي ابي يعلى والقاضي يعقوب والحلواني وابي الخطاب وابن عقيل وابن الزاغوني وغيرهم فان حقيقة احدهما هو حقيقة الاخر وإنما تختلف صورة الاستدلال والقياس في اللغة تقدير الشئ بغيره وهذا تتناول تقدير الشئ المعين بنظيره المعين وتقديره بالامر الكلى المتناول له ولأمثاله فان الكلى هو مثال في الذهن لجزئياته ولهذا كان مطابقا موافقا له حقيقة قياس الشمول وقياس الشمول هو انتقال الذهن من المعين الى المعنى العام المشترك الكلى المتناول له ولغيره والحكم عليه بما يلزم المشترك الكلى بأن ينتقل من ذلك الكلى اللازم الى الملزوم الاول وهو المعين فهو انتقال من خاص إلى عام ثم انتقال من ذلك العام الى الخاص من جزئى الى كلى ثم من ذلك الكلى الى الجزئي الاول فيحكم عليه بذلك الكلى ولهذا كان الدليل اخص من مدلوله الذي هو الحكم فانه يلزم من وجود الدليل وجود الحكم واللازم لا يكون اخص من ملزومه، بل أعم منه أو مساويه وهو المعنى بكونه أعم والمدلول عليه الذي هو محل الحكم وهو المحكوم عليه المخبر عنه الموصوف الموضوع إما أخص من الدليل وإما مساويه فيطلق عليه القول بأنه اخص منه لا يكون أعم من الدليل إذ لو كان أعم منه لم يكن الدليل لازما له وإذا لم يكن لازما له لم يعلم ان لازم الدليل وهو الحكم لازم له فلا يعلم ثبوت الحكم له فلا يكون الدليل دليلا وإنما يكون إذا كان لازما ل المحكوم عليه الموصوف المخبر عنه الذي يسمى الموضوع والمبتدأ مستلزما الحكم الذي هو صفة وخبر وحكم وهو الذي يسمى المحمول والخبر. هذا كالسكر الذي هو أعم من النبيذ المتنازع فيه وأخص من التحريم وقد يكون الدليل مساويا في العموم والخصوص للحكم ولمحله وبأي صورة ذهنية أو لفظية صور الدليل فحقيقته واحدة وإن ما يعتبر في كونه دليلا هو كونه مستلزما للحكم لازما للمحكوم عليه فهذا هو جهة دلالته سواء صور قياس شمول وتمثيل أو لم يصور كذلك وهذا امر يعقله القلب وإن لم يعبر عنه اللسان ولهذا كانت أذهان بني آدم تستدل بالادلة على المدلولات وإن لم يعبروا عن ذلك بالعبارات المبينة لما في نفوسهم وقد يعبرون بعبارات مبينة لمعانيهم وإن لم يسلكوا اصطلاح طائفة معينة من أهل الكلام ولا المنطق ولا غيرهم فالعلم بذلك الملزوم لا بد ان يكون بينا بنفسه او بدليل آخر حقيقة قياس التمثيل والموازنة بينه وبين قياس الشمول وأما قياس التمثيل فهو انتقال المذهن من حكم معين الى حكم معين لاشتراكهما في ذلك المعنى المشترك الكلى لان ذلك الحكم يلزم ذلك المشترك الكلى ثم العلم بذلك الملزوم لا بد له من سبب إذا لم يكن بينا كما تقدم فهنا يتصور المعينين أولا وهما الاصل والفرع ثم ينتقل الى لازمهما وهو المشترك ثم الى لازم اللازم وهو الحكم ولا بد ان يعرف ان الحكم لازم المشترك وهو الذي يسمى هناك قضية كبرى ثم ينتقل الى إثبات هذا اللازم للملزوم الأول المعين فهذا هو هذا في الحقيقة وإنما يختلفان في تصوير الدليل ونظمه وإلا فالحقيقة التي بها صار دليلا وهو أنه مستلزم للمدلول حقيقة واحدة ومن ظلم هؤلاء وجهلهم انهم يضربون المثل في قياس التمثيل بقول القائل السماء مؤلفة فتكون محدثة قياسا على الانسان ثم يوردون على هذا القياس ما يختص به لخصوص المادة وهذا يرد عليه لو جعل قياس الشمول فانه لو قيل السماء مؤلفة وكل مؤلف محدث لورد عليه هذه الاسئلة وزيادة ولكن إذا اخذ قياس الشمول في مادة معلومة بينة لم يكن فرق بينه وبين قياس التمثيل بل قد يكون التمثيل أبين ولهذا كان العقلاء يقيسون به وكذلك قولهم في الحد إنه لا يحصل بالمثال إنما ذلك في المثال الذي لا يحصل به التمييز بين المحدود وغيره بحيث يعرف به ما يلازم المحدود طردا وعكسا بحيث يوجد حيث وجد وينتفى حيث انتفى فان الحد المميز للمحدود هو ما به يعرف الملازم المطابق طردا وعكسا فكل ما حصل هذا فقد ميز المحدود من غيره وهذا هو الحد عند جماهير النظار ولا يسوغون إدخال الجنس العام في الحد فاذا كان المقصود الحد بحسب الاسم فسأل بعض العجم عن مسمى الخبز فأرى رغيفا وقيل له هذا فقد يفهم ان هذا اللفظ يوجد فيه كل ما هو خبز سواء كان على صورة الرغيف او غير صورته وقد بسط الكلام على ما ذكروه وذكره المنطقيون في الكلام على المحصل وغير ذلك وجد هذا في الامثلة المجردة إذا كان المقصود إثبات الجيم للألف والحد الاوسط هو الباء فقيل كل ألف باء وكل باء جيم أنتج كل الف جيم ولكن يحتاج ذلك الى إثبات القضية الكبرى مع الصغرى وإذا قيل كل ألف جيم قياسا عل الدال لأن الدال هي جيم وإنما كانت جيما لأنها باء والألف أيضا باء فتكون الالف جيما لاشتراكهما في المستلزم للجيم وهو الباء كان هذا صحيحا في معنى الاول لكن فيه زيادة مثال قيست عليه الالف مع ان الحد الاوسط وهو الباء موجود فيهما دعواهم في البرهان أنه يفيد العلوم الكمالية فان قيل ما ذكرتموه من كون البرهان لا بد فيه من قضية كلية صحيح ولهذا لا يثبتون به إلا مطلوبا كليا ويقولون البرهان لا يفيد إلا الكليات ثم اشرف الكليات هي العقليات المحضة التي لا تقبل التغيير والتبديل فهى التي تكمل بها النفس وتصير عالما معقولا موازيا للعالم الموجود بخلاف القضايا التي تتبدل وتتغير وإذا كان المطلوب هو الكليات العقلية التي لا تقبل التبديل والتغيير فتلك إنما تحصل بالقضايا العقلية الواجب قبولها بل إنما تكون في القضايا التي جهتها الوجوب كما يقال كل إنسان حيوان وكل موجود فاما واجب وإما ممكن ونحو ذلك من القضايا الكلية التي لا تقبل التغير أقسام العلوم عندهم ثلاثة ولهذا كانت العلوم عندهم ثلاثة إما علم لا يتجرد عن المادة لا في الذهن ولا في الخارج وهو الطبيعي وموضوعه الجسم وإما علم مجرد عن المادة في الذهن لا في الخارج وهو الرياضي كالكلام في المقدورات المعدودة والمقدار والعدد وإما ما يتجرد عن المادة فيهما وهو الالهى وموضوعه الوجود المطلق بلواحقه التي تلحقه من حيث هو وجود كانقسامه الى واجب وممكن وجوهر وعرض الجواهر الخمسة وانقسام الجوهر الى ما هو حال وما هو محل وما ليس بحال ولا محل بل هو يتعلق بذلك تعلق التدبير والى ما ليس بحال ولا محل ولا هو متعلق بذلك فالاول هو الصورة والثاني هوالمادة وهو الهيولي ومعناه في لغتهم المحل والمركب منهما هو الجسم والثالث هو النفس والرابع هو العقل وهذه الخمسة اقسام الجوهر عندهم والاول مقالي يجعله اكثرهم من مقولة الجوهر ولكن طائفة من متأخريهم كابن سينا امتنعوا من تسميته جوهرا وقالوا الجوهر ما اذا وجد كان وجوده لا في موضوع أي لا في محل يستغنى عن الحال فيه وهذا انما يكون فيما وجوده غير ماهيته والاول ليس كذلك فلا يكون جوهرا وهذا خالفو مما فيه سلفهم ونازعوهم فيه نزاعا لفظيا ولم يأتوا بفرق صحيح معقول فان تخصيص أسم الجوهر بما ذكروه أمر اصطلاحي وأولئك يقولون بل هو كل ما ليس في موضوع كما يقول المتكلمون كل ما هو قائم بنفسه أو كل ما هو متحيز او كل ما قامت به الصفات أو كل ما حمل الاعراض ونحو ذلك وأما الفرق المعنوي فدعواهم ان وجود الممكنات زائد على ماهيتها في الخارج باطل ودعواهم ان الاول وجود مقيدة بالسلوب ايضا باطل كما هو مبسوط في موضعه علم المقولات العشر مع أن تقسيم الوجود الى واجب وممكن هو تقسيم ابن سينا وأتباعه وأما أرسطو والمتقدمون فلا يقسمونه إلا الى جوهر وعرض والممكن عندهم لا يكون إلا حادثا كما اتفق على ذلك سائر العقلاء وهذا العلم هو علم المقولات العشر وهو المسمى عندهم قاطيغورياس الادلة على بطلان دعواهم في البرهان والمقصود هنا الكلام على البرهان فيقال هذا الكلام وإن ضل به طوائف فهو كلام مزخرف وفيه من الباطل ما يطول وصفه ولكن ننبه هنا على بعض ما فيه وذلك من وجوه الوجه الاول: البرهان لا يفيد العلم بشئ من الموجودات الاول أن يقال إذا كان البرهان لا يفيد إلا العلم بالكليات والكليات إنما تتحقق في الاذهان لا في الاعيان وليس في الخارج إلا موجود معين لم يعلم بالبرهان شئ من المعينات فلا يعلم به موجود اصلا بل إنما يعلم به أمور مقدرة في الاذهان ومعلوم ان النفس لو قدر ان كمالها في العلم فقط وإن كانت هذه قضية كاذبة كما بسط في موضعه فليس هذا علما تكمل به النفس إذ لم تعلم شيئا من الموجودات ولا صارت عالما معقولا موازيا للعالم الموجود بل صارت عالما لامور كلية مقدرة لا يعلم بها شئ من العالم الموجود وأي خير في هذا فضلا عن ان يكون كمالا الوجه الثاني: لا يعلم بالبرهان واجب الوجود ولا العقول الخ الثاني ان يقال اشرف الموجودات هو واجب الوجود ووجوده معين لا كلى فان الكلى لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وواجب الوجود يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وإن لم يعلم منه ما يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه بل إنما علم امر كلى مشترك بينه وبين غيره لم يكن قد علم واجب الوجود وكذلك الجواهر العقلية عندهم وهي العقول العشرة او اكثر من ذلك عند من يجعلها اكثر من ذلك عندهم كالسهروردى المقتول وأبى البركات وغيرهما كلها جواهر معينة لا امور كلية فاذا لم يعلم إلا الكليات لم يعلم شئ منها وكذلك الافلاك التي يقولون إنها ازلية ابدية وهي معينة فاذا لم يعلم إلا الكليات لم تكن معلومة فلا يعلم لا واجب الوجود ولا العقول ولا شئ من النفوس ولا الافلاك بل ولا العناصر ولا المولدات وهذه جملة الموجودات عندهم فأي علم هنا تكمل به النفس الوجه الثالث: ليس العلم الالهي عندهم علما بالخالق ولا بالمخلوق الثالث ان يقال العلم الاعلى عندهم الذي هو الفلسفة الاولى والحكمة العليا علم ما بعد الطبيعة باعتبار الاستدلال وما هو قبلها باعتبار الوجود وهو الذي يسميه طائفة منهم العلم الالهي وموضوع هذا العلم هو الوجود المطلق الكلى المنقسم الى واجب وممكن وقديم ومحدث وجوهر وعرض إيراد لابن المطهر الحلى وتخطئة المصنف له عليه وقد أورد بعض المتأخرين من الشيعة المصنفين في علمهم ما ذكره انه الاسرار الخفية في العلوم العقلية عليهم سؤالا قال إن كان موضوعه كل موجود فلا يبحث فيه عن عوارض كل موجود وإن كان أخص من ذلك ك الواجب والممكن فذلك جزء منه التقسيم نوعان تقسيم الكل الى أجزائه وتقسيم الكلى الى جزئياته فيقال له القسمة نوعان قسمة الكلى إلى جزئياته وقسمة الكل الى أجزائه والقسمة الثانية هي المعروفة في الامر العام كما يقول العلماء باب القسمة ويذكرون قسمة المواريث والمغانم والارض وغير ذلك ومنه قوله تعالى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر القمر ومنه قوله تعالى لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم الحجر أما تقسيم الكلى الى جزئياته فمثل قولنا الحيوان ينقسم الى ناطق وأعجمي وهو قسمة الجنس الى أنواعه والنوع الى اشخاصه استطراد ولهذا كان النحاة إذا ارادوا ان يقسموا ما يقسمونه الى اسم وفعل وحرف يختلف كلامهم فكثير منهم يقول الكلام ينقسم الى اسم وفعل وحرف وهذا هو الذي يذكره قدماء النحاة فاعترض عليهم بعض من صنف في قوانين النحو كالكرولي وقالوا كل جنس قسم الى أنواعه أو انواع اشخاصه ف الاسم المقسوم الاعلى صادق على الانواع والاشخاص وإلا فليست بأقسام له فصاروا يقولون الكلمة تنقسم الى اسم وفعل وحرف ويقولون الكلمة جنس تحته انواع الاسم والفعل والحرف وهذا الاعتراض خطأ ممن أورده لان اولئك لم يقصدوا تقسيم الكلى الى جزئياته وإنما قصدوا تقسيم الكل الى أجزائه وهو التقسيم المعروف اولا في العقول واللغات كما إذا قلت هذه الارض مقسمومة فلفلان هذا الجانب ولفلان هذا الجانب كما قال تعالى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر القمر والكلام مركب من الاسماء والافعال والحروف كما يتركب البيت من السقف والحيطان والارض وكما ان بدن الانسان مركب من أعضائه المتميزة وأخلاطه الممتزجة فتقسيمه الى الاعضاء والاخلاط تقسيم كل الى أجزائه ومثل هذا يمتنع ان يصدق فيه اسم المقسوم على الاجزاء فليس كل واحد من أعضائه بدنا ولا كل من أخلاطه بدنا ولا كل من اجزاء السقف بيتا وكذلك الوجه إذا قيل ينقسم الى جبين وأنف وعين وخد وغير ذلك لم يكن كل واحد من هذه الاعضاء وجها ونظائر هذا كثيرة وأما الكلى فانما يوجد في الذهن لا في الخارج فتبين ان تقسيم الاولين أظهر من تقسيم الآخرين استطراد آخر: معنى الكلمة والحرف في كلام العرب ثم إن الاخرين جعلوا ان الكلمة اسم جنس لهذه الانواع ولفظ الكلمة لا يوجد في لغة العرب إلا اسما لجملة تامة اسمية أو فعلية كقول النبي ﷺ - كلمتان حفيفتان على اللسان حبيبتان الى الرحمن ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وقوله اصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد ألا كل شئ ما خلا الله باطل وقوله في النساء أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ومنه قوله تعالى وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا التوبة وقوله تعالى وينذر الذين قالوا اتخد الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا الكهف ومثل هذا كثير في كلام العرب وبعض متأخرى النحاة لما سمع بعض هذا قال وقد يراد بالكلام الكلمة وليس الامر كما زعمه بل لا يوجد في كلام العرب لفظ الكلمة إلا للجملة التامة التي هي كلام ولا تطلق العرب لفظ كلمة ولا كلام إلا على جملة تامة ولهذا ذكر سيبويه انهم يحكون بالقول ما كان كلاما ولا يحكون به ما كان قولا وأما تسمية الاسم وحده كلمة والفعل وحده كلمة والحرف وحده كلمة مثل هل وبل فهذا اصطلاح محض لبعض النحاة ليس هذا من لغة العرب اصلا وانما تسمى العرب هذه المفردات حروفا ومنه قول النبي ﷺ - من قرا القران فله بكل حرف عشر حسنات اما اني لا اقول الم حرف ولكن الف حرف ولام حرف وميم حرف والذي عليه محققو العلماء ان المراد بالحرف الاسم وحده والفعل حرف المعنى لقوله الف حرف وهذا اسم ولهذا لما سأل الخليل اصحابه عن النطق بالزاء من زيد فقالوا زا فقال نطقتم بالاسم وانما الحرف زه ومنه قول ابي الاسود الدؤلي وذكر له لفظه من الغريب وقال هذا حرف لم يبلغك فقال كل حرف لم يبلغ علمك فافعل به كذا ولهذا ذكر سيبويه في اول كتابه التقسيم الى اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل فجعل الفصل من النوع الثالث انه حرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل فميزه بقوله جاء لمعنى عن حروف الهجاء مثل الف با تا فان هذه حروف هجاء وهذه الالفاظ اسماء تعرب اذا عقدت وركبت ولكن اذا نطق بها قبل التركيب نطق بها ساكنة كما ينطق بأسماء العدد قبل التركيب والعقد فيقال واحد اثنان ثلاثة ولهذا يعلم الصبيان في اول الامر اسما الحروف المفردة ا ب ت ث ثم المركبة وهو ابجد هوز حطي ويعلمون اسماء الاعداد واحد اثنان ثلاث عود إلى أصل الموضوع والمقصود هنا ان التقسيم نوعان تقسيم الكل الى اجزائه وهو اشهرهما واعرفهما في العقول واللغات والثاني تقسيم الكلي الى جزئياته وهو التقسيم الثاني لان الكليات هي المعقولات الثانية فاذا قال القائل الوجود الذي هو موضوع العلم الالهي عندهم اما ان يكون كل موجود او بعضه وهو الواجب او الممكن كان هذا الحصر خطأ منه لان موضوعه الوجود الكلي المنقسم الى انواعه لا الكل المنقسم الى اجزائه ومعلوم ان الوجود الكلي يتكلمون في لواحقه الذاتيه لا في لواحق كل موجود العلم الاعلى عند المنطقيين ليس علما بموجود في الخارج لكن الذي تبين به خساسة ما عند القوم ونقص قدره ان هذا الوجود الكلي انما يكون كليا في الذهن لا في الخارج فاذا كان هذا هو العلم الاعلى عندهم لم يكن الاعلى عندهم علما بشيء موجود في الخارج بل علما بأمر مشترك بين جميع الموجودات وهو مسمى الوجود وذلك كمسمى الشيء والذات والحقيقة والنفس والعين والماهية ونحو ذلك من المعاني العامة ومعلوم ان العلم بهذا ليس هو علما بموجود في الخارج لا بالخالق ولا بالمخلوق وانما هو علم بأمر مشترك كلي يشترك فيه الموجودات لا يوجد الا في الذهن ومن المتصورات ما يشترك فيه الموجود والمعدوم كقولنا مذكور ومعلوم ومخبر عنه فهذا اعم من ذاك وهذا بخلاف العلم الاعلى عند المسلمين فانه العلم بالله الذي هو في نفسه اعلى من غيره من كل وجه والعلم به اعلى العلوم من كل وجه والعلم به اصل لكل علم وهم يسلمون ان العلم به اذا حصل على الوجه التام يستلزم العلم بكل موجود وهذا بخلاف العلم بمسمى الوجود فان هذا لا حقيقة له في الخارج ولا العلم بالقدر المشترك يستلزم العلم بأجناسه وأنواعه وما يتميز به كل شئ بل ليس فيه إلا علم بقدر مشترك لا تصور له في الخارج وإنما هو علم بهذه المشتركات وليس في مجرد العلم بذلك ما يوجب كمال النفس بل ولا في العلم بأقسامه العامة فانا إذا علمنا أن الوجود ينقسم الى جوهر وعرض وأن اقسام الجوهر خمسة كما زعموه مع ان ذلك ليس بصحيح ولا يثبت مما ذكروه إلا الجسم وأما المادة والصورة والنفس والعقل فلا يثبت لها حقيقة في الخارج إلا ان يكون جسما اوعرضا ولكن ما يثبتونه يعود الى امر مقدر في النفس لا في الخارج كما قد بسط في موضعه وقد اعترف بذلك من ينصرهم ويعظمهم كأبى محمد بن حزم وغيره ولتعظيمه المنطق رواه باسناده الى متى الترجمان الذي ترجمه الى العربية ومع هذا فاعترف بما ذكرناه وقد بسط ذلك في موضعه ونحن نفرض هنا وجود ذلك في الخارج فالعلم بانقسام ذلك الى جواهر خمسة وانقسام العرض الى الانواع التسعة مع انه لم يقم دليل على انقسامه الى تسعة عند بعضهم وقد انشدوا فيها زيد الطويل الاسود ابن مالك ... في داره بالامس كان يتكى في يده سيف نضاه فانتضى ... فهذه عشر مقولات سوى فذكر في هذين البيتين الجوهر والكم والكيف والاضافة والاين ومتى والوضع والملك وأن يفعل وأن ينفعل ولما لم يقم دليل على حصر أجناسها العالية في تسعة جعلها بعضهم خمسة وبعضهم ثلاثة الكم والكيف والاضافة والمقصود هنا أنه إذا علم هذا التقسيم وعندهم كلما كان أعم كان أقرب الى المعقول وكان البرهان عليه أقوم فانه لا يقوم برهان واجب القبول دائما إلا على ما لا يتغير وهذه الاعراض عندهم لا يقوم ب واجب الوجود بل ولا بالعقول إلا بعضها على نزاع بينهم فيعود الكمال الى تصور وجود مطلق لا حقيقة له في الخارج كتصور ذات مطلقة وشئ مطلق وحقيقة مطلقة وأي كمال للنفس في مجرد تصور هذه الامور العامة الكلية إذا لم تتصور أعيان الموجودات المعينة الجزئية وأي علم في هذا برب العالمين الذي لا تكمل النفوس إلا بمعرفته وعبادته محبة وذلا كما قد بسط في موضعه ولهذا كانت نهاية الفلاسفة إذا هداهم الله بعض الهداية بداية اليهود والنصارى الكفار فضلا عن المسلمين أمة محمد ﷺ - فان ما عند اليهود والنصارى الكفار بعد النسخ والتبديل مما هو من نوع كمال النفس افضل في الجنس والكم والكيف مما عند الفلاسفة الوجه الرابع: العلم الرياضي لا تكمل به النفوس وإن ارتاضت به العقول إن تقسيمهم العلوم الى الطبيعي والى الرياضي والى الالهي وجعلهم الرياضي اشرف من الطبيعي والالهي اشرف من الرياضي هو مما قلبوا به الحقائق فان العلم الطبيعي وهو العلم بالاجسام الموجودة في الخارج ومبدأ حركاتها وتحولاتها من حال الى حال وما فيها من الطبائع اشرف من مجرد تصور مقادير مجردة وأعداد مجردة فان كون الانسان لا يتصور إلا شكلا مدورا او مثلثا أو مربعا ولو تصور كل ما في اقليدس او لا يتصور إلا أعدادا مجردة ليس فيه علم بموجود في الخارج وليس ذلك كمالا في النفس ولولا ان ذلك يطلب فيه معرفة المعدودات والمقدرات الخارجية التي هي أجسام وأعراض لما جعل علما وإنما جعلوا الهندسة مبدأ لعلم الهيئة ليستعينوا به على براهين الهيئة او ينتفعوا به في عمارة الدنيا هذا مع ان براهينهم القياسية لا تدل على شئ دلالة مطردة يقينية سالمة عن الفساد إلا في هذه المواد الرياضية فان علم الحساب الذي هو علم بالكم المنفصل والهندسة التي هي علم بالكم المنفصل علم يقينى لا يحتمل النقيض البتة مثل جمع الاعداد وقسمتها وضربها ونسبة بعضها الى بعض فانك إذا جمعت مائة الى مائة علمت انها مائتان واذا قسمتها على عشرة كان لكل واحد عشرة واذا ضربتها في عشرة كان المرتفع مائة والضرب مقابل للقسمة فان ضرب الاعداد الصحيحة تضعيف احاد احد العددين بآحاد العدد الآخر والقسمة توزيع احد العددين على آحاد العدد الاخر فاذا قسم المرتفع بالضرب على احد العددين خرج المضروب الاخر واذا ضرب الخارج بالقسمة في المقسوم عليه خرج المقسوم فالمقسوم نظير المرتفع بالضرب فكل واحد من المضروبين نظير المقسوم والمقسوم عليه والنسبة تجمع هذا كله فنسبة احد المضروبين الى المرتفع كنسبة الواحد الى المضروب الاخر ونسبة المرتفع الى احد المضروبين كنسبة الاخر الى الواحد فهذه الامور وامثالها مما يتكلم فيه الحساب امر معقول مما يشترك فيه ذوو العقول وما من احد من الناس الا يعرف منه شيئا فانه ضروري في العلم ضروري في العمل ولهذا يمثلون به في قولهم الواحد نصف الاثنين ولا ريب ان قضاياه كلية واجبة القبول لا تنتقض البتة استطراد وهذا مبتدا فلسفتهم التي وضعها فيثاغورس وكانوا يسمون اصحابه اصحاب العدد وكانوا يظنون ان الاعداد المجردة موجودة خارج الذهن ثم تبين لافلاطون واصحابه غلط ذلك وظنوا ان الماهيات المجردة ك الانسان المطلق والفرس المطلق موجودات خارج الذهن وانها ازلية ابدية ثم تبين لارسطو واصحابه غلط ذلك فقالوا بل هذه الماهيات المطلقة موجودة في الخارج مقارنة لوجود الاشخاص ومشى من مشى من اتباع ارسطو من المتأخرين على هذا وهو ايضا غلط فان ما في الخارج ليس بكلى اصلا وليس في الخارج الا ما هو معين مخصوص واذا قيل الكلي الطبيعي في الخارج فمعناه ان ما هو كلي في الذهن هو مطابق للافراد الموجودة في الخارج مطابقة العام لافراده والموجود في الخارج معينا مختص ليس بكلي اصلا ولكن فيه حصة من الكلي وما في الذهن يطلق عليه انه قد يوجد الخارج كما يقال فعلت ما في نفسي وفي نفسي امور اريد فعلها ومنه قوله تعالى الا حاجة في نفس يعقوب قضاها وقول عمر كنت زورت في نفسي مقالة احببت ان اقولها ونظائره كثيرة والكلي اذا وجد في الخارج لا يكون الا معينا لا يكون كليا فكونه كليا مشروط بكونه في الذهن ومن اثبت ماهية لا في الذهن ولا في الخارج فتصور قوله تصورا تاما يكفي في العلم بفساد قوله وهذه الامور مبسوطة في غير هذا الموضع عود الى اصل الموضوع والمقصود هنا ان هذا العلم هو الذي تقوم عليه براهين صادقة لكن لا تكمل بذلك نفس ولا تنجو به من عذاب ولا يحصل لها به سعادة ولهذا قال ابو حامد الغزالي وغيره في علوم هؤلاء هي بين علوم صادقة لا منفعة فيها ونعوذ بالله من علم لا ينفع وبين ظنون كاذبه لا ثقه بها وان بعض الظن اثم يشيرون بالاول الى العلوم الرياضية وبالثاني الى ما يقولونه في الالهيات وفي احكام النجوم ونحو ذلك الاسباب المغرية بالاشتغال بالعلم الرياضي وما اشبهه لكن قد تلتذ النفس بذلك كما تلتذ بغير ذلك فان الانسان يلتذ بعلم ما لم يكن علمه وسماع ما لم يكن سمعه اذا لم يكن مشغولا عن ذلك بما هو اهم عنده منه كما قد يلتذ بأنواع من الافعال التي هي من جنس اللهو واللعب وايضا ففي الادمان على معرفة ذلك تعتاد النفس العلم الصحيح والقضايا الصادقة والقياس المستقيم فيكون في ذلك تصحيح الذهن والادراك وتعويد النفس انها تعلم الحق وتقوله لتستعين بذلك على المعرفة التي هي فوق ذلك ولهذا يقال انه كان اوائل الفلاسفة اول ما يعلمون اولادهم العلم الرياضي وكثير من شيوخهم في اخر امره انما يشتغل بذلك لانه لما نظر في طرقهم وطرق من عارضهم من اهل الكلام الباطل لم يجد في ذلك ما هو حق اخذ يشغل نفسه بالعلم الرياضي كما كان يجري مثل ذلك لمن هو من ائمة الفلاسفة كابن واصل وغيره وكذلك كثير من متأخري اصحابنا يشتغلون وقت بطالتهم بعلم الفرائض والحساب والجبر والمقابلة والهندسة ونحو ذلك لان فيه تفريحا للنفس وهو علم صحيح لا يدخل فيه غلط وقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال اذا لهوتم فالهوا بالرمي واذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض فان حساب الفرائض علم معقول مبني على اصل مشروع فتبقى فيه رياضة العقل وحفظ الشرع ولكن ليس هو علما يطلب لذاته ولا تكمل به النفس واولئك المشركون كانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل ويدعونها بأنواع الدعوات كما هو معروف من اخبارهم وما صنف على طريقهم من الكتب الموضوعه في الشرك والسحر ودعوة الكواكب والعزائم والاقسام التي بها يعظم ابليس وجنوده وكان الشيطان بسبب السحر والشرك يغويهم بأشياء هي التي دعتهم الى ذلك الشرك والسحر فكانوا يرصدون الكواكب ليتعلموا مقاديرها ومقادير حركاتها وما بين بعضها وبعض من الاتصالات ليستعينوا بذلك على ما يرونه مناسبا لها ولما كانت الافلاك مستديرة ولم يكن معرفة حسابها الا بمعرفة الهندسة واحكام الخطوط المنحنية والمستقيمة تكلموا في الهندسة لذلك ولعمارة الدنيا فلهذا صاروا يتوسعون في ذلك والا فلو لم يتعلق بذلك غرض الا مجرد تصور الاعداد والمقادير لم تكن هذه الغاية مما يوجب طلبها بالسعي المذكور وربما كانت هذه غاية لبعض الناس الذين يتلذذون بذلك فان لذات النفوس انواع ومنهم من يلتذ بالشطرنج والنرد والقمار حتى يشغله ذلك عما هو انفع له منه فكان مبدا وضع المنطق من الهندسة فجعلوه اشكالا كالاشكال الهندسية وسموه حدودا كحدود تلك الاشكال لينتقلوا من الشكل المحسوس الى الشكل المعقول وهذا لضعف عقولهم وتعذر المعرفة عليهم الا بالطريق البعيدة والله تعالى قد يسر للمسلمين من العلم والبيان مع العمل الصالح والايمان ما برزوا به على كل نوع من انواع جنس الانسان والحمد لله رب العالمين العلم الالهي عندهم ليس له معلوم في الخارج واما العلم الالهي الذي هو عندهم مجرد عن المادة في الذهن والخارج فقد تبين لك انه ليس له معلوم في الخارج وانما هو علم بأمور كلية مطلقة لا توجد كلية الا في الذهن وليس في هذا من كمال النفس شيء وان عرفوا واجب الوجود بخصوصه فهو علم بمعين يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وهذا مما لا يدل عليه القياس الذي يسمونه البرهان ف برهانهم لا يدل على شيء معين بخصوصه لا واجب الوجود ولا غيره وانما يدل على امر كلي و الكلي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه و واجب الوجود يمنع العلم به من وقوع الشركة فيه ومن لم يتصور ما يمتنع الشركة فيه لم يكن قد عرف الله ومن لم يثبت للرب الا معرفة الكليات كما يزعمه ابن سينا وامثاله وظن ذلك كمالات للرب وكذلك يظن كمالا للنفس بطريق الاولى لا سيما اذا قال ان النفس لا تدرك الا الكليات وانما يدرك الجزئيات البدن فهذا في غاية الجهل وهذه الكليات التي لا يعرف بها الجزئيات الموجودة لا كمال فيها البتة والنفس انما تحب معرفة الكليات لتحيط بها بمعرفة الجزئيات فاذا لم يحصل ذلك لم تفرح النفس بذلك 6. كمال النفس بمعرفة الله مع العمل الصالح لا بمجرد معرفة الله فضلا عن كونه يحصل بمجرد علم الفلسفة الوجه الخامس ان يقال هب ان النفس تكمل بالكليات المجردة كما زعموه فما يذكرونه في العلم الاعلى عندهم الناظر في الوجود ولو احقه ليس كذلك فان تصور معنى الوجود فقط امر ظاهر حتى يستغني عن الحد عندهم لظهوره فليس هو المطلوب وانما المطلوب اقسامه ونفس انقسامه الى واجب وممكن وجوهر وعرض وعلة ومعلول وقديم وحادث هو اخص من مسمى الوجود وليس في مجرد معرفة انقسام الامر العام في الذهن الى اقسام بدون معرفة الاقسام ما يقتضى علما عظيما عاليا على تصور الوجود فاذا عرفت الاقسام فليس فيها ما هو علم بمعلوم لا يقبل التغير والاستحالة فان هذه الاقسام عامتها انما هو في هذا العالم وكل ذلك يقبل التغير والاستحالة وليس معهم دليل اصلا يدلهم على ان العالم لم يزل ولا يزال هكذا وجميع ما يحتجون به على دوام الفاعل والفاعلية والزمان والحركة وتوابع ذلك فانما يدل على قدم نوع ذلك ودوامه لا على قدم شيء معين ولا دوام شيء معين فالجزم بأن مدلول تلك الادلة هو هذا العالم او شيء منه جهل محض لا مستند له الا عدم العلم بموجود غير هذا العالم وعدم العلم ليس علما بالعدم ولهذا لم يكن عند القوم ايمان بالغيب الذي اخبرت به الانبياء فهم لا يؤمنون لا بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا البعث بعد الموت واذا قالوا نحن نثبت العالم العقلي او المعقول الخارج عن العالم المحسوس وذلك هو الغيب فان هذا وان كان قد ذكره طائفة من المتكلمة والمتفلسفة خطأ وضلال فان ما سواء من المعقولات انما يعود عند التحقيق الى امور مقدرة في الاذهان لا موجودة في الاعيان والرسل اخبرت عما هو موجود في الخارج وهو اكمل واعظم وجودا مما نشهده في الدنيا فأين هذا من هذا وهم لما كانوا مكذبين بما اخبرت به الرسل في نفس الامر واحتاجوا الى الجمع بين قولهم وبين تصديق الرسل لما بهرهم من امر الرسل قالوا ان الرسل قصدوا اخبار الجمهور بما يتخيل اليهم لينتفعوا بذلك في العدل الذي اقاموه لهم ثم منهم من يقول ان الرسل عرفت ما عرفناه من نفي هذه الامور ومنهم من يقول بل لم يكونوا يعرفون هذا وانما كان كمالهم في القوة العملية لا النظرية واقل اتباع الرسل اذا تصور حقيقة ما عندهم وجده مما لا يرضى به اقل اتباع الرسل و اذا علم بالادلة العقلية ان هذا العالم يمتنع ان يكون شيء منه قديما ازليا وعلم بأخبار الانبياء المؤيدة بالعقل انه كان قبله عالم اخر منه خلق وانه سوف يستحيل وتقوم القيامة ونحو ذلك علم ان غاية ما عندهم من الاحكام الكلية ليست مطابقة بل هي جهل لا علم وهب انهم لم يعلموا ما اخبرت به الرسل فليس في العقل ما يوجب ما ادعوه من كون هذه الانواع الكلية التي في هذا العالم ازلية ابدية لم تزل ولا تزال فلا يكون العلم بذلك علما بكليات ثابتة وعامة فلسفتهم الاولى وحكمتهم العليا من هذا النمط وكذلك من صنف على طريقتهم كصاحب المباحث المشرقية وصاحب حكمة الاشراق وصاحب دقائق الحقائق ورموز الكنوز وصاحب كشف الحقائق وصاحب الاسرار الخفية في العلوم العقلية وامثال هؤلاء ممن لم يجرد القول لنصر مذهبهم مطلقا ولا تخلص من اشراك ضلالهم مطلقا بل شاركهم فى كثير من ضلالهم و شاركهم فى كثير من محالهم وتخلص من بعض و بالهم و ان كان ايضا لم ينصفهم فى بعض ما اصابوا فيه و اخطا لعدم علمه بمرادهم او لعدم معرفته ان ما قالوه صواب مأخذ علوم ابي علي ابن سينا وشيء من احواله ثم ان هؤلاء انما يتبعون كلام ابن سينا وابن سينا تكلم في اشياء من الالهات والنبويات والمعاد والشرائع لم يتكلم فيها سلفه ولا وصلت اليها عقولهم ولا بلغتها علومهم فإنه استفادها من المسلمين وان كان انما اخذ عن الملاحدة المنتسبين الى المسلمين كالاسماعيلية وكان اهل بيته من اهل دعوتهم من اتباع الحاكم العبيدي الذي كان هو اهل بيته واتباعه معروفين عند المسلمين بالالحاد احسن ما يظهرونه دين الرفض وهم في الباطن يبطون الكفر المحض وقد صنف المسلمون في كشف اسرارهم وهتك استارهم كتبا كبارا وصغارا وجاهدوهم باللسان واليد اذ كانوا احق بذلك من اليهود والنصارى ولو لم يكن الا كتاب كشف الاسرار وهتك الاستار للقاضي ابي بكر محمد بن الطيب وكتاب عبد الجبار بن احمد وكتاب ابي حامد الغزالي وكلام ابي اسحاق وكلام ابن فورك والقاضي ابي يعلى وابن عقيل والشهر ستاني وغير هؤلاء مما يطول وصفه والمقصود هنا ان ابن سينا اخبر عن نفسه ان اهل بيته اباه واخاه كانوا من هؤلاء الملاحدة وانه انما اشتغل بالفلسفة بسبب ذاك فانه كان يسمعهم يذكرون العقل والنفس وهؤلاء المسلمين الذين كان ينتسب اليهم هم مع الالحاد الظاهر والكفر الباطن اعلم بالله من سلفه الفلاسفة كأرسطو واتباعه فان اولئك ليس عندهم من العلم بالله الا ما عند عباد مشركي العرب ما هو خير منه وقد ذكرت كلام ارسطو نفسه الذي ذكره في علم ما بعد الطبيعة في مقالة اللام وغيرها وهو اخر منتهى فلسفته وبينت بعض ما فيه من الجهل فانه ليس في الطوائف المعروفين الذين يتكلمون في العلم الالهي مع الخطأ والضلال مثل علماء اليهود والنصارى واهل البدع من المسلمين وغيرهم اجهل من هؤلاء ولا ابعد عن العلم بالله تعالى منهم نعم لهم في الطبيعيات كلام غالبه جيد وهو كلام كثير واسع ولهم عقول عرفوا بها ذلك وهم قد يقصدون الحق لا يظهر عليهم العناد لكنهم جهال بالعلم الالهي الى الغاية ليس عندهم منه الا قليل كثير الخطأ وابن سينا لما عرف شيئا من دين المسلمين وكان قد تلقى ما تلقاه عن الملاحدة وعمن هو خير منهم من المعتزلة والرافضة اراد ان يجمع بين ما عرفه بعقله من هؤلاء وبين ما اخذه من سلفه فتكلم في الفلسفة بكلام مركب من كلام سلفه ومما احدثه مثل كلامه في النبوات واسرار الايات والمنامات بل وكلامه في بعض الطبيعيات و المنطقيات وكلامه واجب الوجود ونحو ذلك والا فأرسطو واتباعه ليس في كلامهم ذكر واجب الوجود ولا شيء من الاحكام التي ل واجب الوجود وانما يذكرون العلة الاولى ويثبتونه من حيث هو علة غائية للحركة الفلكية يتحرك الفلك للتشبه به فابن سينا اصلح تلك الفلسفة الفاسدة بعض اصلاح حتى راجت على من لم يعرف دين الاسلام من الطلبة النظار وصاروا يظهر لهم بعض ما فيها من التناقض فيتكلم كل منهم بحسب ما عنده ولكن سلموا لهم اصولا فاسدة في المنطق والطبيعيات والالهيات ولم يعرفوا ما دخل فيها من الباطل فصار ذلك سببا الى ضلالهم في مطالب عالية ايمانية ومقاصد سامية قرانية خرجوا بها عن حقيقة العلم والايمان وصاروا بها في كثير من ذلك لا يسمعون ولا يعقلون بل يستسفطون في العقليات ويقرمطون في السمعيات والمقصود هنا التنبيه على انه لو قدر ان النفس تكمل بمجرد العلم كما زعموه مع انه قول باطل فان النفس لها قوتان قوة علمية نظرية وقوة ارادية علمية فلا بد لها من كمال القوتين بمعرفة الله وعبادته وعبادته تجمع محبته والذل له فلا تكمل نفس قط الا بعبادة الله وحده لا شريك له والعبادة تجمع معرفته ومحبته والعبودية له وبهذا بعث الله الرسل وانزل الكتب الالهية كلها تدعو الى عبادة الله وحده لا شريك له وهؤلاء يجعلون العبادات التي امرت بها الرسل مقصودها اصلاح اخلاق النفس لتستعد للعلم الذي زعموا انه كمال النفس او مقصودها اصلاح المنزل والمدينة وهو الحكمة العملية فيجعلون العبادات وسائل محضة الى ما يدعونه من العلم ولهذا يرون ذلك ساقطا عمن حصل المقصود كما تفعل الملاحدة الاسماعيلية ومن دخل في الالحاد او بعضه وانتسب الى الصوفية او المتكلمين او الشيعة او غيرهم تزييف القول بأن الايمان مجرد معرفة الله والجهمية قالوا الايمان مجرد معرفة الله وهذا القول وان كان خيرا من قولهم فانه جعله معرفة الله بما يلزم ذلك من معرفة ملائكته وكتبه ورسله وهؤلاء جعلوا الكمال معرفة الوجود المطلق ولو احقه وهذا امر لو كان له حقيقة في الخارج لم يكن كمالا للنفس الا بمعرفة خالقها سبحانه وتعالى فهؤلاء الجهمية من اعظم مبتدعة المسلمين بل جعلهم غير واحد خارجين عن اثنتين وسبعين فرقة كما يروى ذلك عن عبد الله بن المبارك ويوسف بن اسباط وهو قول طائفة من المتأخرين من اصحاب احمد وغيرهم وقد كفر غير واحد من الائمة كوكيع بن الجراح واحمد بن حنبل وغيرهما لمن يقول هذا القول وقالوا هذا يلزم منه ان يكون ابليس وفرعون واليهود الذين يعرفونه كما يعرفون ابناءهم مؤمنين فقول الجهمية خير من قول هؤلاء فان ما ذكروه هو اصل ما تكمل به النفوس لكن لم يجمعوا بين علم النفس وبين ارادتها التي هي مبدا القوة العملية وجعلوا الكمال في نفس العلم وان لم يصدقه قول ولا عمل ولا اقترن به من الخشية والمحبة والتعظيم وغير ذلك مما هو من اصول الايمان ولوازمه واما هؤلاء فبعدوا عن الكمال غاية البعد والمقصود هنا الكلام على برهانهم فقط وانما ذكرنا بعض ما لزمهم بسبب اصولهم الفاسدة واعلم ان بيان ما في كلامهم من الباطل والنقض لا يستلزم كونهم اشقياء في الاخرة الا اذا بعث الله اليهم رسولا فلم يتبعوه بل يعرف به ان من جاءته الرسل بالحق فعدل عن طريقهم الى طريق هؤلاء كان من الاشقياء في الاخرة والقوم لولا الانبياء لكانوا اعقل من غيرهم لكن الانبياء جاؤا بالحق وبقاياه في الامم وان كفروا ببعضه حتى مشركي العرب كان عندهم بقايا من دين ابراهيم فكانوا بها خيرا من الفلاسفة المشركين الذين يوافقون ارسطو وامثاله على اصولهم الوجه السادس: البرهان لا يفيد امورا كلية واجبة البقاء في الممكنات الوجه السادس انه ان كان المطلوب ب قياسهم البرهاني معرفة الموجودات الممكنة فتلك ليس فيها واجب البقاء على حال واحدة ازلا وابدا بل هي قابلة للتغير والاستحالة وما قدر انه من اللازم لموصوفه فنفس الموصوف ليس بواجب البقاء فلا يكون العلم به علما بموجود واجب الوجود وليس لهم على ازلية شيء من العالم دليل صحيح كما قد بسط في موضعه وانما غاية ادلتهم تستلزم دوام نوع الفاعلية ونوع المادة والمدة وذلك ممكن موجود عين بعد عين من ذلك النوع ابدا مع القول بأن كل مفعول محدث مسبوق بالعدم كما هو مقتضى العقل الصريح والنقل الصحيح فان القول ب ان المفعول المعين مقارن لفاعله ازلا وابدا مما يقضي صريح العقل بامتناعه أي شيء قدر فاعله لا سيما اذا كان فاعلا باختياره كما دلت عليه الدلائل اليقينية ليست التي يذكرها المقصرون في معرفة اصول العلم والدين كالرازي وامثاله كما بسط في موضعه وما يذكرونه من اقتران المعلول بعلته فاذا اريد بالعلة ما يكون مبدعا للمعلول فهذا باطل بصريح العقل ولهذا تقر بذلك جميع الفطر السليمة التي لم تفسد بالتقليد الباطل ولما كان هذا مستقرا في الفطر كان نفس الاقرار بأنه خالق كل شيء وموجبا لان يكون كل ما سواه محدثا مسبوقا بالعدم وان قدر دوام الخالقية لمخلوق بعد مخلوق فهذا لا ينافي ان يكون خالقا لكل شيء وكل ما سواه محدث مسبوق بالعدم ليس معه شيء سواه قديم بقدمه بل ذلك اعظم في الكمال والجود والافضال واما اذا اريد بالعلة ما ليس كذلك كما يمثلون به من حركة الخاتم بحركة اليد وحصول الشعاع عن الشمس فليس هذا من باب الفاعل من شيء بل هو من باب المشروط والشرط قد يقارن المشروط واما الفاعل فيمتنع ان يقارنه مفعوله المعين وان لم يمتنع ان يكون فاعلا لشيء بعد شيء فقدم نوع الفعل كقدم نوع الحركة وذلك لا ينافي حدوث كل جزء من اجزائها بل يستلزمه لامتناع قدم شيء منها بعينه وهذا مما عليه جماهير العقلاء من جميع الامم حتى ارسطو واتباعه فانهم وان قالوا بقدم العالم فهم لم يثبتوا له مبدعا ولا علة فاعلة بل علة غائية يتحرك الفلك للتشبه بها لان حركة الفلك ارادية وهذا القول وهو ان الاول ليس مبدعا للعالم وانما هو علة غائية للتشبه به وان كان في غاية الجهل والكفر فالمقصود انهم وافقوا سائر العقلاء في ان الممكن المعلول لا يكون قديما بقدم علته كما يقول ذلك ابن سينا وموافقوه ولهذا انكر هذا القول ابن رشد وامثاله من الفلاسفة الذين اتبعوا طريقة ارسطو وسائر العقلاء في ذلك وبينوا ان ما ذكره ابن سينا مما خالف به سلفه وجماهير العقلاء وكان قصده ان يركب مذهبا من مذهب المتكلمين ومذهب سلفه فيجعل الموجود الممكن معلول الواجب مفعولا له مع كونه ازليا قديما بقدمه واتبعه على امكان ذلك اتباعه في ذلك كالسهروردي الحلبي والرازي والامدي والطوسي وغيرهم زعم الرازي ما ذكره في محصلة ان القول بكون الممكن المفعول المغلول يكون قديما للموجب بالذات مما اتفق عليه الفلاسفة والمتكلمون لكن المتكلمون يقولون بالحدوث ولكون الفاعل عندهم فاعلا بالاختيار وهذا غلط على الطائفتين بل لم يقل ذلك احد لا من المتكلمين ولا من الفلاسفة المتقدمين الذين نقلت الينا اقوالهم كأرسطو وامثاله وانما قاله ابن سينا وامثاله والمتكلمون اذا قالوا بقدم ما يقوم بالرب من الصفات ونحوها فلا يقولون انها مفعولة ولا معلولة لعلة فاعلة بل الذات القديمة هي الموصوفة بتلك الصفات عندهم فصفاتها من لوازمها يمتنع تحقق كون الواجب واجبا قديما الا ب صفاته اللازمة له كما قد بسط في موضعه ويمتنع عندهم قدم ممكن يقبل الوجود والعدم مع قطع النظر عن فاعله وكذلك اساطين الفلاسفة يمتنع عندهم قديم يقبل العدم ويمتنع ان يكون الممكن لم يزل واجبا سواء قيل انه واجب بنفسه او بغيره ولكن ما ذكره ابن سينا وامثاله في ان الممكن قد يكون قديما واجبا بغيره ازليا ابديا كما يقولونه في الفلك هو الذي فتح عليهم في الامكان من الاسئلة القادحة في قولهم ما لا يمكنهم ان يجيبوا عنه كما قد بسط في موضعه فان ليس موضع تقريره هذا ولكن نبهنا به على ان برهانهم القياسي الي لا يفيد امورا كلية واجبة البقاء في الممكنات واما واجب الوجود تبارك وتعالى فالقياس الذي يدعونه لا يدل على ما يختص به وانما يدل على امر مشترك كلى بينه وبين غيره اذا كان مدلول القياس الشمولي عندهم ليس الا امور كلية مشتركة وتلك لا تختص بواجب الوجود رب العالمين سبحانه وتعالى فلم يعرفوا ببرهانهم شيئا من الامور التي يجب دوامها لا من الواجب ولا من الممكنات واذا كانت النفس انما تكمل بالعلم الذي يبقى ببقاء معلومه وهم لم يعلموا علما يبقى ببقاء معلومه لم يستفيدوا ب برهانهم ما تكمل به النفس من العلم فضلا عن ان يقال ان ما تكمل به النفس من العلم لا يحصل الا ببرهانهم طريقة الانبياء في الاستدلال ولهذا كانت طريقة الانبياء صلوات الله عليهم وسلامه الاستدلال على الرب تعالى بذكر اياته وان استعملوا في ذلك القياس استعملوا القياس الا ولى ولم يستعملوا قياس شمول يستوى افراده ولا قياس تمثيل محض فان الرب تعالى لا مثل له ولا يجتمع هو وغيره تحت كلي يستوي افراده بل ما ثبت بغيره من كمال لا نقص فيه فثبوته له بطريق الاولى وما تنزه عنه غيره من النقائص فتنزهه عنه بطريق الاولى استعمال قياس الاولى في القران ولهذا كانت الاقيسة العقلية البرهانية المذكورة في القران من هذا الباب كما يذكره في دلائل ربو بيته وإلهيته ووحدانيته وعلمه وقدرته وامكان المعاد وغير ذلك من المطالب العالية السنية والمعالم الالهية التي هي اشرف العلوم واعظم ما تكمل به النفوس من المعارف وان كان كما لها لا بد فيه من كمال علمها وقصدها جميعا فلا بد من عبادة الله وحده المتضمنة لمعرفته ومحبته والذل له الاستدلال بالآيات في القرآن واما استدلاله تعالى بالآيات فكثير في القران والفرق بين الايات وبين القياس ان الاية هي العلامة وهي الدليل الذي يستلزم عين المدلول لا يكون مدلوله امرا كليا مشتركا بين المطلوب وغيره بل نفس العلم به يوجب العلم بعين المدلول كما ان الشمس آية النهار قال تعالى وجعلنا اليل والنهار ايتين فمحونا اية اليل وجعلنا اية النهار مبصرة فنفس العلم بطلوع الشمس يوجب العلم بوجود النهار وكذلك آيات نبوة محمد ﷺ - نفس العلم بها يوجب العلم بنبوته بعينه لا يوجب امرا كليا مشتركا بينه وبين غيره وكذلك آيات الرب تعالى نفس العلم بها يوجب العلم بنفسه المقدسة تعالى لا يوجب علما كليا مشتركا بينه وبين غيره والعلم بكون هذا مستلزما لهذا هو جهة الدليل فكل دليل في الوجود لا بد ان يكون مستلزما للمدلول والعلم باستلزام المعين للمعين المطلوب اقرب الى الفطرة من العلم بأن كل معين من معينات القضية الكلية يستلزم النتيجة والقضايا الكلية هذا شأنها فان القضايا الكلية ان لم تعلم معيناتها بغير التمثيل والا لم تعلم الا بالتمثيل فلا بد من معرفة لزوم المدلول للدليل الذي هو الحد الاوسط فلا بد ان يعرف ان كل فرد من افراد الحكم الكلي المطلوب يلزم كل فرد من افراد الدليل كما اذا قيل كل ا ب وكل ب ج فكل ج ا فلا بد ان يعرف ان كل فرد من افراد الجيم يلزم كل فرد من أفراد الباء وكل فرد من أفراد الباء يلزم كل فرد من أفراد الالف ومعلوم ان العلم بلزوم الجيم المعين للباء المعين والباء المعين للالف المعين اقرب الى الفطرة من هذا وهذا كما قدمناه في امثلة اقيستهم البرهانية مثل قولهم الكل اعظم من الجزء و الاشياء المساوية لشيء واحد متساوية و الضدان لا يجتمعان والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ونحو ذلك فان هذه قضايا كلية ومعلوم ان الانسان اذا تصور ما يتصوره من معين او جزئه فان تصوره لكون هذا الكل المعين اعظم من جزئه اسبق الى عقله من ان يتخيل ان كل كل اعظم من جزئه فهو يتصور ان بدنه اعظم من يده ورجله وان السماء اعظم من كواكبها والجبل اعظم من بعضه والمدينة اعظم من بعضها ونحو ذلك قبل ان يتصور القضية الكلية الشاملة لجميع هذه الافراد ولذلك اذا تصور شيئا معينا يعلم انه لا يكون موجودا معدوما في حال واحدة قبل ان يتصور ان كل نقيضين لا يجتمعان ولذلك اذا تصور سوادا معينا علم انه لا يكون اللون الواحد سوادا بياضا قبل ان يتصور ان كل ضدين لا يجتمعان وامثال ذلك كثيرة واذا قيل تلك القضية الكلية تحصل في الذهن ضرورة او بديهة من واهب العقل قيل فحصول تلك القضية المعينة في الذهن من واهب العقل اقرب عظم الفرق بين اثبات الرب بالايات وبين اثباته بالقياس البرهاني ومعلوم ان كل ما سوى الله من الممكنات فانه مستلزم لذات الرب تعالى يمتنع وجوده بدون وجود ذات الرب تعالى وتقدس وان كان مستلزما ايضا لامور كلية مشتركة بينه وبين غيره فلأنه يلزم من وجوده وجود لوازمه وتلك الكليات المشتركة من لوازم المعين اعني يلزمه ما يخصه من ذلك الكلي العام والكلي المشترك يلزمه بشرط وجوده ووجود العالم الذي يتصور القدر المشترك وهو سبحانه يعلم الامور على ما هي عليه فيعلم نفسه المقدسة بما يخصها ويعلم الكليات انها كليات فيلزم من وجود الخاص وجود العام المطلق أي حصة المعين من ذلك العام كما يلزم من وجود هذا الانسان وجود الانسان ومن وجود هذا الانسان وجود الانسانية والحيوانية القائمة به فكل ما سوى الرب مستلزم لنفسه المقدسة بعينها يمتنع وجود شيء سواه بدون وجود نفسه المقدسة فان الوجود المطلق الكلي لا تحقق له في الاعيان فضلا عن ان يكون خالقا لها مبدعا ثم يلزم من وجوده المعين الوجود المطلق المطابق للمعين فاذا تحقق الوجود الواجب تحقق الوجود المطلق المطابق للمعين واذا تحقق الفاعل لكل شيء تحقق الفاعل المطلق المطابق واذا تحقق القديم الازلي تحقق القديم المطلق المطابق واذا تحقق الغنى عن كل شيء تحقق الغنى المطابق واذا تحقق رب كل شيء تحقق الرب المطابق كما ذكرنا انه اذا تحقق هذا الانسان وهذا الحيوان تحقق الانسان المطلق المطابق والحيوان المطلق المطابق لكن المطلق لا يكون مطلقا الا في الاذهان لا في الاعيان والله تعالى هو الخالق للامور الموجودة في الاعيان والمعلم للصور الذهنية المطابقة لما في الاعيان ولهذا كان اول ما انزل على رسوله اقرا باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرا وربك الاكرم الى قوله ما لم يعلم بين في اول ما انزل انه خالق الاعيان عموما وخصوصا فكما انه خالق الموجودات العينية فهو المعلم للماهيات الذهنية فالموجودات الخارجية ايات مستلزمة لوجود عينه واذا تصورتها الاذهان معينة او مطلقة فهو المعلم لهذا المتصور إذ الصور الذهنية ايضا من آياته المستلزمة لوجود عينه لكنها تدل مع ذلك على هدايته وتعليمه كما قال تعالى سبح اسم ربك الاعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى الاعلى وقال موسى ربنا الذي اعطى كل شئ خلقه ثم هدى كما ان الموجودات العينية من آيات وجوده والصور الذهنية من حيث انها موجودات عينيه من هذا الباب كما أنها من جهة مطابقتها للموجودات الخارجية من الباب الاول لكن إذا علم إنسان وجود إنسان مطلق وحيوان مطلق لم يكن عالما بنفس المعين كذلك من علم واجبا مطلقا وفاعلا مطلقا وغنيا مطلقا لم يكن عالما بنفس رب العالمين وما يختص به عن غيره وذلك هو مدلول آياته تعالى فآياته تستلزم عينه التي يمنع تصورها من وقوع الشركة فيها وكل ما سواه دليل على عينه وآية له فانه ملزوم لعينه وكل ملزوم فانه دليل على لازمة ويمتنع تحقق شئ من الممكنات إلا مع تحقق عينه فكلها ملزوم لنفس الرب دليل عليه آية له ودلالتها بطريق قياسهم على الامر المطلق الكلى الذي لا يتحقق إلا في الذهن فلم يعلموا ب برهانهم ما يختص بالرب تعالى ولهذا ما يثبتونه من واجب الوجود عند التحقيق إنما هو أمر كلى لا يختص بالرب تعالى حتى قد يجعلونه مجرد الوجود دلالة قياس الاولى في إثبات صفات الكمال وأما قياس الاولى الذي كان يسلكه السلف اتباعا للقرآن فيدل على انه يثبت له من صفات الكمال التي لا نقص فيها أكمل مما علموه ثابتا لغيره مع التفاوت الذي لا يضبطه العقل كما لا يضبط التفاوت بين الخالق وبين المخلوق بل إذا كان العقل يدرك من التفاضل الذي بين مخلوق ومخلوق ما لا يحصر قدره وهو يعلم ان فضل الله على كل مخلوق اعظم من فضل مخلوق على مخلوق كان هذا مما يبين له ان ما يثبت للرب اعظم مما يثبت لكل ما سواه بما لا يدرك قدره فكأن قياس الاولى يفيده امرا يختص به الرب مع علمه بجنس ذلك الامر لا بد من الاسماء المشككة من معنى كلى مشترك ولهذا كان الحذاق يختارون ان الاسماء المقولة عليه وعلى غيره مقولة بطريق التشكيك الذي هو نوع من التواطئ العام ليست بطريق الاشتراك اللفظي ولا بطريق الاشتراك المعنوي الذي تتماثل افراده بل بطريق الاشتراك المعنوي الذي تتفاضل أفراده كما يطلق لفظ البياض والسواد على الشديد كبياض الثلج وعلى ما دونه كبياض العاج فكذلك لفظ الوجود يطلق على الواجب والممكن وهو في الواجب أكمل وافضل من فضل هذا البياض على هذا البياض لكن التفاضل في الاسماء المشككة لا يمنع ان يكون اصل المعنى مشتركا كليا بينهما فلا بد في الاسماء المشككة من معنى كلي مشترك وإن كان ذلك لا يكون إلا في الذهن وذلك مورد التقسيم تقسيم الكلي الى جزئياته إذا قيل الموجود ينقسم الى واجب وممكن فان مورد التقسيم مشترك بين الاقسام ثم كون وجود هذا الواجب اكمل من وجود الممكن لا يمنع ان يكون مسمى الوجود معنى كليا مشتركا بينهما وهكذا في سائر الاسماء والصفات المطلقة على الخالق والمخلوق كاسم الحي والعليم والقدير والسميع والبصير وكذلك في صفاته كعلمه وقدرته ورحمته ورضاه وغضبه وفرحه وسائر ما نطقت به الرسل من أسمائه وصفاته الخلاف في الاسماء التي تطلق عليه تعالى وعلى العباد والناس تنازعوا في هذا الباب فقالت طائفة كأبي العباس الناشئ من شيوخ المعتزلة الذين كانوا اسبق من ابي علي هي حقيقة في الخالق مجاز في المخلوق وقالت طائفة من الجهمية والباطنية والفلاسفة وبالعكس هي مجاز في الخالق حقيقة في المخلوق وقال جماهير الطوائف هي حقيقة فيهما وهذا قول طوائف النظار من المعتزلة والاشعرية والكرامية والفقهاء واهل الحديث والصوفية وهو قول الفلاسفة لكن كثيرا من هؤلاء يتناقض فيقر في بعضها بانها حقيقة كاسم الموجود والنفس والذات والحقيقة ونحو ذلك وينازع في بعضها لشبه نفاه الجميع والقول فيما نفاه نظير القول فيما اثبته ولكن هو لقصوره فرق بين المتماثلين ونفي الجميع يمتنع ان يكون موجودا وقد علم ان الموجود ينقسم الى واجب وممكن وقديم وحادث وغنى وفقير ومفعول وغير مفعول وأن وجود الممكن يستلزم وجود الواجب ووجود المحدث يستلزم وجود القديم ووجود الفقير يستلزم وجود الغنى ووجود المفعول يستلزم وجود غير المفعول وحينئذ فبين الوجودين امر مشترك والواجب يختص بما يتميز به فكذلك القول في الجميع والاسماء المشككة هو متواطئة باعتبار القدر بالمشترك ولهذا كان المتقدمون من نظار الفلاسفة وغيرهم لا يخصون المشككة باسم بل لفظ المتواطئة يتناول ذلك كله فالمشككة قسم من المتواطئة العامة وقسيم المتواطئة الخاصة وإذا كان كذلك فلا بد في المشككة من إثبات قدر مشترك كلي وهو مسمى المتواطئة العامة وذلك لا يكون مطلقا إلا في الذهن وهذا مدلول قياسهم البرهاني ولا بد من إثبات التفاضل وهو مدلول المشككة التي هي قسيم المتواطئة الخاصة وذلك هو مدلول الاقيسة البرهانية القرانية وهي قياس الاولى ولا بد من إثبات خاصة الرب التي بها يتميز عما سواه وذلك مدلول آياته سبحانه التي يستلزم ثبوتها ثبوت نفسه لا يدل على هذه قياس لا برهانى ولا غير برهانى فتبين بذلك ان قياسهم البرهاني لا يحصل المطلوب الذي به تكمل النفس في معرفة الموجودات ومعرفة خالقها فضلا عن ان يقال لا تعلم المطالب إلا به وهذا باب واسع لكن المقصود في هذا المقام التنبيه على بطلان قضيتهم السالبة وهي قولهم إن العلوم النظرية لا تحصل إلا بواسطة برهانهم شناعة زعمهم أن علم الله أيضا يحصل بواسطة القياس ثم لم يكفهم هذا السلب العام الذي تحجروا فيه واسعا وقصروا العلوم على طريق ضيقه لا تحصل إلا مطلوبا لا طائل فيه حتى زعموا ان علم الله وعلم انبيائه وأوليائه إنما يحصل بواسطة القياس المشتمل على الحد الاوسط كما يذكر ذلك ابن سينا وأتباعه وهم في إثبات ذلك خير ممن نفى علمه وعلم انبيائه من سلفهم الذين هم من اجهل الناس برب العالمين وبأنبيائه وبكتبه فابن سينا لما تميز عن أولئك بمزيد عقل وعلم سلك طريقهم المنطقي في تقرير ذلك وصاروا سالكوا هذه الطريق وإن كانوا اعلم من سلفهم وأكمل فهم اضل من اليهود والنصارى وأجهل إذ كان أولئك حصل لهم من الايمان ب واجب الوجود وصفاته ما لم يحصل لهؤلاء الضلال لما في صدورهم من الكبر والخيال وهم من أتباع فرعون وأمثاله ولهذا تجدهم لموسى ومن معه من أهل الملل والشرائع متنقصين او معادين قال الله تعالى إن الذين يجادلون في آيت الله بغير سلطان أتهم ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغيه المؤمن وقال الذين يجادلون في آيت الله بغير سلطان أتهم كبر مقتا عند الله وعند الذين امنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار المؤمن وقال فلما جاءتهم رسلهم بالبينت فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون فلما راؤا باسنا قالوا امنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما راوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون المؤمن وقد بسط الكلام على قول فرعون ومتابعة هؤلاء له والنمرود بن كنعان وأمثالهما من رؤوس الكفر والضلال ومخالفتهم لموسى وإبراهيم وغيرهما من رسل الله صلوات الله عليهم في مواضع وقد جعل الله آل ابراهيم أئمة للمؤمنين أهل الجنة وآل فرعون ائمة لاهل النار وقال تعالى واستكبر هو وجنوده في الارض بغير الحق وظنوا انهم إلينا لا يرجعون فاخذناه وجنوده فنبدناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظلمين وجعلنهم ائمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون واتبعنهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين ولقد آتينا موسى الكتب من بعد ما اهلكنا القرون الاولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلم يتذكرون الى قوله قال فأتوا بكتب من عند الله هو اهدى منهما اتبعة ان كنتم صدقين القصص وقال في آل ابراهيم وجعلنا منهم ائمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بايتنا يوقنون السجدة والمقصود ان متأخريهم الذين هم اعلم منهم جعلوا علم الرب يحصل بواسطة القياس البرهاني وكذلك علم انبيائه وقد سطنا الكلام في الرد عليهم في غير هذا الموضع والمقصود هنا التنبيه على فساد قولهم إنه لا يحصل العلم إلا بالبرهان الذي وصفوه وإذا كان هذا السلب باطلا في حكم آحاد الناس كان بطلانه اولى في علم رب العالمين سبحانه وتعالى ثم ملئكته وأنبيائه صلوات الله عليهم اجمعين فصل: اقوال المنطقيين في الدليل والقياس وايضا فانهم قسموا جنس الدليل الى القياس والاستقراء والتمثيل قالوا لان الاستدلال إما ان يكون بالكلى على الجزئي او بالجزئي على الكلي او بأحد الجزئين على الاخر وربما عبروا عن ذلك بالخاص والعام فقالوا إما أن يستدل بالعام على الخاص أو بالخاص على العام أو بأحد الخاصين على الاخر قالوا والاول هو القياس يعنون به قياس الشمول فانهم يخصونه باسم القياس وكثير من أهل الاصول والكلام يخصون باسم القياس التمثيل واما جمهور العقلاء فاسم القياس عندهم يتناول هذا وهذا قالوا والاستدلال بالجزئيات على الكلي هو الاستقراء فان كان تاما فهو الاستقراء التام وهو يفيد اليقين وإن كان ناقصا لم يفد اليقين فالاول هو استقراء جميع الجزئيات والحكم عليه بما وجد في جزئياته والثاني استقراء أكثرها وقد يكذب كقول القائل الحيوان إذا أكل حرك فكه الاسفل، لأنا استقريناها فوجدناها هكذا فيقال هل التمساح يحرك الاعلى ثم قالوا القياس ينقسم الى الاقتراني والاستثنائي ف الاستثنائي ما تكون النتيجة او نقيضها مذكورة فيه بالفعل والاقترانى ما تكون فيه بالقوة كالمؤلف من القضايا الحملية كقولنا كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام والاستثنائي ما يؤلف من الشرطيات وهو نوعان احدهما متصلة كقولنا إن كانت الصلوة صحيحة فالمصلى متطهر واستثناء عين المقدم ينتج عين التالى واستثناء نقيض التالى ينتج نقيض المقدم والثاني المنفصلة هي إما مانعة الجمع والخلو كقولنا العدد إما زوج وإما فرد فان هذين لا يجتمعان ولا يخلو العدد عن أحدهما وإما مانعة الجمع فقط كقولنا هذا إما ابيض وإما اسود أي لا يجتمع السواد والبياض وقد يخلو المحل عنهما وإما مانعه الخلو فهى التي يمتنع فيها عدم الجزئين جميعا ولا يمتنع اجتماعهما وقد يقولون مانعة الجمع والخلو هي الشرطية الحقيقية وهي مطابقة للنقيضين في العموم والخصوص ومانعة الجمع هي أخص من النقيضين فان الضدين لا يجتمعان وقد يرتفعان وهما اخص من النقيضين وأما مانعة الخلو فانها أعم من النقيضين وقد يصعب عليهم تمثيل ذلك بخلاف النوعين الاولين فان أمثالهما كثيرة ويمثلونه بقول القائل هذا راكب البحر أو لا يغرق فيه أي لا يخلو منهما فانه لا يغرق إلا إذا كان في البحر فاما أن لا يغرق فيه وحينئذ لا يكون راكبه وإما أن يكون راكبه وقد يجتمع ان يركب ويغرق والامثال كثيرة كقولنا هذا حي او ليس بعالم أو قادر او سميع او بصير او متكلم فانه إن وجدت الحيوة فهو احد القسمين وإن عدمت عدمت هذه الصفات وقد يكون حيا من لا يوصف بذلك وكذلك إذا قيل هذا متطهر او ليس بمصل فانه إن عدمت الصلوة عدمت الطهارة وإن وجدت الطهارة فهو القسم الاخر فلا يخلو الامر منهما وكذلك كل عدم شرط ووجود مشروطه فانه إذا ردد الامر بين وجود المشروط وعدم الشرط كان ذلك مانعا من الخلو فانه لا يخلو الامر من وجود الشرط وعدمه وإذا عدم عدم الشرط فصار الامر لا يخلو من وجود المشروط وعدم الشرط ثم قسموا الاقترانى الى الاشكال الأربعة لكون الحد الاوسط إما محمولا في الاولى موضوعا في الصغرى وهو الشكل الطبيعي وهو ينتج المطالب الاربعة الجزئي والكلى والايجابي والسلبي وإما ان يكون الاوسط محمولا فيهما وهو الثاني ولا ينتج إلا السلب وإما ان يكون موضوعا فيهما ولا ينتج إلا الجزئيات والرابع ينتج الجزئيات والسلب الكلى لكنه بعيد عن الطبع ثم إذا ارادوا بيان إنتاج الثاني والثالث وغير ذلك من المطالب احتاجوا الى الاستدلال بالنقيض والعكس وعكس النقيض فانه يلزم من صدق القضية كذب نقيضها وصدق عكسها المستوى وعكس نقيضها فاذا صدق قولنا ليس احد من الحجاج بكافر صح قولنا ليس احد من الكفار حاجا وإذا صح قولنا كل حاج مسلم صح قولنا بعض المسلمين حاج وقولنا من ليس بمسلم فليس بحاج رد المصنف أقوالهم في الدليل والقياس فنقول هذا الذي قالوه إما أن يكون باطلا وإما أن يكون تطويلا يبعد الطريق على الطالب المستدل فلا يخلو عن خطأ يصد عن الحق او طريق طويل يتعب صاحبه حتى يصل الى الحق مع إمكان وصوله بطريق قريب كما كان يمثله بعض سلفنا بمنزلة من قيل له أين أذنك فرفع يده فوق رأسه رفعا شديدا ثم أدارها إلى أذنه اليسرى وقد كان يمكنه الاشارة الى اليمنى او اليسرى من طريق مستقيم وما أشبه هؤلاء بقول القائل اقام يعمل أياما رويته ... وشبه الماء بعد الجهد بالماء وبقول الاخر وإنى وإنى ثم إنى وإننى ... إذا انقطعت نعلى جعلت لها شسعا وما أحسن ما وصف الله به كتابه بقوله ان هذا القرآن يهدى للتي هي اقوم الاسراء فأقوم الطرق الى أشرف المطالب ما بعث الله به رسوله وأما طريق هؤلاء فهى مع ضلالهم في البعض وأعوجاج طريقهم وطولها في البعض الاخرى إنما يوصلهم الى امر لا ينجى من عذاب الله فضلا عن ان يوجب لهم السعادة فضلا عن حصول الكمال للأنفس البشرية بطريقهم بطلان حصر الادلة في القياس والاستقراء والتمثيل بيان ذلك ان ما ذكروه من حصر الدليل في القياس والاستقراء والتمثيل حصر لا دليل عليه بل هو باطل وقولهم أيضا إن العلم المطلوب لا يحصل إلا بمقدمتين لا يزيد ولا ينقص قول لا دليل عليه بل هو باطل واستدلالهم على الحصر بقولهم إما ان يستدل بالكلى على الجزئي او بالحزئي على الكلى او بأحد الجزئين على الاخر والاول هو القياس والثاني هو الاستقراء والثالث هو التمثيل يقال لم تقيموا دليلا على انحصار الاستدلال في هذه الثلاثة فانكم إذا عنيتم بالاستدلال بجزئي على جزئي قياس التمثيل لم يكن ما ذكرتموه حاصرا وقد بقى الاستدلال بالكلى على الكلي الملازم له وهو المطابق له في العموم والخصوص وكذلك الاستدلال بالجزئي الملازم له بحيث يلزم من وجود احدهما وجود الاخر ومن عدمه عدمه فان هذا ليس مما سميتموه قياسا ولا استقراء ولا تمثيلا وهذه هي الايات الاستدلال بالكلى على الكلى وبالجزئي على الجزئي الملازم له وهذا كالاستدلال بطوع الشمس على النهار وبالنهار على طلوع الشمس فليس هذا استدلالا بكلى على جزئي بل الاستدلال بطوع معين على نهار معين استدلالا بجزئي على جزئي وبجنس النهار على جنس الطلوع استدلالا بكلى على كلى وكذلك الاستدلال بالكواكب على جهة الكعبة استدلالا بجزئي على جزئي كالاستدلال بالجدي وبنات نعش والكوكب الصغير القريب من القطب الذي يسميه بعض الناس القطب كما يسمى بعض الناس الجدي القطب وإن كان القطب في الحقيقة جزءا من الفلك قريبا من ذلك الكوكب الصغير وكذلك الاستدلال بظهور كوكب على ظهور نظيره في العرض والاستدلال بطلوعه على غروب آخر وتوسط آخر ونحو ذلك من الادلة التي اتفق عليها الناس قال تعالى وبالنجم هم يهتدون والاستدلال على المواقيت والامكنة بالامكنة امر اتفق عليه العرب والعجم وأهل الملل والفلاسفة فاذا استدل بظهور الثريا على ظهور ما قرب منها مشرقا ومغربا ويمينا وشمالا من الكواكب كان استدلالا بجزئي على جزئي لتلازمهما وليس ذلك من قياس التمثيل وإن قضى به قضاء كليا كان استدلالا بكلى على كلى وليس استدلالا بكلى على جزئي بل بأحد الكليين المتلازمين على الاخر ومن عرف مقدار ابعاد الكواكب بعضها من بعض وعلم ما يقارن منها طلوع الفجر استدل بما رآه منها على مقدار ما مضى من الليل وما بقى منه وهو استدلال بأحد المتلازمين على الاخر ومن علم الجبال والانهار والرياح استدل بها على ما يلازمها من الامكنة ثم اللزوم إن كان دائما لا يعرف له ابتداء بل هو منذ خلق الله الارض كوجود الجبال والانهار العظيمة النيل والفرات وسيحان وجيحان والبحر كان الاستدلال مطردا وإن كان اللزوم أقل من ذلك مدة مثل الكعبة شرفها الله فان الخليل بناها ولم تزل معظمة لم يعل عليها جبار قط استدل بها بحسب ذلك فيستدل بها وعليها فان أركان الكعبة مقابلة لجهات الارض الاربعة الحجر الاسود يقابل المشرق والغربي الذي يقابله ويقال له الشامي يقابل المغرب واليماني يقابل الجنوب وما يقابله يقال له العراقى إذا قيل الذي من ناحية الحجر الشامي وإن قيل لذاك الشامي قيل لهذا العراقى فهذا الشامي العراقي يقابل الشمال وهو يقابل القطب وحينئذ فيستدل بها على الجهات ويستدل بالجهات عليها وما كان مدته اقصر من مدة الكعبة كالابنية التي في الامصار والاشجار كان الاستدلال بها بحسب ذلك فيقال علامة الدار الفلانية ان على بابها شجرة من صفتها كذا وكذا وهما متلازمان مدة من الزمان فهذا وأمثاله استدلال بأحد المتلازمين على الاخر وكلاهما معين جزئي وليس هو من قياس التمثيل حد الدليل عند النظار ولهذا عدل نظار المسلمين عن طريقهم فقالوا الدليل هو المرشد الى المطلوب وهو الموصل الى المقصود وهو ما يكون العلم به مستلزما للعلم بالمطلوب أو ما يكون النظر الصحيح فيه موصلا الى المطلوب وهو ما يكون النظر الصحيح فيه موصلا الى علم او الى اعتقاد راجح ولهم نزاع اصطلاحي هل يسمى هذا الثاني دليلا او يخص باسم الامارة والجمهور يسمون الجميع دليلا ومن اهل الكلام من لا يسمى بالدليل الا الاول ثم الضابط في الدليل ان يكون مسستلزما للمدلول فكل ما كان مستلزما لغيره امكن ان يستدل به عليه ان كان التلازم من الطرفين امكن ان يستدل بكل منهما على الاخر فيستدل المستدل مما علمه منهما على الاخر الذي لم يعلمه ثم ان كان اللزوم قطعيا كان الدليل قطعيا وان كان ظاهرا وقد يتخلف كان الدليل ظنيا فالاول كدلالة المخلوقات على خالقها سبحانه وتعالى وعلمه وقدرته ومشيئته ورحمته وحكمته فان وجودها مستلزم لوجود ذلك ووجودها بدون ذلك ممتنع فلا توجد الا دالة على ذلك ومثل دلالة خبر الرسول على ثبوت ما اخبر به عن الله فانه لا يقول عليه الا الحق اذ كان معصوما في خبره عن الله لا يستقر في خبره عنه خطأ البتة فهذا دليل مستلزم لمدلوله لزوما واجبا لا ينفك عنه بحال وسواء كان الملزوم المستدل به وجودا او عدما فقد يكون الدليل وجودا وعدما ويستدل بكل منهما على وجود وعدم فانه يستدل بثبوت الشيء على انتفاء نقيضه وضده ويستدل بأنتقاء نقيضه على ثبوته ويستدل بثبوت الملزوم على ثبوت اللازم وبانتقاء اللازم على انتقاء الملزوم بل كل دليل يستدل به فانه ملزوم لمدلولة وقد دخل في هذا كل ما ذكروه وما لم يذكروه فان ما يسمونه الشرطي المتصل مضمونه الاستدلال بثبوت الملزوم على ثبوت اللازم وبانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم سواء عبر عن هذا المعنى بصيغة الشرط او بصيغة الجزم واختلاف صيغ الدليل مع اتحاد معناه لا يغير حقيقية والكلام إنما هو في المعاني لا في الالفاظ فاذا قال القائل إن كانت الصلوة صحيحة فالمصلى متطهر وإن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود وإن كان الفاعل عالما قادرا فهو حي ونحو ذلك فهذا معنى قوله صحة الصلوة تستلزم صحة الطهارة وقوله يلزم من صحة الصلوه صحة ثبوت الطهارة وقوله لا يكون مصليا إلا مع الطهارة وقوله الطهارة شرط في صحة الصلوة وإذا عدم الشرط عدم المشروط وقوله كل مصل متطهر فمن ليس بمتطهر فليس بمصل وأمثال ذلك من انواع التأليف للالفاظ والمعاني التي يتضمن هذا الاستدلال من غير حصر الناس في عبارة واحدة 7. استطراد وإذا اتسعت العقول وتصوراتها اتسعت عباراتها وإذا ضاقت العقول والتصورات بقى صاحبها كانه محبوس العقل واللسان كما يصيب اهل المنطق اليوناني تجدهم من أضيق الناس علما وبيانا وأعجزهم تصورا وتعبيرا ولهذا من كان منهم ذكيا إذا تصرف في العلوم وسلك مسلك اهل المنطق طول وضيق وتكلف وتعسف وغايته بيان البين وايضاح الواضح من العي وقد يوقعه ذلك في انواع من السفسطة التي عافى الله منها من لم يسلك طريقهم مثل ما ذكروه عن يعقوب بن إسحاق الكندي الفيلسوف انه قال في بعض مناظراته هذا من باب فقد عدم الوجود ومثل هذه العبارات الطويلة الركيكة كثير في كلامهم حتى في كلام افضل متأخريهم مع انه افضلهم واحسنهم بيانا وكذلك تكلفاتهم في حدودهم مثل حدهم ل الانسان والشمس بانها كوكب يطلع نهارا وهل من يحد الشمس مثل هذا الحد ونحوه إلا من هو من أجهل الناس وهل عند الناس شئ أظهر من الشمس حتى يحد الشمس به ومن لم يعرف الشمس فاما ان يجهل اللفظ فيترجم له وليس هذا من الحد الذي ذكروه وإما أن لا يكون رآها لعماه فهذا لا يرى النهار ولا الكواكب بطرق الاولى مع أنه لا بد ان يسمع من الناس ما يعرف ذلك دون طريقهم عود الى اصل الموضوع وهم معترفون بان الشكل الاول من الحمليات يغنى عن جميع صور القياس وتصويره نطرى لا يحتاح احد الى تعلمه منهم مع ان الاستدلال لا يحتاج الى تصوره على الوجه الذي يزعمونه فصل: إبطال قولهم إن الاستدلال لا بد فيه من مقدمتين وأما قولهم إن الاستدلال لا بد فيه من مقدمتين بلا زيادة ولا نقصان فان كان الدليل مقدمة واحدة قالوا الاخرى محذوفة وسموه هو قياس الضمير وإن كان مقدمات قالوا هي اقيسة مركبة ليس هو قياسا واحدا فهذا قول باطل طردا وعكسا وذلك ان احتياج المستدل الى المقدمات مما يختلف فيه حال الناس فمن الناس من لا يحتاج إلا الى مقدمة واحدة لعلمه مما سوى ذلك كما أن منهم من لا يحتاج في علمه بذلك إلى الاستدلال بل قد يعلمة بالضرورة ومنهم من يحتاج الى مقدمتين ومنهم من يحتاج الى ثلاث ومنهم من يحتاج الى اربع واكثر فمن أراد ان يعرف ان هذا المسكر المعين محرم فان كان يعرف أن كل مسكر محرم ولكن لا يعرف هل هذا المعين مسكر ام لا لم يحتج إلا الى مقدمة واحدة وهو ان يعمل ان هذا مسكر فاذا قيل له هذا حرام فقال ما الدليل عليه فقال المستدل الدليل على ذلك انه مسكر فقال لا نسلم انه مسكر فمتى أقام الدليل على انه مسكر تم المطلوب وكذلك لو تنازع اثنان في بعض انواع الاشربة هل هو مسكر ام لا كما يسأل الناس كثيرا عن بعض الاشربة فلا يكون السائل ممن يعلم انها تسكر او لا تسكر ولكن قد علم ان كل مسكر حرام فاذا ثبت عنده بخبر من يصدقه او بغير من الادلة انه مسكر علم تحريمه وكذلك سائر ما يقع الشك في الدراجه تحت قضية كلية من الانواع والاعيان مع العلم بحكم تلك القضية كتنازع الناس في النرد والشطرنج هل هما من الميسر أم لا وتنازعهم في النبيذ المتنازع فيه هل هو من الخمر ام لا وتنازعهم في الحلف بالنذر والطلاق والعتاق هل هو داخل في قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم التحريم ام لا وتنازعهم في قوله او يعفو الذي بيدة عقدة النكاح (البقرة) هل هو الزوج او الولى المستقل وأمثال ذلك وقد يحتاج الاستدلال الى مقدمتين لمن لم يعلم ان النبيذ المسكر المتنازع فيه محرم ولم يعلم ان هذا المعين مسكر فهو لا يعلم انه محرم حتى يعلم انه مسكر ويعلم ان كل مسكر حرام وقد يعلم ان هذا مسكر ويعلم ان كل مسكر خمر لكن لم يعلم ان النبي ﷺ - حرم الخمر لقرب عهده بالاسلام أو لنشأه بين جهال أو زنادقة يشكون في ذلك أو يعلم ان النبي ﷺ - قال كل مسكر حرام او يعلم ان هذا خمر وان البي ﷺ - حرم الخمر لكن لم يعلم ان محمدا رسول الله او لم يعلم انه حرمها على جميع المؤمنين بل ظن انه اباحها لبعض الناس وظن انه منهم كمن ظن انه اباح شربها للتداوي أوغير ذلك فهذا لا يكفيه في العلم بتحريم هذا النبيذ المسكر تحريما عاما إلا ان يعلم انه مسكر وأنه خمر وأن النبي ﷺ - حرم الخمر او ان النبي ﷺ - حرم كل مسكر وانه رسول الله ﷺ - حقا فما حرمه فقد حرمه الله وأنه حرمه تحريما عاما لم يبحه للتداوي ولا للتلذذ ومما يبين ان تخصيص الاستدلال بمقدمتين باطل انهم قالوا في حد القياس الذي يشمل البرهانى والخطابي والجدلى والشعري والسوفسطائي إنه قول مؤلف من أقوال او عبارة عما ألف من أقوال إذا سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر قالوا واحترزنا بقولنا من أقوال عن القضية الواحدة التي تستلزم لذاتها صدق عكسها وعكس نقيضها وكذب نقيضها وليست قياسا قالوا ولم نقل مؤلف من مقدمات لانا لا يمكننا تعريف المقدمة من حيث هي مقدمة إلا بكونها جزء القياس فلو أخذناها في حد القياس كان دورا والقضية الخبرية إذا كانت جزء القياس سموها مقدمة وإن كانت مستفادة بالقياس سموها نتيجة وإن كانت مجردة عن ذلك سموها قضية وتسمى ايضا قضية مع تسميتها نتيجة ومقدمة وهي الخبر وليست هي المبتدأ والخبر في اصطلاح النحاة بل أعم منه فان المبتدأ والخبر لا يكون إلا جملة اسمية والقضية الخبرية قد تكون اسمية وفعلية كما لو قيل في قوله يقولون بالسنتهم ما ليس في قلوبهم الفتح وقوله لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق الفتح فان هذه جملة خبرية وليست المبتدأ والخبر في اصطلاح النحاة والمقصود هنا انهم ارادوا بالقول في قولهم القياس قول مؤلف من اقوال القضية التي هي جملة تامة خبرية لم يريدوا بذلك المفرد الذي هو الحد فان القياس مشتمل على ثلاثة حدود اصغر وأوسط واكبر كما إذا قيل النبيذ المتنازع فيه مسكر وكل مسكر حرام ف النبيذ والمسكر والحرام كل منها مفرد وهي الحدود في القياس فليس مرادهم بالقول هذا بل مرادهم ان كل قضية قول كما فسروا مرادهم بذلك ولهذا قالوا قول مؤلف من اقوال إذا سلمت لزم عنها قول آخر واللازم إنما هو النتيجة وهي قضية وخبر وجملة تامة ليست مفردا ولذلك قالوا القياس قول فسموا مجموع القضيتين قولا وإذا كانوا قد جعلوا القياس مؤلفا من أقوال وهي القضايا لم يجب ان يراد بذلك قولان فقط لان لفظ الجمع إما ان يكون متناولا ل اثنين فصاعدا كقوله فان كان له إخوة فلامه السدس النساء وإما ان يراد به الثلاثة فصاعدا وهو الاصل عند الجمهور ولكن قد يراد به جنس العدد فيتناول الاثنين فصاعدا ولا يكون الجمع مختصا ب اثنين فاذا قالوا هو مؤلف من أقوال إن أرادوا جنس العدد كان المعنى من اثنين فصاعدا فيجوز ان يكون مؤلفا من ثلاث مقدمات واربع مقدمات فلا يختص بالاثنين وإن ارادوا الجمع الحقيقي لم يكن مؤلفا إلا من ثلاثة فصاعدا وهم قطعا ما ارادوا هذا لم يبق إلا الاول فاذا قيل هم يلتزمون ذلك ويقولون نحن نقول اقل ما يكون القياس من مقدمتين وقد يكون من مقدمات فيقال اولا هذا خلاف ما في كتبكم فانكم لا تلتزمون إلا مقدمتين فقط وقد صرحوا أن القياس الموصل الى المطلوب سواء كان اقترانيا او استثنائيا لا ينقص عن مقدمتين ولا يزيد عليهما وعللوا ذلك بان المطلوب المتحد لا يزيد على جزئين مبتدأ وخبر فان كان القياس اقترانيا فكل واحد من جزئي المطلوب لا بد وان يناسب مقدمة منه أي يكون فيها إما مبتدأ وإما خبرا ولا يكون هو نفس المقدمة قالوا وليس المطلوب اكثر من جزئين فلا يفتقر الى اكثر من مقدمتين وإن كان القياس استثنائيا فلا بد فيه من مقدمة شرطية متصلة او منفصلة تكون مناسبة لكل مطلوب او نقيضه ولا بد من مقدمة استثنائية فلا حاجة الى ثالثة قالوا لكن ربما أدرج في القياس قول زائد على مقدمتي القياس إما غير متعلق بالقياس او متعلق به والمتعلق بالقياس إما لترويج الكلام وتحسينه أو لبيان المقدمتين أو إحداهما ويسمون هذا القياس المركب قالوا وحاصلة يرجع الى اقيسة متعددة سيقت لبيان مطلوب واحد إلا ان القياس المبين للمطلوب بالذات منها ليس إلا واحدا والباقي لبيان مقدمات القياس قالوا وربما حذوا بعض مقدمات القياس إما تعويلا على فهم الذههن لها او لترويج المغلطة حتى لا يطلع على كذبها عند التصريح بها قالوا ثم إن كانت الاقيسة لبيان المقدمات قد صرح فيها بنتائجها فيسمى القياس مفصولا وإلا فموصول ومثلوا الموصول بقول القائل كل انسان حيوان وكل حيوان جسم وكل جسم جوهر فكل إنسان جوهر والمفصول بقولهم كل إنسان حيوان وكل حيوان جسم فكل إنسان جسم ثم يقول كل حيوان جسم وكل جسم جوهر فكل إنسان حيوان فيلزم منهما أن كل إنسان جوهر فيقال لهم أما المطلوب الذي لا يزيد على جزئين فذاك في النطق به والمطلوب في العقل إنما هو شئ واحد لا اثنان وهو ثبوت النسبة الحكمية او انتفاؤها وإن شئت قلت اتصاف الموصوف بالصفة نفيا أو إثباتا وإن شئت قلت نسبة المحمول الى الموضوع والخبر الى المبتدأ نفيا او إثباتا وأمثال ذلك من العبارات الدالة على المعنى الواحد المقصود بالقضية فاذا كان النتيجة ان النبيذ حرام أو ليس بحرام او الانسان حساس او ليس بحساس او نحو ذلك فالمطلوب ثبوت التحريم للنبيذ او انتفاؤه وكذلك ثبوت الحس للانسان او انتفاؤه والمقدمة الواحدة إذا ناسبت ذلك المطلوب حصل بها المقصود وقولنا النبيذ خمر يناسب المطلوب وكذلك قولنا الانسان حيوان فاذا كان الانسان يعلم ان كل خمر حرام ولكن يشك في النبيذ المتنازع فيه هل يسمى في لغة الشارع خمرا فقيل النبيذ حرام لانه قد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ - انه قال كل مسكر حرام كانت هذا القضية وهي قولنا قد قال النبي ﷺ - إن كل مسكر خمر يفيد تحريم النبيذ وإن كان نفس قوله قد تضمن قضية اخرى والاستدلال بذلك مشروط بتقديم مقدمات معلومة عند المستمع وهي إن ما صححه اهل العلم بالحديث فقد وجب التصديق بأن النبي ﷺ - قاله وإن ما حرمه الرسول فهو حرام ونحو ذلك فلو لزم ان يذكر كل ما يتوقف عليه العلم وإن كان معلوما كانت المقدمات اكثر من اثنتين بل قد تكون اكثر من عشر وعلى ما قالوه فينبغي لكل من استدل بقول النبي ﷺ - ان يقول النبي حرم ذلك وما حرمه فهو حرام فهذا حرام وكذلك يقول النبي ﷺ - اوجب وما أوجبه النبي فقد وجب فهذا قد وجب وإذا احتج على تحريم الامهات والبنات ونحو ذلك يحتاج ان يقول إن الله حرم هذا في القران وما حرمه الله فهو حرام واذا احتج على وجوب الصلوة والزكوة والحج بمثل قول الله تعالى ولله على الناس حج البيت (آل عمران) يقول إن الله اوجب الحج في كتابه وما أوجبه الله فهو واجب وأمثال ذلك ما يعده العقلاء لكنه وعيا وإيضاحا للواضح وزيادة قول لا حاجة اليها وهذا التطويل الذي لا يفيد في قياسهم نظير تطويلهم في حدودهم كقولهم في حد الشمس إنها كوكب يطلع نهارا وأمثال ذلك من الكلام الذي لا يفيد إلا تضييع الزمان وإتعاب الاذهان وكثرة الهذيان ثم إن الذين يتبعونهم في حدودهم وبراهينهم لا يزالون مختلفين في تحديد الامور المعروفة بدون تحديدهم ويتنازعون في البرهان على امور مستغنية عن براهينهم إبطال قولهم ليس المطلوب اكثر من جزئين وقولهم ليس المطلوب اكثر من جزئين فلا يفتقر الى اكثر من مقدمتين فيقال إن اردتم ليس له إلا اسمان مفردان فليس الامر كذلك بل قد يكون التعبير عنه بأسماء متعددة مثل من شك في النبيذ هل هو حرام بالنص أم ليس حراما لا بنص ولا قياس فاذا قال المجيب النبيذ حرام بالنص كان المطلوب ثلاثة اجزاء وكذلك لو سأل هل الاجماع دليل قطعي فقال الاجماع دليل قطعي كان المطلوب ثلاثة أجزاء فاذا قال هل الانسان جسم حساس نام متحرك بالارادة ناطق ام لا فالمطلوب هنا له ستة أجزاء وفي الجملة فالموضوع والمحمول الذي هو مبتدأ وخبر وهو جملة خبرية قد تكون جملة مركبة من لفظين وقد تكون من الفاظ متعددة إذا كان مضمونها مقيدا قيودا كثيرة مثل قوله تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه التوبة وقوله تعالى إن الذين امنوا والذين هاجروا وجهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمت الله (البقرة) وقوله والذين امنوا من بعد وهاجروا وجهدوا معكم فأولئك منكم (الأنفال) وأمثال ذلك من القيود التي يسميها النحاة الصفات والعطف والاحوال وظرف المكان وظرف الزمان ونحو ذلك فاذا كانت القضية مقيدة بقيود كثيرة لم تكن مؤلفة من لفظين بل من الفاظ متعدده ومعان متعددة وإن أريد أن المطلوب ليس إلا معنيان سواء عبر عنهما بلفظين او الفاظ متعددة قيل وليس الامر كذلك بل قد يكون المطلوب معنى واحدا وقد يكون معنين وقد يكون معاني متعددة فان المطلوب بحسب طلب الطالب وهو الناظر المستدل والسائل المتعلم المناظر وكل منهما قد يطلب معنى واحدا وقد يطلب معنيين وقد يطلب معانى والعبارة عن مطلوبه قد تكون بلفظ واحد وقد تكون بلفظين وقد تكون بأكثر فاذا قال النبيذ حرام قيل له نعم كان هذا اللفظ وحده كافيا في جوابه كما لو قيل له هو حرام فان قالوا القضية الواحدة قد تكون في تقدير قضايا كما ذكرتموه من التمثيل بالانسان فان هذه القضية الواحدة في تقدير خمس قضايا وهي خمس مطالب والتقدير هل هو جسم ام لا وهل هو حساس ام لا وهل هو نام أم لا وهل هو متحرك بالارادة ام لا وهل هو ناطق ام لا وكذلك فيما تقدم هل النبيذ حرام ام لا فاذا كان حراما فهل تحريمه بالنص او بالقياس فيقال إذا رضيتم بمثل هذا وهو أن تجعلوا الواحد في تقدير عدد فالمفرد قد يكون في معنى قضية فاذا قال النبيذ المسكر حرام فقال المجيب نعم فلفظ نعم في تقدير قوله هو حرام وإذا قال ما الدليل عليه فقال الدليل عليه تحريم كل مسكر او أن كل مسكر حرام أو قول النبي ﷺ - كل مسكر حرام ونحو ذلك من العبارات التي جعل الدليل فيها اسما مفردا وهو جزء واحد لم يجعله قضية مؤلفه من اسمين مبتدأ وخبر فان قوله تحريم كل مسكر اسم مضاف وقوله ان كل مسكر حرام بالفتح مفرد ايضا فان أن وما في حيزها في تقدير المصدر المفرد وإن المكسورة وما في حيزها جملة تامة ولهذا قال النحاة قاطبة ان إن تكسر إذا كانت في موضع الجملة والجملة خبر وقضية وتفتح في موضع المفرد الذي هو جزء القضية ولهذا يكسرونها بعد القول لانهم إنما يحكون بالقول الجملة التامة وكذلك إذا قلت الدليل عليه قول النبي ﷺ - او الدليل عليه النص او اجماع الصحابة او الدليل عليه الاية الفلانية او الحديث الفلاني او الدليل عليه قيام المقتضى للتحريم السالم عن المعارض المقاوم او الدليل عليه انه مشارك لخمر العنب فيما يستلزم التحريم وامثال ذلك مما يعبر فيه عن الدليل اسم مفرد لا بالقضية التي هي جملة تامة ثم هذا الدليل الذي عبر عنه باسم مفرد هو إذا فصل عبر عنه بالفاظ متعدده والمقصود ان قولكم إن الدليل الذي هو القياس لا يكون إلا جزئين فقط إن أردتم لفظين فقط وإن ما زاد على لفظين فهو أدلة لا دليل واحد لان ذلك اللفظ الموصوف بصفات تحتاج كل صفة الى دليل قيل لكم وكذلك يمكن ان يقال في اللفظين هما دليلان لا دليل واحد فان كل مقدمة تحتاج الى دليل وحينئذ فتخصيص العدد باثنين دون ما زاد تحكم لا معنى له فانه اذا كان المقصود قد يحصل بلفظ مفرد وقد لا يحصل إلا بلفظين وقد لا يحصل إلا بثلاثة او اربعة واكثر فجعل الجاعل اللفظين هما الاصل الواجب دون ما زاد وما نقص وان الزائد ان كان في المطلوب جعل مطالب متعددة وان كان في الدليل يذكر مقدمات جعل ذلك في تقدير اقيسة متعددة تحكم محض ليس هو اولى من ان يقال بل الاصل في المطلوب ان يكون واحدا ودليله جزء واحد فاذا زاد المطلوب على ذلك جعل ممطلوبين اوثلاثة او اربعة بحسب زيادته وجعل الدليل دليلين او ثلاثة او اربعة بحسب دلالته وهذا اذا قيل فهو احسن من قولهم لان اسم الدليل مفرد فيجعل معناه مفردا والقباس هو الدليل ولفظ القياس يقتضى التقدير كما يقال قست هذا بهذا والتقدير يحصل بواحد كما يحصل باثنين وبثلاثة فأصل التقدير بواحد واذا قدر باثنين او ثلاثة يكون تقديرين وثلاثة لا تقديرا واحدا فكون تلك التقديرات اقيسة لا قياسا واحدا فجعلهم ما زاد على الاثنين من المقدمات في معنى اقيسة متعددة وما نقص عن الاثنتين نصف قياس لا قياس تام اصطلاح محض لا يرجع الى معنى معقول كما فرقوا بين الصفات الذاتية والعرضية اللازمة ل الماهية والوجود بمثل هذا التحكم تنازع اصطلاحي في مسمى العلة والدليل وحينئذ فيعلم ان القوم لم يرجعوا فيما سموه حدا وبرهانا الى حقيقة موجودة ولا الى امر معقول بل الى اصطلاح مجرد كتنازع الناس في العلة هل هي اسم لما يستلزم المعلوم بحيث لا يختلف عنها بحال فلا يقبل النقيض والتخصيص أو هو اسم لما يكون مقتضيا للمعلول وقد يتخلف عنه المعلول لفوات شرط او وجود مانع وكاصطلاح بعض اهل النظر والجدل في تسمية احدهم الدليل ل ما هو مستلزم للمدلول مطلقا حتى يدخل في ذلك عدم المعارض والاخر يسمى الدليل ل ما كان من شأنه ان يستلزم المدلول وإنما يتخلف استلزامه لفوات شرط او وجود مانع وتنازع اهل الجدل هل على المستدل ان يتعرض في ذكر الدليل لتبيين المعارض جملة او تفصيلا حيث يمكن التفصيل أو لا يتعرض لتبيينه لا جملة ولا تفصيلا او يتعرض لتبيينه جملة لا تفصيلا وهذه امور وضعية اصطلاحية بمنزلة الالفاظ التي يصطلح عليها الناس للتعبير عما في انفسهم وبمنزلة ما يعتاده الناس في بعض الافعال لكونهم رأوا ذلك اولى بهم من غيره وإن كان غيره اولى منه ليست حقائق ثابتة في انفسها لامور معقولة يتفق فيها الامم كما يدعيه هؤلاء في منطقهم بل هؤلاء الذين يجعلون العلة والدليل يراد به هذا او هذا اقرب الى المعقول من جعل هؤلاء الدليل لا يكون إلا من مقدمتين فان هذا تخصيص لعدد دون عدد بلا موجب وأولئك لحظوا صفات ثابتة في العلة والدليل وهو وصف التمام او مجرد الاقتضاء فكان ما اعتبره اولئك اولى بالحق والعقل مما اعتبره هؤلاء الذين لم يرجعوا إلا الى مجرد التحكم المنطق امر اصطلاحي وضعه رجل من اليونان ولهذا كان العقلاء العارفون يصفون منطقهم بأنه امر اصطلاحي وضعه رجل من اليونان لا يحتاج اليه العقلاء ولا طلب العقلاء للعلم موقوفا عليه كما ليس موقوفا على التعبير بلغاتهم مثل فيلاسوفيا وسوفسطيقا وانولوطيقا وإثولوجيا وقاطيغورياس وإيساغوجى ومثل تسميتهم للفعل بالكلمة وللحرف بالاداة ونحو ذلك من لغاتهم التي يعبرون بها عن معانيهم تعلم العربية فرض على الكفاية بخلاف المنطق فلا يقول احد إن سائر العقلاء يحتاجون الى هذه اللغة لا سيما من كرمه الله بأشرف اللغات الجامعة لأكمل مراتب البيان المبينة لما تتصوره الاذهان بأوجز لفظ وأكمل تعريف وهذا ما احتج به ابو سعيد السيرافي في مناظرته المشهورة لمتى الفيلسوف لما اخذ متى يمدح المنطق ويزعم احتياج العقلاء اليه ورد عليه ابو سعيد بعدم الحاجة اليه وأن الحاجة انما تدعو الى تعلم العربية لان المعاني فطرية عقلية لا تحتاج الى اصطلاح خاص بخلاف اللغة المتقدمة التي يحتاج اليها في معرفة ما يجب معرفته من المعاني فانه لا بد فيها من التعلم ولهذا كان تعلم العربية التي يتوقف فهم القران والحديث عليها فرضا على الكفاية بخلاف المنطق بطلان القول بأن تعلم المنطق فرض على الكفاية ومن قال من المتأخرين إن تعلم المنطق فرض على الكفاية فانه يدل على جهلة بالشرع وجهله بفائدة المنطق وفساد هذا القول معلوم بالاضطرار من دين الاسلام وأجهل منه من قال إنه فرض على الاعيان مع ان كثيرا من هؤلاء ليسوا مقرين بايجاب ما اوجبه الله ورسوله وتحريم ما حرمه الله ورسوله ومعلوم ان افضل هذه الامة من الصحابة والتابعين لهم باحسان وأئمة المسلمين عرفوا ما يجب عليهم وكمل علمهم وإيمانهم قبل أن يعرف منطق اليونان فكيف يقال إنه لا يوثق بالعلم إن لم يوزن به او يقال إن فطر بني آدم في الغالب لا تستقيم إلا به فان قالوا نحن لا نقول إن الناس يحتاجون الى اصطلاح المنطق بل الى المعاني التي توزن بها العلوم قيل لا ريب أن المجهولات لا تعرف إلا بالمعلومات والناس يحتاجون الى ان يزنوا ما جهلوه بما علموه وهذا من الموازين التي انزلها الله حيث قال الله الذي انزل الكتب بالحق والميزان الشورى وقال لقد ارسلنا رسلنا بالبينت وانزلنا معهم الكتب والميزان الحديد وهذا موجود عند أمتنا وغير أمتنا ممن لم يسمع قط بمنطق اليونان فعلم أن الامم غير محتاجة إليه ملخص دعاوي أهل المنطق وكذبها وهم لا يدعون احتياج الناس الى نفس الفاظ اليونان بل يدعون الحاجة الى المعاني المنطقية التي عبروا عنها بلسانهم وهو كلامهم في المعقولات الثانية فان موضوع المنطق هو المعقولات الثانية من حيث يتوصل بها الى علم ما لم يعلم فانه ينظر في أحوال المعقولات الثابتة وهي النسب الثابتة للماهيات من حيث هي مطلقة عرض لها إن كانت موصولة الى تحصيل ما ليس بحاصل او معينة في ذلك لا على وجه جزئي بل على قانون كلي ويدعون ان صاحب المنطق ينظر في جنس الدليل كما ان صاحب اصول الفقه ينظر في الدليل الشرعي ومرتبته فيميز بين ما هو دليل شرعي وما ليس بدليل شرعي وينظر في مراتب الأدلة حتى يقدم الراجح على المرجوح عند التعارض وهم يزعمون أن صاحب المنطق ينظر في الدليل المطلق الذي هو أعم من الشرعي ويميز بين ما هو دليل وما ليس بدليل ويدعون ان نسبة منطقهم الى المعاني كنسبة العروض الى الشعر وموازين الاموال الى الاموال وموازين الاوقات الى الاوقات وكنسبة الذراع الى المذروعات وهذا هو الذي قاله جمهور علماء المسلمين وغيرهم من العقلاء إنه باطل فان منطقهم لا يميز بين الدليل وغير الدليل لا في صورة الدليل ولا في مادته ولا يحتاج ان يوزن به المعاني بل ولا يصح وزن المعاني به على ما هو عليه وإن كان فيه ما هو حق فلا بد في كلام كل مصنف من حق بل فيه امور باطلة إذا وزنت بها العلوم افسدتها ودعواهم انه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن ان يزل في فكره دعوى كاذبة بل من أكذب الدعاوي والكلام معهم إنما هو في المعاني التي وضعوها في المنطق وزعموا ان التصورات المطلوبة لا تنال إلا بها والتصديقات المطلوبة لا تنال إلا بها فدكروا لمنطقهم اربع دعاوي دعوتان سالبتان ودعوتان موجبتان ادعوا أنه لا تنال التصورات بغير ما ذكروه فيه من الطريق وان التصديقات لا تنال بغير ما ذكروه فيه من الطريق وهاتان الدعوتان من أظهر الدعاوي كذبا وأدعوا ان ما ذكروه من الطريق يحصل به تصور الحقائق التي لم تكن متصورة وهذا ايضا باطل وقد تقدم البينة على هذه الدعاوي الثلاثة وسياتي الكلام على دعواهم الرابعة التي هي امثل من غيرها وهى دعواهم ان برهانهم يفيد العلم التصديقى فان قالوا إن العلم التصديقي او التصوري ايضا لا ينال بدونه فهم ادعوا ان طرق العلم على عقلاء بني آدم مسدودة إلا من الطريقين اللتين ذكروهما ما ذكروه من الحد وما ذكروه من القياس وادعوا ان ما ذكروه من الطريقين يوصلان الى العلوم التي ينالها بنو آدم بعقولهم بمعنى ان ما يوصل لا بد ان يكون على الطريق الذي ذكروه لا على غيره فما ذكروه آلة قانونية به توزن الطرق العلمية ويميز به بين الطريق الصحيحة والفاسدة فمراعاة هذا القانون يعصم الذهن ان يزل في الفكر الذي ينال به تصور او تصديق هذا ملخص دعاويهم وكل هذه الدعاوي كذب في النفي والاثبات فلا ما نفوه من طرق غيرهم كلها باطل ولا ما اثبتوه من طرقهم كلها حق على الوجه الذي ادعوه فيه وإن كان في طرقهم ما هو حق كما ان في طرق غيرهم ما هو باطل فما احد منهم ولا من غيرهم يصنف كلاما إلا ولا بد ان يتضمن ما هو حق ما معهم من الحق أقل مما مع اليهود والنصارى والمشركين فمع اليهود والنصارى من الحق بالنسبة الى مجموع ما معهم اكثر مما مع هؤلاء من الحق بل ومع المشركين عباد الاصنام من العرب ونحوهم من الحق أكثر مما مع هؤلاء بالنسبة الى ما معهم في مجموع فلسفتهم النظرية والعلمية الاخلاق والمنازل والمداين ولهذا كان اليونان مشركين كفارا يعبدون الكواكب والاصنام شرا من اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل بكثير ولولا ان الله من عليهم بدخول دين المسيح اليهم فحصل لهم من الهدى والتوحيد وما استفادوه من دين المسيح ما داموا متمسكين بشريعته قبل النسخ والتبديل لكانوا من جنس أمثالهم من المشركين ثم لما غيرت ملة المسيح صاروا على دين مركب من حنيفية وشرك بعضه حق وبعضه باطل وهو خير من الدين الذي كان عليه اسلافهم وقد قيل إن آخر ملوكهم كان صاحب المجسطى بطلميوس والمشهور المتواتر ان ارسطو وزير الاسكندر بن فيلبس كان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة وكثير من الجهال يحسب ان هذا هو ذو القرنين المذكور في القرآن ويعظم أرسطو بكونه كان وزيرا له كما ذكر ذلك ابن سينا وامثاله من الجهال باخبار الامم مقالات سخيفة للمتفلسفة والمتصوفة في الانبياء المرسلين ومن ملاحدة المتصوفة من يزعم ان ارسطو كان هو الخضر خضر موسى وهؤلاء منهم من يفضل الفلاسفة على الانبياء في العلم ويقول إن هارون كان أعلم من موسى وإن عليا كان أعلم من النبي ﷺ - كما يزعمون ان الخضر كان أعلم من موسى وأن عليا وهارون والخضر كانوا فلاسفة يعلمون الحقائق العقلية العلمية اكثر من موسى وعيسى ومحمد لكن هؤلاء كانوا في القوة العلمية اكمل ولهذا وضعوا الشرائع العلمية وهؤلاء يفضلون فرعون على موسى ويسمونه أفلاطن القبطي وقد يقولون إن صاحب مدين الذي تزوج موسى بنته هو أفلاطن اليوناني استاذ ارسطو ويقولون إن موسى كان أعلم من غيره بالسحر وإنه استفاد ذلك من حموه إذ كان عندهم ليست المعجزات إلا قوى نفسانية أو طبيعية أو فلكية من جنس السحر ولكن موسى كان مبرزا على غيره في ذلك، إلى أمثال ذلك من المقالات التي تقولها الملاحدة المتفلسفة المنتمون الى الاسلام في الظاهر من متشيع ومتصوف كابن سبعين وابن عربي وأصحابه ولهم من هذا الجنس ما يطول حكايته مما يدل على انهم من اجهل الناس بالمعقول والمنقول ولم يكفهم جهلهم بما جاءت به النبوات حتى ضموا الى ذلك الجهل بأخبار العالم وأيام الناس والجهل بالعقليات فان أفلاطن استاذ ارسطو كان قبل المسيح بأقل من اربعمائة سنة وذلك بعد موسى بمدة طويلة تزيد على فكيف يتعلم منه إيطال القول بحياة الخضر وقولهم إن الخضر هو ارسطو من اظهر الكذب البارد والخضر على الصواب مات قبل ذلك بزمان طويل والذين يقولون انه حي كبعض العباد وبعض العامة وكثير من اليهود والنصارى غالطون في ذلك غلطا لا ريب فيه وسبب غلطهم انهم يرون في الاماكن المنقطعة وغيرها من يظن انه من الزهاد ويقول انا الخضر وقد يكون ذلك شيطانا قد يتمثل بصورة آدمي وهذا مما علمنا في وقائع كثيرة حتى في مكان الذي كتبت فيه هذا عند الربوة بدمشق رأى شخص بين الجبلين صورة رجل قد سد ما بين الجبلين وبلغ راسه راس الجبل وقال انا الخضر وانا نقيب الاولياء وقال للرجل الرائي انت رجل صالح وانت ولي الله ومد يده الى فأس كان الرجل نسيه في مكان وهو ذاهب اليه فناوله اياه وكان بينه وبين ذلك المكان نحو ميل ومثل هذه الحكاية كثير وكل من قال انه راى الخضر وهو صادق اما ان يتخيل له في نفسه انه راه ويظل ما في نفسه كان في الخارج كما يقع لكثير من ارباب الرياضات واما ان يكون جنيا يتصور له بصورة انسان ليضله وهذا كثير جدا قد علمنا منه ما يطول وصفه واما ان يكون راى انسيا ظن انه الخضر وهو غالط في ظنه فان قال له ذلك الجني او الانسي انه الخضر فيكون قد كذب عليه لا يخرج الصدق في هذا الباب عن هذه الاقسام الثلاثة واما الاحاديث فكثيرة ولهذا لم ينقل عن احد من الصحابة انه راى الخضر ولا اجتمع به لانهم كانوا اكمل علما وايمانا من غيرهم فلم يكن يمكن الشيطان التلبيس عليهم كما لبس على كثير من العباد ولهذا كثير من الكفار اليهود والنصارى يأتيهم من يظنون انه الخضر ويحضر في كنائسهم وربما حدثهم بأشياء وانما هو شيطان جاء اليهم فيضلهم ولو كان الخضر حيا لوجب عليه ان يأتي الى النبي ﷺ - فيؤمن به ويجاهد معه كما اخذ الله الميثاق على الانبياء واتباعهم بقوله واذ اخذ الله ميثاق النبين لما اتيتكم من كتب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه (آل عمران) والخضر قد اصلح السفينة لقوم من عرض الناس فكيف لا يكون بين محمد واصحابه وهو ان كان نبيا فنبينا افضل منه وان لم يكن نبيا فأبو بكر وعمر افضل منه وهذا مبسوط في موضعه حقيقة شخصيات أرسطو والاسكندر وذي القرنين وكلامنا هنا في ضلال هؤلاء المتفلسفة الذين يبنون ضلالهم بضلال غيرهم فيتعلقون بالكذب في المنقولات وبالجهل في المعقولات كقولهم إن أرسطو وزير ذي القرنين المذكور في القرآن لأنهم سمعوا انه كان وزير الاسكندر وذو القرنين يقال له الاسكندر وهذا من جهلهم فان الاسكندر الذي وزر له ارسطو هو ابن فيلبس المقدوني الذي يؤرخ له تاريخ الروم المعروف عند اليهود والنصارى وهو إنما ذهب الى ارض القدس لم يصل الى السد عند من يعرف اخباره وكان مشركا يعبد الاصنام وكذلك أرسطو وقومه كانوا مشركين يعبدون الاصنام، وذو القرنين كان موحدا مؤمنا بالله وكان متقدما على هذا ومن يسميه الاسكندر يقول هو الاسكندر بن دارا ولهذا كان هؤلاء المفلسفة إنما راجوا على ابعد الناس عن العقل والدين كالقرامطة والباطنية الذين ركبوا مذهبهم من فلسفة اليونان ودين المجوس وأظهروا الرفض وكجهال المتصوفة وأهل الكلام وإنما ينفقون في دولة جاهلية بعيدة عن العلم والايمان إما كفارا وإما منافقين كما نفق منهم من نفق على المنافقين الملاحدة ثم نفق على المشركين الترك وكذلك إنما ينفقون دائما على اعداء الله ورسوله من الكفار والمنافقين مزيد الكلام على تحديدهم الاستدلال بمقدمتين فقط وكلامنا الان فيما احتجوا به على انه لا بد في الدليل من مقدمتين لا اكثر ولا اقل وقد عرف ضعفه ثم إنهم لما علموا ان الدليل قد يحتاج الى مقدمات وقد يكفى فيه مقدمة واحدة قالوا إنه ربما ادرج في القياس قول زائد أي مقدمة ثالثة زائدة على مقدمتين لغرض فاسد او صحيح كبيان المقدمتين ويسمونه المركب قالوا ومضمونه اقيسة متعددة سيقت لبيان مطلوب واحد إلا ان المطلوب منها بالذات ليس إلا واحدا قالوا وربما حذفت إحدى القدمات إما للعلم بها او لغرض فاسد وقسموا المركب الى مفصول و موصول كما تقدم فيقال هذا اعتراف منكم بان من المطالب ما يحتاج الى مقدمات و منها ما يكفى فيه مقدمة واحدة ثم قلتم ان ذلك الذى يحتاج الى مقدمات هو فى معنى اقيسة متعددة فيقال لكم اذا ادعيتم ان الذى لا بد منه انما هو قياس واحد يشتمل على مقدمتين وان ما زاد على ذلك هو في معنى اقيسة كل قياس لبيان مقدمة من المقدمات فقولوا ان الذي لا بد منه هو مقدمة واحدة وان ما زاد على تلك المقدمة من المقدمات فانما هو لبيان تلك المقدمة وهذا اقرب الى المعقول فانه اذا لم يعلم ثبوت الصفة للموصوف وهو ثبوت الحكم للمحكوم عليه وهو ثبوت الخبر للمبتدا او المحمول للموضوع الا بوسط بينهما هو الدليل فالذي لا بد منه هو مقدمة واحدة وما زاد على ذلك فقد يحتاج اليه وقد لا يحتاج اليه واما دعوى الحاجة الى القياس الذي هو المقدمتان للاحتياج الى ذلك في بعض المطالب فهو كدعوى الاحتياج في بعضها الى ثلاث مقدمات واربع وخمس للاحتياج الى ذلك في بعض المطالب وليس تقدير عدد باولى من عدد وما يذكرونه من حذف احدى المقدمتين لوضوحها او للتغليط يوجد مثله في حذف الثالثة والرابعة ومن احتج على مسألة بمقدمة لا تكفي وحدها في بيان المطلوب او مقدمتين او ثلاثة لا تكفي طولب بالتمام الذي يحصل به الكفاية واذا ذكرت المقدمات منع منها ما يقبل المنع وعورض منها ما يقبل المعارضة حتى يتم الاستدلال كمن طلب منه الدليل على تحريم شراب خاص حين قال هذا حرام فقيل له لم قال لانه نبيذ مسكر فهذه المقدمة كافية إن كان المستمع ممن يعلم ان كل مسكر حرام اذا سلم له تلك المقدمة وان منعه اياها وقال لا نسلم ان هذا مسكر احتاج الى بيانها بخبر من يوثق بخبره او بالتجربة في نظيرها وهذا قياس تمثيل وهو مفيد لليقين فان الشراب الكثير اذا جرب بعضه وعلم انه مسكر علم ان الباقي منه مسكر لان حكم بعضه مثل بعض وكذلك سائر القضايا التجربية كالعلم بأن الخبز يشبع والماء يروي وامثال ذلك انما مبناها على قياس التمثيل بل وكذلك سائر الحسيات التي علم انها كلية انما هو بواسطة قياس التمثيل وان كان ممن ينازعه في ان النبيذ المسكر حرام احتاج الى مقدمتين الى اثبات ان هذا مسكر والى ان كل مسكر خمر فيثبت الثانية بأدلة متعددة كقول النبي ﷺ - كل مسكر خمر وكل شراب اسكر فهو حرام وبأنه سئل عن شراب يصنع من العسل يقال له البتع وشراب يصنع من الذرة يقال له المزر وكان قد اوتي جوامع الكلم فقال كل مسكر حرام وهذه الاحاديث في الصحيح وهي واضعافها معروفة عن النبي ﷺ - تدل على انه حرام كل شراب اسكر فان قال انا اعلم انه خمر لكن لا اسلم ان الخمر حرام او لا اسلم انه حرام مطلقا اثبت هذه المقدمة الثالثة وهلم جرا مزيد البيان ان المقدمة الواحدة قد تكفي ومما يبين لك ان المقدمة الواحدة قد تكفي في حصول المطلوب ان الدليل هو ما يستلزم الحكم المدلول عليه كما تقدم بيانه ولما كان الحد الاول مستلزما للاوسط والاوسط للثالث ثبت ان الاول مستلزم للثالث فان ملزوم الملزوم ملزوم ولازم اللازم لازم فالحكم لازم من لوازم الدليل لكن لم يعرف لزومه اياه الا بوسط بينهما والوسط ما يقرن بقولك لانه و هذا مما ذكره المنطقيون ابن سينا وغيره ذكروا الصفات اللازمة للموصوف وان منها ما يكون بين اللزوم وردوا بذلك على من فرق من اصحابهم بين الذاتي واللازم للماهية بأن اللازم ما افتقر الى وسط بخلاف الذاتي فقالوا له كثير من الصفات اللازمة لا يفتقر الى وسط وهي البينة اللزوم والوسط عند هؤلاء هو الدليل واما ما ظنه بعض الناس ان الوسط هو ما يكون متوسطا في نفس الامر بين اللازم القريب واللازم البعيد فهذا خطا ومع هذا يتبين حصول المراد على التقديرين فنقول اذا كانت اللوازم منها ما لزومه للملزوم بين بنفسه لا يحتاج الى دليل يتوسط بينهما فهذا نفس تصوره وتصور الملزوم يكفي في العلم بثبوته له واذا كان بينهما وسط فذاك الوسط اذا كان لزومه للملزوم الاول ولزوم الثاني له بينا لم يفتقر الى وسط ثان وان كان احد الملزومين غير بين بنفسه احتاج الى وسط وان لم يكن واحد منهما بينا احتاج الى وسطين وهذا الوسط هو حد تكفي فيه مقدمة واحدة فاذا طلب الدليل على تحريم النبيذ المسكر فقيل لانه قد صح عن النبي ﷺ - أنه قال كل مسكر خمر او كل مسكر حرام فهذا الوسط وهو قول النبي ﷺ - لا يفتقر عند المؤمن لزوم تحريم المسكر له الى وسط ولا يفتقر لزوم تحريم النبيذ المتنازع فيه لتحريم المسكر الى وسط فان كل احد يعلم انه اذا حرم كل مسكر حرم النبيذ المسكر المتنازع فيه وكل مؤمن يعلم ان النبي ﷺ - اذا حرم شيئا حرم ولو قال الدليل على تحريمه انه مسكر فالمخاطب ان كان يعرف ان ذلك مسكر والمسكر محرم سلم له التحريم ولكنه كان غافلا عن كونه مسكرا او جاهلا بكونه مسكرا وكذلك اذا قال لانه خمر فان اقر انه خمر ثبت التحريم واذا اقر بعد انكاره فقد يكون كان جاهلا فعلم او غافلا فذكر فليس كل من علم شيئا كان ذاكرا له الخلاف في ان العلم بالمقدمتين كاف في العلم بالنتيجة ام لا ولهذا تنازع هؤلاء المنطقيون في العلم بالمقدمتين هل هو كاف في العلم بالنتيجة ام لا بد من التفطن لامر ثالث وهذا الثاني هو قول ابن سينا وغيره قالوا لان الانسان قد يكون عالما ب ان البغلة لا تلد ثم يغفل عن ذلك ويرى بغلة منتفخة البطن فيقول اهذه حامل ام لا فيقال له اما تعلم انها بغلة فيقول بلى ويقال له اما تعلم ان البغلة لا تلد فيقول بلى قال فحينئذ يتفطن لكونها لا تلد ونازعه الرازي وغيره وقالوا هذا ضعيف لان اندراج احدى المقدمتين تحت الاخرى ان كان مغايرا للمقدمتين كان ذلك مقدمة اخرى لا بد فيها من الانتاج ويكون الكلام في كيفية التيامها مع الاوليين كالكلام في كيفية التيام الاوليين ويفضى ذلك الى اعتبار ما لا نهاية له من المقدمات وان لم يكن ذلك معلوما مغايرا للمقدمتين استحال ان يكون شرطا في الانتاج لان الشرط مغاير للمشروط وهنا لا مغايرة فلا يكون شرطا واما حديث البغلة فذلك انما يمكن اذا كان الحاضر في الذهن احدى المقدمتين فقط اما الصغرى واما الكبرى واما عند اجتماعهما في الذهن فلا نسلم انه يمكن الشك اصلا في النتيجة قلت وحقيقة الامر ان هذا النزاع لزمهم في ظنهم الحاجة الى مقدمتين فقط وليس الامر كذلك بل المحتاج اليه هو ما به يعلم المطلوب سواء كانت مقدمة او اثنتين او ثلاثا والمغفول عنه ليس بمعلوم حال الغفلة فاذا تذكر صار معلوما بالفعل وهنا الدليل هو العلم بأن البغلة لا تحبل وهذه المقدمة كان زاهلا عنها فلم يكن عالما بها العلم الذي يحصل به الدلالة فان المغفول عنه لا يدل حين ما يكون مغفولا عنه بل انما يدل حال كونه مذكورا اذ هو بذلك يكون معلوما علما حاضرا والرب تعالى منزه عن الغفلة والنسيان لان ذلك يناقض حقيقة العلم كما انه منزه عن السنة والنوم لان ذلك يناقض كمال الحياة والقيومية فان النوم اخو الموت ولهذا كان اهل الجنة لا ينامون كما لا يموتون وكانوا يلهمون التسبيح كما يلهم احدنا النفس والمقصود هنا ان وجه الدليل العلم بلزوم المدلول له سواء سمي استحضارا او تفطنا او غير ذلك فمتى استحضر في ذهنه لزوم المدلول له علم انه دال عليه وهذا اللزوم ان كان بينا له والا فقد يحتاج في بيانه الى مقدمة او ثنتين او ثلاثة او اكثر والاوساط تتنوع بتنوع الناس فليس ما كان وسطا مستلزما للحكم في حق هذا هو الذي يجب ان يكون وسطا في حق الاخر بل قد يحصل له وسط اخر فالاوساط هو الدليل وهو الواسطة في العلم بين اللازم والملزوم وهما المحكوم والمحكوم عليه فان الحكم لازم للمحكوم عليه ما دام حكما له والاواسط التي هي الادلة مما يتنوع ويتعدد بحسب ما يفتحه الله للناس من الهداية كما اذا كان الوسط خبر صادق فقد يكون الخبر لهذا غير الخبر لهذا واذا راى الناس الهلال وثبت عند دار السلطان وتفرق الناس فأشاعوا ذلك في البلد فكل قوم يحصل لهم العلم بخبر من غير المخبرين الذين اخبروا غيرهم والقران والسنة الذي بلغه الناس عن الرسول بلغ كل قوم بوسائط غير وسائط غيرهم لا سيما في القرن الثاني والثالث فهؤلاء هم مقرئون ومعلمون وهؤلاء مقرئون ومعلمون وهؤلاء هم وسائط وهم الاواسط بينهم وبين معرفة ما قاله الرسول وفعله وهم الذين دلوهم على ذلك باخبارهم وتعليمهم وكذلك المعلومات التي تنال بالعقل او الحس اذا نبه عليها منه وارشد اليها مرشد فذلك ايضا مما يختللف ويتنوع ونفس الوسائط العقلية تتنوع وتختلف واما من جعل الوسط في اللوازم هو وسطا في نفس ثبوتها للموصوف فهذا باطل من وجوه كما قد بسط في موضعه وبتقدير صحته فالوسط الذهني اعم من الخارجي كما ان الدليل اعم من العلة فكل علة يمكن الاستدلال بها على المعلول وليس كل دليل يكون علة في نفس الامر وكذلك ما كان متوسطا في نفس الامر امكن جعله متوسطا في الذهن فيكون دليلا ولا ينعكس لان الدليل هو ما كان مستلزما للمدلول فالعلة المستلزمة للمعلول يمكن الاستدلال بها والوسط الذي يلزم الملزوم ويلزمه اللازم البعيد هو مستلزم لذلك اللازم فيمكن الاستدلال به فتبين انه على كل تقدير يمكن الاستدلال على المطلوب بمقدمة واحدة اذا لم يحتج الى غيرها وقد لا يمكن الا بمقدمات فيحتاج الى معرفتهن وان تخصيص الحاجة بمقدمتين دون ما زاد وما نقص تحكم محض لا يلتزم الاستدلال بمقدمتين فقط الا اهل المنطق ولهذا لا تجد في سائر طوائف العقلاء ومصنفي العلوم من يلتزم في استدلاله البيان بمقدمتين لا اكثر ولا اقل ويجتهد في رد الزيادة الى ثنتين وفي تكميل النقص بجعله مقدمتين الا اهل منطق اليونان ومن سلك سبيلهم دون من كان باقيا على فطرته السليمة او سلك مسلك غيرهم كالمهاجرين والانصار والتابعين لهم باحسان وسائر ائمة المسلمين وعلمائهم ونظارهم وسائر طوائف الملل وكذلك اهل النحو والطب والهندسة لا يدخل في هذا الباب الا من اتبع في ذلك هؤلاء المنطقيين كما قلدوهم في الحدود المركبة من الجنس والفصل وما استفادوا بما تلقوه عنهم علما الا علما يستغني عن باطل كلامهم او ما يضر ولا ينفع لما فيه من الجهل او التطويل الكثير ولهذا لما كان الاستدلال تارة يقف على مقدمة وتارة على مقدمتين وتارة على مقدمات كانت طريقة نظار المسلمين ان يذكروا من الادلة على المقدمات ما يحتاجون اليه ولا يلتزمون في كل استدلال ان يذكروا مقدمتين كما يفعله من يسلك سبيل المنطقيين بل كتب نظار المسلمين وخطبائهم وسلوكهم في نظرهم لانفسهم ومناظرتهم لغيرهم تعليما وارشادا ومجادلة على ما ذكرت وكذلك سائر اصناف العقلاء من اهل الملل وغيرهم الا من سلك طريق هؤلاء وما زال نظار المسلمين يعيبون طريق اهل المنطق ويبينون ما فيها من العي واللكنة وقصور العقل وعجز النطق ويبينون انها الى افساد المنطق العقلي واللساني اقرب منها الى تقويم ذلك ولا يرضون ان يسلكوها في نظرهم ومناظرتهم لا مع من يوالونه ولا مع من يعادونه 8. الغزالي وعلم المنطق وانما كثراستعمالها من زمن ابي حامد فانه ادخل مقدمة من المنطق في اول كتابه المستصفى وزعم انه لا يثق بعلمه الا من عرف هذا المنطق وصنف فيه معيار العلم ومحك النظر وصنف كتابا سماه القسطاس المستقيم ذكر فيه خمس موازين الضروب الثلاثة الحمليات والشرطى المتصل والشرطى المنفصل وغير عبارتها الى امثلة اخذها من كلام المسلمين وزعم انه اخذ تلك الموازين من الانبياء وذكر انه خاطب بذلك بعض اهل التعليم وصنف كتابا في مقاصدهم وصنف كتابا في تهافتهم وبين كفرهم بسبب مسأله قدم العالم وانكار العلم بالجزئيات وانكار المعاد وبين في اخر كتبه ان طريقهم فاسدة لا توصل الى يقين وذمها اكثر مما ذم طريقة المتكلمين لكن بعد ان اودع كتبه المضنون بها على غير اهلها وغيرها من معاني كلامهم الباطل المخالف لدين المسلمين ما غير عبارته وعبر عنه بعبارة المسلمين التي لم يريدوا بها ما اراده كما يأخذ لفظ الملك و الملكوت والجبروت وكان النبي ﷺ - يقول في ركوعه وسجوده سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة والجبروت والملكوت فعلوت الجبر والملك كالرحموت والرغبوت والرهبوت فعلوت من الرحمة والرغبة والرهبة والعرب تقول رهبوت خير من رحموت أي ان ترهب خير من من ان ترحم فالجبروت والملكوت يتضمن من معاني اسماء الله تعالى وصفاته ما دل عليه معنر الملك الجبار وابو حامد يجعل عالم الملك عالم الاجسام وعالم الملكوت والجبروت عالم النفس والعقل ومعلوم ان النبي ﷺ - والمسلمين لم يقصدوا بهذا اللفظ هذا بل ما يثبته المتفلسفة من العقل باطل عند المسلمين بل هو من أعظم الكفر فان العقل الاول عندهم مبدع كل ما سوى الله والعقل العاشر مبدع ما تحت فلك القمر وهذا من اعظم الكفر عند المسلمين واليهود والنصارى والعقل في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلا وهو ايضا غريزة في الانسان فمسماه من باب الاعراض لا من باب الجواهر القائمة بأنفسها وعند المتفلسفة مسماه من النوع الثاني والملئكة التي أخبرت بها الرسل وإن كان بعض من يريد بالجمع بين النبوة والفلسفة يقول إنها العقول فهذا من أبطل الباطل فبين ما وصف الله به الملئكة في كتابه وبين العقول التي يثبتها هؤلاء من الفروق ما لا يخفى إلا على من أعمى الله بصيرته كما قد بسطنا ذلك في موضعه والحديث الذي يروى أول ما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال وعزتى ما خلقت خلقا أكرم على منك فبك آخذ وبك أعطى وبك الثواب وبك العقاب هو حديث موضوع باتفاق اهل المعرفة بالحديث كما ذكر ذلك الدارقطني وبين من وضعه وكذلك ذكر ضعفه ابو حاتم بن حيان والعقيلي وابن الجوزي وغيرهم ومع هذا فلفظه اول ما خلق الله العقل قال له فمدلوله انه خاطبه في اول اوقاته خلقه ليس مدلوله انه اول المخلوقات وفي تمامه انه قال ما خلقت خلقا اكرم على منك فدل انه خلق قبله غيره وفيه انه مخلوق وابو حامد يفرق بين عالم الخلق وعالم الامر فيجعل الأجسام عالم الخلق والنفوس والعقول عالم الامر وهذا ايضا ليس من دين المسلمين بل كل ما سوى الله مخلوق عند المسلمين والله تعالى خالق كل شئ وإذا ادعو ان العقول التي اثبتوها هي الملئكة في كلام الانبياء فقد ثبت بالنص والاجماع أن الله خلق الملئكة بل خلقهم من مادة كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة أن النبي ﷺ - قال خلق الله الملئكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم فبين ان الملئكة مخلوقون من مادة موجودة قبلهم فأين هذا من قول من ينفى الخلق عنها ويقول إنها مبتدعة لا مخلوقة او يقول إنها قديمة أزلية لم تكن من مادة اصلا وهذه الامور مبسوطة في موضع آخر والمقصود هنا أن كتب أبى حامد وإن كان يذكر فيها كثيرا من كلامهم الباطل إما بعبارتهم أو بعبارة أخرى فهو في آخر أمره يبالغ في ذمهم ويبين أن طريقهم متضمنة من الجهل والكفر ما يوجب ذمها وفسادها أعظم من طريقة المتكلمين ومات وهو مشتغل بالبخاري ومسلم والمنطق الذي كان يقول فيه ما يقول ما حصل له مقصوده ولا أزال عنه ما كان فيه من الشك والحيرة بل كان متوقفا حائرا فيما هو من أعظم المطالب العالية الالهية والمقاصد الساميه الربانية ولم يغن عنه المنطق شيئا ولكن بسبب ما وقع منه في أثناء عمره وغير ذلك صار كثير من النظار يدخلون المنطق اليوناني في علومهم حتى صار من يسلك طريق هؤلاء من المتأخرين يظن انه لا طريق إلا هذا وأن ما ادعوه من الحد والبرهان هو امر صحيح مسلم عند العقلاء ولا يعلم انه ما زال العقلاء والفضلاء من المسلمين وغيرهم يعيبون ذلك ويطعنون فيه وقد صنف نظار المسلمين في ذلك مصنفات متعددة وجمهور المسلمين يعيبونه عيبا مجملا لما يرونه من آثاره ولوازمه الدالة على ما في اهله مما يناقض العلم والايمان ويفضى بهم الحال إلى انواع من الجهل والكفر والضلال والمقصود هنا أن ما يدعونه من توقف كل مطلوب نظري على مقدمتين لا أكثر ليس كذلك دعواهم إضمار إحدى المقدمتين في قياس الضمير وهم يسمون القياس الذي حذفت إحدى مقدمتيه قياس الضمير ويقولون إنها قد تحذف إما للعلم بها وإما غلطا وإما تغليطا فيقال إذا كانت معلومة كانت كغيرها من المقدمات المعلومة وحينئذ فليس إضمار مقدمة بأولى من إضمار ثنتين وثلاثة وأربعة فان جاز أن يدعى في الدليل الذي لا يحتاج إلا الى مقدمة ان الاخرى مضمرة محذوفة جاز أن يدعى فيما يحتاج الى ثنتين ان الثالثة محذوفة وكذلك فيما يحتاج الى ثلاث وليس لذلك حد ومن تدبر هذا وجد الامر كذلك وجود الركة والعى في كلام اهل المنطق ولهذا لا يوجد في كلام البلغاء أهل البيان الذين يقيمون البراهين والحجج اليقينية بأبين العبارات من استعمال المقدمتين في كلامهم ما يوجد في كلام اهل المنطق بل من سلك طريقهم كان من المضيقين لطريق العلم عقولا وألسنة ومعانيهم من جنس ألفاظهم تجد فيها من الركة والعى ما لا يرضاه عاقل وكان يعقوب بن إسحاق الكندي فيلسوف الاسلام في وقته أعنى الفيلسوف الذي في الاسلام وإلا فليس الفلاسفة من المسلمين كما قالوا لبعض اعيان القضاة الذين كانوا في زماننا ابن سينا من فلاسفة الاسلام فقال ليس للاسلام فلاسفة كان يعقوب يقول في أثناء كلامه لعدم فقد وجود كذا وأنواع هذه الاضافات ومن وجد في بعض كلامه فصاحة او بلاغة كما يوجد في بعض كلام ابن سينا وغيره فلما استفاده من المسلمين من عقولهم وألسنتهم وإلا فلو مشى على طريقة سلفه وأعرض عما تعلمه من المسلمين لكان عقله ولسانه يشبه عقولهم وألسنتهم التباس أمر المنطق على طائفة لم يتصوروا حقائقه وهم أكثر ما ينفقون على من لا يفهم ما يقولونه ويعظمهم بالجهل والوهم أو يفهم بعض ما يقولونه او اكثره او كله مع عدم تصوره في تلك الحال لحقيقة ما جاء به الرسول ﷺ - وما يعرف بالعقول السليمة وما قاله سائر العقلاء مناقضا لما قالوه وهو انما وصل الى منتهى امرهم بعد كلفة ومشقه واقترن بها حسن الظن فتورط من ضلالهم فيما لا يعلمه إلا الله ثم إن تداركه الله بعد ذلك كما أصاب كثيرا من الفضلاء الذين احسنوا بهم الظن ابتداء ثم انكشف لهم من ضلالهم ما أوجب رجوعهم عنهم وتبر اهم منهم بل وردهم عليهم وإلا بقى في الضلال وضلالهم في الالهيات ظاهر لاكثر الناس ولهذا كفرهم فيها نظار المسلمين قاطبة وإنما المنطق التبس الامر فيه على طائفة لم يتصوروا حقائقه ولوازمه ولم يعرفوا ما قال سائر العقلاء في تناقضهم فيه، واتفق أن فيه امورا ظاهرة مثل الشكل الاول ولا يعرفون ان ما فيه من الحق لا يحتاج اليهم فيه بل طولوا فيه الطريق وسلكوا الوعر والضيق ولم يهتدوا فيه الى ما يفيد التحقيق وليس المقصود في هذا المقام بيان ما أخطأوا في إثباته بل ما أخطأوا في نفيه حيث زعموا ان العلم النظري لا يحصل إلا ببرهانهم وهو من القياس تلازم قياس الشمول وقياس التمثيل وبيانه بالامثلة وجعلوا أصناف الحجج ثلاثة القياس والاستقراء والتمثيل وزعموا ان التمثيل لا يفيد اليقين وإنما يفيده القياس الذي تكون مادته من القضايا التي ذكروها وقد بينا في غير هذا الموضع ان قياس التمثيل وقياس الشمول متلازمان وأن ما حصل بأحدهما من علم او ظن حصل بالاخر مثله إذا كانت المادة واحدة والاعتبار بمادة العلم لا بصورة القضية بل إذا كانت المادة يقينية سواء كانت صورتها في صورة قياس التمثيل او صورة قياس الشمول فهى واحدة وسواء كانت صورة القياس اقترانيا اواستثنائيا بعبارتهم أو بأي عبارة شئت لا سيما في العبارات التي هي خير من عباراتهم وأبين في العقل وأوجز في اللفظ والمعنى واحد وحد هذا في أظهر الامثلة إذا قلت هذا إنسان وكل إنسان مخلوق او حيوان او حساس او متحرك بالارادة أو ناطق أو ما شئت من لوازم الانسان فان شئت صورت الدليل على هذه الصورة وإن شئت قلت هو انسان فهو مخلوق او حساس او حيوان او متحرك كغيره من الناس لاشتراكهما في الانسانية المستلزمة لهذه الصفات وإن شئت قلت هذا إنسان والانسانية مستلزمة لهذه الاحكام فهى لازمة له وإن شئت قلت إن كان أنسانا فهو متصف بهذا الصفات اللازمة للانسان وإن شئت قلت إما ان يتصف بهذه الصفات وإما ان لا يتصف والثاني باطل فتعين الاول لان هذه لازمة للانسان لا يتصور وجوده بدونها الاستقراء ليس استدلالا بجزئي على كلي وأما الاستقراء فانما يكون يقينيا إذا كان استقراء تاما وحينئذ فتكون قد حكمت على القدر المشترك بما وجدته في جميع الافراد وهذا ليس استدلالا يجزئى على كلى ولا بخاص على عام بل استدلال بأحد المتلازمين على الاخر فان وجود ذلك الحكم في كل فرد من أفراد الكلى العام يوجب ان يكون لازما لذلك الكلى العام فقولهم إن هذا استدلال بخاص جزئي على عام كلي ليس بحق وكيف ذلك والدليل لا بد أن يكون ملزوما للمدلول فانه لو جاز وجود الدليل مع عدم المدلول عليه ولم يكن المدلول لازما له لم يكن إذا علمنا ثبوت ذلك الدليل نعلم ثبوت المدلول معه إذا علمنا أنه تارة يكون معه وتارة لا يكون معه فانا إذا علمنا ذلك ثم قلنا إنه معه دائما كنا قد جمعنا بين النقيضين وهذا اللزوم الذي نذكره هنا يحصل به الاستدلال بأي وجه حصل اللزوم وكلما كان اللزوم أقوى وأتم وأظهر كانت الدلالة اقوى واتم وأظهر كالمخلوقات الدالة على الخالق سبحانه وتعالى فانه ما منها مخلوق إلا وهو ملزوم لخالقه لا يمكن وجوده بدون وجود خالقه بل ولا بدون علمه وقدرته ومشيئته وحكمته ورحمته فكل مخلوق دال على ذلك كله واذا كان المدلول لازما للدليل فمعلوم ان اللازم إما ان يكون مساويا للملزوم وإما أن يكون أعم منه فالدليل إما أن يكون مساويا للحكم المدلول في العموم والخصوص وإما أن يكون اخص منه لا يكون الدليل أعم منه القياس استدلال بكلى على ثبوت كلى آخر لجزئيات ذلك الكلى وإذا قالوا في القياس يستدل بالكلى على الجزئي فليس الجزئي هو الحكم المدلول عليه إنما الجزئي هو الموصوف المخبر عنه محل الحكم فهذا قد يكون أخص من الدليل وقد يكون مساويا له بخلاف الحكم الذي هو صفة هذا وحكمه الذي اخبر به عنه فانه لا يكون إلا اعم من الدليل او مساويا له فان ذلك هو المدلول اللازم للدليل والدليل هو لازم المخبر عنه الموصوف فاذا قيل النبيذ حرام لانه خمر كونه خمرا هو الدليل وهو لازم للنبيذ والتحريم لازم للخمر والقياس المؤلف من المقدمتين إذا قلت النبيذ المتنازع فيه مسكر او خمر وكل مسكر او كل خمر حرام فأنت لم تستدل بالمسكر او الخمر الذي هو كلى على نفس محل النزاع الذي هو اخص من الخمر وهو النبيذ فليس هو استدلالا بذلك الكلى عل هذا الجزئي بل استدللت به على تحريم هذا النبيذ فلما كان تحريم هذا النبيذ مندرجا في تحريم كل مسكر قال من قال إنه استدلال بالكلى على الجزئي والتحقيق ان ما ثبت للكلى فقد ثبت لكل واحد من جزئياته والتحريم أعم من الخمر وهو ثابت لها فهو ثابت لكل فرد فرد من جزئياتها فهو استدلال بكلى على ثبوت كلى آخر لجزئيات ذلك الكلى وذلك الدليل هو كالجزئي بالنسبة الى ذلك الكلى الذي هو الحكم وهو كلى بالنسبة الى تلك الجزئيات التي هي المحكوم عليها وهذا مما لا يتنازعون فيه فان الدليل ه الحد الاوسط وهو اعم من الاصغر أو مساو له والاكبر اعم منه او مساو له والاكبر هو الحكم والصفة والخبر وهو محمول النتيجة والاصغر هو المحكوم عليه الموصوف المبتدأ وهو موضوع النتيجة قياس التمثيل هو اشتراك الجزئيين في علة الحكم وأما قولهم في التمثيل إنه استدلال بجزئي على جزئي فان أطلق ذلك وقيل إنه استدلال بمجرد الجزئي على الجزئي فهو غلط فان قياس التمثيل إنما يدل بحد اوسط وهو اشتراكهما في علة الحكم أو دليل الحكم مع العلة فانه قياس علة او قياس دلالة لا تعلم صحة القياس في قياس الشبه وأما قياس الشبه فاذا قيل به لم يخرج عن أحدهما فان الجامع المشترك بين الاصل والفرع إما أن يكون هو العلة او ما يستلزم العلة وما استلزمها فهو دليلها وإذا كان الجامع لا علة ولا ما يستلزم العلة لم يكن الاشتراك فيه مقتضيا للاشتراك في الحكم بل كان المشترك قد يكون معه العلة وقد لا يكون فلا يعلم حينئذ أن علة الاصل موجودة في الفرع فلا يعلم صحة القياس بل لا يكن صحيحا إلا إذا اشتركا فيها ونحن لا نعلم الاشتراك فيها إلا إذا علمنا اشتراكهما فيها او في ملزومها فان ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم فاذا قدرنا انهما لم يشتركا في الملزوم ولا فيها كان القياس باطلا قطعا لانه حينئذ تكون العلة مختصة بالاصل وإن لم يعلم ذلك لم تعلم صحة القياس وقد يعلم صحة القياس بانتفاء الفارق بين الاصل والفرع وإن لم يعلم عين العلة ولا دليلها فانه يلزم من انتفاء الفارق اشتراكهما في الحكم وإذا كان قياس التمثيل إنما يكون تاما بانتفاء الفارق وإما بابداء جامع وهو كلى يجمعهما يستلزم الحكم وكل منهما يمكن تصويره بصورة قياس الشمول وهو يتضمن لزوم الحكم للكلى ولزوم الكلى لجزئياته وهذا حقيقة قياس الشمول ليس ذلك استدلالا بمجرد ثبوته لجزئي على ثبوته لجزئي آخر فأما إذا قيل بما يعلم ان المشترك مستلزم الحكم قيل مما تعلم القضية الكبرى في القياس فبيان الحد الاوسط هو المشترك الجامع ولزوم الحد الاكبر له هو لزوم الحكم للجامع المشترك كما قد تقدم التنبيه على هذا وقد يستدل بجزئي على جزئي إذا كانا متلازمين أو كان احدهما ملزوم الاخر من غير عكس فان كان اللزوم عن الذات كانت الدلالة على الذات وإن كان في صفة او حكم كانت الدلالة على الصفة والحكم فقد تبين ما في حصرهم من الخلل وأما تقسيمهم الى الانواع الثلاثة فكلها تعود الى ما ذكروه في استلزام الدليل للمدلول عود الاقترانى والاستثنائى الى معنى واحد وما ذكروه في الاقترانى يمكن تصويره بصورة الاستثنائي وكذلك الاستثنائي يمكن تصويره بصورة الاقتراني فيعود الامر الى معنى واحد وهو مادة الدليل والمادة لا تعلم من صور القياس الذي ذكروه بل من عرف المادة بحيث يعلم أن هذا مستلزم لهذا علم الدلالة سواء صورت بصورة القياس أو لم تصور وسواء عبر عنها بعباراتهم او بغيرها بل العبارات التي صقلها عقول المسلمين وألسنتهم خير من عباراتهم بكثير كثير والاقترانى كله يعود الى لزوم هذا لهذا وهذا لهذا كما ذكر وهذا بعينه هو الاستثنائي المؤلف من المتصل والمنفصل فان الشرطى المتصل استدلال باللزوم بثبوت الملزوم الذي هو المقدم وهو الشرط على ثبوت اللازم هو التالي وهو الجزاء او بانتفاء اللازم وهو التالي الذي هو الجزاء على انتفاء الملزوم هو المقدم وهو الشرط وأما الشرطي المنفصل وهو الذي يسميه الاصوليون السبر والتقسيم وقد تسميه ايضا الجدليون التقسيم والترديد فمضمونه الاستدلال بثبوت احد النقضين على انتفاء الاخر وبانتفائه على ثبوته أو الإستدلال بثبوت أحد الضدين على انتفاء الآخر واقسامه اربعة ولهذا كان في مانعة الجمع والخلو الاستثناءات الاربعة وهو أنه إن ثبت هذا انتفى نقيضه وكذلك الآخر وإن انتفى هذا ثبت نقيضه وكذلك الاخر ومانعة الجمع الاستدلال بثبوت احد الضدين على انتفاء الاخر والامران متنافيان ومانعة الخلو فيها تناقض ولزوم والنقيضان لا يرتفعان فمنعت الخلو منهما ولكن جزاءها وجود شئ وعدم آخر ليس هو وجود الشئ وعدمه ووجود شئ وعدم آخر قد يكون أحدهما لازما للاخر وإن كانا لا يرتفعان لان ارتفاعهما يقتضى ارتفاع وجود شئ وعدمه معا مدار الاستدلال على مادة العلم لا على صورة القياس وبالجملة ما من شئ إلا وله لازم لا يوجد بدونه وله مناف مضاد لوجوده فيستدل عليه بثبوت ملزومه وعلى انتفائه بانتفاء لازمه ويستدل على انتفائه بوجود منافيه ويستدل بانتفاء منافيه على وجوده إذا انحصر الامر فيهما فلم يمكن عدمهما جميعا كما لم يمكن وجودهما جمعيا وهذا الاستدلال يحصل من العلم بأحوال الشئ وملزومها ولوازمها وإذا تصورته الفطرة عبرت عنه بأنواع من العبارات وصورته في أنواع من صور الادلة لا يختص شيء من ذلك بالصورة التي ذكروها في القياس فضلا عما سموه البرهان فان البرهان شرطوا له مادة معينة وهي القضايا التي ذكروها واخرجوا من الاوليات ما سموه وهميات وما سموه مشهورات وحكم الفطرة بهما لا سيما بما سموه وهميات اعظم من حكمها بكثير من اليقينيات التي جعلوها مواد البرهان وقد بسطت القول على هذا وبينت كلامهم في ذلك وتناقضهم وأن ما اخرجوه يخرج به ما ينال به اشرف العلوم من العلوم النطرية والعلوم العملية ولا يبقى بأيديهم إلا امور مقدرة في الاذهان لا حقيقة لها في الاعيان ولولا ان هذا الموضع لا يتسع لحكاية الفاظهم في هذا وما أوردته عليهم لذكرته فقد ذكرت ذلك كله في مواضعه من العلوم الكلية والالهية فانها هي المطوبة والكلام في المنطق إنما وقع لما زعموا انه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن أن يزل في فكره فاحتجنا ان ننظر في هذه الالة هل هي كما قالوا او ليس الامر كذلك تزييف القول بأن هذه علوم قد صقلتها الاذهان الخ ومن شيوخهم من إذا بين له من فساد اقولهم ما يتبين به ضلالهم وعجز عن دفع ذلك يقول هذه علوم قد صقلتها الاذهان اكثر من الف سنة وقبلها الفضلاء فيقال له عن هذا أجوبة أحدها إنه ليس الامر كذلك فما زال العقلاء الذين هم افضل من هؤلاء ينكرون عليهم ويبينون خطأهم وضلالهم فأما القدماء فالنزاع بينهم كثير معروف وفي كتب اخبارهم ومقالاتهم من ذلك ما ليس هذا موضع ذكره وأما ايام الاسلام فان كلام نظار المسلمين في بيان فساد ما افسدوه من اصولهم المنطقية والالهية بل والطبيعية بل والرياضية كثير قد صنف فيه كل طائفة من طوائف نظار المسلمين حتى الرافضة وأما شهادة سائر العلماء وطوائف أهل الايمان بضلالهم وكفرهم فهذا البيان عام لا يدفعه إلا معاند والمؤمنون شهداء الله في الارض فاذا كان اعيان الاذكياء الفضلاء من الطوائف وسائر اهل العلم والايمان معلنين بتخطئتهم وتضليلهم إما جملة وإما تفصيلا امتنع ان كون العقلاء قاطبة تلقوا كلامهم بالقبول الوجه الثاني إن هذا ليس بحجة فان الفلسفة التي كانت قبل أرسطو وتلقاها من قبلة بالقبول طعن ارسطو في كثير منها وبين خطأهم وابن سينا وأتباعه خالفوا القدماء في طائفة من اقاويلهم المنطقية وغيرها وبينوا خطأهم ورد الفلاسفة بعضهم على بعض أكثر من رد كل طائفة بعضهم على بعض وأبو البركات وأمثاله قد ردوا على أرسطو ما شاء الله لأنهم يقولون إنما قصدنا الحق ليس قصدنا التعصب لقائل معين ولا لقول معين الثالث إن دين عباد الاصنام اقدم من فلسفتهم وقد دخل فيه من الطوائف اعظم ممن دخل في فلسفتهم وكذلك دين اليهود المبدل أقدم من فلسفة أرسطو ودين النصارى المبدل قريب من زمن ارسطو فان ارسطو كان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة فانه كان في زمن الاسكندر بن فيلبس الذي يؤرخ به تاريخ الروم الذي يستعمله اليهود والنصارى الرابع أن يقال فهب ان الامر كذلك فهذه العلوم عقلية محضة ليس فيها تقليد لقائل وإنما تعلم بمجرد العقل فلا يجوز ان تصحح بالنقل بل ولا يتكلم فيها إلا بالمعقول المجرد فاذا دل المعقول الصريح على بطلان الباطل منها لم يجز رده فان أهلها لم يدعوا انها مأخوذة عمن يجب تصديقه بل عن عقل محض فيجب التحاكم فيها الى موجب العقل الصريح فصل: قياس التمثيل لا يفيد إلا الظن عند المناطقة بخلاف الاستقراء وقد احتجوا بما ذكروه من أن الاستقراء دون القياس الذي هو قياس الشمول وأن قياس التمثيل دون الاستقراء فقالوا إن قياس التمثيل لا يفيد إلا الظن وإن المحكوم عليه قد يكون جزئيا بخلاف الاستقرا ء فانه قد يفيد اليقين والمحكوم عليه لا يكون إلا كليا قالوا وذلك ان الاستقراء هو الحكم على كلى بما تحقق في جزئياته فان كان في جميع الجزئيات كان الاستقراء تاما كالحكم على المتحرك بالجسمية لكونها محكوما بها على جميع جزئيات المتحرك من الحيوان والجماد والنبات والناقص كالحكم على الحيوان بانه إذا أكل تحرك فكه الاسفل عند المضغ لوجود ذلك في أكثر جزئياته ولعله فيما لم يستقرا على خلافه كالتمساح والاول ينتفع به في اليقينيات بخلاف الثاني وإن كان منتفعا به في الجدليات وأما قياس التمثيل فهو الحكم على شئ بما حكم به على غيره بناء على جامع مشترك بينهما كقولهم العالم موجود فكان قديما كالباري او هو جسم فكان محدثا كالانسان وهو مشتمل على فرع واصل وعلة وحكم فالفرع ما هو مثل العالم في هذا المثال والاصل ما هو مثل الباري او الانسان والعلة الموجود او الجسم والحكم القديم او المحدث قالوا ويفارق الاستقراء من جهة ان المحكوم عليه فيه قد يكون جزئيا والمحكوم عليه في الاستقراء لا يكون إلا كليا إشكالات أوردها نظار المسلمين على قياس التمثيل قالوا وهو غير مفيد لليقين فانه ليس من ضرورة اشتراك امرين فيما يعمهما اشتراكهما فيما حكم به على احدهما إلا ان يبين أن ما به الاشتراك علة لذلك الحكم وكل ما يدل عليه فظنى فان المساعد على ذلك في العقليات عند القائلين به لا يخرج عن الطرد والعكس والسبر والتقسيم أما الطرد والعكس فلا معنى له غير تلازم الحكم والعلة وجودا وعدما ولا بد في ذلك من الاستقراء ولا سبيل الى دعواه في الفرع إذ هو غير المطلوب فيكون الاسقراء ناقصا لا سيما ويجوز ان تكون علة الحكم في الاصل مركبة من أوصاف المشترك ومن غيرها ويكون وجودها في الاوصاف متحققا فيها فاذا وجد المشترك في الاصل ثبت الحكم لكمال علته وعند انتفائه فينتفى لنقضان العلة وعند ذلك فلا يلزم من وجود المشترك في الفرع ثبوت الحكم لجواز تخلف باقي الاوصاف أو بعضها وأما السبر والتقسيم فحاصله يرجع الى دعوى حصر اوصاف الاصل في جملة معينة وابطال كل ما عدى المستبقى وهو ايضا غير يقيني لجواز ان يكون الحكم ثابتا في الاصل لذات الاصل لا لخارج والا لزم التسلسل وان ثبت لخارج فمن الجائز ان يكون لغيرها ابدا وان لم يطلع عليه البحث عنه وليس الامر كذلك في العاديات فانا لا نشك مع سلامة البصر وارتفاع الموانع في عدم بحر من زئبق وجبل من ذهب بين ايدينا ونحن لا نشاهده وان كان منحصرا فمن الجائز ان يكون معللا بالمجموع او بالبعض الذي لا تحقق له في الفرع وثبوت الحكم مع المشترك في صورة مع تحلف غيره من الاوصاف المقارنة له في الاصل مما لا يوجب استقلاله بالتعليل لجواز ان يكون في تلك معلالا بعلة اخرى ولا امتناع فيه وان كان لا علة له سواه فجائز ان يكون علة لخصوصه لا لعمومه وان بين ان ذلك الوصف يلزمه لعموم ذاته الحكم فمع بعده يستغنى عن التمثل قالوا والفراسة البدنية هي عين التمثيل غير ان الجامع فيها بين الاصل والفرع دليل العلة لا نفسها وهو المسمى في عرف الفقهاء ب قياس الدلالة فانها استدلال بمعلول العلة على ثبوتها ثم الاستدلال بثبوتها على معلولها الاخر اذ مبناها على ان المزاج علة لخلق باطن وخلق ظاهر فيستدل بالخلق الظاهر على المزاج ثم بالمزاج على الخلق الباطن كالاستدلال ب عرض الاعلى على الشجاعة بناء على كونهما معلولي مزاج واحد كما يوجد مثل ذلك في الاسد ثم اثبات العلة في الاصل لا بد فيها من الدوران او التقسيم كما تقدم وان قدر ان علة الحكمين في الاصل واحدة فلا مانع من ثبوت احدهما في الفرع بغير علة الاصل وعند ذلك فلا يلزم الحكم الاخر هذا كلامهم على ما حرره لهم نظار المسلمين الذين اوردوا على قياس التمثيل هذه الاشكالات والا فكلام ائمتهم في قياس التمثيل ليس فيه هذا التحرير الذي حرره لهم نظار المسلمين رد المنصف اشكالاتهم على قياس التمثيل فيقال تفريقهم بين قياس المشمول وقياس التمثيل بأن الاول قد يفيد اليقين والثاني لا يفيد الا الظن فرق باطل بل حيث افاد احدهما اليقين افاد الاخر اليقين وحيث لا يفيد احدهما الا الظن لا يفيد الاخر الا الظن فان افادة الدليل لليقين او الظن ليس لكونه عل صورة احدهما دون الاخر بل باعتبار تضمن احدهما لما يفيد اليقين فان كان احدهما اشتمل على امر مستلزم للحكم يقينا حصل به اليقين وان لم يشتمل الا على ما يفيد الحكم ظنا لم يفد الا الظن والذي يسمى في احدهما حدا اوسط هو في الاخر الوصف المشترك والقضية الكبرى المتضمنة لزوم الحد الاكبر للاوسط هو بيان تأثير الوصف المشترك بين الاصل والفرع فما به يتبين صدق القضية الكبرى به يتبين ان الجامع المشترك مستلزم للحكم فلزوم الاكبر للاوسط هو لزوم الحكم للمشترك فاذا قلت النبيذ حرام قياسا على الخمر لان الخمر انما حرمت لكونها مسكرة وهذا الوصف موجود في النبيذ كان بمنزلة قولك كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام فالنتيجة قولك النبيذ حرام و النبيذ هو موضوعها وهو الحد الاصغر والحرام محمولها وهو الحد الاكبر والمسكر هو المتوسط بين الموضوع والمحمول وهو الحد الاوسط المحمول في الصغرى الموضوع في الكبرى فاذا قلت النبيذ حرام قياسا على خمر العنب لان العلة في الاصل هو الاسكار وهو موجود في الفرع فثبت التحريم لوجود علته فانما استدللت على تحريم النبيذ بالمسكر وهو الحد الاوسط لكن زدت في قياس التمثيل ذكر الاصل الذي ضربته مثلا للفرع وهذا لان شعور النفس بنظير الفرع اقوى في المعرفة من مجرد دخوله في الجامع الكلي واذا قام الدليل على تأثير الوصف المشترك لم يكن ذكر الاصل محتاجا اليه والقياس لا يخلو اما ان يكون ب ابداء الجامع او بالغاء الفارق والجامع اما العلة واما دليلها واما القياس بالغاء الفارق فهنا الغاء الفارق هو الحد الاوسط فاذا قيل هذا مساو لهذا ومساوي المساوي مساو كانت المساواة هى الحد الاوسط وإلغاء الفارق عبارة عن المساواة فاذا قيل لا فرق بين الفرع والاصل إلا كذا وهو مهدر فهو بمنزلة قولك هذا مساو لهذا وحكم المساوى حكم مساويه وأما قولهم كل ما يدل على ان ما به الاشتراك علة للحكم فظنى فيقال لا نسلم فان هذه دعوى كلية ولم تقيموا عليها دليلا ثم نقول الذي يدل به على عليه المشترك هو الذي يدل به على صدق القضية الكبرى وكل ما يدل به على صدق الكبرى في قياس الشمول يدل به على علية المشترك في قياس الثمثيل سواء كان علميا او ظنيا فان الجامع المشترك في التمثيل هو الحد الاوسط ولزوم الحكم له هو لزوم الاكبر للاوسط ولزوم الاوسط للاصغر هو لزوم الجامع المشترك للاصغر وهو ثبوت العلة في الفرع فاذا كان الوصف المشترك وهو المسمى بالجامع والعلة أو دليل العلة او المناط او ما كان من الاسماء إذا كان ذلك الوصف ثابتا في الفرع لازما له كان ذلك موجبا لصدق المقدمة الصغرى وإذا كان الحكم ثابتا للوصف لازما له كان ذلك موجبا لصدق المقدمة الكبرى وذكر الاصل يتوصل به الى إثبات إحدى المقدمتين فان كان القياس بالغاء الفارق فلا بد من الاصل المعين فان المشترك هو المساواة بينهما وتماثلهما وهو إلغاء الفارق وهو الحد الاوسط وإن كان القياس بإبداء العلة فقد يستغنى عن ذكر الاصل إذا كان الاستدلال على علية الوصف لا يفتقر اليه وأما إذا احتاج إثبات علية الوصف اليه فيذكر الاصل لانه من تمام ما يدل على علية المشترك وهو الحد الاكبر وهؤلاء الذين فرقوا بين قياس التمثيل و قيلس الشمول اخذوا يظهرون كون احدهما ظنيا في مواد معينة وتلك المواد التي لا تفيد الا الظن في قياس التمثيل لا تفيد الا الظن في قياس الشمول والا فاذا اخذوه فيما يستفاد به اليقين من قياس الشمول افاد اليقين في قياس التمثيل ايضا وكان ظهور اليقين به هناك اتم فاذا قيل في قياس الشمول كل انسان حيوان وكل حيوان جسم فكل انسان جسم كان الحيوان هو الحد الاوسط وهو المشترك في قياس التمثيل بأن يقال الانسان جسم قياسا على الفرس وغيره من الحيوانات فان كون تلك الحيوانات حيوانا هو مستلزم لكونها اجساما سواء كان علة او دليل العلة والحيوانية موجودة في الانسان فيكون جسما واذا نوزع في علية الحكم في الاصل فقيل له لا نسلم ان الحيوانية تستلزم الجسمية كان هذا نزاعا في قوله كل حيوان جسم وذلك ان المشترك بين الاصل والفرع اذا سمى علة فانما يراد به ما يستلزم الحكم سواء كان هو العلة الموجبة لوجوده في الخارج او كان مستلزما لذلك يسمى الاول قياس علة والثاني قياس دلالة ومن الناس من يسمى الجميع علة لا سيما من يقول ان العلة انما يراد بها المعرف وهو الامارة والعلامة والدليل لا يراد بها الباعث والداعي ومن قال انه قد يراد بها الداعي وهو الباعث وهذا قول ائمة الفقهاء وجمهور المسلمين فانه يقول ذلك في علل الافعال واما غير الافعال فقد تفسر العلة فيها بالوصف المستلزم كاستلزام الانسانية للحيوانية والحيوانية للجسمية وإن لم يكن أحد الوصفين هو المؤثر في الاخر عل أنا قد بينا في غير هذا الموضع أن ما به يعلم كون الحيوان جسما به يعلم ان الانسان جسم حيث بينا ان قياس الشمول الذي يذكرونه قليل الفائدة أو عديمها وأن ما به يعلم صدق الكبرى في العقليات به يعلم صدق أفرادها التي منها الصغرى بل وبذلك يعلم صدق النتيجة كما في قول القائل الكل أعظم من الجزء والاشياء المساوية لشئ واحد متساوية والضدان لا يجتمعان والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان حقيقة توحيد الفلاسفة وهذا كقولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد فانه إن ثبت لهم ان الرب تعالى بمعنى الواحد الذي يدعونه وهو انه ليس له صفة ثبوتية أصلا بل هو مسلوب لكل امر ثبوتي لا يوصف إلا بالسلب المحض او بما لا يتضمن إلا السلب كالاضافة التي هي معنى السلب وجعلوا إبداعه للعالم امرا عدميا لكونه إضافة عندهم وجعلوا العلم والعالم والمعلوم والعشق والعاشق والمعشوق واللذة كل ذلك امورا عدمية ليس فيها امر ثبوتي وادعوا ان نفس العلم والعناية والقدرة هو نفس العالم القادر المريد ونفس العلم هو نفس القدرة ونفس القدرة هو نفس العناية وهذا كله هو العشق وهو اللذة والعشق واللذة هو العاشق الملتذ والعشق واللذة هو نفس العلم ونفس القدرة وعلمه بنفسه هو علمه بالمعلومات إلى أمثال ذلك مما يتضمنه قولهم الذي يسمونه توحيد واجب الوجود رد قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد فان قدر ثبوت هذا المعنى الذي يسمونه توحيدا مع ان جماهير العقلاء من جميع الامم إذا تصوروا ذلك علموا بضرورة العقل ان هذا قول باطل متناقض فان قدر ثبوته قيل حينئذ الواحد لا يصدر عنه إلا واحد يقررونه بقولهم لانه لو صدر عنه اثنان لكان مصدر الالف غير مصدر الجيم وكان المصدر مع هذا الصادر مخالفا لهذا المصدر مع هذا الصادر فيكون في المصدر جهتان وذلك ينافى الوحدة وبهذا اثبتوا ان الواحد لا يكون فاعلا وقابلا لئلا يكون فيه جهتان جهة فعل وجهة قبول فيكون مركبا فيقال لهم إذا كان صدور الصادرات عنه هو فعله لها والفعل إضافة محضة اليه وهو عندكم لا يوصف بصفة ثبوتية بل لا يوصف إلا بما هو سلب وقلتم إن الاضافة هنا سلب لم يكن ولو صدر عنه الف صادر إلا بمنزلة سلب الاشياء عنه وإذا قلتم ليس هو بعرض ولا ممكن ولا محدث ونحو ذلك لم تكن كثرة السلوب توجب أمرا ثبوتيا والابداع عندكم لا يوجب له وصفا ثبوتيا فكثرة الابداعات منه لا توجب له وصفا ثبوتيا هذا مع أنهم متناقضون في جعلهم الابداع أمرا عدميا بل في قولهم هو إضافة والاضافة امرأ عدميا قد قرروا في العلم الاعلى عندهم القاسم ل الوجود ولواحقه ان الوجود ينقسم الى جوهر وعرض ومن الاعراض أن يفعل ومنها الاضافة والابداع هو من مقولة أن يفعل وهو أمر وجودى وإبداع الباري أكمل من كل إبداع فكيف يكون اكمل انواع ان يفعل عدميا ثم هم جعلوا الاضافة جنسا غير أن يفعل فان ثبت هذا بطل جعل إبداعه للعالم مجرد إضافة وإن سلم أنه إضافة ف الاضافة عندهم من جملة الاجناس الوجودية وهذا وأمثاله مما يبين فساد ما قالوه في الالهيات من التعطيل مما يطول وصفه ثم إذا سلم هذا وسلم ان الاضافة عدمية وكثرة العدميات له لا توجب تكثر امور ثبوتية فيه مثل تكثر سائر السلوب وإذا قدر انه أبدع كل شئ بلا واسطة لم يكن في هذا إلا كثرة امور عدمية يتصف بها وتلك لا توجب كثرة في ذاته مثل سلب جميع المبدعات عنه فاذا قيل ليس بفلك ولا كوكب ولا شمس ولا جنة ولا نار ولا هواء ولا تراب ولا حيوان ولا انسان ولا نبات كان سلبها عنه بمنزلة إضافتها اليه عندهم وإذا لم يكن هذا إثبات كثرة في ذاته فكذلك الاخر وقولهم مصدر الف غير مصدر باء وهو مع هذا غير كونه مع هذا كما يقال سلب الف عنه غير سلب باء عنه والشئ مع سلب الف عنه ليس هو ذاك مع سلب باء عنه واذا قيل كثرة السلوب لا توجب تعدد امر ثبوتى له قيل وكثرة الاضافات كذلك عندكم ثم يقال الاضافات اليه مثل كونه علة ومبدعا وخالقا وفاعلا ونحو ذلك إما أن يوجب كون الفعل أمرا ثبوتيا يقوم به وإما أن لا يوجب ذلك فان كان الفعل أمرا ثبوتيا قام به بطل نفيكم للصفات ولزم انه موصوف بالامور الثبوتية التي منها تهربون وإن لم يكن ثبوتيا كان عدميا فلم يكن في كثرة المفعولات إلا كثرة الافعال التي هي عدمية وكثرة العدميات لا توجب اتصافه بأمر ثبوتى وإذا كان كونه فاعلا عندكم ليس وصفا ثبوتيا فكونه قابلا كذلك بطريق الاولى وحينئذ فلا يمتنع كون الشئ فاعلا وقابلا ومعلوم ان هذا التناقض لزمهم لكونهم جعلوا الامور الوجودية عدما كما جعلوا نفس الفعل والتأثير ليس إلا إضافة عدمية ثم ادعوا ذلك في اكمل الفاعلين فعلا وأحقهم بالوجود التام من سائر الموجودات وإلا فهم قد قرروا في العلم الكلى أن الفعل والانفعال أمران وجوديان وهما من الاعراض الموجودة وهما مقولة ان يفعل وأن ينفعل وأن يفعل هو الفعل وأن ينفعل هو القبول وأثبتوا في بعض الافعال الطبيعية انها امور وجودية وأن الفعل هناك وجودى ولكن نقضوا ما ذكروا هناك في العلم الالهي وكان ما نفوه احق بالاثبات مما اثبتوه إذ كانوا معرضين عن الله ومعرفته وعبادته جاهلين بما يجب له ويستحقه يعبدون المخلوقات ويعظمونها ويعرفون من كمالها ما يتخذونها به آلهة إشراكا منهم بالله ويدعون رب العالمين لا يعرفونه ولا يعبدونه ولا يعرفون ما يستحقه من الكمال الذي به يجب ان يعبد بل الذي يعلم به انه لا يستحق العبادة إلا هو وهذا كله مبسوط في مواضعه وأرسطو وأصحابه القدماء لم يثبتوا له فعلا ولا جعلوه مبدعا لبعدهم عن معرفته ولهذا كان في قولهم من الفساد ما يطول وصفه ولكن ابن سينا وأتباعه لما جعلوه مبدعا ظهر في كلامهم مثل هذا التناقض والمقصود هنا الكلام على المنطق ومثلنا بهذا إلا ان هذا من اشرف المطالب الالهية التي يختصون هم بأثباتها والمقصود ان نبين انه لا فرق بين القياس الشمولي والتمثيلي إذا اعطى كل منهما حقه ما أمكن إثباته بقياس الشمول كان إثباته بالتمثيل أظهر ثم إذا قدر ان ما ذكروه يدلهم على ان الواحد لا يصدر عنه إلا واحد بهذا الطريق أثبت ذلك ب قياس التمثيل وكان أحسن مثل أن يقال الواحد لا يصدر عنه إلا واحد فالاول لا يصدر عنه إلا واحد لان الواحد بسيط والبسيط لا يصدر عنه إلا بسيط كما ان الحار لا يصدر عنه إلا الحرارة والبارد لا يصدر عنه إلا البرودة وأمثال ذلك مما يذكر في الطبيعيات ومن هنا قالوا في الالهيات الواحد لا يصدر عنه إلا واحد لكن إذا أرادوا ان يثبتوا ذلك في الالهيات ب قياس شمولي وقدر صحته امكن جعله قياسا تمثيلا وإن قدر انهم عجزوا إما مطلقا وإما في رب العالمين لكون الوحدة التي وصفوه بها تعطيلا له في الحقيقة ونفيا لوجوده وعجزوا عنه ولم يكن معهم إلا هذا القياس التمثيلي وإذا اثبتوه بالقياس التمثيلي واثبتوا فيه ان الحكم تعلق بالقدر المشترك فقد افاد هذا ما أفاده قياس الشمول وزيادة مثل ان يقولوا ان الواحد في مورد الاجماع إنما لم يصدر عنه إلا واحد لانه بسيط فلو صدر عنه اثنان لكان مركبا فالنار البسيطة لا تصدر عنها إلا الحرارة ومتى قدر صدور الحر والبرد جميعا لزم ان تكون مركبة فهذا إن مشى لهم في قياس التمثيل مشى لهم في قياس الشمول وإن بطل هناك كان هناك أبطل وأما إثباته ب قياس الشمول دون التمثيل فممتنع فلا يمكن احدا ان يثبت قضية كلية ب قياس شمول إلا وإثباتها بالتمثيل أيسر وأظهر وإن عجزعن إثباتها بالتمثيل فعجزه عن إثباتها بالشمول اقوى وأشد فانهم إذا قالوا الحار لا يصدر عنه إلا الحار لانه واحد والواحد لا يصدر عنه إلا واحد فانه قد يقال لهم ما تعنون بالصدور أتعنون به استقلاله بصدور الاثر عنه أو ان يكون سببا في صدور الاثر بحيث إذ انضم الى غيره حصل المؤثر التام ليس في الوجود واحد يفعل وحده إلا الله وحده فان أردتم الاول لم نسلم لكم أن في الوجود ما هو مؤثر تام ولا شئ مستقل بالفعل غير الله تعالى والحار الذي اثر حرارة والبارد الذي أثر برودة إنما اثر في محل قابل للتسخين والتبريد فكانت الحرارة الحاصلة في القابل بسببه وبسبب الحار معا وأيضا فذلك مشروط بانتفاء العائق المانع وإلا فلو حصل ما يمنع وصول الاثر اليه لم يحصل وكذلك الشعاع إذا قيل الشمس مستقله به لم يسلم ذلك فانه مشروط بالجسم الذي ينعكس الشعاع عليه ومشروط بعدم المانع كالسحاب والسقف وعلى هذا فليس في الوجود واحد يفعل وحده إلا الله وحده قال تعالى ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون الذاريات قال مجاهد وغيره تذكرون فتعلمون ان خالق الارواح واحد قال تعالى أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم (الأنعام) فنفى التولد عنه لامتناع التولد من شئ واحد وأن التولد إنما يكون بين اثنين وهو سبحانه لا صاحبة له وأيضا فانه خلق كل شئ وخلقه لكل شئ يناقض ان يتولد عنه شئ وهو بكل شئ عليم وعلمه بكل شئ يستلزم ان يكون فاعلا بارادته فان الشعور فارق بين الفاعل بالارادة والفاعل بالطبع فيمتنع مع كونه عالما ان يكون كالامور الطبيعية التي يتولد عنها الاشياء بلا شعور كالحار والبارد فلا يجوز إضافة الولد اليه بوجه سبحانه قال تعالى وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحنه وتعلى عما يصفون بديع السموات والارض أنى يكون له ولد ولم تكن له صحبة وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم (الأنعام) والذين قالوا إن العقول والنفوس صدرت عنه خرقوا له بنين وبنات بغير علم فان اولئك لم يكونوا يجعلون شيئا من البنين والبنات مبدعة لكل ما سواه وهؤلاء يجعلون احد البنين وهو العقل أبدع كل ما سواه ويجعلون العقل كالذكر والنفس كالانثى وهذا مما صرحوا به وكانت العرب تقر بأنه خلق السموات والارض وأحدثهما بعد أن لم تكونا ولم يكونوا يقولون إنها قديمة أزلية معه لم تزل معه وهذا مبسوط في موضع آخر والمقصود هنا أنهم لم يعلموا في الوجود شيئا واحدا صدر عنه وحده شئ عل سبيل الاستقلال فصار قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد باطلا في قياس الشمول وباطلا في قياس التمثيل لكن الغرض انه لو أثبت هذا وأمثاله ب قياس الشمول لكان إثباته ب قياس التمثيل أولى وأيضا فهذا الحار الذي يفعل الحرارة والبارد الذي يفعل برودة إنما يفعل ذلك مع عدم العلم والارادة بخلاف ما يفعل بعلم واختيار كالانسان فان هذا يفعل افعالا متنوعة وتصدر عنه أمور مختلفة وهم يسلمون ذلك ويقولون إن الفاعل بالطبع يتحد فعله والفاعل الاختيار يتنوع فعله وإذا كان كذلك فمعلوم أن ما يفعل بالعلم والارادة أكمل مما يفعل بلا علم ولا إرادة فالانسان أكمل من الجماد وحينئذ فان كان باب القياس صحيحا فقياس الرب بما يفعل بعلم واختيار اولى من قياسه بما يفعل بلا علم ولا اختيار فما بالهم شبهوا رب العالمين بالجمادات ونزهوه ان يشبهوه بالاحياء الناطقين وهذا الخذلان أصابهم في باب صفاته وأفعاله فهم في باب الصفات يقولون إذا قلنا إنه حي عالم قادر مريد فقد شبهناه بالنفس الفلكية او الانسانية فيقال لهم إذا نفيم عنه العلم والحيوة والقدرة والارادة فقد شبهتموه بالجمادات كالتراب والماء فان كنتم إنما هربتم من التشبيه فالذي اليه شر مما هربتم منه ثم إنكم تزعمون ان الفلسفة هي التشبة بالاله على قدر الطاقة وان الفلك يتشبه به بحسب الامكان فتجعلون مخلوقاته قادرة على التشبه به من بعض الوجوه فان كان التشبه به منفيا عنه من كل وجه امتنع ان يكون مقدورا للمخلوقات وإن جاز أو وجب إثباته من بعض الوجوه كان هو أقدر عليه من مخلوقاته فكان إذا كان التشبه من بعض الوجوه ممكنا أن يخلق ما فيه من صفات الكمال ما يشبهه من بعض الوجوه اولى من أن يقدر ذلك لمخلوق على ان يحدث لنفسه ما يصير به مشابها له من بعض الوجوه سواء قيل إنه خالق افعال المخلوقات او لم يقل بذلك فانه على الاول يكون هو الخالق لما فيه شبه له وحينئذ فيبطل قولهم وعلى الثاني فيكون المخلوق بدون إعانة الخالق له يقدر على ان يحدث ما يشبه الرب والرب لا يقدر على ذلك فتبين ان قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد لا يصح استدلالهم به في حق الله تعالى بأي قياس استدلوا وإن قالوا إن الواحد من الوجه الواحد لا يصدر عنه إلا واحد وان صدر منه اثنان فمن وجهين أو قالوا هذا معلوم بالضرورة فلا يحتاج الى دليل فانه لا بد بين المصدر والصادر من مناسبة والوجه الواحد لا يناسب اثنين قيل لهم هذا يبطل قولكم في نفي الصفات فان الرب قد صدر عنه مخلوقات كثيرة واذا كان الواحد لا يصدر عنه من الوجه الواحد إلا واحد امتنع ان تصدر هذه المخلوقات عن خالقها من وجه واحد فدل ذلك على انه متصف بامور متنوعه من صفات متنوعه وأفعال متنوعه صدر عنه باعتبارها ما وجد من المخلوقات فكان اصل ضلالهم توهمهم إمكان صدور المخلوقات عما قدروه من الواحد الذي لا يوجد إلا في الاذهان لا في الاعيان ولقد احسن بعض الفضلاء إذ قال الصفع احسن من توحيد الفلاسفة بل قصر فيما قال وإذا قالوا هو واحد ليس له صفات وأفعال تقوم به فلو صدر عنه اكثر من واحد لكان قد صدر عن الواحد من الوجه الواحد اكثر من واحد قيل لهم فذلك الاول ان كان واحدا من كل وجه لزم ان لا يصدر عنه الا واحد من كل وجه وهذا خلاف المشاهدة وان كان فيه كثرة بوجه ما فقد صدر عن الواحد من الوجه الواحد اكثر من واحد وان قالوا تلك الوجوه التي في الصادر الاول امور عدمية قيل فقد صدر عنه باعتبارها كثرة واذا جاز هذا جاز ان تجعل الامور الاضافية الكثيرة في الاول مبدا الكثرة فكيفما ادير قولهم تبين انه افسد من قول النصارى في التثليث وحقيقة قولهم الذي قرره ابن سينا وامثاله انه أي موجود فرض في الوجود كان اكمل من رب العالمين وذلك انه قرر انه وجود مشروط بسلب جميع الامور الثبوتية عنه وهو معنى قولهم هو الوجود المقيد بسلب جميع الماهيات وقولهم الوجود الذي لا يعرض له شيء من الماهيات فان هذا بناه على قوله ان وجود الماهيات عارض لها بناء على ان في الخارج لكل ممكن وجودا وماهية غير الوجود وان ذلك الوجود عرض لتلك الماهية وان كان لازما لها ولهذا قالوا ان واجب الوجود وجوده لا يعرض لشيء من الماهيات لئلا يلزم التركيب والتعليل فيكون وجودا مقيدا بأن لا يعرض لشيء من الماهيات فلا يجوز ان يكون له حقيقة في نفسه غير الوجود المحض الذي لا يتقيد بأمر ثبوتي فيقال له فعلى هذا التقدير قد شارك جميع الموجودات في مسمى الوجود وامتاز عنها بقيد عدمي وهو سلب كل ثبوت وامتاز به كل منها عنه بما يخصه من الحقيقة الموجودة ومعلوم ان الوجود اكمل من العدم وهم يسلمون ذلك فاذا اشترك اثنان في الوجود وامتاز احدهما عن الاخر بأمر وجودي والاخر لم يميز الا بأمر عدمي كان الممتاز بأمر وجودي اكمل من الممتاز بأمر عدمي لانه شارك هذا في الوجود المشترك وامتاز عنه بالوجود المختص وذلك لم يمتز عنه الا بعدم كل وجود خاص وسواء جعل الوجود المشترك جنسا او عرضا عاما وجعل المميز بينهما فصلا او خاصة فعلى كل تقدير يلزم ان يكون ما لم يتميز الا بعدم دون ما تميز بوجود وهم يقولون انما فررنا الى هذا من التركيب فيقال ان كان التركيب نقصا لكان ما فررتم اليه شرا مما فررتم منه فان الذي فررتم اليه يوجب ان لا يكون له وجود في الخارج لان الموجود الذي لا يختص بأمر ثبوتي لا يوجد الا في الاذهان لا في الاعيان واذا قدر ثبوته في الخارج فكل موجود ممكن اكمل منه فيلزم ان يكون كل مخلوق ولو انه ذرة او بعوضة اكمل من رب العالمين رب الارض والسموات والقول المستلزم هذا في غاية الفساد فالحمد لله الذي هدانا لمعرفة الحق وبيان ما التبس على هؤلاء الذين يدعون انهم اكمل الناس وهم اجهل الناس برب العالمين والله تعالى اخبر عن المشركين ما ذكره في سورة الشعراء من قوله وازلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم اين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم او ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود ابليس اجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين فهذا حال من سوى المخلوقات برب العالمين فكيف حال من فضل كل مخلوق على رب العالمين واذا قيل هم لم يفهموا ولم يقصدوه قيل ونحن لم نقل انهم تعمدوا مثل هذا الباطل لكن هذا لازم قولهم وهو دليل على غاية فساده وغاية جهلهم بالله تعالى وانهم اضل من اليهود والنصارى ومشركي العرب وامثالهم من المشركين الذين يعظمون الخالق أكثر من تعظيم هؤلاء المعطلين فان كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وان كنت تدري فالمصيبة اعظم 9. كون لفظ التركيب مجملا يطلق على معان وما فروا منه من التركيب قد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع وبينا ان لفظ التركيب مجمل يراد به تركيب الجسم من اجزاء كانت متفرقة فاجتمعت كتركيب السكنجبين وغيره من الادوية بل ومن الاطعمة والاشربة والملابس والمساكن من اجزائها التي كانت متفرقة فألف بينها وركب بعضها مع بعض حتى صارت على الحال المركبة وقد يراد بالمركب ما لا يمتزج فيه احد الاثنين بالاخر كما يقال ركب الباب في موضعه وركب المسمار في الباب وهذا التركيب اخص من الاول وهو المشهور من الكلام وقد قال تعالى في أي صورة ما شاء ركبك الانفطار ومعلوم ان عاقلا لا يقول ان الله تعالى مركب بهذا المعنى الاول ولا بالثاني وقد يقال المركب على ما يمكن مفارقة بعض اجزائه لبعض كأخلاط الانسان واعضائه فانها وان لم يعقل انها كانت مفترقة فاجتمعت بل خلقه الله من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ولكن يمكن تفريق بعض اعضائه عن بعض ويعقل ايضا انه اذا مات استحال فصار بعضه ترابا وبعضه هواء فتفرقت اعضائه واخلاطه وكذلك سائر الحيوان والنبات ومعلوم ان عاقلا لا يقول ان هذا مركب بهذا الاعتبار واما تسمية الواحد الموصوف بصفاته مركبا كتسمية الحي العالم القادر الموصوف بالحياة والعلم والقدرة مركبا فهذا اصطلاح لهم لا يعرف شيء من الشرائع ولا اللغات ولا عقول جماهير العقلاء جعلوا هذا تركيبا وان تسميته مركبا فاذا قالوا نحن نسميه تركيبا لان فيه اثبات معان متعددة لذات واحدة ونحن نسمي ذلك تركيبا ونقيم الدليل العقلي على امتناعه قيل اذا كان الا كذلك فالنظر في المعاني المعقولة لا في الالفاظ السمعية ونحن لا نوافقكم على جعل الانسان مركبا من الحيوانية والناطقية ولا ان في الوجود شيئا مركبا من اجزاء عقلية بل المركب من الاجزاء العقلية انما يكون في الاذهان لا الاعيان وكل ما في الوجود من المركبات فانما هو مركب من اجزاء حسية موجودة في الخارج والناس قد تنازعوا في الجسم هل هو مركب من اجزاء حسية وهو الجواهر المفردة او من اجزاء عقلية وهي المادة والصورة او لا من هذا ولا من هذا على ثلاثة اقوال والصحيح عندنا القول الثالث ثم يليه قول من جعله مركبا من الاجزاء الحسية وافسد الثلاثة قول من جعله مركبا من الاجزاء العقلية كما قد بسط في موضعه وحينئذ فمن قال ان الباري جسم وان الجسم مركب من الاجزاء الحسية او العقلية كان الاستدلال على بطلان هذا التركيب استدلالا مقبولا ممن يقوله فان مطلوبه صحيح لكن يبقى النظر هل يحسن هذا المستدل الإستدلال عليه او لا يحسنه واما من قال انه ليس ب مركب لا هذا التركيب ولا هذا التركيب وانما اسميه جسما او جوهرا لان الجسم و الجوهر عندي اسم لكل موجود قائم بنفسه فهذا النزاع معه في اسم الجسم والجوهر نزاع لفظي لا عقلي ولا شرعي فان الشرع لم ينطق بهذا الاسم لا نفيا ولا اثباتا والعقل انما ينظر في المعاني لا في مجرد اللفظ فالنظر مع هذا اما في اثبات كون الجسم مركبا احد التركيبين وهذا بحث عقلي معروف واما في كون لفظ الجسم في اللغة لكل مركب وهذا مركب وهذا بحث لغوي له موضع اخر وهؤلاء ليس مقصودهم بنفي التركيب هذا المعنى فقط فان هذا يوافقهم عليه كثير من مثبتة الصفات لكن مقصودهم انه لا يتصف بصفة ثبوتية اصلا واخذوا لفظ التركيب الذي وافقتهم بعض اهل الكلام على نفي معناه وتوسعوا فيه حتى جعلوه اعم مما وافقهم عليه اولئك المتكلمون ونفوه وصاروا كالجهمية المحضة التي تنفي الاسماء والصفات او تثبتها على وجه المجاز دليل نفاة الصفات والرد عليه والمقصود هنا ان نقول قولهم الموصوف بالحياة والعلم والقدرة مركب من هذا وهذا يقال لهم سموا هذا تركيبا او تجسيما او ما شئتم من الاسماء فما الدليل على نفي هذا عقلا او سمعا قالوا الدليل على ذلك ان كل مركب مفتقر الى اجزائه وجزؤه غيره ف المركب مفتقر الى غيره والمفتقر الى غيره ليس واجبا بنفسه فيقال اجزاء هذا الدليل والفاظه التي تسمونها حدودا كلها الفاظ مجملة تحتمل حقا وباطلا واستعمال الالفاظ المجملة في الحدود والقياس من باب السفسطة فيقال لكم قد عرف ان لفظ المركب مجمل وان المراد به هنا ذات تقوم بها صفات وحينئذ فالمراد بالافتقار تلازم الذات والصفات بمعنى انه لا توجد الذات الا مع وجود صفتها الملازمة لها ولا توجد الصفة الا مع وجود الذات الملازمة لها ولو قدر انه اريد بالتركيب التركيب من الاجزاء الحسية او العقلية مع تلازم الاجزاء فهذا معناه فاذا قيل كل مركب مفتقر الى جزئه ان عني به انه مستلزم لجزئه وانه لا يوجد الا بوجود جزئه فهذا صحيح فان وجود المجموع بدون كل من احاده ممتنع وان اريد انه يفتقر اليه افقار المفعول الى فاعله والمعلول الى علته الفاعلة او القابلة او الغائية او الصورية فهذا باطل فان الواحد من العشرة والجزء من الجملة لا يجوز ان يكون فاعلا ولا غاية ولا هي هو الصورة ثم قولكم وجزؤه غيره يقال لفظ الغير يراد به ما كان مباينا للشيء وما يجوز مفارقته له وما ليس اياه فان اردتم ان جزء المجموع ما هو مباين له فهذا باطل فانه يمتنع ان يكون مباينا له مع كونه جزءا منه فيمتنع ان يكون غيرا له بهذا الاعتبار وان قلتم يجوز ان يفارقه فهذا ليس عام على الاطلاق بل يجوز في بعض الافراد ان يفارق غيره من الاجزاء ويفارق المجموع الذي هو الهيئة الاجتماعية ولا يلزم ذلك في كل مجموع لا سيما على اصلهم فان الفلك عندهم مركب من اجزائه وصفاته ولا يجوز عندهم على اجزائه التفرق والمسلمون وجمهور العقلاء عندهم ان الله حي عليم قدير ولا يجوز ان يفارقه كونه حيا عالما قادرا بل لم يزل ولا يزال كذلك وكونه حيا عالما قادرا من لوازم ذاته وهي ملازمة لذاته لا يجوز عليه الافتراق بوجه من الوجوه فامتنع ان تكون صفاته هذه اغيارا بهذا الاعتبار وان فسر الغيران بما ليس احدهما هو الاخر او بما يجوز العلم بأحدهما مع عدم العلم بالاخر فلا ريب ان صفة الموصوف التي يمكن معرفتها بدونه غير له بهذا الاعتبار لكن اذا كانت تلك الصفة لازمة له وهو لازم لها لم يكن في ذلك ما يوجب ان يكون احدهما مفتقرا الى الاخر مفعولا للاخر ولا علة فاعلة ولا غائية ولا صورية اكثر ما في ذلك ان تكون الصفة مفتقرة الى الذات افتقار الحال الى محله القابل له وهم يسمون القابل علة قابلة لكن فيما يحدث لها من المقبولات لا فيما يكون لازما لها ازلا وابدا وان قدر انهم يسمون جميع ذلك علة ومعلولا فتكون الذات علة قابلة للصفة بهذا الاعتبار وكون الصفة معلولة هو معنى كونها صفة قائمة بالموصوف مجموع الذات والصفة لا يفتقر الى العلل الاربع ومع هذا فليس مجموع الذات والصفة مفتقرا الى شيء من انواع العلل الاربع لا الى الفاعل ولا الى الغاية ولا الى القابل ولا الى الصورة فبطل ان يقال المجموع مفتقر الى جزئه افتقار المعلول الى علته بوجه من الوجوه لكن غايته ان فيه افتقار الصفة الى الموصوف افتقار الحال اللازم لمحله الى محله المستلزم له فيقال لهم واي شيء في كونه موجودا بنفسه لا فاعل له ما يوجب نفي هذا التلازم الذي سموه افتقار نحو ذاته وصفاته وقولهم ما افتقر الى غيره لم يكن واجبا بنفسه يقال لهم قد علم ان المراد بالافتقار التلازم والمراد بالغير ما هو داخل في المجموع اما الذات واما الصفات ليس المراد به ما هو مباين له وما يجوز مفارقته له وغايته ان يراد ان الصفة لا بد لها من الموصوف فليس المراد افتقار المعلول الى علته الفاعلة وحينئذ فليس في هذا التلازم الذي سميتموه افتقارا ولا في هذه الصفات التي سميتموها اغيارا ما يوجب ان يكون شيء من ذلك مفعولا لفاعل ولا لعلة فاعلة وواجب الوجود الذي دلت الممكنات عليه هو الموجود بنفسه القائم بنفسه رب العالمين الذي لا يفتقر الى فاعل ولا علة فاعلة بل هو بنفسه وصفاته لا يفتقر الى شيء من العلل الاربع كون صفاته تعالى واجبة الوجود واما نفس صفاته فليس لها فاعل ولا علة فاعلة ولا علة غائية ولا صورية فهي واجبة الوجود اذا عنى بواجب الوجود احد هذه المعاني وان عنى ب واجب الوجود ما هو اعم من ذلك حتى يدخل فيه ما ليس له محل يقوم به فليست واجبة الوجود بهذا التفسير بل هي ممكنة الوجود والذات مستلزمة لها وهي محل لها واذا قيل فيلزم ان يكون الذات فاعلة وقابلة وذاك باطل قيل كلا المقدمتين ممنوعة فان كون الذات مستلزمة لصفتها القائمة بها لا يقتضى ان تكون فاعلة لها بل يمتنع ان تكون الذات فاعلة للصفة اللازمة في الممكن فكيف في رب العالمين بل يمتنع ان يكون الرب فاعلا لما هو لازم له وان كان بائنا عنه كالفلك فكيف يكون فاعلا لصفته اللازمة له وان قدر انهم سموا هذا الاستلزام فعلا وقالوا هي فاعلة بهذا الاعتبار قيل لهم فلا نسلم انه لا يجوز كون الشيء الواحد فاعلا وقابلا بهذا الاعتبار بل ولا باعتبار اخر فان استدلوا على ذلك بحجتهم المعروفة المبينة على نفي التركيب فلا يمكنهم جعل ذلك مقدمة في نفس الدليل لان هذا مصادرة على المطلوب وهو جعل المطلوب مقدمة في اثبات نفسه بعبارة اخرى فانهم اذا نفوا التركيب عن الواجب بناء على مقدمات منها ان الواحد لا يكون فاعلا وقابلا واثبتوا هذه المقدمة بناء على نفي التركيب كانوا قد اثبتوا كلا من المقدمتين بالاخرى فلا تكون واحدة منهما ثابتة والدليل الدال على اثبات واجب الوجود دل على اثبات فاعل مبدع ل الممكنات والمبدع لها يمتنع ان يكون صفة قائمة بغيره فان ذلك الموصوف هو الفاعل حينئذ دون مجرد الصفة وهذا الواجب الذي دلت عليه اياته ليس يفتقر الى علة من العلل الاربع مع اتصافه بصفاته اللازمة له اذا جاز استلزام الذات للمفعولات فاستلزامها للصفات اولى ومن اعظم تناقض هؤلاء انهم يقولون الذات اذا استلزمت الصفات كان ذلك افتقارا منها الى الغير فلا تكون واجبة وهم يقولون ان الذات مستلزمة لمفعولاتها المنفصلة عنها ولا يجعلون ذلك منافيا لوجوب وجودها بنفسها فان كان الاستلزام للمفعولات لا ينافي وجوب الوجود فالاستلزام للصفات اولى ان لا ينافيه وان كان ذلك الاستلزام ينافي وجوب الوجود كان حينئذ قد عرض له ان يفعل بعد ان لم يكن فاعلا وهذا ممتنع عندهم وهذا اظهر المعقولات التي قهروا بها المتكلمين الجهمية والقدرية ومن وافقهم من الاشعرية والكلابية واتباعهم ولم يميز الطائفتان بين فاعل النوع وفاعل العين ثم إذا جاز ان يفعل ف الفعل ثبوتي فيلزم قيامه به ودعوى ان المفعول عين الفعل مكابرة للعقل واذا جاز قيام الفعل به كان قيام الصفات بطريق الاولى فساد القول بأن المفعول عين الفعل والذين جعلوا المفعول عين الفعل من اهل الكلام كالاشعرية ومن وافقهم من حنبلي وشافعي ومالكي وغيرهم انما الجاهم الى ذلك فرارهم من قيام الحوادث بالقديم وتسلسل الحوادث وهذان كل منهما غير ممتنع عند هؤلاء الفلاسفة مع ان اولئك المتكلمين النفاة حجتهم على النفي ضعيفة وجماهير المسلمين وطوائفهم على خلاف ذلك والقول بأن الخلق غير المخلوق هو مذهب السلف قاطبة وذكر البخاري في كتاب خلق افعال العباد انه قول العلماء مطلقا بلا نزاع وهو قول ائمة الحديث وجمهورهم وقول اكثر طوائف الكلام كالهشامية والكلابية والكرامية وقول جمهور الفقهاء من اصحاب ابي حنيفة وأحمد ومالك والشافعي وقول الصوفية كما حكاه عنهم صاحب التعرف لمذهب التصوف وهو قول اهل السنة فيما حكاه البغوي صاحب شرح السنة وحجة هؤلاء انه لو كان الخلق غير المخلوق لكان اما قديما واما حادثا فان كان قديما لزم قدم المخلوق فيلزم قدم العالم وان كان حادثا فانه يفتقر الى خلق اخر ويلزم التسلسل ويلزم ايضا كون الرب محلا للحوادث فيقال لهم جميع هذه المقدمات مما ينازعكم الناس فيها ولا تقدرون على اثبات واحدة منها فقولكم لو كان قديما لزم قدم المخلوق يقول لكم من توافقونه على قدم الارادة نحن وانتم متفقون على قدم الارادة وان تأخر المراد فتأخر المخلوق عن الخلق كذلك او اولى وهذا جواب الحنفية والكرامية وكثير من الحنبلية والشافعية والمالكية والصوفية واهل الحديث لهم واما قولهم ان كان محدثا افتقر الى خلق اخر فهذا ايضا ممنوع فانهم يسلمون ان المخلوقات محدثة منفصلة بدون حدوث خلق فاذا جاز هذا في الحادث المنفصل عن المحدث فلان يجوز حدوث الحادث المتصل به بدون خلق بطريق الاولى والاخرى ولهذا كان كثير من هؤلاء او اكثرهم هم يقولون ان الخلق الذي قام به حادث لا محدث ويقولون ما قام به من الفعل حدث بنفس القدرة والارادة لا يفتقر الى خلق وانما يفتقر الى الخلق المخلوق والمخلوق ما كان منفصلا عنه وكثير منهم يسمونه محدثا ويقولون هو محدث ليس ب مخلوق فان المخلوق ما خلقه بائنا عنه واما نفس فعله وكلامه ورضاه وغضبه وفرحه الذي يقوم بذاته ب قدرته فانه وان كان حادثا ومحدثا فليس ب مخلوق وليس كل حادث ولا محدث مخلوقا عند هؤلاء فان قيل النزاع في ذلك لفظي قيل هذا لا يضرهم فان من سمى ذلك القائم به مخلوقا قالوا له غايته ان المخلوق الذي هو نفس الخلق لا يفتقر الى خلق اخر ولا يلزم من ذلك ان المخلوق الذي ليس ب خلق لا يفتقر الى الخلق فان من المعقول ان المخلوق لا بد له من خلق واما الخلق نفسه اذا جوز وجود مخلوق بلا خلق فتجويز خلق بلا خلق اولى والمنازع لهم يجوز وجود كل مخلوق بلا خلق فاذا جوزوا هم نوعا منه بلا خلق كان ذلك اولى بالجواز والفرق بين نفس الخلق الذي به خلق المخلوق وبين المخلوق معقول البحث في قيام الحوادث به تعالى وكذلك احتجاجهم بامتناع حلول الحوادث لا ينفع الفلاسفة فان هذا انما نفوه لامتناع قيام الحادث بالقديم وهؤلاء الفلاسفة يجوزون قيام الحادث بالقديم ومن جوز قيام الصفات بالباري منهم جوز قيام الحوادث به مثل كثير من اساطينهم القدماء والمتأخرين كأبي البركات وغيره فهذان قولان معروفان لهم اما القول الثالث وهو تجويز الصفات دون الافعال فهذا لا اعرف به قائلا منهم فان كان قد قاله بعضهم فالكلام معه كالكلام مع من قال ذلك من اهل الكلام وعلى هذا فلا يلزم التسلسل وان لزم فانما هو تسلسل في الاثار وهو وجود كلام بعد كلام او فعل بعد فعل والنزاع في هذا مشهور وانما يعرف نفيه عن الجهمية والقدرية ومن وافقهم من كلابي وكرامي ومن وافقهم من المتفقه واما ائمة السلف وائمة السنة فلا يمنعون هذا بل يجوزونه بل يوجبونه ويقولون ان الله لم يزل متكلما اذا شاء بل يقولون انه لم يزل فاعلا يقوم به الافعال الاختيارية بمشيئته وقدرته وهذا كله مبسوط في مواضعه والمقصود هنا انه يلزم من كونه فاعلا قيام الصفات به فان الفعل امر وجودى وان يفعل من اقسام الوجود ووجود المخلوق المفعول بلا خلق ولا فعل ممتنع واذا قام الخلق به فالعلم والقدرة لازمة الخلق وقيامهما به اولى وانهم ان قالوا يستلزم المفعول ولا يستلزم الصفة لكون الملزوم مفتقرا الى اللازم فهذا من اعظم التناقض وان قالوا انه لا يستلزمه كان ذلك ادل على بطلان قولهم في الصفات والافعال وكان الدليل يدل على قيام الافعال به والصفات وقيام الصفات به اولى من قيام الافعال فبطل ما نفوا به الصفات وسموه تركيبا والواحد الذي قالوا انه لا يصدر عنه الا واحد هو الواحد المسلوب عنه الصفات كلها بل هو الوجود المقيد بكل سلب وهذا لا حقيقة له الا في الذهن واي موجود مخلوق قدر فهو اكمل من هذا الخيال الذي لا حقيقة له في الخارج والتعظيم له انما نشأ من اعتقاد انه رب العالمين وانه واجب الوجود ونحو ذلك من الصفات التي تظهر كمالها واما من هذه الجهة النافية السلبية فما من وجود الا وهو اكمل منه واذا كانوا قد جمعوا بين وصفه بذلك الكمال وهذا النقصان الذي يكون كل موجود اكمل منه دل على تناقضهم وفساد قولهم وكان ما قالوه من الحق حقا وما قالوه من الباطل باطلا وهذه المسائل الالهية مبسوطة في موضعها رد القول بأن قياس التمثيل لا يفيد الا الظن والمقصود هنا الكلام على المنطق وما ذكروه من البرهان وانهم يعظمون قياس الشمول ويستخفون ب قياس التمثيل ويزعمون انه انما يفيد الظن وان العلم لا يحصل الا بذلك وليس الامر كذلك بل هما في الحقيقة من جنس واحد وقياس التمثيل الصحيح اولى بافادة المطلوب علما كان او ظنا من مجرد قياس الشمول ولهذا كان سائر العقلاء يستدلون ب قياس التمثيل اكثر مما يستدلون ب قياس الشمول بل لا يصح قياس الشمول في الامر العام الا بتوسط قياس التمثيل وكل ما يحتج به على صحة قياس الشمول في بعض الصور فانه يحتج به على صحة قياس التمثيل في تلك الصورة ومثلنا هذا بقولهم الواحد لا يصدر عنه الا واحد فانه من اشهر اقوالهم الالهية الفاسدة واما الاقوال الصحيحة فهذا ايضا ظاهر فيها فان قياس الشمولي لا بد فيه من قضية كلية موجبة ولا نتاج عن سالبتين ولا عن جزئيتين باتفاقهم والكلي لا يكون كليا الا في الذهن فاذا عرف تحقق بعض افراده في الخارج كان ذلك مما يعين على العلم بكونه كليا موجبا فانه اذا احس الانسان ببعض الافراد الخارجية انتزع منه وصفا كليا لا سيما اذا كثرت افراده فالعلم بثبوت الوصف المشترك لاصل في الخارج هو اصل العلم بالقضية الكلية وحينئذ فالقياس التمثيلي اصل للقياس الشمولي اما ان يكون سببا في حصوله واما ان يقال لا يوجد بدونه فكيف يكون وحده اقوى منه وهؤلاء يمثلون الكليات بمثل قول القائل الكل اعظم من الجزء و النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان والاشياء المساوية لشيء واحد متساوية ونحو ذلك وما من كلي من هذه الكليات الا وقد علم من افراده الخارجة امور كثيرة واذا اريد تحقق هذه الكلية في النفس ضرب لها المثل بفرد من افرادها وبين انتفاء الفارق بينه وبين غيره او ثبوت الجامع وحينئذ يحكم العقل بثبوت الحكم لذلك المشترك الكلي وهذا حقيقة قياس التمثيل ولو قدرنا ان قياس الشمول لا يفتقر الى التمثيل وان العلم بالقضايا الكلية لا يفتقر الى العلم بمعين اصلا فلا يمكن ان يقال اذا علم الكلي مع العلم بثبوت بعض افراده في الخارج كان انقص من ان يعلمه بدون العلم بذالك المعين فان العلم بالمعين ما زاده الا كمالا فتبين ان ما نفوه من صورة القياس اكمل مما اثبتوه ما ذكروه من تضعيف قياس التمثيل هو من كلام متأخريهم واعلم انهم في المنطق الالهي بل والطبيعي غيروا بعض ما ذكره ارسطو لكن ما زادوه في الالهي خير من كلام ارسطو فاني قد رايت الكلامين وارسطو واتباعه في الالهيات اجهل من اليهود والنصارى بكثير كثير واما في الطبيعيات فغالب كلامه جيد واما المنطق فكلامه فيه خير من كلامه في الالهي وما ذكروه من تضعيف قياس التمثيل والاحتجاج عليه بما ذكروه هو من كلام متأخريهم لما راوا استعمال الفقهاء له غالبا والفقهاء يستعملونه كثيرا في المواد الظنية وهناك الظن حصل من المادة لا من صورة القياس فو صوروا تلك المادة ب قياس الشمول لم يفد ايضا الا الظن لكن هؤلاء ظنوا ان الضعف من جهة الصورة فجعلوا صورة قياسهم يقينيا وصورة قياس الفقهاء ظنيا ومثلوه بأمثلة كلامية ليقرروا ان المتكلمين يحتجون علينا بالاقيسة الظنية كما مثلوه من الاحتجاج عليهم بأن الفلك جسم او مؤلف فكان محدثا قياسا على الانسان وغيره من المولدات ثم اخذوا يضعفون هذا القياس لكن انما ضعفوه بضعف مادته فان هذا الدليل الذي ذكره الجهمية والقدرية ومن وافقهم من الاشعرية وغيرهم على حدوث الاجسام ادلة ضعيفة لاجل مادتها لا لكون صورتها ظنية ولهذا لا فرق بين ان يصوروها بصورة التمثيل او الشمول والآمدى ونحوه ممن يصنف في الفلسفة ويكره التمثيل بمثل هذا لما فيه من التشنيع على المتكلمين فيمثل بمثال متفق عليه كقوله العالم موجود فكان قديما كالباري فان احدا من العقلاء لا يحتج على قدم العالم بكونه موجودا والا لزم قدم كل موجود وهذا لا يقوله عاقل ابطال القول بأن الدوران والتقسيم لا يفيدان الا الظن وما ذكروه من ان قياس التمثيل انما يثبت بالدوران او التقسيم وكلاهما لا يفيد الا الظن قول باطل ويلزمهم مثل ذلك في قياس الشمول اما التقسيم فانهم يسلمون انه يفيد اليقين اذا كان حاصرا واذا كان كذلك فانه يمكن حصر المشترك في اقسام لا يزيد عليها وابطال التعليل بجميعها الا بواحد وان لم يمكن ذلك لم يمكن جعل ذلك المشترك حدا اوسط فلا يفيد اليقين ولو استعمل فيه قياس الشمول جواب اعتراضهم على السبر والتقسيم بقولهم واما قوله يجوز ان يكون الحكم ثابتا في الاصل لذات الاصل والا لزم التسلسل فنقول لا يلزم التسلسل الا اذا كان لا يثبت الا لخارج اما اذا كان تارة يثبت لخارج وتارة لغير خارج لم يلزم التسلسل وحينئذ فلا يمتنع ان تعلم ان الحكم في هذا الاصل المعين لم يثبت لما يختص به بل لوصف مشترك بينه وبين غيره فائدتان في تعليل الحكم بعلة قاصرة وهذا كما يقول الفقهاء ان الحكم يعلل تارة ب علة متعدية وتارة ب علة قاصرة والتعليل بالقاصرة اذا كانت منصوصة جائز باتفاق الفقهاء وانما تنازعوا فيما اذا كانت مستنبطة والاكثرون على جواز ذلك وهو الصحيح وهو مذهب مالك والشافعي واحمد بن حنبل في المنصوص عنه فانه دائما يعلل بالعلل القاصرة وهو اختيار ابي الخطاب وغيره من اصحابه ولكن القاضي ابو يعلى وطائفه وافقوا اصحاب ابي حنيفة في منعهم التعليل بالقاصرة وهذا من كلام متأخريهم وسبب ذلك النزاع في مسئلة تعليل الربو في المذهب والفضة وامثالهما هل العلة فيه متعدية او قاصرة واما ابو حنيفة نفسه وصاحباه لم ينقل عنهم في ذلك شيء والذي يليق بعقلهم وفضلهم انهم لا يمنعون ذلك مطلقا كما لا يمتنع في المنصوصة وفي ذلك فائدتان قصر الحكم على مورد النص ومنع الالحاق لئلا يظن الظان ان الحكم يثبت فيما سوى مورد النص كما يعلل تحريم الميته بعلة تمنع دخول المذكي فيها ويعلل تحريم الدم بعلة تمنع دخول العرق والريق وغيرهما فيها ويعلل اختصاص الهدى والاضحية ب(الأنعام) بعلة تمنع دخول غيرها فيها ويعلل وجوب الحد في الخمر بعلة تمنع دخول الدم والميتة فيها وامثال ذلك كثيرة بل من يقول ان جميع الاحكام يثبت بالنص يقول انها معللة ب علل قاصرة لكن انما يعلل بالعلة المتعدية نص يتناول بعض انواع الحكم فيعلل ذلك الحكم بعلة تتعدى الى سائر النوع الذي دل على ثبوت الحكم فيه نص اخر والفائدة الثانية معرفة حكم الشرع وما اشتمل عليه من مصالح العباد في المعاش والمعاد فان ذلك مما يزيد به الايمان والعلم ويكون اعون على التصديق والطاعة واقطع لشبه اهل الالحاد والشناعة وانصر لقول من يقول ان الشرع جميعه انما شرع لحكمة ورحمة لم يشرع لا لحكمة ورحمة بل لمجرد قهر التعبد ومحض المشيئة واذا كانت الاوصاف في الاصل قد تكون مختصة بذات الاصل وقد تكون مشتركة بينه وبين غيره خارجة عنه لم يلزم اذا كان هذا الاصل ثبت الحكم فيه لخارج مشترك ان يكون الحكم في كل اصل لخارج مشترك جواب قولهم قوله وان ثبت لخارج فمن الجائز ان يكون لغير ما ابدى وان لم يطلع عليه مع البحث عنه بخلاف الحسيات فيقال اما ان يكون التقسيم في العقليات قد يفيد اليقين واما ان لا يفيده بحال فان كان الاول بطل جعلهم الشرطى المنفصل من صور القياس والبرهان وان كان الثاني بطل كلامهم هذا ومعلوم ان هذا احق بالبطلان من ذاك فان القائل اذا قال الوجود اما ان يكون واجبا واما ان يكون ممكنا واما ان يكون قديما واما ان يكون حادثا واما ان يكون قائما بنفسه واما ان يكون قائما بغيره واما ان يكون مخلوقا واما ان يكون خالقا ونحو ذلك من التقسيم الحاصر لجنس الوجود كان هذا حصرا لكلي عقلي بل الوجود اعم الكليات واذا امكن العقل ان يحصر اقسامه فحصر اقسام بعض انواعه اولى وهم يسلمون هذا كله وهذا هو العلم الاعلى عندهم فكيف يقولون ان السبر والتقسيم لا يفيد اليقين تمثيل التقسيم الحاصر في مسئلة الرؤية ثم اذا اختلف الناس في ما يجوز رؤيته فقال بعضهم المصحح للرؤية امر لا يكون الا وجوديا محضا فما كان وجوده اكمل كان احق ان يرى وقال اخر بل المصحح لها ما يختص بالوجود الناقص الذي هو اولى بالعدم مثل كون كل الشيء محدثا مسبوقا بالعدم او ممكنا يقبل العدم كان قول من علل امكان الرؤية بما يشترك فيه القديم والحادث والواجب والممكن اولى من هذا فان الرؤية وجود محض وهي انما تتعلق بموجود لا بمعدوم فما كان اكمل وجودا بل كان وجوده واجبا فهو احق بها مما يلازمه العدم ولهذا يشترط فيها النور الذي هو بالوجود اولى من الظلمة والنور الاشد كالشمس لم يمتنع رؤيته لذاته بل لضعف الابصار فهذا يقتضى انا نعجز عن رؤية الله مع ضعف ابصارنا ولهذا لم يطق موسى رؤية الله في الدنيا لكن لا يمتنع ان تكون رؤيته ممكنه والله قادر على تقوية ابصارنا لنراه واذا قيل هي مشروطة باللون و الجهة ونحو ذلك مما يمتنع على الله قيل له كل ما لا بد منه في الرؤية لا يمتنع في حق الله فاذا قال القائل لو رؤى للزم كذا واللازم منتف كانت احدى مقدمتيه كاذبة وهكذا كل ما اخبر به الصادق الذي اخبر بأن المؤمنين يرون ربهم كما يرون الشمس والقمر كل ما اخبر به وظن الظان ان في العقل ما يناقضة لا بد ان يكون احدى مقدماته باطلة فاذا قال لو رؤى لكان متحيزا او جسما او كان في جهة او كان ذا لون وذلك منتف عن الله قيل له جميع هذه الالفاظ مجملة لم يأت شرع بنفي مسماها حتى تنفى بالشرع وإنما ينفيها من ينفيها فيستفسر عن مراده إذ البحث في المعاني المعقولة لا في مجرد هذه الالفاظ فيقال ما تريد بأن المرئي لا بد أن يكون متحيزا فان المتحيز في لغة العرب التي نزل بها القرآن يعنى به ما يحوزه غيره كما في قوله تعالى أو متحيزا الى فئة (الأنفال) فهذا تحيز موجود يحيط به موجود غيره الى موجودات تحيط به وسمى متحيزا لانه تحيز من هؤلاء الى هؤلاء والمتكلمون يريدون بالتحيز ما شغل الحيز والحيز عندهم تقدير مكان ليس أمرا موجودا فالعالم عندهم متحيز وليس في حيز وجودى والمكان عند أكثرهم وجودى فاذا أريد بالمتحيز ما يكون في حيز وجودى منعت المقدمة الاولى وهو قوله كل مرئى متحيز فان سطح العالم يمكن أن يرى وليس في عالم آخر وإن قال بل أريد به لا بد أن يكون في حيز وإن كان عدميا قيل له العدم ليس بشئ فمن جعله في الحيز العدمى لم يجعله في شئ موجود ومعلوم انه ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق فاذا كان الخالق بائنا عن المخلوقات كلها لم يكن في شئ موجود وإذا قيل هو في حيز معدوم كان حقيقته انه ليس في شئ فلم قلت إن هذا محال وكذلك إذا قال يلزم ان يكون جسما ففيه إجمال التنبيه عليه وكذلك إذا قال في جهة فان الجهة يراد بها شئ موجود وشئ معدوم فان شرط في المرئي ان يكون في جهة موجودة كان هذا باطلا برؤية سطح العالم وإن جعل العدم جهة قيل له إذا كان بائنا عن العالم ليس معه هناك غيره فليس في جهة وجودية وإذا سميت ما هنالك جهة وقلت هو في جهة على هذا التقدير منعت انتفاء اللازم وقيل لك العقل والسمع يدلان على ثبوت هذا اللازم لا على انتفائه وهذا التقسيم مثلنا به في مسئلة الرؤية فانها من أشكل المسائل العلقية وأبعدها من قبول التقسيم المنحصر ومع هذا فان حصر الاقسام فيها ممكن فكيف يغيرها وحيئنذ فاذا احتج عليها ب قياس التمثيل فقيل المخلوقات الموجودة يمكن رؤيتها فالخالق احق بامكان الرؤية لان المصحح للرؤية في المخلوقات امر مشترك بين الخالق والمخلوق لا يختص بالمخلوق وإذا كان المشترك مستلزما لصحة الرؤية ثبتت صحة الرؤية ولا يجعل المشترك المصحح هو مجرد الوجود كما يسلكه الاشعري ومن اتبعه كالقاضي أبى بكر وطائفة من أصحاب أحمد وغيرهم كالقاضي ابى يعلى بل يجعله القيام بالنفس كما يسلكه ابن كلاب وغيره من مثبتي الرؤية من اصحاب احمد وغيرهم كأبي الحسن الزاغونى أو لا يعين المصحح بل يجعل قدرا مشتركا كالتقسيم الحاصر وهو أيضا يفيد اليقين كما قد بسط في موضعه وإذا كانت مسئلة الرؤية والمصحح لها أمكن تقريره على هذا الوجه فكيف فيما هو أوضح منها إذا قيل الفاعل منا مريد وهو متصور لما يفعله فالخالق آولى أن يعلم ما خلق او قيل إذا كان الفعل الاختياري فينا مشروطا بالعلم فهو في حق الخالق أولى لأن ما به استلزمت الإرادة العلم إما أن يختص بالعبد أو يكون مشتركا والاول باطل فتعين الثاني لان استلزام الارادة العلم كمال للفاعل لا نقص فيه والواجب احق بالكمال الذي لا نقص فيه من الممكن المخلوق فاذا كان العبد يعلم ما يفعل فالباري آولى أن يعلم ما يفعل وإذا قيل إذا كان الرب حيا امكن كونه سميعا بصيرا متكلما وما جاز له من الصفات وجب له لان ثبوت صفاته له لا تتوقف على غيره ولا يجعله غيره متصفا بصفات الكمال لان من جعل غيره كاملا فهو أحق بالكمال منه وغيره مخلوقه ويمتنع ان يكون مخلوقه اكمل منه بل ويمتنع ان يكون هو الذي اعطاه صفات الكمال لان ذلك يستلزم الدور القبلي او غير ذلك من الادلة التي بسطت في غير هذا الموضع وهم في كلامهم في جنس القياس لم يتعرضوا لآحاد المسائل ونحن لا نحتاج الى ذلك لكن الغرض التمثيل لمسائل قد يشكل على كثير من الناس استعمال القياس فيها لأجل المادة فتبين أن لها مادة يمكن ان يستخرج منها أدلة تلك المطالب وتلك المادة تصور بصورة الشمول تارة وبصورة التمثيل أخرى لكن إذا صورت بصورة الشمول علم ان افرادها لا تتساوى وإذا صورت بصورة التمثيل علم أن الرب أحق بكل كمال لا نقص فيه ان يثبت له واحق بنفى كل نقص عنه من نفيه عن سائر الموجودات جواب قولهم وإن كان منحصرا فمن الجائز ان يكون معللا بالمجموع أو بالبعض الذي لا تحقق له في الفرع وأما قولهم إذا انحصرت الاقسام فمن الجائز ان يكون معللا بالمجموع أو بالبعض الذي لا تحقق له في الفرع فيقال هذا ممكن في بعض الصور كالمسائل الظنية من الفقه او غيره إذا قيل خيار الامة المعتقة تحت العبد كقصة بريرة إما أن يكون ثبت لكونها كانت تحت ناقص وإما ان يكون لكونها ملكت نفسها أمكن أن يقال وإما أن يكون لمجموع الامرين لكن تعليله بما يختص الاصل سواء كان هو المجموع او بعض منه إنما يمكن العلم بنفيه كما يمكن العلم بغيره من المنفيات كما إذا قيل الانسان إنما كان حساسا متحركا بالارادة لحيوانيته لا لانسانيته والحيوانية مشتركة بينه وبين الفرس وسائر الحيوان فيكون حساسا متحركا بالارادة فلا يمكن ان يدعى في مثل هذه ان المختص بالانسان هو علة كونه حساسا متحركا بالارادة بل العلة ليست إلا المشترك بينه وبين الحيوان وكذلك إذا قيل القديم لا يجوز عدمه لان قدمه إما بنفسه أو بموجب يجب قدمه بنفسه وما كان قديما بنفسه كان موجودا بنفسه بالضرورة فان القدم أخص من الوجود فيلزم من ثبوته ثبوت الوجود فاذا قديما بنفسه فهو موجود بنفسه بالضرورة وما كان موجودا بنفسه فهو واجب بنفسه وإلا لافتقر الى فاعل فالقديم إما واجب بنفسه وإما لازم للواجب بنفسه وكلاهما ممتنع العدم لانه يستلزم عدم الواجب بنفسه ولو عدم لكان قابلا للعدم فلا يكون واجبا بنفسه ولهذا اتفق العقلاء على هذا وهو ان القديم إما موجود واجب بنفسه وإما لازم لما هو كذلك فاذا قال القائل لو كانت الافلاك قديمة لامتنع عدمها لكن عدمها ممكن بالادلة الدالة عليه فلا تكون قديمة لم يجز ان يقال بل القديم لا يجوز عدمه لعلة مختصة بالقديم بنفسه دون ما كان معلولا لغيره فالافلاك وإن قيل هي قديمة فهى ممكنة العدم فان هذا باطل لما ذكرناه من ان المشترك بين الواجب بنفسه والواجب بغيره هو مستلزم لقدم المشترك بين القديم الموجود بنفسه والقديم الموجود بغيره فمن ادعى قديما موجودا بغيره وقال إنه مع هذا يمكن عدمه فقوله متناقض كما بسط في موضعه ولهذا لم يقل احد من العقلاء إنها قديمة يمكن عدمها الامكان المعروف وإنما ادعوا ان لها ماهية باعتبار نفسها فقيل الوجود والعدم ولكن وجب لها الوجود من غيرها وقد تبين بطلان هذا في غير هذا الموضع وبين ان هذا قول مخالف لجميع العقلاء حتى ارسطو واتباعه لا يكون عندهم ممكنا الا المحدث الذي يمكن وجوده وعدمه او حتى هؤلاء الذين قالوا بأنها قديمة يمكن وجودها وعدمها كابن سينا واتباعه تناقضوا ووافقوا سلفهم وسائر العقلاء فذكروا في عدة مواضع ان الممكن الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون الا محدثا وان كل ما كان دائما لا يكون ممكنا واما القديم الذي لا يمكن عدمه فليس عندهم ممكنا وان كان وجوبه بغيره وانما خالف في هذا طائفة من الفلاسفة كابن سينا وامثاله الذين ارادوا ان يجمعوا بين قول سلفهم وبين ما جاءت به الرسل مع دلالة العقول عليه فلم يمكنهم ذلك الا بما خالفوا به الرسل مع مخالفة العقول مع مخالفة سلفهم فيما اصابوا فيه وموافقتهم فيما اخطئوا فيه وكان كفرا في الملل ومع تناقضهم ومخالفة جميع العقلاء واما قولهم ب ثبوت الحكم مع المشترك في صورة مع تخلف غيره من الاوصاف المقارنة له في الاصل مما لا يوجب استقلاله بالتعليل لجواز ان يكون الحكم في تلك معللا بعلة اخرى فيقال هذا غلط وذلك انه متى ثبت الحكم مع المشترك في صورة تمتنع ان تكون الاوصاف الزائدة المقارنة له في الاصل مؤثرة في الحكم مع تخلف غيره من الاوصاف فانها مختصة بالاصل فلو كانت مؤثرة لم يجز ان يوجد الحكم في غير الاصل وحينئذ فعدمها لا يؤثر والصورة الاخرى قد يثبت فيها وجود المشترك واما امكان وجود وصف اخر مستقل بعلة فهذا لا بد من نفيه اما بدليل قاطع او ظاهر او بأن الاصل عدمه ويكون القياس حينئذ يقينيا او ظنيا والكلام فيما اذا حصرت اقسام العلة ونفي التعليل عن كل منها الا واحد والنفي قد يكون لنفي التعليل بها من الاصل وقد يكون لنفي التعليل مطلقا فالاول يحتاج معه الى الثاني في تلك الصورة وأما الثاني فهو يتناول النفي في تلك الصورة وغيرها وقولهم وإن كان لا علة له سواه فجائز ان يكون علة لخصوصه لا لعمومه فيقال هذا هو في معنى السؤال الاول وهو ان يكون الحكم ثبت لذات المحل لا لامر منفصل وهو التعليل بالعلة القاصرة الواقفة على مورد النص وأما قولهم إن بين أن ذلك الوصف يستلزم الحكم وأن الحكم لازم لعموم ذاته فمع بعده يستغنى عن التمثيل فيقال لا بعد في ذلك بل كلما دل عل ان الحد الاوسط يستلزم الاكبر فانه يستدل به على جعل ذلك الحد وصفا مشتركا بين أصل وفرع ويلزمه الحكم وأما قوله إنه يستغنى عن التمثيل فيقال نعم والتمثيل في مثل هذا يذكر للايضاح وليتصور للفرع نظير لان الكلى إنما وجوده كلى في الذهن لا في الخارج فاذا عرف تحققه في الخارج كان أيسر لوجود نظيره ولان المثال قد يكون ميسرا لاثبات التعليل بل قد لا يمكن بدونه وسائر ما تثبت به العلة من الدوران والمناسبة وغير ذلك إذا اخذ معه السبر والتقسيم أمكن كون القياس قطعيا وأيضا فقد يكون قياس التمثيل يقينيا في كذا فان الجمع بين الاصل والفرع كما يكون بابداء الجامع يكون بالغاء الفارق وهو ان يعلم ان هذا مثل هذا لا يفترقان في مثل هذا الحكم ومساوى المساوى مساو والعلم بالمساواة والمماثلة مما قد يعلم بالعقل كما يعلم بالسمع فاذا علم حكم أحد المتماثلين علم ان الاخر مثله لا سيما إذا كان الكلام فيما تجرد من المعقولات مثل القول بأن شيئا من السواد عرض مفتقر الى المحل فيقال سائر أفراد السواد كذلك بل ويقال وسائر الالوان كذلك وكذلك إن قيل إن حركة الكواكب تحدث شيئا بعد شئ قيل وسائر الحركات كذلك وبالجملة فقد بينا أن كل قياس لا بد فيه من قضية كلية إيجابية وبينا أن تلك القضية لا بد أن يعلم صدق كونها كلية وكل ما به يعلم ذلك به يعلم ان الحكم لازم لذلك الكلى المشترك فيمكن جعل ذلك الكلى المشترك هو الجامع بين الاصل والفرع فكل قياس شمول يمكن جعلة قياس تمثيل فاذا أفاد اليقين لم يزده التمثيل إلا قوة إذا علمت إحدى المقدمتين بنص المعصوم فاستعمال الشمول اولى وقياس التمثيل يمكن جعله قياس شمول لكن قد يكون بيان صحته محتاجا الى بيان إحدى مقدمتيه لا سيما الكبرى فانها هى في الغالب التي تحتاج الى البيان وإذا كان كذلك الاصل المقيس عليه أولا أسهل في البيان ف قياس التمثيل أعون على البيان إلا إذا كانت القضية الكلية معلومة بنص المعصوم فهنا يكون الاستدلال بها اولى من الاستدلال بقياس التمثيل لكن الدليل هنا يكون شرعيا لم تعلم إحدى مقدمتيه إلا بنص المعصوم أو الاجماع المعصوم لم تعلم بمجرد العقل وهم والكلام مع من يجعل مواد البرهان القضايا الكلية المعلومة بدون قول المعصوم بل قد يسمون القياس المستدل على إحدى مقدماته بقول المعصوم من الخطابي والجدلى لانهم يجعلون تلك القضايا من المسلمات والمقبولات لا من البرهانيات اليقينيات وهذا ايضا من ضلالهم فان القضية اليقينية ما علم انها حق علما يقينيا فاذا علم بدليل قطعي أن المعصوم لا يقول إلا حقا وعلم بالضرورة أنه قضى بهذه القضية الكلية كما قضى ب ان الله بكل شئ عليم وأن الله خالق كل شيء وانه لا نبي بعده ونحو ذلك من القضايا الخبرية التي علم بالضرورة ان المعصوم أخبر بها عامة كلية كان هذا من أحسن الطرق في حصول اليقين وهذا الطريق لا يدخل في قياسهم البرهاني ولكن هذا لما كان مبنيا على مقدمات سمعية لم نقررها في هذا الموضع لم نحتج به عليهم بل احتججنا عليهم بما يسلمونه وما بيناه بمجرد العقل من ان قولهم العلوم الكسبية لا تحصل إلا بقياسهم البرهاني قول باطل بل هو من ابطل الاباطيل هذا في جانب النفي المقام الرابع: المقام الايجابي في الاقيسة والتصديقاتفي قولهم إن القياس يفيد العلم بالتصديقات فصل وأما المقام الثاني وهو المقام الرابع من المقامات الاربعة المذكورة أولا وهو أدق المقامات تبصرة على ما تقدم من المقامات فان ما نبهنا عليه خطأهم في منع إمكان التصور إلا بالحد بل ومن نفى دعوى حصول التصور بالحد وبقى انحصار التصديق فيما ذكروه من والقياس مدركه قريب والعلم به ظاهر وخطأ المنطقيين فيه واضح بأدنى تدبر وإنما يلبسون على الناس بالتهويل والتطويل المقامان الاول والثاني وأظهرها خطأ دعواهم ان التصورات المطلوبة لا تحصل إلا بما ذكروه من الحد ثم أن مجرد الحد يفيد تصور الحقائق الثابتة في الخارج بمجرد قول الحاد سواء جعل الحد هو الجملة التامة الخبرية التي يسمونها القضية والتقييد الجزئي او جعل الحد هو خبر المبتدأ المفرد وإن كان له صفات تقيده وتميزه فإنه إذا قال ما الانسان فقيل الحيوان الناطق أو قيل الانسان الحيوان الناطق فقد يقال الحد هو قولك الانسان هو الحيوان الناطق وقد يقال بل الحد الحيوان الناطق وهذا في حكم المفرد وليس هذا كلاما تاما يحسن السكوت عليه إن لم يقدر له مبتدأ يكون خبرا عنه أو جعل مبتدأ خبر محذوف ومن جعل هذا وحده هو الحد وجعله بمجرده يفيد تصور الحقيقة فقوله أبعد عن الصواب المقام الثالث وبعد ذلك قولهم إن شيئا من التصديقات المطلوبة لا ينال إلا بما ذكروه من القياس فان هذا النفي العام امر لا سبيل الى العلم به ولا يقوم عليه دليل أصلا وقد اشرنا الى فساد ما ذكروه مع انه معلوم البطلان بما يحصل من التصديقات المطلوبة بدون ما ذكروه من القياس كما يحصل تصورات مطلوبة بدون ما يذكرونه من الحد بخلاف هذا المقام الرابع فان كون القياس المؤلف من مقدمتين يفيد النتيجة هو امر صحيح في نفسه كون القياس المنطقي عديم التأثير في العلم لكن الذي بينه نظار المسلمين في كلامهم على هذا المنطق اليوناني المنسوب الى أرسطو صاحب التعاليم أن ما ذكروه من صور القياس ومواده مع كثرة التعب العظيم ليس فيه فائدة علمية بل كل ما يمكن علمه ب قياسهم المنطقي يمكن علمه بدون قياسهم المنطقي وما لا يمكن علمه بدون قياسهم لا يمكن علمه ب قياسهم فلم يكن في قياسهم لا تحصيل العلم بالمجهول الذي لا يعلم بدونه ولا حاجة به الى ما يمكن العلم به بدونه فصار عديم التأثير في العلم وجودا وعدما ولكن فيه تطويل كثير متعب فهو مع انه لا ينفع في العلم فيه إتعاب الاذهان وتصنييع الزمان وكثرة الهذيان والمطلوب من الادلة والبراهين بيان العلم وبيان الطرق المؤدية الى العلم وقالوا يعنى نظار المسلمين هذا لا يفيد هذا المطلوب بل قد يكون من الاسباب المعوقة له لما فيه من كثرة تعب الذهن كمن يريد أن يسلك الطريق ليذهب الى مكة أو غيرها من البلاد فاذا سلك الطريق المستقيم المعروف وصل في مدة قريبة بسعى معتدل وإذا قيض له من يسلك به التعاسيف والعسف في اللغة الاخذ عل غير طريق بحيث يدور به طرقا دائرة ويسلك به مسالك منحرفة فانه يتعب تعبا كثيرا حتى يصل الى الطريق المستقيمة إن وصل وإلا فقد يصل الى غير المطلوب فيعتقد اعتقادات فاسدة وقد يعجز بسبب ما يحصل له من التعب والاعياء فلا هو نال مطوبه ولا هو استراح هذا إذا بقى في الجهل البسيط وهكذا هؤلاء ولهذا حكى من كان حاضرا عند موت إمام المنطقيين في زمانه الخونجي صاحب الموجز وكشف الاسرار وغيرهما انه قال عند موته اموت وما علمت شيئا إلا علمى بأن الممكن يفتقر الى الواجب ثم قال الافتقار وصف سلبي اموت وما علمت شيئا فهذا حالهم إذا كان منتهى احدهم الجهل البسيط وأما من كان منتهاه الجهل المركب فكثير والواصل منهم الى علم يشبهونه بمن قيل له أين أذنك فأدار يده فوق رأسه ومدها إلى أذنه بكلفة وقد كان يمكنه أن يوصلها الى أذنه من تحت رأسه فهو أسهل وأقرب استعمال طرق غير الفطرية تعذيب للنفوس بلا منفعة والامور الفطرية متى جعل لها طرق غير الفطرية كانت تعذيبا للنفوس بلا منفعة لها كما لو قيل لرجل اقسم هذه الدراهم بين هؤلاء النفر بالسوية فان هذا ممكن بلا كلفة فلو قال له قائل اصبر فانه لا يمكنك القسمة حتى تعرف حدها وتميز بينها وبين الضرب فان القسمة عكس الضرب فان الضرب هو تضعيف آحاد العددين بآحاد العدد الآخر والقسمة توزيع آحاد أحد العددين على آحاد العدد الاخر ولهذا إذا ضرب الخارج بالقسمة في المقسوم عليه عاد المقسوم وإذا قسم المرتفع بالضرب على أحد المضروبين خرج المضروب الاخر ثم يقال ما ذكرته في حد الضرب لا يصح فانه إنما يتناول ضرب العدد الصحيح لا يتناول ضرب المكسور بل الحد الجامع لهما أن يقال الضرب طلب جملة تكون نسبتها الى احد المضروبين كنسبة الواحد الى المضروب الاخر فاذا قيل اضرب النصف في الربع فالخارج هو الثمن ونسبته الى الربع كنسبة النصف الى الواحد فهذا وإن كان كلاما صحيحا لكن من المعلوم أن من معه مال يريد أن يقسمه بين عدد يعرفهم بالسوية إذا ألزم نفسه أنه لا يقسمه حتى يتصور هذا كله كان هذا تعذيبا له بلا فائدة وقد لا يفهم هذا الكلام وقد يعرض له فيه إشكالات 10. الدليل ما كان موصلا الى المطلوب فكذلك الدليل والبرهان فان الدليل هو المرشد الى المطلوب والموصل الى المقصود وكل ما كان مستلزما لغيره فانه يمكن ان يستدل به عليه ولهذا قيل الدليل ما يكون النظر الصحيح فيه موصلا الى علم أو ظن وبعض المتكلمين يخص لفظ الدليل بما يوصل الى العلم ويسمى ما يوصل الى الظن أمارة وهذا اصطلاح من اصطلح عليه من المعتزلة ومن تلقاه عنهم فالمقصود ان كل ما كان مستلزما لغيره بحيث يكون ملزوما له فانه يكون دليلا عليه وبرهانا له سواء كانا وجوديين أو عدميين أو أحدهما وجوديا والاخر عدميا فأبدا الدليل ملزوم للمدلول عليه والمدلول لازم للدليل ثم قد يكون الدليل مقدمة واحدة متى علمت علم المطلوب وقد يحتاج المستدل الى مقدمتين وقد يحتاج الى ثلاث مقدمات وأربع وخمس وأكثر ليس لذلك حد مقدر يتساوى فيه جميع الناس في جميع المطالب بل ذلك بحسب علم المستدل الطالب بأحوال المطلوب والدليل ولوازم ذلك وملزوماته فاذا قدر أنه قد عرف ما به يعلم المطلوب إلا مقدمة واحدة كان دليله الذي يحتاج الى بيانه له تلك المقدمة كمن علم أن الخمر محرم وعلم ان النبيذ المتنازع فيه مسكر لكن لم يعلم أن كل مسكر هو خمر فهو لا يحتاج إلا الى هذه المقدمة فاذا قيل ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ - أنه قال كل مسكرخمر حصل مطلوبه ولم يحتج إلى ان يقال كل نبيذ مسكر وكل مسكر خمر ولا ان يقال كل مسكر خمر وكل خمر حرام فان هذا كله معلوم له لم يكن يخفى عليه إلا ان اسم الخمر هل هو مختص ببعض المسكرات كما ظنه طائفة من علماء المسلمين أو هو شامل لكل مسكر فاذا ثبت له عن صاحب الشرع أنه جعله عاما لا خاصا حصل مطلوبه وهذا الحديث في صحيح مسلم ويروى بلفظين كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ولم يقل كل مسكر خمر وكل خمر حرام كالنظم اليوناني وإن كان روى في بعض طرق الحديث فليس بثابت فان النبي ﷺ - اجل قدرا في عمله وبيانه من أن يتكلم بمثل هذيانهم فانه إن قصد مجرد تعريف الحكم لم يحتج مع قوله الى دليل وإن قصد بيان الدليل كما بين الله في القران عامة المطالب الالهية التي تقرر الايمان بالله ورسله واليوم الاخر فهو ﷺ - أعلم الخلق بالحق وأحسنهم بيانا له فعلم أنه ليس جميع المطالب يحتاج الى مقدمتين ولا يكفى في جميعها مقدمتان بل يذكر ما يحصل به البيان والدلالة سواء كان مقدمة او مقدمتين أو اكثر وما قصد به هدى عاما كالقرآن الذي انزله الله بيانا للناس يذكر فيه من الادلة ما ينتفع به الناس عامة وأما ما قد يعرض لبعضهم في بعض الاحوال من سفسطة تشككه في المعلومات فتلك من جنس المرض والوساوس وهذه إنما يمكن بيان أنواعها العامة وأما ما يختص به كل شخص فلا ضابط له حتى يذكر في كلام بل هذا يزول بأسباب تختص بصاحبه كدعائه لنفسه ومخاطبة شخص معين له بما يناسب حاله ونظرة هو فيما يخص حاله ونحو ذلك وأيضا فما يذكرونه من القياس لا يفيد إلا العلم بأمور كلية لا يفيد العلم بشئ معين من الموجودات ثم تلك الامور الكلية يمكن العلم بكل واحد منها بما هو أيسر من قياسهم فلا تعلم كلية ب قياسهم إلا والعلم بجزئياتها ممكن بدون قياسهم الشمولى وربما كان أيسر فان العلم بالمعينات قد يكون أبين من العلم بالكليات وهذا مسبوط فى موضعه ليس في قياسهم إلا صورة الدليل من غير بيان صحته او فساده والمقصود هنا أن المطلوب هو العلم والطريق اليه هو الدليل فمن عرف دليل مطلوبه عرف مطلوبه سواء نظمه بقياسهم ام لا ومن لم يعرف دليله لم ينفعه قياسهم ولا يقال إن قياسهم يعرف صحيح الادلة من فاسدها فان هذا إنما يقوله جاهل لا يعرف حقيقة قياسهم فان قياسهم ليس فيه إلا شكل الدليل وصورته وأما كون الدليل المعين مستلزما لمدلوله فهذا ليس في قياسهم ما يتعرض له بنفي ولا إثبات وإنما هذا بحسب علمه بالمقدمات التي اشتمل عليها الدليل وليس في قياسهم بيان صحة شئ من المقدمات ولا فسادها وإنما يتكلمون في هذا إذا تكلموا في مواد القياس وهو الكلام في المقدمات من جهة ما يصدق بها وكلامهم في هذا فيه خطأ كثير كما نبه عليه في موضع آخر الحقيقة المعتبرة في كل دليل هو اللزوم والمقصود هنا ان الحقيقة المعتبرة في كل برهان ودليل في العالم هو اللزوم فمن عرف ان هذا لازم لهذا استدل بالملزوم على اللازم وإن لم يذكر لفظ اللزوم ولا تصور معنى هذا اللفظ بل من عرف أن كذا لا بد له من كذا او أنه إذا كان كذا كان كذا وأمثال هذا فقد علم اللزوم كما يعرف ان كل ما في الوجود فهو أية لله فانه مفتقر اليه محتاج اليه لا بد له منه فيلزم من وجوده وجود الصانع وكما يعلم ان المحدث لا بد له من محدث كما قال تعالى ام خلقوا من غير شئ ام هم الخلقون الطور وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم انه لما قدم في فداء الاسرى عام بدر سمع النبي ﷺ - يقرأ في المغرب بالطور قال فلما سمعت قوله ام خلقوا من غير شئ ام هم الخلقون الطور أحسست بفؤادي قد انصدع فان هذا تقسيم حاصر يقول أخلقوا من غير خالق خلقهم فهذا ممتنع في بداية العقول ام هم خلقوا أنفسهم فهذا أشد امتناعا فعلم ان لهم خالقا خلقهم وهو سبحانه وتعالى ذكر الدليل بصيغة استفهام الانكار ليبين أن هذه القضية التي استدل بها فطرية بديهية مستقرة في النفوس لا يمكن أحدا إنكارها فلا يمكن صحيح الفطرة أن يدعى وجود حادث بدون محدث أحدثه ولا يمكنه أن يقول هو أحدث نفسه وقد بسطنا الكلام على ما قاله الناس في هذا المقام من الحدوث والامكان وعلة الافتقار الى المؤثر وذكرنا عامة طرائق اهل الارض في إثبات الصانع من المتكلمين والفلاسفة وطرق الانبياء صلوات الله عليهم وما سلكه عامة نظار الاسلام من معتزلي وكرامى وكلابي واشعري وفيلسوف وغيرهم في غير موضع مثل كتاب تعارض العقل والنقل وغير ذلك وكذلك بينا طرق الناس في إثبات العلم بالنبوات في شرح الاصبهانية وكتاب الرد على النصارى وغيرهما وبينا أن كثيرا من النظار يسلك طريقا في الاستدلال على المطلوب ويقول لا يوصل الى المطلوب إلا بهذا الطريق ولا يكون الامر كما قاله في النفى وإن كان مصيبا في صحة ذلك الطريق فان المطلوب كلما كان الناس الى معرفته أحوج يسر الله على عقول الناس معرفة أدلته فأدلة إثبات الصانع وتوحيده وأعلام النبوة وأدلتها كثيرة جدا وطرق الناس في معرفتها كثيرة وكثير من الطرق لا يحتاج اليه اكثر الناس وإنما يحتاج اليه من لم يعرف غيره أو من أعرض عن غيره وبعض الناس يكون الطريق كلما كان ادق وأخفى وأكثر مقدمات وأطول كان انفع له لان نفسه اعتادت النظر الطويل في الامور الدقيقة فاذا كان الدليل قليل المقدمات أو كانت جلية لم تفرح نفسه به ومثل هذا قد يستعمل معه الطريق الكلامية المنطقية وغيرها لمناسبتها لعادته لا لكون العلم بالمطلوب متوقفا علهيا مطلقا فان من الناس من إذا عرف ما يعرفه جمهور الناس وعمومهم أو ما يمكن غير الاذكياء معرفته لم يكن عند نفسه قد امتاز عنهم بعلم فيجب معرفة الامور الخفية الدقيقة الكثيرة المقدمات وهذا يسلك معه هذه السبيل وأيضا فان النظر في العلوم الدقيقة يفتق الذهن ويدر به ويقويه على العلم فيصير مثل كثرة الرمي بالنشاب وركوب الخيل تعين على قوة الرمي والركوب وإن لم يكن ذلك وقت قتال وهذا مقصد حسن ولهذا كان كثير من علماء السنة يرغب في النظر في العلوم الصادقة الدقيقة كالجبر والمقابلة وعويص الفرايض والوصايا والدور لشحذ الذهن فانه علم صحيح في نفسه ولهذا يسمى الرياضي فان لفظ الرياضة يستعمل في ثلاثة انواع في رياضة الابدان بالحركة والمشي كما يذكر ذلك الاطباء وغيرهم وفي رياضة النفوس بالاخلاق الحسنة المعتدلة والآداب المحمودة وفي رياضة الاذهان بمعرفة دقيق العلم والبحث عن الامور الغامضة ويروى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه قال إذا لهوتم فالهوا بالرمي وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض اراد إذا لهوا بعمل ان يلهوا بعمل ينفعهم في دينهم وهو الرمي وإذا لهوا بكلام لهوا بكلام ينفعهم ايضا في عقلهم ودينهم وهو الفرائض وعلم الفرائض نوعان احكام وحساب فالاحكام ثلاثة انواع احدها علم الاحكام على مذهب بعض الفقهاء وهذا اولها ويليه علم أقاويل الصحابة والعلماء فيما اختلف فيه منها ويليه علم ادلة ذلك من الكتاب والسنة وأما علم حساب الفرائض فمعرفة أصول المسائل وتصحيحها والمناسخات وقسمة التركات وللفرائض في ذلك طريق معلومة وكتب مصنفة وهذا الثاني كله علم معقول يعلم بالعقل كما يعلم بالعقل سائر حساب المعاملات وغير ذلك من الانواع التي يحتاجها اليها الناس ثم قد ذكروا حساب المجهولات الملقب بحساب الجبر والمقابلة وهو علم قديم لكن إدخاله في الوصايا والدور ونحو ذلك اول من عرف انه ادخله في ذلك محمد بن موسى الخوارزمي وبعض الناس يذكر عن علي بن ابي طالب رضى الله عنه انه تكلم في ذلك وانه تعلم زيادة ذلك من يهودي وهذا كذب على علي رضى الله عنه ونحن قد بينا في الكتاب المصنف في الدور لما ذكرنا فيه ان لفظ الدور يقال على ثلاثة انواع الدور الكوني الذي يذكر في الادلة العقلية أنه لا يكون هذا حتى يكون هذا ولا يكون هذا حتى يكون هذا وطائفة من النظار كالرازي يقولون هو ممتنع والصواب انه نوعان كما يقوله الامدي وغيره دور قبلي ودور معي في الدور القبلي ممتنع والدور المعى ممكن فالدور القبلي الذي يذكر في العل وفي الفاعل والمؤثر ونحو ذلك مثل ان يقال لا يجوز ان يكون كل من الشيئين فاعلا للآخر لانه يفضى الى الدور وهو ان يكون هذا قبل ذاك وذاك قبل هذا وذاك فاعل لهذا وهذا فاعل لذاك فيكون الشئ فاعلا لفاعله ويكون قبل قبله وقد اورد الرازي وغيره عليه إشكالات ذكرناها وبينا وجه حلها طرق إثبات الصانع وأما الدور المعى فهو كدور الشرط مع الشروط وأحد المتضائفين مع الاخر إذا قيل صفات الرب لا تكون إلا مع ذاته ولا تكون ذاته إلا مع صفاته فهذا صحيح وكذلك إذا قيل لا تكون الابوة إلا مع النبوة ولا تكون النبوة إلا مع الابوة والنوع الثاني مما يسمى دورا الدور الحكمى الفقهي المذكور في المسئلة السريجية وغيرها وقد افردنا في هذا مصنفات وبينا حقيقة هذا الدور وأنه باطل عقلا وشرعا وبينا في مصنف آخر هل في الشريعة شئ من هذا الدور ام لا والنوع الثالث الدور الحسابي وهو ان يقال لا يعلم هذا حتى يعلم هذا فهذا هو الذي يطلب حله بحساب الجبر والمقابلة وقد ذكر كثير من متأخرى الفقهاء مسائل وذكروا أنها لا تنحل إلا بطريق الجبر والمقابلة وقد بينا انه يمكن الجواب عن كل مسئلة شرعية جاء بها الرسول ﷺ - بدون حساب الجبر والمقابلة وإن كان ايضا حساب الجبر والمقابلة صحيحا وقد كان لابي وجدي رحمهما الله فيه من النصيب ما قد عرف ليست شريعة الاسلام موقوفة على شئ من علومهم فنحن قد بينا ان شريعة الاسلام ومعرفتها ليست موقوفة على شئ يتعلم من غير المسلمين أصلا وإن كان طريقا صحيحا بل طريق الجبر والمقابلة فيها تطويل يغنى الله عنه بغيره كما ذكرنا في المنطق وهكذا كل ما بعث به الرسول ﷺ - مثل العلم بجهة القبلة والعلم بمواقيت الصلوة والعلم بطلوع الفجر والعلم بالهلال فكل هاذ يمكن العلم به بالطرق المعروفة التي كان الصحابة والتابعون لهم باحسان يسلكونها ولا يحتاج معها الى شئ آخر وإن كان كثير من الناس قد أحدثوا طرقا أخر وكثير منهم يظن انه لا يمكن المعرفة بالشريعة إلا بها وهذا من جهلهم العلم بجهة القبلة كما قد يظن طائفة من الناس ان العلم بالقبلة لا يمكن إلا بمعرفة أطوال البلاد وعروضها، وعرض البلد هو بعد ما بينه وبين خط الاستواء والموازي كدائرة معدل النهار وذلك يعرف بارتفاع القطب الشمالي فان القطبين إذا كانا على دائرة الافق كان بعد كل منها عن خط الاستواء بعدا واحدا وليس لخط الاستواء عرض فاذا بعد الانسان عن خط الاستواء مقدار درجة فلكية ارتفع القطب في قطره عن دائرة الافق مقدار درجة ثم إذا بعد درجتين ارتفع القطب درجتين وهلم جرأ فعرض البلد يعرف بارتفاع القطب فاذا كان البلدان عرضهما سواء كدمشق وبغداد وعرض كل منهما ثلاثا وثلاثين درجة يكون ارتفاع القطب فيهما واحدا وأما الطول فليس له حد في السماء يضبط به إذ هو بحسب المعمور من الارض فيجعل الطول مبدأ العمارة وكانوا يحدون بجزائر تسمى جزائر الخالدات من جهة الغرب ويمكن ان تفرض بلدة ويجعل الطول شرقيا وغربيا كما فعل بعضهم حيث جعل مكة شرفها الله تعالى هي التي يعتبر بها الطول لانها باقية محفوظة محروسة وجعل الطول نوعين شرقيا وغربيا فهذا علم صحيح حسابي يعرف بالعقل لكن معرفة المسلمين بقبلتهم في الصلوة ليست موقوفة على هذا بل قد ثبت عن صاحب الشرع صلوات الله عليه انه قال ما بين المشرق والمغرب قبلة قال الترمذي حديث صحيح وبهذا كان عند جماهير العلماء أن المصلى ليس عليه ان يستدل بالقطب ولا الجدى ولا غير ذلك بل إذا جعل من في الشام ونحوها المغرب عن يمينه والمشرق عن شماله كانت صلوته صحيحة فان الله إنما امر باستقبال شطر المسجد الحرام وفي الحديث المسجد قبلة مكة ومكة قبلة الحرم والحرم قبلة الارض ولهذا لم يعرف عن الصحابة انهم ألزموا الناس في الصلوة ان يعتبروا الجدى كون اعتبار الجدى لمعرفة القبلة بدعة ولهذا انكر الامام احمد وغيره من العلماء على من ألزم الناس باعتبار الجدي فضلا عن طول البلاد وعرضها بل المساجد التي صلى فيها الصحابة كمسجد دمشق وغيره فيه انحراف يسير عن مسامتة عين الكعبة وكذلك غيره فكان هذا من الحكمة أن يعرف إجماع الصحابة والتابعين لهم باحسان على ان المصلى ليس عليه مسامتة عين الكعبة بل تكفيه الجهة التي هي شطر المسجد الحرام من بدع المتكلمين ردهم ما صح من الفلسفة وكذلك ما يعلم بالمشاهدة والحساب الصحيح من أحوال الفلك علم صحيح لا يدفع والافلاك مستديرة ليست مضلعة ومن قال إنها مضلعة أو جوز ذلك من أهل الكلام فهو وأمثاله ممن يرد على الفلاسفة وغيرهم ما قالوه من علم صحيح معقول مع كونه موافقا للمشروع وهذا من بدع اهل الكلام الذي ذمه السلف وعابوه فانهم ناظروا الفلاسفة في العلم الالهي في مسئلة حدوث العالم وإثبات الصانع ومسائل المعاد والنبوات وغير ذلك بطرق فاسدة حائدة من مسلك الشرع والعقل وكان ذلك من أسباب ضلال كثير من الناس حيث ظنوا ان ما يقوله هؤلاء المبتدعون هو الشرع المأخوذ عن الرسول وليس الامر كذلك بل كلما علم بالعقل الصريح فلا يوجد عن الرسول إلا ما يوافقه ويصدقه إجماع المسلمين على أن الفلك مستدير وما نحن فيه من كرية الافلاك واستدارتها من هذا الباب بل هذا مما أجمع عليه سلف الامة من الصحابة والتابعين لا يعرف بينهم نزاع في ان الفلك مستدير وقد حكى إجماع علماء المسلمين على ذلك غير واحد منهم ابو الحسين بن المنادى الامام الذي له أربعمائة مصنف وكان من الطبقة الثانية من اصحاب احمد ومنهم ابو محمد بن حزم ومنهم ابو الفزج بن الجوزي والاثار بذلك معروفة ثابتة عن السلف كما دل على ذلك الكتاب والسنة وقد ذكرنا طرفا من ذلك في جواب مسئلة سئلنا عنها في هذا الباب فذكرنا دلالة الكتاب والسنة على ذلك موافقا لما علم بالحساب العقلي وقد قال تعالى وهو الذي خلق اليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون الانبياء وقال تعالى لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا اليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (يس) تفسير قوله تعالى كل في فلك يسبحون وقد ذكر الامام ابو محمد عبد الرحمن بن ابي حاتم في تفسيره ثنا ابى يعنى الامام ابا حاتم الرازي ثنا نصر بن علي حدثني ابي عن شعبة بن الحجاج عن الاعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله كل في فلك يسبحوق قال في فلكة مثل فلكة المغزل وذكر عن احمد الزبيري عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله يسبحون قال يدورون في أبواب السماء كما يدور المغزل في الفلكة وقال ثنا الحسن بن الحسن ثنا إبراهيم بن عبدالله بن الهروى ثنا حجاج عن ابي جريج اخبرني عبدالله بن كثير انه سمع مجاهدا يقول وكل في فلك يسبحون قال النجوم والشمس والقمر فلكة كفلكة المغزل وقال مثل ذلك الحسبان يعنى مجاهد حسبان الرحى وهو سفودها القائم الذي يدور عليه والحسبان في اللغة سهام قصار الواحدة حسبانة وكان مجاهد يفسر قوله والشمس والقمر بحسبان الرحمن بهذا وقال غيره هو من الحساب قيل هو مصدر وقيل جمع حساب كشهاب وشهبان قال مجاهد ولا يدور المغزل إلا بالفلكه ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل ولا يدور الحسبان إلا بالرحى ولا يدور الرحى إلا بالحسبان قال فكذلك النجوم والشمس والقمر هي في فلك لا يدمن إلا به ولا يدوم إلا بهن قال فنقر بأصبعه قال فقال مجاهد يدمن كذلك كما نقر قال فالحسبان والفلك يصيران الى شئ واحد غير ان الحسبان في الرحى والفلك في المغزل كل ذلك عن مجاهد قلت قوله لا يدوم إلا به أي لا يدور إلا به ومنه الدوامة بالضم والتشديد وهي فلكة يرميها الصبي بخيط فتدوم على الارض أي تدور ومنه تدويم الطير وهو تحليقه وهو دورانه في طيرانه ليرتفع الى السماء وقوله نقر بأصبعه يعنى نقر بها من الارض وأدارها ليشبه بذلك دوران الفلك وقال ابن ابي حاتم قرى على يونس بن عبد الاعلى ثنا ابن وهب ثنا السري ابن يحيى قال سأل رجل الحسن البصري عن قوله كل في فلك يسبحون قال يعنى استدارتهم وقال بندة ثنا أبي ثنا عبيد الله بن عائشة ثنا عبدالواحد بن زياد ثنا ابو روق سمعت الضحاك في قوله كل في فلك يسبحون قال يدور ويذهب ثنا ابي ثنا مسروق بن المرزبان ثنا يحي بن ابي زائدة ثنا ورقاء عن ابن ابي نجيح عن مجاهد كل في فلك يسبحون قال الفلك كحديدة الرحى يعنى قطب كحديدة الرحى وهو قطب الرحى وهو السفود القائم الذي يسمى أيضا حسبانا ثنا بن على الحسين بن حنيد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا مروان بن معاوية عن جويبر عن الضحاك في فلك يسبحون قال الفلك السرعة والجري في الاستدارة ويسبحون يعملون يريد أن لفظ الفلك يدل على الاستدارة وعلى سرعة الحركة كما في دوران فلكة المغزل ودوران الرحى وقال ثنا أبي ثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله في فلك يقول دوران وقوله يسبحون يعني يجرون وعن إياس بن معاوية قال السماء على الأرض مثل القبة وقد بسط القول في ذلك بدلائله من الكتاب والسنة في غير هذا الموضع ولفظ الفلك في لغة العرب يدل على الاستدارة قال الجوهري فلكة المغزل سميت بذلك لاستدارتها والفلكة قطعة من الأرض أو الرمل تستدير وترتفع على ما حولها والجمع فلك وقال ومنه قيل فلك ثدى الجارية تفليكا وتفلك استدار قلت والسباحة تتضمن الجري بسرعة كما ذكر ذلك أهل اللغة العلم بالهلال وكذلك أيضا الهلال فان الشارع جعله معلقا بالرؤية فقال صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وقال إنا أمة أمية لانكتب ولا نحسب إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وقال صوموا من الوضح الى الوضح والعارفون بالحساب لا يتنازعون في ان الهلال لا يمكن ضبط وقت طلوعه بالحساب فانهم وإن عرفوا أن نور القمر مستفاد من الشمس وعرفوا انه إذا اجتمع القرصان عند الاستسرار لا يرى له ضوء فاذا فارق الشمس صار فيه النور فهم أكثر ما يمكنهم ان يضبطوا بالحساب كم بعده عند غروب الشمس عن الشمس هذا إذا قدر صحة تقويم الحساب وتعديله فانهم يسمونه علم التقويم والتعديل لانهم يأخذون اعلى مسير الكواكب وادناه فيأخذون معدله فيحسبونه فاذا قدر انهم حزروا ارتفاعه عند مغيب الشمس لم يكن في هذا ما يدل على ثبوت الرؤية ولا انتفائها لان الرؤية امر حسى لها اسباب متعددة من صفاء الهواء وكدره وارتفاع المنظر وانخفاضه وحدة البصر وكلاله فمن الناس من لا يراه ويراه من هو أحد بصرا منه ويرى من مكان عال ولا يرى من منخفض ويكون الجو صافيا فيرى ويكون كدرا فلا يرى فلما كانت اسباب الرؤية لا تنضبط بالحساب لم تمكن معرفة وقت الرؤية بالحساب ولهذا كان قدماء علماء الهيئة كبطلميوس صاحب المجسطي وغيره لم يتكلموا في ذلك بحرف وإنما تكلم فيه بعض المتأخرين مثل كوشيار الديلمي ونحوه لما رأوا الشريعة قد جاءت باعتبار الرؤية احبوا ان يعرفوا ذلك بالحساب فضلوا وأضلوا ومن قال إنه لا يرى على اثنتي عشرة درجة أو عشر او نحو ذلك فقد أخطأ فان من الناس من يراه على أقل من ذلك ومنهم من لا يراه على ذلك بل قد يراه نصف النهار إذا فارق الشمس أدنى مفارقة فلا للعقل اعتبروا ولا للشرع عرفوا ولهذا انكر عليهم ذلك حذاق ضاعتهم العلم بطلوع الفجر وهكذا امر الفجر فان الزمان يوم واسبوع وشهر وعام فأما اليوم فيعلم بالحس والمشاهدة وكذلك الشهر والعام يعرف بالعدد في القمرية وبالرؤية في الشمسية قال تعالى ولبثوا في كهفهم ثلث مائة سنين وازدادوا تسعا (الكهف) كانت ثلثمائة شمسية وثلثمائة وتسع هلالية وأما الاسبوع فليس له حد يعرف بالحس والعقل وإنما عرف باخبار الانبياء ان الله خلق هذا العالم في ستة ايام ثم استوى على العرش ولهذا شرع الله لاهل الملل ان يجتمعوا في الاسبوع يوما لعبادة الله وحده ويكون ذلك سببا لحفظ الاسبوع الذي به يعلم ان الله خلق هذا العالم في ستة ايام ولهذا لا توجد اسماء الاسبوع في لغة من لا يعرفون شرائع الانبياء كالمشركين من الترك وغيرهم فانهم لا يعرفونه والعادة تتبع التصور فمن لم يتصور شيئا لم يعرفه واليوم يعرف بطلوع الفجر وهو النور الذي يظهر من جهة المشرق وهو أول نور الشمس المتصل الذي لا ينقطع بخلاف الفجر الاول فانه يأتي بعده ظلمة والاعتبار في الشرع في الصلوة والصيام وغير ذلك بالثاني ويعرف بالحس والمشاهدة كما يعرف الهلال ويعرف بالقياس على ما قرب منه تقريبا إذا عرف عند طلوعه مواضع الكواكب من السماء فيستدل في اليوم الثاني بذلك على وقت طلوعه وأما تقدير حصة الفجر بأمر محدود من حركة الفلك مساو لحصة العشاء كما فعله طائفة من الموقتين فغلطوا في ذلك كما غلط من قدر قوس الرؤية تقديرا مطلقا وذلك لان الفجر نور الشمس وهو شعاعها المنعكس الذي يكون من الهواء والارض وهذا يختلف باختلاف مطارحة التي ينعكس عليها فاذا كان الجو صافيا من الغيوم لم يظهر فيه النور كما يظهر اذا كان فيه بخار فان البخار لغلظه وكثافته ينعكس عليه الشعاع ما لا ينعكس على الهواء الرقيق الا ترى ان الشمس اذا طلعت انما يظر شعاعها على الارض والجبال ونحو ذلك من الاجسام الكثيفة وان كانت صقيلة كالمراة والماء كان اظهر واما الهواء فانه وان استنار بها فان الشعاع لا يقف فيه بل يخرقه الى ان يصل الى جسم كثيف فينعكس ففي الشتاء تكون الابخرة في الليل كثيرة لكثرة ما يتصعد من الارض بسبب رطوبتها ولا يحلل البخار فيها فينعكس الشعاع عليه فيظهر الفجر حينئذ قبل ما يظهر لو لم يكن بخار واما الصيف فان الشمس بالنهار تحلل البخار فاذا غربت الشمس لم يكن للشعاع التابع لها بخار يرده فتطول في الصيف حصة العشاء بهذا السبب وتطول في الشتاء حصة الفجر بهذا السبب وفي الصيف تقصر حصة الفجر لتأخر ظهور الشعاع اذ لا بخار يرده لان الرطوبات في الصيف قليلة وتقصر حصة العشاء في نهار الشتاء لكثرة الابخرة في الشتاء فحاصلة ان كلا من الحصتين تتبع ما قبلها في الطول والقصر بسبب البخار لا بسبب فلكي والذين ظنوا ان ذلك يكون عن حركة الفلك قدروه بذلك فغلطوا في تقديرهم وصاروا يقولون حصة الفجر في الشتاء اقصر منها في الصيف وحصة العشاء في الصيف اقصر منها في الشتاء فان هذه جزء من الليل وهذه جزء من النهار فتتبعه في قدره ولم يعرفوا الفرق بين طلوع الشمس وغروبها وبين طلوع شعاعها فان الشمس تتحرك في الفلك فحركتها تابعة للفلك والشعاع هو بحسب ما يحمله وينعكس عليه من الهواء الابخرة وهذا امر له سبب ارضي ليس مثل حركة الفلك ولهذا كان ما قالوه بالقياس الفاسد امرا يخالقه الحس ويعرف كذب ما قالوه باتفاق طوائف بني ادم فالذي يعرف بالحس والعقل الصريح لا يخالفه شرع ولا عقل ولا حس فان الادلة الصادقة لا تتعارض مدلولاتها ولكن ما يقال بقياس فاسد وظن فاسد يقع فيه الاختلاف كون عدد الافلاك تسعة ليس عليه دليل وعدد الافلاك وكونها تسعة ليس امرا معلوما ولا قام دليل على انه ليس وراء التسعة شيء بل صرح ائمتهم بأنه يجوز ان تكون اشياء اخر وهذه التسعة انما اثبتوها بما راوه من اختلاف حركات الكواكب وكذلك اثبتوا لكل كوكب من الخمسة المتحيزة عددا من الافلاك بسبب اختلاف حركاته وعرفوا ارتفاع بعضها فوق بعض بكسوف الاسفل للاعلى وبينهم اختلاف كثير يطول وصفه في الامور الفلكية التي لا تعرف بالحس وكثير مما يقولونه في ذلك لا يقوم عليه دليل ولهذا لما اخبرت الانبياء بعرش الرب وكرسيه ظن بعضهم ان الكرسي هو الفلك الثامن والعرش هو الفلك التاسع وهذا القول مع انه لا دليل عليه اصلا فهو باطل من وجوه كثيرة قد بينا بعضها في مسئلة الاحاطة وجمهورهم يقولون بحدوث هذا العالم وانما عرف القول بقدمه من ارسطو ومتبعيه وقد رايت كلام ارسطو في ذلك في مقالة اللام وهي اخر العلم الالهي ومنتهى فلسفته وتكلمنا على ما ذكره هو وغيره من الفلاسفة وبينا ان ما قاله خالف فيه جمهور الفلاسفة واساطينهم وليس معه قط دليل يدل على قدم شيء من العالم وانما تدل على دوام الفاعلية وتوابع ذلك وقد بسطنا الكلام على ذلك في الكلام على هذا الاصل وما اضطربوا فيه وهم المبتدعون من المتكلمين الذين يضيفون الى الشريعة ما لم يدل عليه كتاب ولا سنة ولا قاله احد من سلف الامة ولا ائمتها فيجمعون في كلامهم بين حق وباطل والمتفلسفة في كلامهم حق وباطل وكلا الطائفتين لا يوافق ما دل عليه العقل الصريح المطابق لما جاءت به الرسل اختلافهم في مدة بقاء العالم ثم الجمهور منهم القائلون بحدوث هذا العالم تكلم منهم طوائف في بقائه وفي وقت فنائه من الروم والهند وغيرهم لكن بلا دليل صحيح وسبب ذلك انهم لم يعرفوا للحوادث التي في هذا العالم سببا الا حركة الفلك وما يتجدد فيه من الاشكال واتصالات الكواكب فقاسوا بقاءه على ذلك فمنهم من قال يبقى اثني عشر الف سنة ومنهم من قال ستة وثلاثين الف سنة ومنهم من قال ثلثمائة الف وستون الف سنة ومنهم من قال ثمانية واربعين الف سنة او اربعة وعشرين الف سنة وكل ذلك قول بلا علم فإن منشأ النزاع ان الثوابت كان المعروف عندهم انها تقطع الفلك كل مائة سنة درجة من درجات الفلك التي هي ثلثمائة وستون درجة فلما رصدوها زمن المأمون زعموا ان الصحيح انها تقطعها في ثلثي هذه المدة كل سنة وستين سنة وثلثي سنة والصواب ان الرصد الاول هو الصحيح وقد اعتبر ذلك بمواضع الكواكب التي ذكرها غير واحد من القدماء في كتبهم واصطرلاباتهم ومواضعها الان تدل على اعتبار ذلك على ان الرصد القديم هو الصحيح وانها تقطع الدرجة في مائة سنة واذا ضرب ذلك في ثلثمائة وستين كان على القول الاول ستة وثلاثين الفا وعلى القول الثاني اربعة وعشرين الفا ومن قال ثلثمائة الف وستون الفا قال هذا دور في عشرة ادوار ومن قال اثنا عشر الف سنة جعل لكل برج الف سنة وليس معهم دليل يدل على ان هذه المدة هي مدة بقاء الفلك والاصل الذي بنوا عليه فاسد وهو ظنهم ان الحوادث جميعها سببها حركات الفلك تقابلهم لمنكري تأثير حركات الفلك في الحوادث مطلقا وهذا الاصل قد تقابلوا فيه هم والمبتدعة من اهل الكلام فأولئك يقولون ليس لشيء من حركات الفلك تأثير في هذا العالم ولا شيء منها سبب في حدوث شيء بل يطردون هذا في جميع الموجودات فلا يجعلون الله خلق شيئا لسبب ولا لحكمة ولا يجعلون للانسان قدرة تؤثر في مقدورها ولا لشيء من الاجسام طبيعة ولا غريزة بل يقولون فعل عنده لا به وخالفوا بذلك الكتاب والسنة واجماع السلف والائمة وصرائح العقول فان الله تعالى يقول ان في خلق السموات والارض واختلف اليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأخيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايت لقوم يعقلون (البقرة) وقال تعالى وهو الذي يرسل الريح بشرا بين يدى رحمته حتى اذا أقلت سحابا ثقالا سقنه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون (الأعراف) وقال ونزلنا من السماء ماء مبركا فانبتنا به جنت وحب الحصيد ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة يذكر سبحانه انه فعل هذا بهذا كما ذكر انه انزل الماء بالسحاب وانه احيا الارض بالماء والعلماء متفقون على اثبات حكمة الله في خلقه وامره واثبات الاسباب والقوى كما قد ذكرنا اقوالهم في موضعها وليس من السلف من انكر كون حركات الكواكب قد تكون من تمام اسباب الحوادث كما ان الله جعل هبوب الرياح ونور الشمس والقمر من اسباب الحوادث وقد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ - انه قال ان الشمس والقمر ايتان من ايات الله لا تنكسفان لموت احد ولا لحياته ولكنهما ايتان من ايات الله يخوف الله بهما عباده فاذا رايتموهما فافزعوا الى الصلوة وامر رسول الله ﷺ - عند الكسوف بالصلوة والذكر والدعاء والصدقة والعتاقة والاستغفار وكذلك عند سائر الايات التي يخوف الله بها عباده وقوله لا تنكسفان لموت احد ولا لحياته رد لما كان قد توهمه بعض الناس من ان كسوف الشمس كان لاجل موت ابراهيم ابن النبي ﷺ - وكان قد مات وكسفت الشمس فتوهم بعض الجهال من المسلمين ان الكسوف كان لاجل هذا فبين لهم النبي ﷺ - ان الكسوف لا يكون سببه موت احد من اهل الارض ونفى بذلك ان يكون الكسوف معلولا عن ذلك وظنوا ان هذا من جنس اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ كما ثبت ذلك في الصحيح فنفى النبي ﷺ - ذلك وبين ان ذلك من ايات الله التي يخوف بها عباده والتخويف انما يكون بما يكون سببا للشر قال تعالى وما نرسل بالايت الا تخويفا فلو كان الكسوف وجوده كعدمه بالنسبة الى الحوادث لم يكن سببا لشر وهو خلاف نص الرسول وايضا في السير ان النبي ﷺ - نظر الى القمر وقال لعائشة يا عائشة تعوذي بالله من شر هذا فان هذا هو الغاسق اذا وقب والاستعاذة انما تكون مما يحدث عنه شر وامر ﷺ - عند انعقاد اسباب الشر بما يدفع موجبها بمشيئتة الله تعالى وقدرته من الصلوة والدعاء والذكر والاستغفار والتوبة والاحسان بالصدقة والعتاقة فان هذه الاعمال الصالحة تعارض الشر الذي انعقد سببه كما في الحديث ان الدعاء والبلاء ليلتقيان بين السماء والارض فيعتلجان وهذا كما لو جاء عدو فانه يدفع بالدعاء وفعل الخير وبالجهاد له واذا هجم البرد يدفع باتخاذ الدفء فكذلك الاعمال الصالحة والدعاء وهذا ما اتفق عليه الملل واساطين الفلاسفة حتى يذكر عن بطلميوس انه قال واعلم ان ضجيج الاصوات في هياكل العبادات بفنون اللغات يحلل ما عقدته الافلاك الدائرات وكسوف الشمس انما يكون وقت استسرار القمر اخر الشهر وخسوف القمر انما يكون ليالي الابدار الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر كما ان الهلال قد يكون ليلة الثلاثين او الحادي والثلاثين هذا الذي اجرى الله به عادته في حركات الشمس والقمر وما ذكره بعض الفقهاء من تقدير اجتماع الكسوف وصلوة العيد فهذا لم يقله احد من الصحابة ولا ذكره اكثر العلماء لا احمد ولا غيره ولكن ذكره طائفة من الفقهاء من اصحاب الشافعي واحمد وغيرهما تبعا لما ذكره الشافعي وانه رضي الله عنه لما تكلم فيما اذا اجتمع صلوتان كيف يصنع وذكر انه يقدم ما يفوت على ما لا يفوت ذكر من جملة التقدير صلوة العيد والكسوف طردا للقاعدة مع اعراضه عن كون ذلك يقع او لا يقع كما يقدر الفقهاء مسائل كثيرة لطرد القياس مع اعراضهم عن وقوع ذلك في الوجود بل يقدرون ما يعلمون انه لا يقع عادة كعشرين جدة وفروع الوصايا فجاء بعض الفقهاء فأخذ يكابر ويقول ان هذا قد يقع وذكروا عن الواقدي انه قال ابراهيم مات يوم العاشر وذلك اليوم كسفت الشمس وهذا كله باطل والواقدي ليس بحجة بالاجماع اذا اسند ما ينقله فكيف اذا كان مقطوعا وقول القائل انها كسفت يوم العاشر بمنزلة قوله طلع الهلال في عشرين من الشهر لكن هذه عادة ظاهرة يعرفها الناس كلهم وتلك عادة يعرفها من استقراها وعرف اسبابها ومجاري النيرين من الناس التكلم بلا علم في الشرعيات وفي العقليات وضرره فليس لاحد ان يتكلم بلا علم بل يحذر ممن يتكلم في الشرعيات بلا علم وفي العقليات بلا علم فان قوما ارادوا بزعمهم نصر الشرع بعقولهم الناقصة واقيستهم الفاسدة فكان ما فعلوه مما جرا الملحدين اعداء الدين عليه فلا للاسلام نصروا ولا لاعدائه كسروا واقوام يدعون انهم يعرفون العلوم العقلية وانها قد تخالف الشريعة وهم من اجهل الناس بالعقليات والشرعيات واكثر ما عندهم من العقليات امور قلدوا من قالها لو سئلوا عن دليل عقلي يدل عليها لعجزوا عن بيانه والجواب عما يعارضه ثم من العجائب انهم يتركون اتباع الرسل المعصومين الذين لا يقولون الا الحق ويعرضون عن تقليدهم ثم يقلدون في مخالفة ما جاءوا به من يعلمون هم انه ليس بمعصوم وانه قد يخطىء تارة ويصيب اخرى وهؤلاء عندهم امور معلومة من الحسابيات مثل وقت الكسوف والخسوف ومثل كرية الافلاك ووجود السحاب من البخاري ونحو ذلك من الامور الطبيعية والرياضية فيحتجون بها على من يظن انه من اهل الشرع فيسرع ذلك المنتسب الى الشرع برد ما يقولونه بجهله فيكون رد ما قالوه من الحق سببا لتنفيرهم عما جاء به الرسول من الحق بسبب مناظرة هذا الجاهل والله تعالى امرنا ان لا نكذب ولا نكذب بحق وانما مدح سبحانه من يصدق فيتكلم بعلم ويصدق ما يقال له من الحق قال تعالى ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب بالحق لما جاءه اليس في جهنم مثوى للكفرين العنكبوت والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون الزمر وهاتان صفتان لنوع واحد وهو من يجى بالصدق ويصدق بالحق اذا جاءه فهذا هو المحمود عند الله واما من كذب او كذب بما جاءه من الحق فذلك مذموم عند الله تعالى وكذلك قال تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم أي لا تقل ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا الاسراء وقال تعالى قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والائم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون (الأعراف) وقال تعالى ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا النجم ومثل هذا متعدد في كتاب الله تعالى حقيقة ملائكة الله تعالى وعقول الفلاسفة ثم ان حركات الافلاك وان كانت من جملة الاسباب فليس الحوادث كلها صادرة عن حركة الفلك بل فوق ذلك من مخلوقات الله امور اخر وملائكة الله الذين يدبر بهم امر السماء والارض وهم المدبرات امرا والمقسمات امرا التي اقسم الله بها في كتابه ليست هي الكواكب عند احد من سلف الامة وليست الملائكة هي العقول والنفوس التي تثبتها الفلاسفة المشاون اتباع ارسطو ونحوهم كما قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع وبين خطأ من يظن ذلك ويجمع بين ما قالوه وبين ما جاءت به الرسل ويقول ان قوله اول ما خلق الله العقل هو حجة لهم على العقل الاول ويسمونه القلم ليجعلوا ذلك مطابقا لقوله اول ما خلق الله القلم بسطنا الكلام على ذلك في نحو مجلد في الكلام على السبعينية وغيرها وذكرنا ان حديث العقل ضعيف باتفاق اهل المعرفة بالحديث كأبي حاتم بن حبان وابي جعفر العقيلي وابي الحسن الدار قطني وابي الفرج بن الجوزي وغيرهم بل هو موضوع عندهم ومع هذا فلفظه اول ما خلق الله العقل قال له اقبل فأقبل فقال له ادبر فأدبر فقال وعزتي ما خلقت خلقا اكرم على منك فبك اخذ ربك اعطى وبك الثواب وبك العقاب فان كان الحديث صحيحا فهو حجة عليهم لان معناه انه خاطب العقل في اول اوقات خلقه بهذا الخطاب وفيه انه لم يخلق خلقا اكرم عليه منه فهذا يدل على انه خلق قبله غيره وايضا فالعقل في لغة الرسول وأصحابه وامته عرض من الاعراض يكون مصدر عقل يعقل عقلا كما في قوله لعلهم يعقلون ولعلكم تعقلون ولهم قلوب لا يعقلون بها ونحو ذلك وقد يراد به الغريزة التي في الانسان قال احمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما ان العقل غريزة والعقل في لغة فلاسفة اليونان جوهر قائم بنفسه فأين هذا من هذا ولهذا قال في الحديث فبك اخذ وبك اعطى وبك الثواب وبك العقاب وهذا يقال في عقل بني ادم وهم يزعمون ان اول ما صدر عن رب العالمين جوهر قائم بنفسه وانه رب جميع العالم وان العقل العاشر هو رب كل ما تحت فلك القمر ومنه تنزلت الكتب على الانبياء وعندهم ان الله لا يعرف عين موسى ولا عيسى ولا محمد ولا غير ذلك من جزئيات هذا العالم فضلا عن علمه بتفاصيل ما جرى يوم بدر ويوم احد ويوم الاحزاب وغير ذلك من الاحوال التي يذكرها الله في القران ويخبر بما كان ويكون من الامور المعينة الجزئية ولهذا كان قولهم في النبوة انها مكتسبة وانها فيض يفيض على روح النبي اذا استعدت نفسه لذلك فمن راض نفسه حتى استعدت فاض ذلك عليه وان الملائكة هي ما يتخيل في نفسه من الخيالات النورانية وكلام الله هو ما يسمعه في نفسه من الاصوات بمنزلة ما يراه النائم في منامه ومن عرف ما اخبر الله به عن ملائكته جبريل وغيره في غير موضع علم ان هذا الذي قالوه اشد مخالفة لما جاءت به الرسل من اقوال الكفار المبدلين من اليهود والنصارى فان الله اخبر عن الملائكة لما جاءوا الى ابراهيم في صورة البشر اضيافا ثم ذهبوا الى لوط في غير موضع واخبر عن جبريل حين ذهب الى مريم وتمثل لها بشرا سويا ونفخ فيها وكان جبريل يأتي النبي ﷺ - في صورة دحية الكلبي غير مرة واتاه مرة في صورة اعرابي وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ان الحرث بن هشام قال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي قال يأتيني احيانا في مثل صلصلة الجرس وهو اشد على فيفصم عني وقد وعيت ما قال واحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعى ما يقول قالت عائشة لقد رايته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليتفصد عرقا وقد قال تعالى انه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم امين وما صاحبكم بمجنون ولقد راه بالافق المبين وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان رجيم التكوير واكثر القراء يقرءون بظنين يعني بمتهم وقد قرى بضنين أي ببخيل وزعم بعض المتفلسفة ان هذا هو العقل الفعال لانه دائم الفيض فيقال قد قال لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم والعقل الفعال لو قدر وجوده فلا تأثير له فيما ثم وانما تأثيره فيما تحت فلك القمر فكيف ولا حقيقة له بل ما يدعونه من المجردات والمفارقات غير النفس الناطقة ك العقول والنفوس انما وجودها في الاذهان لا في الاعيان كما بسط الكلام عليها في الصفدية وغيرها فان ما يقولونه من العقليات في الطبيعيات غالبه صحيح وكذلك في الحساب المجرد حساب العدد والمقدار الكم والكيف فان هذا كله صحيح وانما يغلط الانسان فيه من نفسه 11. ابن سينا والعبيديون الاسماعيلية واما الالهيات فكلام ارسطو واصحابه فيها قليل جدا ومع قلته فكثير منه بل اكثره خطأ ولكن ابن سينا اخذ ما ذكروه وضم اليه امورا اخر من اصول المتكلمين واخذ يقول ما ذكره على بعض الفاظ الشرع وكان هو واهل بيته من الملاحدة الباطنية اتباع الحاكم وعيرة من العبيديين الاسماعيلية وأولئك كانوا يستعملون التأويل الباطن في جميع امور الشريعة علميها وعمليها حتى تأولوا الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت لكن كانوا يأمرون بالشريعة لعوامهم فانهم كانوا يتظاهرون بالتشيع وكانت الرافضة الاثناعشرية تدعى ان الامامة بعد جعفر في ابنه موسى بن جعفر فادعى هؤلاء انها في ابنه إسمعيل بن جعفر وانتقلت الى ابنه محمد بن إسمعيل وادعوا ان ميمون القداح بن محمد هذا وسموا محمد هذا هو الامام المخفى وإنما كان ميمون هذا يعرف بالانتساب الى باهلة وقد ذكر غير واحد من اهل المعرفة أنه كان يهوديا وكان من أبناء المجوس كما ذكر ذلك القاضي ابو بكر ابن الطيب في كتاب كشف اسرارهم وهتك أستارهم وغيره من علماء المسلمين وأما قرامطة البحرين ابو سعيد بن الجنابى واصحابه فأولئك كانوا يتظاهرون بالكفر الصريح ولهذا قتلوا الحجاج والقوهم في بئر زمزم واخذوا الحجر الاسود وبقى عندهم مدة، بخلاف العبيديين فانهم كانوا يتظاهرون بالاسلام ويقولون إنهم شيعة فالظاهر عنهم الرفض لكن كان باطنهم الالحاد والزندقة كما قال ابو حامد الغزالي في كتاب المستظهري ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض وهذا الذي قاله ابو حامد فيهم هو متفق عليه بين علماء المسلمين وكانوا يأمرون عامتهم بالعبادات وهم على درجات مرتبة عندهم كلما ارتفع درجة عبروا الشريعة عنده فاذا انتهى اسقطوا عنه الشرع وكان ابن صباح من أتباعهم احنا عن المستنصر الذي جرى في ايامه فتنه البساسيرى وهو الذي احدث السكين واصحاب الالموت من اتباعه والذين كانوا بالشام كسنان ونحوه هم من اتباع اولئك وباطنهم مركب من مذهب المجوس والفلاسفة واخذوا عن المجوس الاصلين النور والظلمة واخذوا عن الفلاسفة العقل والنفس وعبروا هم عن ذلك بالسابق والتالي فلما دخل معهم المتفلسفة كابن سينا وأمثاله تبين لهم ان ما يدعونه على الرسول من التأويلات مما يعلم بطلان كثير منها بالضرورة والفيلسوف من حيث هو فيلسوف ليس له غرض فيما يعلم أنه باطل فسلكوا مسلكا بين مسلك هؤلاء الملاحدة وبين دين المسلمين فالشرائع الظاهرة أقروها ولم يتأولوها لكن قد يقولون إن بعضها يسقط عن الخاصة ودخل معهم في هذا طائفة من متصوفة الفلاسفة كابن عربي وابن سبعين وغيرهما وأما العلميات فتأولوا بعضها كاللوح قالوا هو النفس الكلية والقلم هو العقل الفعال وربما قالوا عن الكوكب والشمس والقمر التي رآها إبراهيم إنها النفس والعقل الفعال والعقل الاول وتأولوا الملئكة ونحو ذلك وأما صفات الرب ومعاد الابدان وغير ذلك فمذهب محققيهم كابن سينا وأمثاله أنها لا تتأول وأن ما دلت عليه ليس ثابتا في نفس الامر ولا يستفاد منها علم قالوا بل المراد منها خطاب الجمهور بما يخيل اليهم ما يعتقدونه في امر الايمان بالله واليوم الاخر لينتفعوا بذلك الاعتقاد وإن كان باطلا لا حقيقة له في نفس الامر فان هذا غايته ان الانبياء كذبوا لمصلحة الجمهور وهم يرون مثل ذلك من تمام حكمتهم وهم يعظمون شرائع الانبياء العملية وأما العلمية فعندهم العلم في ذلك بما يقوله الفلاسفة وأما الانبياء فلا يستفاد من جهتهم علم بذلك ثم منهم من يقول النبي أعظم من الفيلسوف فيقولون النبي كان في الباطن على مذهب هؤلاء الفلاسفة لكن خاصته التخييل وإن كان كذبا في الحقيقة لمصلحة الجمهور ومنهم من يقول بل الفيلسوف أعظم من النبى والنبي قد لا يكون عارفا في الباطن بما يجوز على الله وما لا يجوز وحقيقة الامر في المعاد لكن هو حاذق في وضع الشرائع العملية وكثير من ملاحدة المتصوفة كابن عربي وابن سبعين والقونوي والتلمساني وغيرهم يوافقونهم في أصولهم لكن يغيرون العبارات فيعبرون بالعبارات الاسلامية عما هو قولهم وفي الكتب المضنون بها على غير اهلها وغيرها من كتب مصنفيها قطعة من هذا وبسبب ذلك وقع ابن عربي وامثاله من ملاحدة المتصوفة مع هؤلاء ولهذا كثر كلام علماء المسلمين في مصنفيها ومن الناس من ينكر ان تكون من كلام ابي حامد لما رأى ما فيها من المصائب العظيمة وآخرون يقولون بل رجع عن ذلك وختم له بالاشتغال بالبخاري ومسلم كما قد ذكر ذلك في سيرته وهؤلاء المتفلسفة ومتصوفوهم كابن سبعين وأتباعه يجوزون ان يكون الرجل يهوديا او نصرانيا او مشركا يعبد الاوثان فليس الاسلام عندهم واجبا ولا التهود والتنصر والشرك محرما لكن قد يرجحون شريعة الاسلام على غيرها وإذا جاء المريد الى شيخ من شيوخهم وقال اريد ان اسلك على يديك يقول له على دين المسلمين أو اليهود أو النصارى فاذا قال له المريد اليهود والنصارى أما هم كفار يقول لا ولكن المسلمون خير منهم وهذا من جنس جهال التتر أول ما أسلموا فان الاسلام عندهم خير من غيره وإن كان غيره جائزا لا يوالون عليه ويعادون عليه وهذا أيضا اكثر اعتقاد علماء النصارى أو كثير من اليهود يرون دين المسلمين واليهود والنصارى بمنزلة المذاهب في دين المسليمن فيجوز للرجل عندهم ان ينتقل من هذه الملة الى تلك إما لرجحانها عنده في الدين وإما لمصلحة دنياه كما ينتقل الانسان من مذهب بعض ائمة المسلمين الى مذهب إمام آخر كما ينتقل من مذهب مالك إلى الشافعي ومن مذهب ابي حنيفة الى مذهب احمد ونحو ذلك أرسطو ومشركو اليونان واما ارسطو واصحابه فكانوا مشركين يعبدون الاصنام والكواكب وهكذا كان دين اليونان والروم قبل ظهور دين المسيح فيهم وكان ارسطو قبل المسيح بنحو ثلثمائة سنة وكان وزير الاسكندر بن فيلبس المقدوني الذي تؤرخ له اليهود والنصارى التأريخ الرومي وكان قد ذهب الى ارض الفرس واستولى عليها وطائفة من الناس تظن انه كان وزير الاسكندر ذي القرنين المذكور في القران وهذا جهل فان ذا القرنين كان مقدما على ارسطو بمدة عظيمة وكان مسلما يعبد الله وحده لم يكن مشركا بخلاف المقدوني وذو القرنين بلغ اقصى المشرق والمغرب وبنى سد يأجوج ومأجوج كما ذكر الله في كتابه والمقدوني لم يصل لا الى هذا ولا الى هذا ولا وصل الى السد واخر ملوكهم كان بطلميوس صاحب المجسطي وبعده صاروا نصارى وكانت اليونان والروم مشركين كما ذكر يعبدون الشمس والقمر والكواكب ويبنون لها هياكل في الارض ويصورون لها اصناما يجعلون لها طلاسم من جنس شرك النمرود بن كنعان وقومه الذين بعث اليهم ابراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه وبقايا هذا الشرك في بلاد الشرق في بلاد الخطا والترك يصنعون الاصنام على صورة النمرود ويكون الصنم كبيرا جدا ويعلقون السبح في اعناقهم ويسبحون باسم النمرود ويشتمون ابراهيم الخليل وكان من النفر القادمين الى دمشق سنة تسع وتسعين وستمائة بعض هؤلاء وهو يجمع بين أن يصلي الصلوات الخمس وبين ان يسبح باسم نمرود وهذا ايضا مذهب كثير من هؤلاء المتفلسفة وعلمائهم وعبادهم يصلون الصلوات الخمس ويعبدون الشمس والقمر او غيرهما من الكواكب ومن هؤلاء طوائف موجودون في الشام ومصر والعراق وغير ذلك وسبب ذلك انه يحصل لهم احيانا من جنس ما يظهر للمشركين الذين كانو يعبدون الكواكب والاصنام فأنه كانت من الشياطين تدخل في الصنم وتكلم عابديه فتخبرهم بأمور مكاشفة لهم وتأمرهم بأمور يطلبون منهم قضاء حوائجهم قال الله تعالى ان يدعون من دونه الا انثا وان يدعون الا شيطنا مريدا قال ابن عباس كان في كل صنم شيطان يترااى للسدنة فيكلمهم وقال ابي بن كعب مع كل صنم جنية ولهذا لما ارسل النبي ﷺ - خالد بن الوليد الى العزى وكانت العزى عند عرفات خرجت منها عجوز ناشرة شعرها وقال النبي ﷺ - هذه شيطانة العزى وقد يئست العزى ان تعبد بأرض العرب وكان خالد يقول يا عزى كفرانك لا سبحانك اني رايت الله قد اهانك وأما اللات فكانت عند الطائف ومناة الثالثة الاخرى كانت حذو قديد بالساحل فان المدائن التي للمشركين بأرض الحجاز كانت ثالاثة مكة والمدينة والطائف وكان لكل أهل مدينة طاغوت من هذه الثلاثة ولهذا خصصها سبحانه بالذكر في قوله آفرءيتم اللت والعزى ومنوة الثالثة الاخرى آلكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزى أي قسمة جائرة أن هي الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطن النجم فانهم كانوا يجعلون لله أولادا إناثا وشركاء إناثا فقال الكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزى اصل الشرك من تعظيم القبور وعبادة الكواكب والشرك في بني آدم أكثره عن أصلين أولهما تعظيم قبور الصالحين وتصوير تماثيلهم للتبرك بها وهذا اول الاسباب التي بها ابتدع الادميون الشرك وهو شرك قوم نوح قال ابن عباس كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ - ان نوحا اول رسول بعث الى اهل الارض ولهذا لم يذكر الله في القرآن قبله رسولا فان الشرك إنما ظهر في زمانه وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس وذكره اهل التفسير والسير من غير واحد من السلف في قوله تعالى وقالوا لا تذرن الهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا نوح أن هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم وأن هذه الاصنام صارت الى العرب وذكر ابن عباس قبائل العرب التي كانت فيهم مثل هذه الاصنام والسبب الثاني عبادة الكواكب فكانوا يصنعون للاصنام طلاسم للكواكب ويتحرون الوقت المناسب لصنعة ذلك الطلسم ويصنعونه من مادة تناسب ما يرونه من طبيعة ذلك الكوكب ويتكلمون عليها بالشرك والكفر فتأتى الشياطين فتكلمهم وتقضى بعض حوائجهم ويسمونها روحانية الكواكب وهي الشيطان او الشيطانة التي تضلهم والكتاب الذي صنفه بعض الناس وسماه السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم فان هذا كان شرك الكلدانيين والكشدانيين وهم الذين بعث إليهم الخليل صلوات الله عليه وهذا أعظم انواع السحر ولهذا قال النبي ﷺ - في الحديث الذي رواه ابو داود وغيره من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ولهذا صنف تنكلوشاه البابلي كتابه في درجات الفلك وكذلك شرك الهند وسحرهم من هذا مثل كتاب طمطم الهندي وكذلك ابو معشر البلغي له كتاب سماه مصحف القمر وكذلك ثابت بن قرة الحراني صاحب الزيج حران دار الصابئة فان حران كانت دار هؤلاء الصابئة وفيها ولد إبراهيم أو انتقل اليها من العراق على اختلاف القولين وكان بها هيكل العلة الاولى هيكل العقل الاول هيكل النفس الكلية هيكل زحل هيكل المشتري هيكل المريخ هيكل الشمس وكذلك الزهرة وعطارد والقمر وكان هذا دينهم قبل ظهور النصرانيه فيهم ثم ظهرت النصرانيه فيهم مع بقاء أولئك الصابئة المشركين حتى جاء الاسلام ولم يزل بها الصابئة والفلاسفة في دولة الاسلام الى آخر وقت ومنهم الصابئة الذين كانوا ببغداد وغيرها أطباء وكتابا وبعضهم لم يسلم ولما قدم الفارابي حران في اثناء المائة الرابعة دخل عليهم وتعلم منهم وأخذ عنهم ما أخذ من المتفلسفة وكان ثابت بن قرة قد شرح كلام ارسطو في الالهيات وقد رايته وبينت بعض ما فيه من الفساد فان فيه ضلالا كثيرا وكذلك كان دين اهل دمشق وغيرها قبل ظهور دين النصرانية وكانوا يصلون الىالقطب الشمالي ولهذا توجد في دمشق مساجد قديمة فيها قبله الى القطب الشمالي وتحت جامع دمشق معبد كبيرله قبلة الى القطب الشمالي كان لهؤلاء فان الصابئة نوعان صابئة حنفاء موحدون وصابئة مشركون فالاولون هم الذين اثنى الله عليهم بقوله تعالى ان الذين أمنوا والذين هادوا والنصرى والصبئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (البقرة) فأثنى على من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا من هذه الملل الاربع المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين فهؤلاء كانوا يدينون بالتوراة قبل النسخ و التبديل و كذلك الذين دانوا بالانجيل قبل النسخ و التبديل و الصابئون الذين كانوا قبل هؤلاء كالمتبعين لملة ابراهيم امام الحنفاء صلى الله عليه وصلى الله على محمد وعلى ال محمد كما صلى على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انه حميد مجيد قبل نزول التوراة والانجيل وهذا بخلاف المجوس والمشركين فأنه ليس فيهم مؤمن فلهذا قال الله تعالى ان الذين امنوا والذين هادوا الصابئين والنصرى والمجوس والذين اشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد فذكر الملل الست هؤلاء واخبرانه يفصل بينهم يوم القيمة لم يذكر في الست من كان مؤمنا انما ذكر ذلك في الاربعة فقط ثم ان الصابئين ابتدعوا الشرك فصاروا مشركين والفلاسفة المشركون من هؤلاء المشركين اما قدماء الفلاسفة الذين كانوا يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئا ويؤمنون بأن الله محدث لهذا العالم ويقرون بمعاد الابدان فأولئك من الصابئة الحنفاء الذين اثنى الله عليهم ثم المشركون من الصابئة كانوا يقرون بحدوث هذا العالم كما كان المشركون من العرب تقر بحدوثه وكذلك المشركون من الهند وقد ذكر اهل المقالات ان اول من ظهر عنه القول بقدمه من هؤلاء الفلاسفة المشركين هم ارسطو قسطنطين اول ملك اظهر دين النصارى وكان دين المسيح لما دخل فيه طائفة من أهل حران وفيهم هيلانة الحرانية الفندقانية فهولها ملك الروم أبو قسطنطين فتزوجها فولدت له قسطنطين فنصرت ابنها قسطنطين وهو الذي اظهر دين النصارى وبنى القسطنطينية وفي زمنه ابتدع النصارى هذه الامانة التي اتفقت عليها طوائفهم اليوم فانه اتفق عليها ثلثمائة وبضعة عشرة من علمائهم وعبادهم قالوا وهو الذي ابتدع الصلوة الى الشرق وإلا فلم يصل قط أحد من انبيائهم وأتباعهم الى الشرق ولم يشرع الله مكانا يصلى اليه إلا الكعبة والانبياء الخليل ومن قبله إنما كانوا يصلون الى الكعبة وموسى ﷺ - لم يكن يصلى الى بيت المقدس بل قالوا إنه كان ينصب قبة العهد الى العرب ويصلى إليها في التيه فلما فتح يوشع بيت المقدس بعد موت موسى نصب القبة على الصخرة فكانوا يصلون اليها فلما خرب بيت المقدس وذهبت القبة صارت اليهود يصلون الى الصخرة لانه موضع القبة والسامرة يصلون الى جبل هناك قالوا لانه كان عليه التابوت ولما رأى علماء النصارى وعبادهم أن الروم واليونان مشركون واستصعبوا نقلهم الى التوحيد المحض وضعوا لهم دينا مركبا من دين الانبياء ودين المشركين فكان اولئك اليونان والروم يتخذون الاصنام المجسدة التي لها ظل فاتخذ النصارى الصور المرقومة في الحيطان والسقوف التي لا ظل لها وكان أولئك يسجدون للشمس والقمر فصارت النصارى يسجدون اليها وجعلوا السجود اليها بدلا من السجود لها فضل محمد ﷺ - إمام التوحيد وأمته على من تقدم ولهذا لما بعث الله خاتم المرسلين وافضل النبيين محمدا ﷺ - إمام التوحيد الذي بعث الله به الرسل قبلة وأظهره وخلصه من شوائب الشرك فظهر التوحيد بسببه ظهورا فضله الله به وفضل به امته على سائر من تقدم الانبياء كلهم كانوا مسلمين فان الانبياء جميعهم وأممهم كانوا مسلمين مؤمنين موحدين لم يكن قط دين يقبله الله غير الاسلام وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى وسئل من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن الهة يعبدون الزخرف وقال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون الانبياء وقال تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت (النحل) وفي الصحيحين عن النبي ﷺ - انه قال انا معشر الانبياء ديننا واحد وإن أولى الناس بابن مريم لأنا إنه ليس بيني وبينه نبي وقد أخبر الله في القرآن عن جميع الانبياء وأممهم من نوح الى الحواريين أنهم كانوا مسلمين مؤمنين كما قد بسط في موضع آخر وقد قال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه الشورى فأمر الرسل أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه وهؤلاء الخمسة هم أولوا العزم وذكرهم الله في آيتين من كتابه هذه السورة وفي قوله واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم واخذنا منهم ميثاقا غليظا الاحزاب وقال تعالى يايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا انى بما تعملون عليم وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون فتقطعوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون المؤمنون وقال تعالى فاقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون منيبين اليه واتقوه واقيموا الصلوة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون الروم وقال تعالى كان الناس امة واحدة فاختلفوا كما قال في يونس فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم (البقرة) فالمرسلون صلوات الله عليهم أجمعين أولهم وأخرهم بعثوا بدين الاسلام وهو عبادة الله وحدة لا شريك له يعبد في كل وقت بما امر ان يعبد به في ذلك الوقت فالصلوة الى بيت المقدس كان لما امر الله به من دين الاسلام ثم لما نهى عنه وأمر بالصلوة الى الكعبة صارت الصلوة الى الكعبة من دين الاسلام دون الصلوة الى الصخرة فتنوع شرائع الانبياء كتنوع الشريعة الواحدة ولهذا قال تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا المائدة فالشرعة الشريعة والمنهاج الطريق والسبيل فالشرعة كالباب الذي يدخل منه والمنهاج كالطريق الذي يسلك فيه والمقصود هو حقيقة الدين بان يعبد الله وحده لا شريك له وهذه الحقيقة الدينية التي اتفق عليها الرسل هي دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره والشرك الذي حرمه على السن رسله ان يعبد مع الله غيره ومن لم يعبد الله اصلا كفرعون ونحوه ممن قال الله فيهم ان الذي يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين المؤمن فهولاء معطلة وهم شر الكفار ومع هذا يكون لهم ما يعبدونه دون الله كما قال تعالى في قوم فرعون ويذرك والهتك (الأعراف) فقال غير واحد من السلف كان له آلهة يعبدها، ومن عبد مع الله إلها آخر فهو مشرك الشرك الاكبر الذي لا يغفره الله وإن كان مع ذلك يعتقد ان الله وحده خالق العالم وهذا كان شرك العرب كما أخبر الله عنهم في غير موضع من القرآن انهم كانوا يقولون إن الله خلق العالم ولكن كانوا يتخذون الالهة شفعاء يشفعون لهم يتقربون بهم الى الله كما قال تعالى لئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله الزمر ولقمان وقال تعالى ويعبدن من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل اتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الارض يونس وقال تعالى والدين اتخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى الزمر وبسط هذا له موضع آخر والمقصود هنا ان الحوادث كان لها أسباب وإن كانت حركات الفلك من جملة الاسباب فصل القياس مع صحته لا يستفاد به علم بالموجودات فصورة القياس لا يدفع صحتها لكن يبين أنه لا يستفاد به علم بالموجودات كما أن اشتراطهم للمقدمتين دون الزيادة والنقص شرط باطل فهو وإن حصل به يقين فلا يستفاد بخصوصه نفس مطلوب شئ من الموجودات بل ما يحصل به قد يحصل بدونه وقد يحصل بدونه ما لا يحصل به فنقول إن صورة القياس إذا كانت مواده معلومة فلا ريب أنه يفيد اليقين وإذا قيل كل أ ب وكل ب ج وكانت المقدمتان معلومتين فلا ريب ان هذا التأليف يفيد العلم بأن كل أ ج وهذا لا نزاع فيه فصورة القياس لا يتكلم على صحتها فان ذلك ظاهر سواء في ذلك الاقترانى المؤلف من الحمليات الذي هو قياس التداخل والاستثنائي المؤلف من الشرطيات المتصلة الذي هو التلازم والتقسيم وكذلك ما ذكروه من أن الشكل الاول من الاقتران يفيد المطالب الاربعة النتائج الاربعة الموجبة والسالبة والجزئية والكلية وان الثاني يفيد السالبة الكلية والجزئية وأن الثالث يفيد الجزئية سالبة كانت أو موجبة وفي التلازم استثناء عين المقدم ينتج عين التالي واستثناء نقيض التالي ينتج نقيض المقدم وهو قول نظار المسلمين وجود الملزوم يقتضي وجود اللازم وانتفاء اللازم يقتضى انتفاء الملزوم بل هذا مع اختصاره فانه يشمل جميع أنواع الادلة سواء سميت براهين او اقيسة او غير ذلك فان كل ما يستدل به على غيره فانه مستلزم له فيلزم من تحقق الملزوم الذي هو الدليل تحقق اللازم الذي هو المطلوب المدلول عليه ويلزم من انتفاء اللازم الذي هو المدلول عليه انتفاء الملزوم الذي هو الدليل ولهذا كان من عرف ان المدعى باطل علم انه لا يقوم عليه دليل صحيح فانه يمتنع ان يقوم على الباطل دليل صحيح ومن عرف ان الدليل صحيح علم ان لازمه الذي هو المطلوب حق فانه يجب إذا كان الدليل حقا ان يكون المطلوب المدلول عليه حقا وإن تنوعت صور الادلة ومقدماتها وترتيبها ولهذا كان الدليل الذي يصور بصورة القياس الاقترانى يصور ايضا بصورة الاستثنائي ويصور بصورة اخرى غيرما ذكروه من الالفاظ وترتيبها والمقصود هنا الكلام على ما ذكروه كما ذكرنا الكلام على الشرطي المتصل والتقسيم قد يكون مانعا من الجمع والخلو كما يقال العدد إما شفع وإما وتر وهما في معنى النقيضين الذين لا يجتمعان ولا يرتفعان فقد يكون مانعا من الجمع دون الخلو كالضدين الذين لا يجتمعان وقد يرتفعان كما يقال هذا إما أسود وإما أحمر وقد يخلو منهما وقد يكون مانعا من الخلو دون الجمع كعدم المشروط ووجود الشرط والمراد بالشرط هنا ما يلزم من عدمه عدم الحكم سواء عرف ذلك بالشرع او بالعقل مثل كون الطهارة شرطا في الصلوة والحيوة شرطا في العلم ليس المراد ما يسميه النحاة شرطا كالجملة الشرطية المعلقة بإن واخواتها فان هذا في المعنى سبب لوجود الجزاء ولفظ الشرط يقال على هذا وهذا بالاشتراك ومن جعل لفظ الشرط ينقسم الى الثلاثة فقد غلط فانه قد يجتمع عدم المشروط ووجود الشرط إذ وجود الشرط لا يستلزم وجود المشروط ولكن لا يرتفعان جميعا فلا يرتفع وجود الشرط وعدم المشروط لانه حينئذ يعدم الشرط ويوجد المشروط وهذا لا يكون كما إذا قيل هذا غرق بغير ماء او صحت صلوته بغير وضوء او وجب رجمه بغير زناء فيقال هذا إما أن يكون في ماء وإما أن لا يغرق وإما أن يكون متطهرا وإما ان لا تصح صلوته وإما ان يكون زانيا وإما أن لا يجوز رجمه وكذلك لو قيل ليس في الوجود واجب ولا ممكن ولا قديم ولا محدث فقيل لا بد في الوجود من واجب او ممكن او قديم او محدث فهذان لا يجتمعان ولا يرتفعان وكذلك إذا قيل الوجود إما قائم بنفسه ك الجسم وإما قائم بغيره ك العرض فهذان لا يرتفعان وقد يجتمعان فكل ما لا يخلو الوجود عنهما مع إمكان اجتماعهما او لا يخلو بعض الانواع عنهما مع إمكان اجتماعهما فهو من هذا الباب كما إذا قيل الوارث بطريق الاصالة إما أن يرث بفرض وإما ان يرث بتعصيب وقد يجتمع في الشخص الواحد ان يكون ذا فرض وعصبة كالزوج إذا كان ابن عم او معتقا فالشرطى المتصل هو من التلازم والمنفصل هو في الثاني كما في الضدين والنقيضين وهذه الصورة صورة التقسيم الذي هو الشرطي المنفصل هي أيضا تعود الى اللزوم فانه يلزم من وجود احد الضدين عدم الاخر ومن عدمه وجوده وهذه مانعة الجمع والخلو فهذه الاشكال وإن تكثرت فجميعها يعود الى ان الدليل يستلزم المدلول ويمكن تصوير ذلك بصور متعددة مما ذكروه ومما لم يذكروه فهم يقولون البرهان ينحصر في الاقترانى والاستثنائى فان الاقترانى ينحصر في أربعة اشكال والاستثناي ينحصر في الشرطى المتصل والشرطى المنفصل فيعود الى ستة أشكال وجمهورهم لا يذكرون الشكل الرابع من الاقترانيات لبعده عن الطبع وحصروها في أربعة بناء على حصرهم الدليل في مقدمتين تشتركان في حد أوسط ثم الاوسط إن كان محمولا في الصغرى موضوعا في الكبرى فهو الشكل الاول المنتج للمطالب الاربعة وإن كان موضوعا فيهما فهو الثاني المنتج للسلبيات وإن كان محمولا فيهما فهو الثالث المنتج للايجابيات وإن كان محمولا في الكبرى موضوعا في الصغرى عكس الاول فهو الرابع وهو أبعدها عن الطبع وأكثرهم لا يذكونه فيجعلون الاشكال خمسة هذه الثلاثة مع الاستثنائي الشرطى المتصل والشرطى المنفصل فهذه الاشكال إذا قدر إفادتها فهى صورة من صور الادلة لا ينحصر تصوير الادلة في هذه الاشكال كما لا ينحصر تصوير الدليل في مقدمتين بل هذا الحصر خطأ في النفي والاثبات فقد يكون الدليل مقدمة وقد يكون مقدمات وهذه الاشكال تكثر تصوير الدليل على أشكال اخر غير هذه فللا تنحصر في خمسة أو سته وقد يؤتى بالدليل بدون هذه الاشكال جميعها وبدون المقدمتين إذا كان مقدمة واحدة وإذا قالوا إن جميع ما يذكر من الادلة يرجع الى هذه الاشكال قيل لهم بل جميع الادلة يرجع الى ان الدليل مستلزم للمدلول وحينئذ فاما أن يكون الاعتبار بما ذكروه من صور الاشكال ولفظها أو بما ذكروه من المعنى فان كانت العبرة بالصورة لم يكن تخصيص صورة الدليل بخمسة أو ستة صوابا كما لم يكن تخصيصه بمقدمتين صوابا إذ كان يمكن تصويره بصور كثيرة متنوعة ليس فيها لفظ شرط لا متصل ولا منفصل ولا هو على صورة القياس الحملى كما ذكروه وإن كانت العبرة بالمعنى كان ذلك أدل عل فساد ما ذكروه فان المعنى هو ان يكون ما يستدل به مستلزما لما يستدل به عليه سواء كان مقدمة او مقدمتان او اكثر وسواء كان على الشكل والترتيب الذي ذكروه او غيره والصواب في هذا الباب ان يقال ما ذكروه إذا كان صوابا فانه تطويل للطريق وتبعيد للمطلوب وعكس للمقصود فانهم زعموا انهم جعلوه آلة قانونية تمنع الذهن أن يزل في فكره وما ذكروه إذا كلفوا الناظر المستدل ان يلزمه في تصوراته وتصديقاته كان اقرب الى زلله في فكره وضلاله عن مطلوبه كما هو الواقع فلا تجد أحدا التزم وضع هؤلاء واصطلاحهم إلا كان أكثر خطأ واقل صوابا ممن لم يلتزم وضعهم وسلك الى المطلوب بفطرة الله التي فطر عباده عليها ولهذا لا يوجد أحد ممن حقق علما من العلوم كان ملتزما لوضعه ولهذا يقال كثرة هذه الأشكال وشروط نتاجها تطويل قليل الفائدة كثير التعب فهو لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقل فانه متى كانت المادة صحيحة أمكن تصويرها بالشكل الأول الفطري فبقية الأشكال لا يحتاج إليها وإنما تفيد بالرد إلى الشكل الأول إما بابطال النقيض الذي يتضمنه قياس الخلف وإما بالعكس المستوي أو عكس النقيض فان ثبوت أحد المتناقضين يستلزم نفي الآخر إداء روعي التناقض من كل وجه فهم يستدلون بصحة القضية على بطلان نقيضها وعلى ثبوت عكسها المستوي وعكس نقيضها بل تصور الذهن بصورة الدليل يشبه حساب الانسان لما معه من الرقيق والعقار والفطرة تصور القياس الصحيح من غير تعليم والناس بفطرهم يتكلمون بالأنواع الثلاثة التداخل والتلازم والتقسيم كما يتكلمون بالحساب ونحوه والمنطقيون قد يسلمون ذلك، ويقولون إن المقدمتين لا بد منها لا أكثر ولا اقل ويقولون اكثر الناس يحذفون احدى المقدمتين لظهورها اختصارا ويسمون هذا قياس الضمير وإن احتجاج المطلوب إلى مقدمات جعلوا القياس معنى أقيسة متعددة بناء على قولهم إنه لابد في القياس من مقدمتين ويسمونه القياس المركب ويقسمونه الى موصول وهو ما لا يذكر فيه إلا نتيجة واحدة والى مفصول وهو ما يذكر فيه عقب كل مقدمتين نتيجة فالاول كقولك هذا نبيذ وكل نبيذ مسكر وكل مسكر خمر وكل خمر حرام فهذا حرام والثاني كقولك هذا نبيذ وكل نبيذ مسكر فهذا مسكر ثم تقول وكل مسكر خمر وكل خمر حرام فكل مسكر حرام ثم تقول هذا مسكر وكل مسكر حرام فهذا حرام وهذا كله مما غلطوا فيه والصواب الذي عليه جماهير النظار من المسلمين وغيرهم أن الدليل قد يتوقف على مقدمة تارة وقد يتوقف على مقدمتين تارة وعلى ثلاث تارة وعلى أكثر من تلك فما كان من المقدمات معلوما لم يحتج ان يستدل عليه وإنما يستدل على المجهول والمطلوب المجهول يعلم بدليله ودليله ما استلزمه وكل ملزوم فانه يصح الاستدلال به على لازمه وحينئذ فاذا كان المطلوب ملزوم يعلم لزومه له استدل عليه به وكفى ذلك وإن لم يكن المستدل يعلم إلا ملزوم ملزومه احتاج الى مقدمتين وإن لم يعلم إلا ملزوم ملزوم ملزومه احتجاج الى ثلاث وهلم جرا بيان ان حصول العلم لا يتوقف على القياس المنطقي وإذا كان كذلك فنقول لا ننكر أن القياس يحصل به علم إذا كانت مواده يقينية لكن نحن نبين ان العلم الحاصل به لا يحتاج فيه الى القياس المنطقي بل يحصل بدون ذلك فلا يكون شئ من العلم متوقفا على هذا القياس ونبين ان المواد اليقينية التي ذكروها لا يحصل بها علم بالامور الموجودة فلا يحصل بها مقصود تزكو به النفوس بل ولا علم بالحقائق الموجودة في الخارج على ما هي عليه إلا من جنس ما يحصل ب قياس التمثيل فلا يمكن قط ان يحصل بالقياس الشمولى المنطقي الذي يسمونه البرهاني علم إلا وذلك يحصل ب قياس التمثيل الذي يستضعفونه فان ذلك القياس لا بد فيه من قضية كلية والعلم بكون الكلية كلية لا يمكن الجزم به إلا مع الجزم بتماثل أفراده في القدر المشترك وهذا يحصل ب قياس التمثيل وكلا القياسين ينتفع به إذا تلقت بعض مقدماته الكلية عن خبر المعصوم إذا استعملت في الالهيات بطريق الاولى كما جاء به القران واما بدون هذين فلا ينفع في الالهيات ولا ينفع ايضا في الطبيعيات منفعة علمية برهانية وإنما يفيد قضايا عادية قد تنحرف فتكون من باب الاغلب وأما الرياضي المجرد عن المادة كالحساب والهندسة فهذا حق في نفسه لكن ليس له معلوم في الخارج وإنما هو تقدير عدد ومقدار في النفس لكن ذلك يطابق أي معدود ومقدر واقعه في الخارج والبرهان لا يقوم إلا على ما في النفس لا يقوم على ما في الخارج واكثر ما تعبوا في الهندسة ليتوصلوا بذلك الى علم الهيئة كصفة الافلاك والكواكب ومقادير ذلك وحركاته وهذا بعضه معلوم بالبرهان وأكثره غير معلوم بالبرهان وبينهم فيه من الاختلاف ما يطول وصفه فصار المعلوم ببراهينهم من الرياضي وغيره امر لا تزكو به النفوس ولا يعلم به الامور الموجودة إلا كما يعلم ب قياس الثمثيل وهذا يظهر بالكلام في مادة القياس فنقول هم لا ريب عندهم انه لا بد في كل قياس من قضية كلية ولا قياس في جميع الاشكال لا عن سالبتين ولا عن جزئيتين ولا عن صغرى سالبة مع كبرى جزئية لكن قد يكون عن صغرى جزئية مع كبرى سالبة كلية والمقصود انه لا بد في القياس في جميع صوره من قضية كلية وفي أكثر القياس لا بد من موجبة كلية بل النتيجة الكلية لا تكون إلا عن موجبة كلية والسالبة الكلية لا تفيد حكما كليا إلا مع موجبه كلية بيان أصناف اليقينيات عندهم التي ليس فيها قضية كلية فاذا كان لا بد في كل قياس من قضية كلية فنقول المواد اليقينيات قد حصروها في الاصناف المعروفة عندهم أحدها الحسيات ومعلوم ان الحس لا يدرك امرا كليا عاما أصلا فليس في الحسيات المجردة قضية كلية عامة تصلح ان تكون مقدمة في البرهان اليقيني وإذا مثلوا ذلك ب ان النار تحرق ونحو ذلك لم يكن لهم علم بعموم هذه القضية وإنما معهم التجربة والعادة التي هي من جنس قياس التمثيل لما يعلمونه من الحكم الكلى لا فرق بينه وبين قياس الشمول وقياس التمثيل وإن علم ذلك بواسطة اشتمال النار على قوة محرقة فالعلم بأن كل نار لا بد فيها من هذه القوة هو ايضا حكم كلى وإن قيل إن الصورة النارية لا بد ان تشتمل على هذه القوة وأن ما لا قوة فيه ليس بنار فهذا الكلام إذا قيل إنه صحيح قيل إنه لا يفيد الجزم بأن كل ما فيه هذه القوة تحرق كل ما لاقاه وإن كان هو الغالب فهذا يشترك فيه قياس والتمثيل والشمول والعادة والاستقراء الناقص ومعلوم ان كل من قال إن كل نار تحرق كل ما لاقته فقد أخطأ فانه لا بد من كون المحل قابلا للاحراق إذ قد علم انها لا تحرق كل شئ كما لا تحرق السمندل والياقوت وكما لا تحرق الاجسام المطلية بأمور مصبوغة وأما خرق العادة فمقام آخر ولا أعلم في القضايا الحسية كلية لا يمكن نقضها مع ان القضية الكلية ليست حسية وإنما القضية الحسية ان هذه النار تحرق فان الحس لا يدرك إلا شيئا خاصا وأما الحكم العقلي فيقولون إن النفس عند رؤيتها هذه المعينات تستعد لان تفيض عليها قضية كلي بالعموم ومعلوم ان هذا من جنس قياس التمثيل ولا يوثق بعمومه إن لم يعلم أن الحكم العام لازم للقدر للمشترك وهذا إذا علم علم في جميع المعينات فلم يكن العلم بالمعينات موقوفا على هذا، مع انه ليس من القضايا العاديات قضية كلية لا يمكن نقضها باتفاق العقلاء بل والفلاسفة يجوزون خرق العادات لكن يذكرون أن لها أسبابا فلكية او قوى نفسانية أو أسبابا طبيعية فهذه الثلاثة هي أسباب خرق العادات عندهم والى ذلك ينسبون معجزات الانبياء وكرامات الاولياء والسحر وغير ذلك وقد بسطنا الكلام على ذلك في مسئلة معجزات الانبياء هل هي قوى نفسانية ام لا وبينا فساد قولهم هذا حتى عند جماهير أساطين الفلاسفة بالادلة الصحيحة بما ليس هذا موضعه وهي المعروفة ب مسئلة الصفدية والثاني الوجديات الباطنة كادراك كل احد جوعه وعطشه وحبه وبغضه وألمه ولذته وهذه كلها جزئيات وإنما يعلم الانسان حال غيره والقضية الكلية ب قياس التمثيل بل هذه لا يشترك الناس في إدراك كل جزئي منها كما قد يشتركون في إدراك بعض الحسيات المنفصلة كالشمس والقمر ففيها من الخصوص في المدرك والمدرك ما ليس في الحسيات المنفصلة وإن اشتركوا في نوعها فهى تشبه العاديات زعمهم تساوي النفوس سبب ضلالهم في معرفة النبوات ولم يقيموا حجة على وجوب تساوي النفوس في هذه الاحوال بل ولا على النفس الناطقة أنها مستوية الافراد وهذا من أسباب ضلالهم في معرفة النبوات فانهم عرفوا كثيرا من الاحكام التي تشترك فيها النفوس عادة وإن جاز أنخرامها ثم بلغهم أمور أخرى خارجة عن قياسهم فأرادوا إجراء تلك على ذلك القياس فرأوا ان لبعض النفوس قوة حدسية وانه قد يكون لها تأثير في بعض الامور وقد يتخيل اليها ما تعلمه كما يتخيل الى النائم ما يراه فظنوا ان جميع ما يحصل للنفوس من الوحي ونزول الملائكة وسمع كلام الله هو من هذا الباب وجعلوا خاصة النبوة هي هذه الثلاث فمن وجدت فيه كان نبيا وقالوا النبوة مكتسبة وصار فضلاؤهم تتعرض لان يصيروا انبياء كما جرى للسهرودي المقتول ولابن سبعين وغيرهم وابن عربي لما علم انه لا يمكن دعوى النبوة ادعى ختم الولاية وادعى ان خاتم الاولياء اكمل في العلم بالله من خاتم الانبياء وانه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به الى النبي وكان سبب هذا اعتقاد قول هؤلاء المتفلسفة الملاحدة ان النبي يأخذ عن جبريل الذي هو خيال في نفسه وذلك الخيال يأخذ عن العقل قال فالنبي يأخذ عن هذا الخيال وانا اخذ عن العقل الذي يأخذ منه الخيال وضموا هذا الى ان جميع الحوادث انما تحدث عن حركة الفلك وهو من افسد اصولهم التي ضلوا بها والثالث المجريات وهي كلها جزئية فان التجربة انما تقع على امور معينة وكذلك المتواترات فان المتواترات انما هو ما علم بالحس من مسموع او مرئي فالمسموع قول معين والمرئي جسم معين او لون معين او عمل معين او امر ما معين واما الحدسيات ان جعلت يقينية فهي نظير المجريات اذا الفرق بينهما لا يعود الى العموم والخصوص وانما يعود الى ان المجريات تتعلق بما هو من افعال المجربين والحدسيات تكون عن افعالهم وبعض الناس يسمى الكل تجربيات لا تستعمل القضايا الكلية في شيء من الموجودات فلم يبق معهم الا الاوليات التي هي البديهيات العقلية والاوليات الكلية انما هي قضايا مطلقة في الاعداد والمقادير ونحوها مثل قولهم الواحد نصف الاثنين والاشياء المساوية لشيء واحد متساوية ونحو ذلك وهذه مقدرات في الذهن ليست في الخارج كلية فقد تبين ان القضايا الكلية البرهانية التي يجب القطع بكليتها التي يستعملونها في قياسهم لا تستعمل في شيء من الامور الموجودة المعينة وانما تستعمل في مقدرات ذهنية فاذا لا يمكنهم معرفة الامور الموجودة المعينة بالقياس البرهاني وهذا هو المطلوب لا دليل لهم على حصر اقسام الوجود في المقولات العشر ولهذا لم يكن لهم علم بحصر اقسام الوجود بل أرسطو لما حصر أجناس الموجودات من المقولات العشر الجوهر والكم والكيف والاين ومتى والوضع وأن يفعل وان ينفعل والملك وقد مجعها بعضهم في بيتين فقال زيد الطويل الاسود ابن مالك ... في داره بالامس كان يتكى في يده سيف نضاه فانتضى ... فهذه عشر مقولات سوى لما حصرهم المعلم الاول في الجوهر والاعراض التسعة اتفقوا على انه لا سبيل الى معرفة صحة هذا الحصر حتى جعل بعضهم اجناس الاعراض ثلاثة وقيل غير ذلك لا دليل لهم على حصر الموجودات في الجواهر الخمسة وكذلك لما قسموا الجوهر الى خمسة اقسام العقل والنفس والمادة والصورة والجسم وجعلوا الجسم قسمين فلكيا وعنصريا و العنصري الاركان التي هي الاستقصاآت والمولدات الحيوان والنبات والمعدن كان هذا التقسيم مع فساده في الاثبات ليس حصر الموجودات فيه معلوما فانه لا دليل لهم على حصر الاجسام في الفلكيات والعنصريات وهم معترفون بامكان وجود اجسام وراء الافلاك فلا يمكن الحصر فيما ذكر حتى يعلم انتفاء ذلك وهم لا يعلمون انتفاءه فكيف وقد قامت الادلة على ثبوت اعيان قائمة بأنفسها فوق الافلاك كما قد بسط في موضعه وهم منازعون في واجب الوجود هل هو داخل في مقولة الجوهر فأرسطو والقدماء كانوا يجعلونه من مقولة الجوهر وابن سينا امتنع من ذلك لكن ارسطو واتباعه لم يكونوا يقولون واجب الوجود انما يقولون العلة الاولى والمبدا وليس في كلام ارسطو تقسيم الموجودات الى واجب بنفسه وممكن بنفسه مع كونه قديما ازليا بل كان الممكن عندهم الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون الا محدثا وانما قسمه هذه القسمة متأخروهم من الملاحدة الذين انتسبوا الى الاسلام كابن سينا وامثاله وجعلوا هذا عوضا عن تقسيم المتكلمين الموجود الى قديم وحادث وسلكوا طريقة وركبوها من كلام المتكلمين ومن كلام سلفهم مثل استدلال اولئك بالتركيب على الحدوث فاستدل هو بالتركيب على الامكان الكلام على قول الخليل عليه السلام هذا ربي واولئك زعموا ان قول ابراهيم لا احب الآفلين (الأنعام) المراد به المتحركين لان الحركة حادثة والحادث لا يقوم الا بحادث فهي سمة الحدوث فاستدل بالحدوث على حدوث المتحرك والمعنى لا احب المحدثين الذين تقوم بهم الحوادث فقال هؤلاء بل الافول الذي هو الحركة دليل على ان المتحرك ممكن وان كان قديما ازليا قالوا و الافول هوى في حظيرة الامكان وقوله لا احب الافلين أي الممكنين وان كان الممكن قديما وكان قدماء المتكلمين يمثلون الدليل العقلي بقولهم كل متغير محدث والعالم متغير فهو محدث فجاء الرازي في محصله فجعل يمثل ذلك بقوله كل متغير ممكن والعالم متغير فهو ممكن وابراهيم ﷺ - لم يرد هذا ولا هذا كما قد بسط في غير هذا الموضع وبين ان كل واحد من الاستدلال بالحركة على الحدوث او الامكان دليل باطل كما يقول ذلك اكثر العقلاء من اتباع الانبياء واهل الكلام واساطين الفلاسفة ولكن كان قومه يعبدون الكواكب مع اعترافهم بوجود رب العالمين وكانوا مشركين يتخذ احدهم له كوكبا يعبده ويطلب حوائجه منه كما تقدم الاشارة اليه ولهذا قال الخليل عليه السلام افرء يتم ما كنتم تعبدون انتم واباؤكم الاقدمون فانهم عدو لي الا رب العالمين الشعراء وقال تعالى ايضا قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا برءؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا و بينكم العداوة والبغضاء ابدا حتى تؤمنوا بالله وحده الا قول ابراهيم لا بيه لاستغفرن لك وما املك لك من الله من شيء الممتحنة فأمر سبحانه بالتأسي بابراهيم والذين معه في قولهم لقومهم انا برآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله وكذلك ذكر الله عنه في سورة الصافات انه قال لقومه فما ظنكم برب العالمين الصفت وقال لهم اتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون الصفت فالقوم لم يكونوا جاحدين لرب العالمين ولا كان قوله هذا ربي (الأنعام) هذا الذي هو خلق السموات والارض على أي وجه قاله سواء قاله الزاما لقومه او تقديرا او غير ذلك ولا قال احد قط من الادميين ان كوكبا من الكواكب او ان الشمس والقمر ابدعت السموات كلها ولا يقول هذا عاقل بل عباد الشمس والقمر والكواكب يعبدونها كما يعبد عباد الاصنام للاصنام وكما يعبد عباد الانبياء والصالحين لهم ولتماثيلهم وكما يعبدون اخرون الملائكة واخرون يعبدون الجن لما يرجون بعبادتها من جلب منفعة او دفع مضرة لا لاعتقادهم انها خلقت العالم بل قد يجعلونها شفعاء ووسائط بينهم وبين رب العالمين كما قال تعالى ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل ااتنبتون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الارض يونس وقال تعالى والذين اتخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى الزمر وقال تعالى وانذر به الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع (الأنعام) وقال تعالى ان تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع (الأنعام) وقال تعالى الله الذي خلق السموات والارض وما بينهما في ستة ايام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع السجدة والشفاعة التي اخبرت بها الرسل هي ان يأذن الله للشفيع فيشفع فيكون الامر كله لله كما قال تعالى من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه (البقرة) وقال لا يشفعون الا لمن ارتضى الانبياء وهذا بخلاف ما اتخذه المشركون من الشفعاء واما الفلاسفة القائلون بقدم العالم فالشفاعة عندهم ان يفيض على المستشفع من الشفيع ما يقصده من غير قصد الشفيع ولا سؤال منه كما ينعكس شعاع الشمس من المرآة على الحائط وقد ذكر ذلك ابن سينا ومن تلقى عنه كصاحب الكتب المضنون بها على غير اهلها ومن اخذ عنه وهذا الشرك اعظم من شرك مشركي العرب والنصارى ونحوهم فان اولئك كانوا يقولون صانع العلم فاعل مختار وان الشافع يستله ويدعوه لكن يثبتون شفاعة بغير اذنه وشفاعة لما ليس له شفاعة ويعبدون الشافع ويسألونه من دون الله ويصورون على تمثاله صورة يعبدونها وكانت الشياطين تدخل في تلك الاصنام وتكلمهم وتتراأي للسدنة احيانا كما يوجد نظير ذلك في هذا الزمان مواضع كثيرة بقية الكلام على الجواهر الخمسة وايضا فدعواهم ان الجوهر جنس تحته اربعة وهي العقل والنفس والمادة والصورة والخامس هو الجسم اذا حقق الامر عليهم كان ما يثبتونه من العقليات إنما هو موجود في الذهن والعقل بمنزلة الكليات لا وجود لها في الخارج وقداعترف بهذا من ينصرهم ويعظمهم كابن حزم وغيره 12. رد لقول من زعم ان عالم الغيب هو العالم العقلي ومن زعم ان عالم الغيب أخبرت به الرسل هو العالم العقلي الذي يثبته هؤلاء فهو من اضل الناس فان ابن سينا ومن سلك سبيله في هذا كالشهرستاني ستانى والرازي وغيرهما يقولون إن الالهيين يثبتون العالم العقلي ويردون على الطبيعيين منهم الذين لا يثبتون إلا العالم الحسي ويدعون ان العالم العقلي الذي يثبتونه هو ما اخبرت به الرسل من الغيب الذي امروا بالايمان به مثل وجود الرب والملئكة والجنة وليس الامر كذلك فان ما يثبتونه من العقليات إذا حقق الامر لم يكن لها وجود إلا في العقل وسميت مجردات ومفارقات لان العقل يجرد الامور الكلية على المعينات وأما تسميتها مفارقات فكان أصله أن النفس الناطقة تفارق البدن وتصير حينئذ عقلا وكانوا يسمون ما جامع المادة بالتدبير لها كالنفس قبل الموت نفسا وما فارقها بالكلية فلم يتعلق بها لا تعلق تدبير ولا غيره عقلا ولا ريب ان النفس الناطقة قائمة بنفسها باقية بعد الموت منعمة او معذبة كما دل على ذلك نصوب الكتاب والسنة وإجماع سلف الامة وائمتها ثم تعاد الى الابدان ومن قال من أهل الكلام إن النفس عرض من أعراض البدن أو جزء من أجزائه فقوله بدعة ولم يقل ذلك أحد من سلف الامة ولكن ما يدعون ثبوته في الخارج من المجردات العقلية لا يثبت على السير العقلي له تحقق إلا في الذهن إثبات المجردات في الخارج هو مبدأ فلسفتهم وهذا كان مبدأ فلسفة هؤلاء فانهم نظروا في الاجسام الطبيعية فعلموا القدر المشترك الكلى فصاروا يظنون ثبوته في الخارج فكان اولهم فيثاغورس وشيعته أثبتوا أعدادا مجردة في الخارج ثم رد ذلك عليهم أفلاطون وشيعته وأثبتوا ماهيات كلية مجردة مثل إنسان كلى وفرس كلى أزلى ابدى خارج الذهن وأثبتوا ايضا زمانا مجردا سموه الدهر وأثبتوا مكانا مجردا سموه الخلاء واثبتوا مادة مجردة عن الصور وهي المادة الاولى والهيولى الاولى عندهم فجاء أرسطو وشيعته فردوا ذلك كله عليهم ولكن أثبتوا هذه المجردات في الخارج مقارنة للاعيان وفرقوا بين الشئ الموجود في الخارج وبين ماهيتة الكلية المقارنة لافرادها في الخارج كما ذكر ذلك ابن سينا وأمثاله وغلط هؤلاء في هذا وكذلك أثبتوا العقول العشرة وظنوا وجودها في الخارج وهم غالطون في ذلك وأدلتهم عليها في غاية الفساد واما النفوس الفلكية فكان قدماؤهم يجعلونها أعراضنا لكن ابن سينا وطائفة رجحوا أنها جواهر قائمة بنفسها كنفس الانسان وهذا لبسطه موضع آخر كون منتهى محققيهم الوجود المطلق الكلى الخيالي والمقصود هنا ان ما يثبتونه من العقليات إذا حققت لم تكن إلا ما ثبت في عقل الانسان كالامور الكلية فانها عقلية مطابقة لأفرادها الموجودة في الخارج وكذلك العدد المجرد عن المعدود والمقدار المجرد عن المقدور والماهية المجردة عن الوجود والزمان المجرد عن الحركة والمكان المجرد عن الجسم وأعراضهم ولهذا كان منتهى محققيهم الوجود المطلق وهو الوجود المشترك بين الموجودات وهذا انما يكون مطلقا في الاذهان لا في الاعيان والمتفلسفة يجعلون الكلي المشترك موضوع العلم الالهي واما الوجود الواجب فتارة يقولون هو الوجود المقيد بالقيود السلبية كما يقوله ابن سينا وتارة يجعلونه المجرد عن كل قيد سلبي وثبوتي كما يقوله بعض الملاحدة من باطنية الرافضة والاتحادية وتارة يجعلونه نفس وجود الموجودات فلا يجعلون للممكنات وجودا غير الوجود الواجب وقد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع وغايتهم انهم يجعلون في انفسهم شيئا ويظنون ان ذلك موجود في الخارج ولهذا تمدهم الشياطين فان الشياطين تتصرف في الخيال وتلقى في خيالات الناس امورا لا حقيقة لها ومحققو هؤلاء يقولون ارض الحقيقة هي ارض الخيال كون امور الغيب موجودة ثابتة مشهودة واما ما اخبرت به الرسل ﷺ - من الغيب فهو امور موجودة ثابتة اكمل واعظم مما نشهده نحن في هذه الدار وتلك امور محسوسة تشاهد وتحس ولكن بعد الموت وفي الدار الاخرة ويمكن ان يشهدها في هذه الدار من يختصه الله بذلك ليست عقلية قائمة بالعقل ولهذا كان الفرق بينها وبين الحسيات التي تشهدها ان تلك غيب وهذه شهادة قال تعالى الذين يؤمنون بالغيب (البقرة) وكون الشيء غائبا وشاهدا امر اضافي بالنسبة الينا فاذا غاب عنا كان غيبا واذا شهدناه كان شهادة وليس هو فرقا يعود الى ان ذاته تعقل ولا تشهد ولا تحس بل كل ما يعقل ولا يمكن ان يشهد بحال فانما يكون في الذهن والملائكة يمكن ان يشهدوا ويروا والرب تعالى يمكن رؤيته بالابصار والمؤمنون يرونه يوم القيامة وفي الجنة كما تواترت النصوص في ذلك عن النبي ﷺ - واتفق على ذلك سلف الامة وائمتها وامكان رؤيته يعلم بالدلائل العقلية القاطعة لكن ليس هو الدليل الذي سلكه طائفة من اهل الكلام كأبي الحسن وامثاله حيث ادعوا ان كل موجود يمكن رؤيته بل قالوا ويمكن ان تتعلق به الحواس الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس فان هذا مما يعلم فساده بالضرورة عند جماهير العقلاء اغاليط المتكلمين والمتفلسفة وهذا من اغاليط بعض المتكلمين كغلطهم في قولهم ان الاعراض يمتنع بقاؤها وان الاجسام متماثلة وانها مركبة من الجواهر المنفردة التي لا تقبل قسمة ولا يتميز منها جانب من جانب فان هذا غلط وقول المتفلسفة بأنها مركبة من المادة والصورة العقليين ايضا غلط كما قد بسط هذا كله في غير هذا الموضع وكذلك غلط من غلط من المتكلمين وادعى ان الله لم يخلق شيئا لسبب ولا لحكمة ولا خص شيئا من الاجسام بقوى وطبائع وادعى ان كل ما يحدث فان الفاعل المختار الذي يخص احد المتماثلين بلا تخصيص اصلا يحدثه وانكر ما في مخلوقات الله وما في شرعه من الحكم التي خلق وامر لاجلها فان غلط هؤلاء مما سلط اولئك المتفلسفة وظنوا ان ما يقول هؤلاء وامثالهم هو دين المسلمين او قول الرسول واصحابه ولهذا كانت مناظرة ابن سينا وامثاله في كتبهم لمبتدعة اهل الكلام فعامة مناظرة ابن سينا هي للمعتزلة وابن رشد للكلابية وكانوا اذا بينوا فساد بعض ما يقوله مبتدعة اهل الكلام يظنون انه لم يبق حق إلا ما يقولونه هم وذلك بالعكس وليس الأمر كذلك بل ما يقوله مبتدعة اهل الكلام فيه خطأ مخالف للشرع والعقل والخطأ فيما تقوله المتفلسفة في الالهيات والنبوات والمعاد والشرائع اعظم من خطأ المتكلمين وأما فيما يقولونه في العلوم الطبيعية والرياضية فقد يكون صواب المتفلسفة اكثر من صواب من رد عليهم من اهل الكلام فإن اكثر كلام اهل الكلام في هذه الأمور بلا علم ولا عقل ولا شرع ونحن لم نقدح فيما علم من الأمور الطبيعية والرياضية لكن ذكرنا ان ما يدعونه من البرهان الذي يفيد علوما يقينية كلية بالأمور الطبيعية ليس كما يدعونه بل غالب الطبيعيات إنما هي عادات تقبل التغير ولها شروط وموانع وهم لايريدون بالقضايا البرهانية الواجب قبولها إلا ما يكون لزوم المحمول منها للموضوع لزوما ذاتيا لايقبل التغير بحال فاذا قالوا كل ا ب لم يريدوا ان كل ما هو في الوجود ا فهو ب ولا كل ما جد او سيوجد وإنما يريدون ان كل ما يفرض ويقدر في العقل بل في نفس الأمر مع قطع النظر عن الوجودين الذهني والخارجي فهو ب كما قالوا كل انسان حيوان فالطبيعة الانسانية من حيث هي تستلزم الحيوانية وهم يدعون ان الماهية قد تنفك عن الوجودين الخارجي والذهني وهي من اغاليطهم ومعلوم ان هذا إن اريد به الإنسان المعروف فالانسان المعروف لا يكون إلا حيوانا وهذا امر واضح ليس هو مما يطلب علمه بالبراهين فالصفات اللازمة للموصوف التي لايكون له حقيقة إلا بها لاتوجد بدونها وقد بسط الكلام على فرقهم بين اللازمة وبين الذاتية المقومة الداخلة في الماهية وبين اللازمة للماهية واللازمة لوجودها وبين ان هذا كله باطل إلا اذا اريد بالماهية ما يتصور في الذهن وبالوجود ما يكون في الخارج فالفرق بين مصورات الأذهان وموجودات الأعيان فرق صحيح وأما ان يدعي في الخارج جوهرين قائمين بأنفسهما أحدهما الانسان المحسوس والاخر إنسان معقول ينطبق على كل واحد من افراد الانسان ويدعي ان الصفات اللازمة التي لا يمكن تحقق الموصوف إلا بها منها ما هو داخل مقوم لما هيته الموجودة في الخارج ومنها ما هو خارج عارض لماهيته الموجودة في الخارج فهذا كله باطل كما قد بسط في غير هذا الموضع أقيستهم مبنية على القضايا الكلية لا علم لهم بها والمقصود ان ما يذكرونه من الألهية في العلوم الاهية والطبيعية ومايتعلق بها فلا يفيد يقينا إلا كما يفيد قياس التمثيل إذ هي مبنية على قضية كلية لا يقين عندهم بأنها كلية إلا كاليقين الذي عندهم بقياس التمثيل ولا سبيل لهم الى ذلك مثل قولهم في العلم الالهي الواحد لايصدر عنه إلا واحد والشيء الواحد لايكون فاعلا وقابلا وامثال هذه القضايا الكلية التي لاعلم لهم بها ولا يستدلون على ذلك إلا بقياس فيه قضية كلية لاعلم لهم بها وإن كان يمكن إبطالها لكن المقصود هنا بيان انه لاعلم بالموجود يحصل عن قياسهم وهذا باب واسع يظهر بالتدبر الكلام على الواحد البسيط الذي يجعلونه مبدأ المركبات فإن قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد قضية كلية وهم لم يعرفوا في الوجود قط شيئا واحدا من كل وجه صدر عنه شيء لا واحد ولا اثنان والواحد البسيط الذي يصفون به واجب الوجود من جنس الواحد البسيط الذي يجعلونه مبدأ المركبات اذا قالوا الانسان مركب من الحيوانية والناطقية وينتهي الامر الى واحد بسيط لا تركيب فيه فان هذا الواحد لا يوجد الا في الذهن لا في الخارج فان قولهم انسان مركب من الحيوان والناطق والحيوانية والناطقية لا يصح منه الا ما يتصور في الذهن فان المتصور يتصور في نفسه انسانا ناطقا وجسما حساسا متحركا بالارادة ناطقا فيكون كل من هذه الاجزاء جزءا مما تصوره في نفسه واللفظ الدال على جميعها يدل عليها بالمطابقة وعلى ابعاضها بالتضمن وعلى لازمها بالالتزام ومجموعها هي تمام الماهية المتصورة في الذهن والداخل فيها هو الداخل في تلك الماهية والخارج عنها هو الخارج عن تلك الماهية وتلك الماهية بحسب ما يتصوره الذهن فاذا تصور انسانا ضاحكا كان الضاحك جزء هذه الماهية واما دعوى المدعي ان الانسان الموجود في الخارج مركب من وهذا فلا يصح الا اذا اريد به انه متصف بهذين الوصفين وهما قائمان به وهو حامل لهما كما يحمل الجوهر اعراضه والموصوف صفاته واما ان يقال ان الجوهر مركب من اعراض او مركب من جواهر احدها جسم والاخر حساس والاخر نام والاخر متحرك بالارادة وان هذا الانسان المعين فيه جواهر متعددة بتعدد هذه الاسماء وان الجوهر الذي هو الحساس ليس هو الذي هو متحركا بالارادة ولا الذي هو جسم ولا الذي هو ناطق ولا الناطق هو الحساس فهذا مما يعلم فساده بعد تصوره بالصورة توحيد واجب الوجود عند الفلاسفة وكذلك الواحد الذي يصفون به واجب الوجود وانه مجرد عن جميع الصفات الثبوتية ليس له حياوة ولا علم ولا قدرة ولا كلام ويقولون مع ذلك هو عاقل ومعقول وعقل ولذيذ وملتذ ولذة وعاشق ومعشوق وعشق ويقولون ان كل صفة من هذه الصفات هي الاخرى فاللذة هي العقل والعقل هي العشق ويقولون ان كل صفة من هذه الصفات هي الموصوف والعلم هو العالم واللذة واللذة هي الملتذ والعشق هو العاشق فهذا ونحوه من اقوالهم في صفات واجب الوجود مما اذا تصوره المتصور تصورا صحيحا كان مجرد تصوره يوجب العلم الضروي بفساده وقد بسطنا الكلام عليه وبينا ما الجاهم الى القول بهذا وكلامهم في التركيب وبينا ان اكثر الفلاسفة المتقدمين قبل ارسطو وكثير من المتأخرين كأبي البركات صاحب المعتبر وغيره لا يقولون بهذا بل ردوا على من قاله واصل هذا كله ما ادعوه من ان اثبات الصفات تركيب ممتنع وهذا اخذوه عن المعتزلة ليس هذا من كلام ارسطو وذويه وقد تكلمنا في بيان فساده في مصنف مفرد في توحيد الفلاسفة وفي شرح الاصبهانية والصفدية وغير ذلك ثم بنوا هذا على ان الواحد لا يكون فاعلا وقابلا لان ذلك يستلزم التركيب وان الواحد لا يصدر عنه الا واحد لان صدور اثنين يقتضى تعدد المصدر فمصدر ج غير مصدر ب وذلك يستلزم التركيب الممتنع فمدار كلامهم في التوحيد والصفات كله على لفظ التركيب وقد بسطنا القول فيه وبينا ما في هذا اللفظ من اجمال فان التركيب خمسة انواع احدها تركب الذات من وجود وماهية والثاني تركيبها من وصف عام ووصف خاص كالمركب من الجنس والفصل والثالث تركيب من ذات وصفات والرابع تركيب الجسم من المادة والصورة والخامس تركيبه من الجواهر المنفردة وقد بينا أن ما يدعونه من التركيب من الوجود والماهية ومن الجنس والفصل باطل واما تركيب الجسم من هذا وهذا فاكثر العقلاء يقولون الجسم ليس مركبا لا من المادة والصورة ولا من الجواهر المنفردة لم يبق الا ذات لها صفات وقد بينا ان المركب يقال على ما ركبه غيره وعلى ما كانت اجزاؤه متفرقة فاجتمعت وعلى ما يقبل مفارقة بعضه بعضا وهذه الانواع الثلاثة منتفية عن رب العالمين باتفاق المسلمين وهم جعلوا ما يوصف بالصفات تركيبا وهذا اصطلاح لهم وحقيقة الامر تعود الى موصوف له صفات متعددة فتسمية المسمى هذا تركيبا اصطلاح لهم والنظر انما هو في المعاني العقلية واما الالفاظ فان وردت عن صاحب الشرع المعصوم كان لها حرمة والا لم يلتفت الى من اخذ يعبر عن المعاني الصحيحة المعلومة بالعقل والشرع بعبارة مجملة توهم معاني فاسدة وقيل لهم البحث في المعاني لا في الالفاظ كما بسط في موضعه الوجه الثاني: ان المعين المطلوب علمه بالقضايا الكلية يعلم قبلها وبدونها الوجه الثاني ان يقال اذا كان لا بد في كل قياس من قضية كلية فتلك القضية الكلية لا بد ان تنتهي الى ان تعلم بغير قياس والا لزم الدور والتسلسل فاذا كان لا بد ان تكون لهم قضايا كلية معلومة بغير قياس فنقول ليس في الموجودات ما تعلم الفطرة له قضية كلية بغير قياس الا وعلمها بالمفردات المعينة من تلك القضية الكلية اقوى من علمها بتلك القضية الكلية مثل قولنا الواحد نصف الاثنين والجسم لا يكون في مكانين والضدان لا يجتمعان فان العلم بأن هذا الواحد نصف هذين الاثنين اقدم في الفطرة من العلم بأن كل واحد نصف كل اثنين وهكذا كل ما يفرض من الاحاد فيقال المقصود بهذه القضايا الكلية اما ان يكون العلم بالموجود الخارجي او العلم بالمقدرات الذهنية اما الثاني ففائدته قليلة واما الاول فما من موجود معين الا وحكمه بعلم تعينه اظهر واقوى من العلم به عن قياس كلى يتناوله فلا يحصل بالقياس كثير فائدة بل يكون ذلك تطويلا وانما يستعمل القياس في مثل ذلك لاجل الغالط والمعاند فيضرب له المثل وتذكر الكلية ردا لغلطه وعناده بخلاف من كان سليم الفطرة وكذلك قولهم الضدان لا يجتمعان فأي شيئين علم تضادهما فانه يعلم انها لا يجتمعان قبل استحضار قضية كلية بأن كل ضدين لا يجتمعان وما من جسم معين الا يعلم انه لا يكون في مكانين قبل العلم بأن كل جسم لا يكون في مكانين وكذلك قولهم النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان فان مرادهم بذلك ان وجود الشيء وعدمه لا يجتمعان ولا يرتفعان فما من شيء معين الا ويعلم انه لا يكون موجودا معدوما وانه لا يخلو عن الوجود والعدم قبل العلم بهذه القضية العامة وامثال ذلك كثير لمن تدبره ويعلم ان المعين المطلوب علمه بهذه القضايا الكلية الاولية يعلم قبل ان تعلم هذه القضية الكلية ويعلم بدونها ولا يحتاج العلم به الى القضية الكلية وانما يعلم بالقضية الكلية ما يقدر في الذهن من امثال ذلك مما لم يوجد في الخارج واما الموجودات الخارجية فتعلم بدون هذا القياس قياس الشمول مبناه على قياس التمثيل واذا قيل ان من الناس من يعلم بعض الاعيان الخارجية بهذا القياس فيكون مبناه على قياس التمثيل الذي ينكرون انه يقيني فهم بين امرين ان اعترفوا بأن قياس التمثيل من جنس قياس الشمول ينقسم الى يقيني وظني بطل تفريقهم وان ادعوا الفرق بينهما وان قياس الشمول يكون يقينيا دون التمثيل منعوا ذلك وبين لهم ان اليقين لا يحصل في مثل هذه الامور الا ان يحصل بالتمثيل فيكون العلم بما لم يعلم من المفردات الموجودة في الخارج قياسا على ما علم منها وهذا حق لا ينازع فيه عاقل بل هذا من اخص صفات العقل التي فارق بها الحس اذا الحس لا يعلم الا معينا والعقل يدركه كليا مطلقا لكن بواسطة التمثيل ثم العقل يدركها كلها مع عزوب الامثلة المعينة عنه لكن هي في الاصل انما صارت في ذهنه كلية عامة بعد تصوره لامثال معينة من افرادها واذا بعد عهد الذهن بالمفردات المعينة فقد يغلط كثيرا بأن يجعل الحكم اما اعم واما اخص وهذا يعرض للناس كثيرا انواع المفروضات الذهنية ومن هنا يغلط كثيرا ممن يسلك سبيلهم حيث يظن ان ما عنده من القضايا الكلية صحيح ويكون عند التحقيق ليس كذلك وهم يتصورون الشيء بعقولهم ويكون ما تصوروه معقولا بالعقل فيتكلمون عليه ويظنون انهم تكلموا في ماهية مجردة بنفسها من حيث هي هي من غير ان تكون ثابتة في الخارج ولا في الذهن فيقولون الانسان من حيث هو هو والوجود من حيث هو هو والسواد من حيث هو هو ونحو ذلك ويظنون ان هذه الماهية التي جردوها عن جميع القيود السلبية والثبوتية محققة في الخارج على هذا التجريد وذلك غلط كغلط اوليهم فيما جردوه من العدد و المثل الافلاطونية وغيرها بل هذه المجردات المسلوب عنها كل قيد ثبوتي وسلبي لا تكون الا مقدرة في الذهن واذا قال القائل فأنا افرض الانسان مجردا عن الوجودين الخارجي والذهني قيل له هذا الفرض في الذهن ايضا كما تفرض سائر الممتنعات في الذهن مثل ان يفرض موجودا لا واجبا ولا ممكنا ولا قائما بنفسه ولا بغيره ولا مبائنا لغيره ولا مجانبا له وهذا كله مفروض في الذهن وليس كل ما فرضه الذهن امكن وجوده في الخارج وليس كل ما حكم به الانسان على ما يقدره ويفرضه في ذهنه يكون حكما صحيحا على ما يوجد في الخارج ولا كل ما امكن تصور الذهن له يكون وجوده في الخارج بل الذهن يتصور اشياء ويقدرها مع علمه بامتناعها ومع علمه بامكانها في الخارج ومع عدم علمه بالامتناع الخارجي والامكان الخارجي وهذا الذي يسمى الامكان الذهني فان الامكان يستعمل على وجهين امكان ذهني وامكان خارجي ف الامكان الذهني ان يعرض الشيء على الذهن فلا يعلم امتناعه بل يقول يمكن هذا لا لعلمه بامكانه بل لعدم علمه بامتناعه مع ان ذاك الشيء قد يكون ممتنعا في الخارج واما الامكان الخارجي فأن يعلم امكان الشيء في الخارج وهذا يكون بأن يعلم وجوده في الخارج او وجود نظيره او وجود ما هو ابعد عن الوجود منه فاذا كان الابعد عن قبول الوجود موجودا ممكن الوجود فالاقرب الى الوجود منه اولى طريقة القرآن في بيان امكان المعاد وهذه طريقة القرآن في بيان امكان المعاد يبين ذلك بهذه الطريق فتارة يخبر عمن اماتهم ثم احياهم كما اخبر عن قوم موسى بقوله واذ قلتم يموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتكم الصعقة وانتم تنظرون ثم بعثنكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون (البقرة) وكما اخبر عن المضروب بالبقرة بقوله فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى (البقرة) وكما اخبر عن الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم احياهم (البقرة) وكما اخبر عن الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال انى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما او بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر الى حمارك ولنجعلك اية للناس وانظر الى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم ان الله على كل شيء قدير (البقرة) وعن ابراهيم اذ قال رب ارني كيف تحي الموتى قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن ياتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم (البقرة) وكما اخبر عن المسيح عليه السلام انه كان يحيى الموتى باذن الله وكما اخبر عن اصحاب الكهف انهم لبثوا نياما في كهغهم ثلث مائة سنين وازدادوا تسعا وقال تعالى وكذلك اعثرنا عليهم ليعلموا ان وعد الله حق وان الساعة لا ريب فيها اذ يتنازعون بينهم امرهم الكهف وقد ذكر غير واحد من العلماء ان الناس كانوا قد تنازعوا في زمانهم هل يبعث الله الارواح فقط او يبعث الارواح والاجساد فأعثر الله هؤلاء على اهل الكهف وعلموا انهم بقوا نياما لا يأكلون ولا يشربون ثلثمائة سنة شمسية وهي ثلثمائة وتسع هلالية فأعلمهم الله بذلك امكان اعادة الابدان فهذه احدى الطرق التي يبين الله بها امكان المعاد وتارة يستدل على ذلك بالنشأة الاولى وان الاعادة اهون من الابتداء كما في قوله يا يها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم الحج وكما في قوله وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذي انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم ياسين وكما قوله وقالوا اذا كنا عظاما ورفاتا انا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة او حديدا او خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطر كم اول مرة الاسراء وكما في قوله تعالى وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه الروم وتارة يستدل على امكان ذلك بخلق السموات والارض فان خلقها اعظم من اعادة الانسان كما في قوله وقالوا اذا كنا عظاما ورفاتا انا لمبعوثون خلقا جديدا او لم يروا ان الله الذي خلق السموات والارض قادر على ان يخلق مثلهم وجعل لهم اجلا لا ريب فيه الاسراء وكما في قوله تعالى او ليس الذي خلق السموات والارض بقدر على ان يخلق مثلهم بلى وهو الخلق العليم ياسين وقوله او لم يروا ان الله الذي خلق السموات والارض ولم يعى بخلقهن بقدر على ان يحي الموتى بلى انه على كل شيء قدير الاحقاف وتارة يستدل على امكانه بخلق النبات كما في قوله وهو الذي يرسل الريح بشرا بين يدى رحمته حتى اذا أقلت سحابا ثقالا سقنه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون (الأعراف) وكما في قوله والله الذي ارسل الريح فتثير سحابا فسقنه الى بلد ميت فاحيينا به الارض بعد موتها كذلك النشور فاطر وقد بسطنا الكلام على هذا وأمثاله في غير هذا الموضع وبين أن ما عند ائمة النظار اهل الكلام والفلسفة من الدلائل العقلية على المطالب الالهية فقد جاء القران بما فيها من الحق وما هو اكمل وابلغ منها على احسن وجه مع تنزهه عن الاغاليط الكبيرة الموجودة عند هؤلاء فأن خطأهم فيها كثير جدا ولعل ضلالهم اكثر من هداهم وجهلهم اكثر من علمهم ولهذا قال أبو عبدالله الرازي في اخر عمره فىكتا به اقسام اللذات لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروى غليلا ورايت اقرب الطرق طريقة القران اقرأ في الاثبات الرحمن على العرش استوى إليه يصعد الكلم الطيب واقرأ في النفي ليس كمثله شيء ولا يحيطون به علما ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي فساد اثبات الامكان الخارجي بمجرد عدم العلم والامتناع والمقصود هنا ان الامكان الخارجي يعرف بالوجود لا بمجرد عدم العلم بالامتناع كما يقوله طائفة منهم الامدى اذا ارادوا واثبات امكان امر قالوا لو قدرنا هذا لم يلزم منه ممتنع فأن هذه القضية الشرطية غير معلومة فان كونه لا يلزم منه محذور ليس معلوما بالبديهة ولا اقام عليه دليلا نظريا وابعد من اثباته الامكان الخارجي بالامكان الذهني ما يسلكه طائفة من المتفلسفة والمتكلمة كابن سينا والرازي وغيرهما في اثبات الامكان الخارجي بمجرد امكان تصوره في الذهن كما ان ابن سينا واتباعه لما أداروا اثبات موجودفي الخارج معقول لا يكون محسوسا بحال استدلوا على ذلك بتصور الانسان الكلي المطلق المتناول للافراد الموجودة في الخارج وهذا انما يفيد امكان وجود هذه المعقولات في الذهن فإن الكلي لا يوجد كليا إلا في الذهن وهذا ليس مورود النزاع وإنما النزاع في امكان وجود مثل هذا المعقول في الخارج وليس كل ما تصوره الذهن يكون موجودا في الخارج كما يتصور الذهن فأن الذهن يتصور ما يمتنع وجوده في الخارج كما يتصور الجمع بين النقيضين والضدين وقد تبعه الرازي على الاستدلال بهذا واستدل هو غيره على امكان ذلك بأن قال يمكن ان يقال الموجود اما ان يكون مجانبا لغيره و اما ان يكون مبائنا لغيره و اما ان لا يكون لا مجانبا لا مبائنا فظنوا انه بامكان هذا التقسيم العقلى يستدل على امكان وجود كل من الاقسام فى الخارج وهذا غلط فان هذا التقسيم كقو ل القائل الموجود اما ان يكون واجبا و اما ان يكون ممكنا وإما ان لا يكون واجبا ولا ممكنا وإما ان يكون قديما وإما ان يكون محدثا وإما ان لا يكون قديما ولا محدثا وإما ان يكون قائما بنفسه وإما ان يكون قائما بغيره وإما ان لا يكون قائما بنفسه ولا بغيره وأمثال ذلك من التقسيمات التي يقدرها الذهن ومعلوم ان هذا لا يدل على إمكان وجود موجود لا واجب ولا ممكن ولا قديم ولا حادث ولا قائم بنفسه ولا بغيره وكذلك ما تقدم فأين طرق هؤلاء في إثبات الامكان الخارجي من طريقة القران محاولتهم معارضة الفطر وتعاليم الرسل ثم إنهم بمثل هذه الطرق الفاسدة يريدون خروج الناس عما فطروا عليه من المعارف اليقينية والبراهين العقلية وما جاءت به الرسل من الأخبار الالهية عن الله تعالى واليوم الاخر وبينوا لرب العالمين من الوجود ما يستلزم الجمع بين النقيضين فيكذبوا بصريح المعقول وصحيح المنقول كقولهم لاهو مبائن للمخلوقات ولا مجانب لها ولا يشار إليه ونحو ذلك من القضايا السلبية التي يصفون بها رب العالمين مما لا يتضمن وصفه بصفة كمال بل يشاركه فيها الممتنعات والمعدومات وتستلزم كون الموصوف بها معدوما بل ممتنعا ويريدون ان يجعلوا مثل هذه القضايا الكاذبة والخيالات الفاسدة اصولا عقلية يعارض بها ما ارسل الله به رسله وأنزل به كتبه من الايات وما فطر الله عليه عباده وما تقوم عليه الأدلة العقلية التي لا شبهة فيها ولهذا كان أساطين الفلاسفة القدماء وكثير من المتأخرين منهم على خلاف قول هؤلاء النفاة وكانوا أقرب إلى موافقة الأنبياء وأتباع الأنبياء من هؤلاء النفاة من المتفلسفة والجهمية والمتكلمة كما قد بسطت اقوالهم في غير هذا الموضع والمقصود هنا التنبيه على اصول سلموها أفسدوا بها العلوم العقلية والسمعية فإن مبنى العقل على صحة الفطرة وسلامتها ومبنى السمع على تصديق الأنبياء صلواة الله عليهم كون تعليم الأنبياء جامعا للأدلة العقلية والسمعية جميعا ثم الأنبياء ﷺ كملوا للناس الأمرين فدلوهم على الأدلة العقلية التي بها تعلم المطالب الالهية التي يمكنهم علمهم بها بالنظر والاستدلال وأخبروهم مع ذلك من تفاصيل الغيب بما يعجزون عن معرفته بمجرد نظرهم واستدلالهم وليس تعليم الأنبياء ﷺ مقصورا على مجرد الخبر كما يظنه كثير من النظار بل هم بينوا من البراهين العقلية التي بها يعلم العلوم الالهية ما لا يوجد عند هؤلاء البتة فتعليمهم ﷺ جامع للادلة العقلية والسمعية جميعا بخلاف الذين خالفوهم فان تعليمهم غير مفيد للادلة العقلية والسمعية مع ما في نفوسهم من الكبر الذي ما هم ببالغيه كما قال تعالى ان الذين يجادلون في ايت الله بغير سلطن اتهم ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله انه هو السميع البصير المؤمن وقال الذين يجادلون في ايت الله بغير سلطن اتهم كبر مقتا عند الله وعند الذين امنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار المؤمن وقال تعالى فلما جاءتهم رسلهم بالبينت فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون المؤمن ومثل هذا كثير في القران وقد بسطنا القول فيه في بيان درء تعارض الشرع والعقل ولهذا لما كانوا يتصورون في اذهانهم ما يظنون وجوده في الخارج جعلوا علومهم ثلاثة انواع ادناها عندهم الطبيعي وهو ما لا يتجرد عن المادة لا في الذهن ولا في الخارج وهو الكلام في الجسم واحكامه واقسامه واوسطها الرياضي وهو ما بتجرد عن المادة في الذهن لا في الخارج مثل الحساب والهندسة فانه لا يوجد في الخارج ذو مقدار إلا جسما ولكن يجرد المقدار في النفس واعلاها عندهم ما يسمونه علم ما بعد الطبيعة باعتبار الوجود العيني وقد يسمونه العلم الالهي ويسمونه الفلسفة الأولى والحكمة العليا وهو ما تجرد عن المادة في الذهن والخارج وإذا تأمل الخبير بالحقائق كلامهم في هذه الأنواع لم يجد عندهم علما بمعلومات موجودة في الخارج إلا القسم الذي يسمونه الطبيعي وما يتبعه من الرياضي وأما الرياضي المجرد في الذهن فهو الحكم بمقادير ذهنية لا وجود لها في الخارج والذي سموه علم ما بعد الطبيعة وهو ما جردوه عن المادة في الذهن والخارج إذا تدبر لم يوجد فيه علم بمعلوم موجود في الخارج وإنما تصوروا أمورا مقدرة في أذهانهم لا حقيقة لها في الخارج ولهذا كان منتهى نظرهم وآخر فلسفتهم وحكمتهم هو الوجود المطلق الكلى او المشروط بسلب جميع الامور الوجودية فموضوع العلم الالهى الناظر في الوجود ولواحقه هو الوجود الكلى المنقسم الى جوهر وعرض وعلة ومعلول وقديم وحادث وهذا لا وجود له في الخارج وإنما يوجد في الذهن وهو العلم الاعلى عندهم فهذا العلم الاعلى مقدر في الذهن والعلى الاعلى الموجود في الخارج هو الله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل قوله سبح اسم ربك الاعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي اخرج المرعى فجعله غثاءا احوى الاعلى وأما واجب الوجود الذي يثبتونه فاما ان يجعلوه وجودا مجردا عن كل قيد ثبوتي وعدمى وإما أن يقولوا بل هو مقيد بالامور السلبية دون الثبوتية كقول ابن سينا وأمثاله وهذا إنما يوجد في الذهن لا في الخارج فانه يمتنع ثبوث موجود خارجي لا يوصف بشئ من الامور الثبوتية أو لا من الثبوتية ولا السلبية بل أي موجود حقير فرضته كان خيرا من هذا الذي لا يوصف بشئ ثبوتي فانه قد شارك ذلك الموجود الحقير في مسمى الوجود ولم يمتز عنه إلا بوصف عدمى وذلك الموجود الحقير امتاز عنه بأمر وجودى الوجود خير من العدم فكان ما امتاز به ذلك الموجود الحقير خيرا مما ميزوا به واجب الوجود يزعمهم وقد بسط هذا في موضع آخر وبين أن ما يثبتونه ويجعلونه واجب الوجود هو ممتنع الوجود ولكن يفرض في الذهن كما يفرض سائر الممتنعات والمقصود هنا أنهم كثيرا ما يدعون في المطالب البرهانية من الامور العقلية ما يكونوا قد قدروه في أذهانهم ويقولن نحن نتكم في الامور الكلية والعقليات المحضة وإذا ذكر لهم شئ قالوا نتكلم فيما هو أعم من ذلك وفي الحقيقة من حيث هى هى ونحو هذه العبارات فيطالبون بتحقيق ما ذكروه في الخارج ويقال يبنوا هذا أي شئ هو فهنالك يظهر بجهلهم وأن ما يقولونه هو امر مقدر في الاذهان لا حقيقة له في الاعيان وهذا مثل ان يقال لهم اذكروا مثال ذلك والمثال امر جزئي فاذا عجزوا عن التمثيل وقالوا نحن نتكم في الامور الكلية فاعلم انهم يتكلمون بلا علم وفيما لا يعلمون ان له معلوما في الخارج بل فيما ليس له معلوم في الخارج وفيما قد يمتنع ان يكون له معلوم في الخارج وإلا فالعلم بالامور الموجودة إذا كان كليا كان له معلومات ثابتة في الخارج ولفظ الكلى يريدون به ما لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه ثم قد يكون ممتنعا في الخارج كشريك الباري وقد يكون معدوما وإنما يقدره الذهن كما يقدر عنز ايل وهذا تمثيل أرسطو وقد يكون موجودا في الخارج لكن لا يقبل الشركة وقد يمكن وقوع الشركة فيه ولم تقع وهم يمثلون هذا باسم الاله والشمس ويجعلون مسمى هذا كليا لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وإنما امتنعت الشركة فيه لسبب خارجي فانحصر نوعه في شخصه لا لمجرد تصور معناه وهذا مشهور بينهم وإنما يصح هذا إذا كان لفظ الاله ولفظ الشمس اسم جنس بحيث لا يقصد به الشمس المعينة ولا الاله المعين المعروف فان الكلى عندهم مثل اسم جنس في اصطلاح النحاة وهو ما علق على الشئ وعلى كل ما اشبهه والناس لا يقصدون بلفظ الشمس إلا الشمس المعينة واللام فيها لتعريف العهد لا للجنس كما قال تعالى وهو الذي خلق اليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون الانبياء فمسمى الشمس والقمر هنا جزئي لا كلى بخلاف لفظ الكوكب والنجم ونحو ذلك فانه كلى وكذلك اسم الاله عند المسلمين إنما يريدون به إلههم وهو الله لا إله إلا هو وعلى هذا فليس هذا ولا هذا كليا مشتركا بل نفس تصور معناه يمنع من وقوع الشركة فيه فهو معين مختص وهو الذي يسمونه الجزئي ليس مطلقا مشتركا وهو الذي يسمونه الكلى وكان الخسر وشاهى من أعيانهم وأعيان اصحاب الرازي وكان يقول ما عثرنا إلا على هذه الكليات وكان قد وقع في حيرة وشك حتى كان يقول والله ما أدرى ما أعتقد والله ما أدرى ما أعتقد والله ما أدري ما اعتقد الاستدلال بالكليات على أفرادها استدلال بالخفي على الجلي والمقصود أن الذي يدعونه من الكليات هو إذا كان علما فهو مما يعرف ب قياس التمثيل لا يقف على القياس المنطقى الشمولي أصلا بل ما يدعون توقفه على هذا القياس تعلم أفراده التي يستدل عليها بدون هذا القياس وذلك أيسر وأسهل فيكون الاستدلال عليها بالقياس الذي يسمونه البرهاني استدلالا على الاجلى بالاخفى وإذا قيل فالبرهان يفيد قضية كلية قيل اما البرهان الذي يستحق اسم البرهان عندهم وهو ما كان مؤلفا من المقدمات اليقينية المحضة الواجب قبولها التي يمتنع نقيضها فانها بهذه المنزلة واما ما لا يكون كذلك بل يكون مؤلفا من القضايا التجريبة العادية كالقضايا الطبيعية والطبية والنحوية ونحو ذلك فهذه كثيرا ما تكون منتقضة ولا يجزم العقل بامتناع انتقاضها إلا بشروط فان العاديات يجوز انتقاضها والقضية الكلية إذا جاز انتقاضها لم يكن عندهم مادة للبرهان بل للجدل والخطابة فان قيل وأنتم تجزمون بمراد المتكلم بكلامه في غالب المواضع كما تجزمون بمراد الرسول ومراد علماء الشرع والطب والنحو والعلم باللغات مبناه على القضايا العادية قيل الجزم بمراد الشخص المعين ليس هو قضية كلية بل هو علم بمراد شخص معين وهذا وإن كان علمنا بلغته وعادته هو مما يعين على العلم بمراده فلا بد مع ذلك من علم يختص به يعرف أنه إنما تكلمه بتلك العادة ليفهمنا مراده وحينئذ فليس هذا مما نحن فيه ولهذا لا نستدل على هذا بمجرد ما ذكروه من برهانهم وهم يعيبون في صناعة الحد أن يعرف الجلى بالخفي وهذا في صناعة البرهان اشد عيبا فان البرهان لا يراد به إلا به إلا بيان المدلول عليه وتعريفه وكشفه وإيضاحه فاذا كان هو أوضح وأظهر كان هذا بيانا للجلى بالخفي وأما الحد فالصواب أن المراد به التمييز بينه وبين المحدود لا تعريف الماهية وإذا كان مطلوبه هو التمييز فقد يكون المميز اخفى وقد يكون أجلى المقدمات الخفية قد تنفع بعض الناس وفي المناظرة ومع هذا فلما كان الجلاء والخفاء من الامور النسبية فقد ينتفع بالدليل الخفي والحد الخفي بعض الناس وكثير من الناس إذا ذكر له الواضح لم يعبا به وقد لا يسلمه حتى يذكر له دليل مستلزم ثبوته فانه يسلمه وكذلك إذا ذكر له حد يميزه وهذا في الغالب يكون من معاند أو ممن تعودت نفسه انها لا تعلم إلا ما تعنت عليه وفكرت فيه وانتقلت فيه من مقدمة الى مقدمة فان العادة طبيعة ثانية فكثير ممن تعود البحث والنظر صارت عادة نفسه كالطبيعة له لا يعرف ولا يقبل ولا يسلم إلا ما حصل له بعد بحث ونظر بل وجدل ومنع ومعارضة فحينئذ يعرف به ويقبله ويسلمه وإن كان عند اكثر الناس من الامور الواضحة البينة لا تحتاج الى بحث ونظر فالطريق الطويلة والمقدمات الخفية التي يذكرها كثير من النظار تنفع لمثل هؤلاء في النظر وتنفع في المناظرة لقطع المعاند وتبكيت الجاحد فان السفسطة امر يعرض لكثير من النفوس وهي جحد الحق وهي لفظه معربة من اليونانية أصلها سوفسطيا أي حكمه مموهة فلما عربت قيل سفسطة وأما ما يذكره طائفة من أهل الكلام وناقلي المقالات أن في الناس رجل يقال له سوفسطا وانه وأصحابه ينكرون جميع الحقائق والعلوم فهذا باطل لا حقيقة له ولا يتصور ان يعيش احد من بني آدم بل ولا من البهائم مع جحد جميع الحقائق والشعور بها فان الانسان مدنى بالطبع فلا بد ان يعرف بعض الناس بعضا ويعرف الانسان جوعه وشبعه وعطشه وريه ولذته وألمه ويميز بين ما يأكله وما لا يأكله وما يلبسه وما لا يلبسه وبين مسكنه ومسكن جاره وبين الليل والنهار وغير ذلك من الامور التي هي ضرورية في الحياة وكذلك ما يذكرونه ان في السمنية قوم ينكرون من العلوم ما سوى الحسيات حتى ينكروا المتواترات غلط على القوم فانهم انكروا وجود ما لا يمكن الاحساس به لم ينكروا وجود ما لا يحسونه مم به وقد ذكر الامام احمد مناظرتهم للجهم بن صفوان وهي تقتضى ذلك وإلا فهؤلاء من عقلاء الهند وحكمائهم وإن كانوا مشركين يعبدون الاصنام فلا يتصور ان احدهم ينكر ما كان قبل مولده فلا ينكر وجود البلاد والانهار والجبال والدور التي لم يرها ولا ينكر وجود كل إنسان أو بهمة لم يرها فان هذا ليس عليه أحد من بنى آدم بل بنو آدم كلهم متفقون على ان ما شاهدوه علموه بالمشاهدة وما غاب عنهم علموه بالاخبار فلا يتصور ان كل طائفة من الطوائف تتفق على حجد جنس الاخبار ولكن قد تعرض السفسطة لبعض الطوائف ولبعض الاشخاص في بعض المعارف فان أمراض القلوب كأمراض الاجسام فكما أنها ليس في الوجود أمة ولا شخص يمرض بكل مرض فليس فيهم من هو جاهل بكل شئ وفاسد الاعتقاد في كل شئ وفاسد القصد في كل شئ بل قد يوجد فيهم من هو مريض ببعض الامراض بل قد يوجد بعض الطوائف يكثر فيهم بعض الامراض وهؤلاء المرضى لا ينتفعون بالاغذية الفطرية بل يحتاجون الى علاج وادوية تناسب مزاجهم وكذلك من كان به سفسطة ومرضت فطرته في بعض المعارف لا يستعمل معه الادلة النظرية بل يستعمل معه نوع من العلاج والادوية فقد تكون الحدود والادلة التي تحوجه الى النظر والفكر إذا تصورها مقدمة مما يزيل سفسطته وتحوجه الى الاعتراف بالحق وهذا بمنزلة من يغلط في الحساب والحساب لا يحتمل وجهين وقد يكون غلطه ظاهرا وهو لا يعرفه أو لا يعترف به فيسلك معه طريق طويل يعرف بها الحق ويقال له أخذت كذا وأخذت كذا فصار كذا وأخذت كذا واخذت كذا فصار كذا وكذلك للمناظر قد تضرب له الامثال فان المثال يكشف الحال حتى في المعلومات بالحس والبديهة وقد تستسلف معه المقدمات وإلا فقد يجحد إذا عرف أنه يلزمه الاعتراف بما ينكره وهي طريقة المتقدمين من نظار المسلمين وقدماء اليونان في المناظرة يكون المستدل هو السائل لا المعترض فيستسلف المقدمات ويقول ما تقول في كذا وفي كذا أو يقول ليبين كذا وكذا مقدمة مقدمة فاذا اعترف بتلك المقدمات بين ما تستلزمه من النتائج المطلوبة فيجب الفرق بين ما يقف معرفة الحق عليه ويحتاج اليه وبين ما يعرف الحق بدونه ولكن قد يزال به بعض الامراض ويقطع به بعض المعاندين والله سبحانه اعلم وكثير من النظار يسلك في معرفة المطلوب طريقا يقولون لا طريق إلا هو وكذلك في الحدود وقد تكون تلك الطريق فاسدة وقد تكون صحيحة ولكن للناس طرق اخرى كما قد يقوله كثير منهم في معرفة الصانع أو معرفة صدق رسوله إنه لا طريق إليها إلا هذه الطريق ويكون للناس طرق خير منها كتاب الآراء والديانات للنوبختي وكنت قد علقت الكلام على أهل المنطق في مجلس واحد بسرعة لسبب اقتضى ذلك ثم بعد مدة نظرت في كتاب الآراء والديانات لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختى فرأيته قد ذكر نحو هذا المعنى عمن تقدم من متكلمى المسلمين فانه ذكر كلام أرسطوا مختصرا اختلاف الفلاسفة فيما بينهم وأرسطو هو المعلم الاول لاصحاب هذه التعاليم الذي يسمون المشائين وهم اصحاب هذا المنطق اليوناني الذي وضعه ارسطو وما يتبعه من الطبيعي والالهي فان الفلاسفة ليسوا امة واحدة لها مقالة في العلم الالهي والطبيعي وغيرهما بل هم أصناف متفرقون وبينهم من التفرق والاختلاف ما لا يحصيه إلا الله اعظم مما بين الملة الواحدة كاليهود والنصارى اضعافا للضاعفة كلما كان القوم عن اتباع الرسل أبعد كان اختلافهم اكثر فان القوم كلما بعدوا عن اتباع الرسل والكتب المنزلة كان أعظم في تفرقهم واختلافهم فانهم يكونوا أضل كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن ابي امامة عن النبي ﷺ - انه قال ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم قرأ قوله ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون الزخرف إذ لا يحكم بين الناس فيما تنازعوا فيه إلا كتاب منزل ونبي مرسل كما قال تعالى كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينت بغيا بينهم فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم (البقرة) ولهذا قال تعالى يايها الذن امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا النساء وقد أنزل مع رسله الكتاب والميزان كما قال تعالى لقد ارسلنا رسلنا بالبينت وانزلنا معهم الكتب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوى عزيز الحديد وقال الله الذي انزل الكتب بالحق والميزان والميزان قال كثير من المفسرين هو العدل وقال بعضهم هو ما به توزن الامور وهو ما به يعرف العدل وكذلك قالوا في قوله والسماء رفعها ووضع الميزان الرحمن الامثال المضروبة والاقيسة العقلية التي تجمع بين المتماثلات وتفرق بين المختلفات وإذا أطلق لفظ الكتاب كما في قوله وانزلنا معهم الكتب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه (البقرة) دخل فيه الميزان لان الله تعالى بين في كتابه من الامثال المضروبة والمقاييس العقلية ما يعرف به الحق والباطل وهذا كلفظ الحكمة تارة يقرن بالكتاب كما في قوله وانزل الله عليك الكتب والحكمة النساء وتارة يفرد الكتاب كقوله الحمد لله الذي انزل على عبده الكتب الكهف وإذا افرد دخلت الحكم في معناه وكذلك في لفظ القرآن والايمان قال تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدرى ما الكتب ولا الايمان ولكن جعلنه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم (الشورى). وإذا أفرد لفظ القرآن فهو يدل على الايمان كما الايمان يدل على القرآن فهما متلازمان وسيأتي إن شاء الله الكلام على هذا وقد امر الله بالجماعة والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف فقال تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا (آل عمران) وقال تعالى ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ (الأنعام) وقال ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينت (آل عمران) وقد اخبر ان اهل الرحمة لا يختلفون فقال تعالى ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك هود ولهذا يوجد اتبع الناس للرسول اقلهم اختلافا كأهل الحديث والسنة فانهم اقل اختلافا من جميع الطوائف ثم من كان إليهم اقرب من جميع الطوائف المنتسبة الى السنة كانوا أقل أختلافا فأما من بعد من السنة كالمعتزلة والرافضة فتجدهم اكثر الطوائف اختلافا 13. كثرة اختلاف الفلاسفة وأما اختلاف الفلاسفة فلا يحصره احد وقد ذكر ابو الحسن الاشعري في كتاب المقالات مقالات غير الاسلاميين عنهم من المقالات ما لم يذكره الفارابي وابن سينا وامثالهما وكذلك القاضي ابو بكر بن الطيب في كتاب الدقائق الذي رد فيه على الفلاسفة والمنجدمين ورجح فيه منطق المتكلمين من العرب على منطق اليونان وكذلك متكلمة المعتزلة والشيعة وغيرهم في ردهم على الفلاسفة ذكروا انواعا من المقالات وردوها ولكن مذهب الفلاسفة الذين نصره الفارابي وابن سينا وأمثالها كالسهروردي وردى المقتول على الزندقة وكأبي بكر بن الصائغ وابن رشد الحفيد هو مذهب المشائين اتباع ارسطو صاحب المنطق وهو الذي يذكره الغزالي في كتاب مقاصد الفلاسفة وعليه رد في التهافت وهو الذي يذكره الرازي في الملخص و المباحث المشرقية ويذكره الامدى في دقائق الحقائق ورموز الكنوز وغير ذلك وعلى طريقهم مشى ابو ابركات صاحب المعتبر لكن لم يقلدهم تقليد غيره بل اعتبر ما ذكروه بحسب نظره وعقله وكذلك الرازي والامدى يعترضان عليهم في كثير مما يذكرونه بحسب ما يسنح لهم وابن سينا ايضا قد يخالف الاولين في بعض ما ذكروه ولهذا ذكر في كتابه المسمى بالشفاء ان الحق الذي ثبت عنده ذكره في الحكمة المشرقية والسهروردي ذكر ما ثبت عنده في حكمة الاشراق والرازي في المباحث المشرقية واتباع ارسطو من الاولين اشهرهم ثلاثة برقلس والاسكندر الافرديوسي وثامسطيوس صاحب الشروح والترجمة واذا قال الرازي في كتبه اتفقت الفلاسفة فهم هؤلاء والا فالفلاسفة طوائف كثيرون وبينهم اختلاف كثير في الطبيعيات والالهيات وفي الهيئة ايضا وقد ذكروا انه اول من قال منهم بقدم العالم ارسطو وقد ذكر محمد بن يوسف العامري وهو من المصنفين في مذاهبم ان قدماءهم دخلوا الشام واخذوا عن اتباع الانبياء داود وسليمان وان فيثاغورس معلم سقراط اخذ عن لقمان الحكيم وسقراط هو معلم افلاطن وافلاطن معلم ارسطو والمقصود هنا ان نظار المسلمين ما زالوا يصنفون في الرد عليهم في المنطق وغير المنطق ويبينون خطاهم فيما ذكروه في الحد والقياس جميعا كما يبينون خطأهم في الالهيات وغيرها ولم يكن احد من نظار المسلمين يلتفت الى طريقتهم بل المعتزلة والاشعرية والكرامية والشيعة وسائر طوائف النظر كانوا يعيبونها و يثبتون فسادها واول من خلط منطقهم بأصول المسلمين ابو حامد الغزالي وتكلم فيه علماء المسلمين بما يطول ذكره كلام النوبختي في الرد على المنطق وهذا الرد عليهم مذكور في كثير من كتب اهل الكلام لكن اتفق اني رايت هذا الفصل اولا في كلام النوبختي فانه بعد ان ذكر طريقة ارسطو في المنطق قال وقد اعترض قوم من متكلمي اهل الاسلام على اوضاع المنطق هذه وقالوا اما قول صاحب المنطق ان القياس لا يبنى من مقدمة واحدة فغلط لان القائل اذا اراد مثلا ان يدل على ان الانسان جوهر فقال استدل على نفس الشيء المطلوب من غير تقديم المقدمتين وهو ان يقول ان الدليل على ان الانسان جوهر انه يقبل المتضادات في ازمان مختلفة وليس يحتاج الى مقدمة ثانية هي قول القائل ان كل قابل للمتضادات في ازمان مختلفة فجوهر لان دلالته على ان كل قابل للمتضادات في ازمان مختلفة فجوهر هو نفس ما خولف فيه واراد الدلالة عليه لان الخاص داخل في العام فعلى ايهما دل استغنى عن الاخر وقد يستدل الانسان اذا شاهد الاثر على ان له مؤثرا والكتابة على ان لها كاتبا من غير ان يحتاج في استدلاله على صحة ذلك الى المقدمتين قالوا فنقول انه لا بد من مقدمتين فاذا ذكرت احداهما استغنى بمعرفة المخاطب بالاخرى فترك ذكرها لا لانه مستغن عنها قلنا لسنا نجد مقدمتين كليتين يستدل بهما على صحة نتيجة لان القائل اذا قال الجوهر لكل حي والحيوة لكل انسان فتكون النتيجة ان الجوهر لكل انسان فسواء في العقول قول القائل الجوهر لكل حي وقوله لكل انسان قلت معنى ذلك انا اذا قلنا كل انسان حي وكل حي جوهر كما يقولون كل انسان حيوان وكل حيوان جوهر او جسم فسواء في العقول علمنا بان كل انسان جوهر او جسم وعلمنا بأن كل حيوان جوهر او جسم فمن علم ان كل حيوان جوهر فقد علم ايضا ان كل إنسان جوهر ومقصوده أنهم لا يجدون مقدمتين أوليتين بديهيتين يستدل بهما على شئ من موارد النزاع التي تحتاج الى البرهان بل لا بد ان يكون إحداهما او كلاهما غير بديهية ومتى قدر أنهما بديهيتان فاحداهما تكفى كما ذكره من المثال وإن قدرت إحداهما نظرية فهى التي يحتاج الى بيانها وإذا كانتا جميعا نظريتين احتيج الى بيانهما جميعا كما لو كانت ثلاث مقدمات وما يحتاج الى انه يستدل عليه ثم يستدل به وإنما يستدل إبتداء بما هو بين بنفسه كالبديهيات قال ولا يجدون في المطالب العلمية ان المطلوب يقف على مقدمتين بينتين بأنفسهما بل إذا كان الامر كذلك كانت إحداهما كافية قال ونقول لهم أرونا مقدمتين أوليتين لا تحتاجان الى برهان يتقدمهما يستدل بهما على شئ مختلف فيه وتكون المقدمتان في العقول أولى بالقبول من النتيجة فاذا كنتم لا تجدون ذلك بطل ما ادعيتموه قال أبو محمد الحسن بن موسى النوبخي وقد سألت غير واحد من رؤسائهم ان يوجد بينة فما أوجد بينة قال فما ذكره أرسطو طاليس غير موجود ولا معروف قال وأما ما ذكره بعد ذلك من الشكلين الباقيين فهما غير مستعملين على ما بناهما عليه وإذا كانا يصحان بقلب مقدماتهما حتى يعودا الى الشكل الاول فالكلام حينئذ في الشكل الاول هو الكلام فيهما وذكر كلاما آخر ليس هذا موضعه ومقصوده ان سائر الاشكال إنما تنتج بالرد إلى الشكل الاول إما بقياس الخلف الذي يتضمن إثبات الشئ بابطال نقيضه وإما بواسطة حكم نقيض القضية أو عكسها المستوى أو عكس نقيضها فبيان الاشكال ونتاجها فيه كلفة ومشقة مع انه لا حاجة اليها فان الشكل الاول يمكن ان يستعمل فيه جميع المواد الثبوتية والسلبية الكلية والجزئية وقد عرفت انتفاء فائدته فانتفاء فائدة فروعه التي لا تفيد إلا بالرد اليه أولى وأحرى والمقصود هنا ان هذه الامة ولله الحمد لم يزل فيها من يتفظن لما في كلام اهل الباطل من الباطل ويرده وهم لما هداهم الله به يتوافقون في قبول الحق ورد الباطل رأيا وراية من غر تشاعر ولا تواطؤ بطلان دعواهم ان النتائج النظرية تحتاج الى مقدمتين وهذا الذي نبه عليه هؤلاء النظار يوافق ما نبهنا عليه فان القياس مشتمل على مقدمتين صغرى وكبرى فالكبرى هي العامة والصغرى اخص منها كما إذا قلت كل نبيذ خمر وكل خمر حرام فان النبيذ المتنازع فيه اخص من الخمر والخمر اخص من الحرام فالاول هو الحد الاصغر والاخر هو الحد الاكبر والاوسط المتكرر فيهها هو الحد الاوسط وحاصل القياس إدراج خاص تحت عام ومعلوم ان من علم العام فقد علم شموله لافراده ولكن قد يعزب عنه دخول بعض الافراد فيه إما لعزوب علمه بالعام او لعزوب علمه بالخاص كما مثله المنطقيون ابن سينا وغيره فيمن ظن ان هذه الدابة تحمل فيقال له اما تعلم ان هذه بغلة فيقول نعم ويقال له اما تعلم ان البغلة لا تحمل فحينئذ يتفطن لانها لم تحمل فهذا وان ذكر بشيء كان غافلا عنه لم يستفد بذلك علم ما لم يكن يعلمه فان لم يخطر بقلبه هذا لم يلزم من علمه بأنها بغلة انها لا تحمل لكن هذا قد لا يحتاج الا الى مقدمة واحدة وهي التي يذكرها فانه ان كان يعلم ان هذه الدابة بغلة ونسى ان البغلة لا تحمل بحمل وهو قد جهل او نسى ان هذه بغلة عرف بهذه وحدها وقد تنازع في هذا الموضع طائفتان ابن سينا ومن معه والرازي ومن معه وسبب نزاعهما الاصل الفاسد الذي اخذوه تقليدا لارسطو فقال ابن سينا لا بد مع المقدمتين من التفطن لاندراج الخاص تحت العام ومثله بهذا فقال قد يكون الرجل يعلم ان هذه الدابة المعينة بغلة ويعلم ان البغلة لا تحمل لكن يذهل عن دخول هذا المعين تحت ذلك العام فاذا تفطن لذلك حصل النتاج والا فلا وقال الرازي وهذا يقتضى انه لا بد من ثلاث مقدمات مقدمة بأن يعلم ان هذه بغلة ومقدمة ان البغلة لا تحمل ومقدمة ان هذا يتناول هذا واختار انه لا يحتاج الا الى مقدمتين ان هذه بغلة وان البغلة لا تحمل وانه اذا كان غافلا عن هذه الكلية لم يكن عالما بها بالفعل فاذا صار عالما بها بالفعل بحيث تكون حاضرة في ذهنه امتنع مع ذلك ان لا يعلم ان هذه البغلة لا تحمل وفصل الخطاب ان المطلوب قد يحتاج الى مقدمة والى اثنتين والى ثلاث والى اربع فأصل الاضطراب دعواهم ان النتائج النظرية تحتاج الى مقدمتين وتكفى فيها مقدمتان فجعلوا لا بد في كل مطلوب نظري من مقدمتين وادعوا انه يكفى في كل مطلوب نظري مقدمتان وكلا الامرين باطل فالشخص المعين إذا راى دابة وظنها حاملا إن كان ممن لم يعلم أنها بغلة ولم يعلم أن البغال عقم او يعلم الامرين ونسيهها او نسى احدهما وجهل الاخر فانه يحتاج الى العلم بمقدمتين وتذكر المنسي نوع من العلم يحتاج ان يعلم انها بغلة ويعلم ان البغلات لا يحملن وإن كان يعلم ان البغلة لا تحمل لكن لم يعرف انها بغلة احتاج الى مقدمة واحدة فاذا قيل له هذه بغلة فاذا عرف انها بغلة وفي نفسه معلوم ان البغلة لا تحمل علم ان هذه المعينة لا تحمل وإن كان يعلم ان هذه بغلة وقد علم قديما ان البغلة لا تحمل لكن عزب هذا العلم عن ذهنه في هذا الوقت ونسيه فهذا قد نسى علمه والنسيان من اضداد العلم فاذا ذكر بعلمه ذكره فاذا ذكر أن البغلة لا تحمل حصل له مقدمة واحدة والعلم يحصل بالعلم بالدليل لمن لم يكن عالما به قط ولمن يذكره بعد النسيان إذا كان قد علمه ثم نسيه ولهذا قال سبحانه أفلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنينها وزينها وما لها من فروج والارض مددنها والقينا فيها رواسي وأنبتنا فيه من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ق فبين سبحانه ان آياته تبصرة وتذكرة فالتبصرة بعد العمى وهو الجهل والتذكرة بعد النسيان وهو ضد العلم وهؤلاء لما تقلدوا قول من يقول إنه لا بد من مقدمتين وبهما يحصل النتاج فرأى بعضهم ان المقدمتين معلومتان لهذا الظان أن هذه البغلة حامل مع عدم العلم قال فلا بد من التفطن فيقال له ما ذكرته من التفطن هو الذي يحتاج اليه هذا لا يحتاج الى شئ من المقدمات غير هذه وهذا التفطن هو تذكر ما نسيه وهو مقدمة واحدة ومن قال إن هذا هو إحدى المقدمتين فقد أصاب في ذلك لكن يقال له لا تحتاج إلا الى هذه المقدمة فقط لا تحتاج الى غيرها وهذا الظان متى حضر في ذهنه أن هذه بغلة وان البغلة لا تحمل لزم قطعا ان يحضر في ذهنه انها لا تحمل فالمدلول لازم للدليل فمتى تصور الانسان الدليل ولزوم المدلول له تصور المدلول فاذا تصور انها بغلة وتصور لازم ذلك وهو نفى الحمل عن البغلة تصور قطعا نفيه عن هذه فأما مجرد الدليل بدون تصور لزوم المدلول له فلا يحصل به العلم واللوازم البين لزومها للدليل تعلم بمجرد العلم به وبلزومها له واللوازم الخفية التي يفتقر العلم بلزومها الى وسط وهو دليل ثان على اللزوم يقف على ذلك والاذهان في هذا متفاوقة فقد يحتاج هذا الذهن في معرفة اللزوم الى وسط وهو الدليل والاخر لا يحتاج اليه وقد تنازع النظار في العلم الحاصل بالدليل هل هو لزومه عن الدليل لزوما عاديا كما يقولونه في الشبع مع الاكل أو لزوما عقليا يسمى التضمن بحيث لا يمكن الانفكاك عنه كما يمتنع وجود العلم والارادة بدون الحيوة والاول قول قدماء النظار كالاشعري وغيره ولهذا جعله المعتزلة من باب التولد وهذا كالرؤية مع التحديق وكالسمع مع الاصغاء وإلا فحصول العلم بالدليل دون المدلول عليه ليس ممتنعا لذاته بل الاول سبب للثاني ومقتض له وموجب له بحكم سنة الله تعالى في عباده بخلاف الحيوة مع العلم فان الاول شرط للثاني ولهذا كان العلم يوجد مع الحيوة ليست الحيوة متقدمة عليه كما يتقدم العلم بالدليل على العلم بالمدلول عليه ونظار المسلمين مع تنازعهم في هذا متفقون على ان الدليل مقدمة واحدة كما ذكرناه وما ذكروه من البغلة موجود في سائر النظريات فان الانسان قد يعلم الخاص ولا يعلم العام وقد يعلم العام ولا يعلم الخاص كما قد يعلم ان هذه بغلة ولا يعلم ان البغلة لا تحمل وقد يعلم أن البغلة لا تحمل ولا يعلم ان هذه بغلة ولا يجب ان يكون علمه بالخاص مقدما على العام ولا متاخرا بل قد يتفق في بعض الناس علمه بالخاص قبل العام وفي بعض الناس يعلم العام قبل الخاص وكذلك المعينات وذلك أن علمه بأن هذه البغلة لا تحمل كعلمه بأن هذه لا تحمل وبأن هذه لا تحمل فلا يجب أن يعلم ان هذا المعين مثل هذا المعين بل قد يعلم احد المعينين ولا يعلم الاخر ولا يجب ان يكون علمه بالمعينات قبل علمه بالقضية العامة ولا ان يكون بالمعينات أعلم ولا يجب ان يكون بالقضية العامة الكلية التي يستفيد بها العلم بحكم الققضايا المعينة اعلم منه بوصف القضايا المعينة أي لا يجب ان يكون علمه بأن كل بغلة لا تحمل اقوى ولا يجب ان يكون العلم العام الذي يفيده علم المعينات في نفسه اسبق من علم معين علم به انها بغلة أي العلم بأن البغلة لا تحمل لا يجب ان يكون اقوى ولا اسبق في الذهن من العلم بأن هذه الدابة بغلة بل قد يجهل انها بغلة كما قد يجهل أن البغلة لا تحمل فاذا قدر انه يعلم ان البغلة لا تحمل ومستنده في ذلك ما اشتهر من خبر الناس فذلك يتناول المعين كتناوله لما هو اعم منه مثل تناوله للبغلات الحمراء والسوداء ولما تكون امه اتانا فلو خطر له ان ما تكون امه اتانا وابوه حصانا يحمل قيل له اما تعلم ان هذا البغلة وان البغلة لا تحمل وان كان مستنده في ان البغلة لا تحمل هو تجربته فالتجربة لا تكون عامة وانما جرب ذلك في بغلات معينة فما به يعلم مساواة سائر البغلات لها يعلم مساواة هذه البغلة لها واعتبر هذا بنظائره يتبين لك انه يمكن الاستغناء عن القياس المنطقي بل يكون استعماله تطويلا وتكثيرا للفكر والنظر والكلام بلا فائدة وان الحاجة الى المقدمات بحسب حال المستدل فقد يحتاج تارة الى مقدمة وتارة الى ثنتين وتارة الى ثلاث وتارة الى اكثر من ذلك وانه تارة يجهل كون المعين بغلة واذا كان كذلك فمتى علم ان هذه بغلة علم انها لا تحمل اذا كان قد حصل في نفسه علم عام يتناول جميع البغلات واذا علم المعين وهو انها بغلة ولم يعلم المطلق لم يحتج الا الى علم العام وهو ان البغلة لا تحمل واعتبر هذا بسائر الامور تجده كذلك الوجه الثالث: عدم دلالة القياس البرهاني على اثبات الصانع الوجه الثالث ان القضايا الكلية العامة لا توجد في الخارج كلية عامة وانما تكون كلية في الاذهان لا في الاعيان واما الموجودات في الخارج فهي امور معينة كل موجود له حقيقة تخصه يتميز بها عما سواه لا يشاركه فيها غيره فحينئذ لا يمكن الاستدلال بالقياس على خصوص وجود معين وهم معترفون بذلك وقائلون ان القياس لا يدل على امر معين وقد يعبرون عن ذلك بأنه لا يدل على جزئي وانما يدل على كلي والمراد بالجزئي ما يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وكل موجود له حقيقة تخصه يمنع تصورها من وقوع الشركة فيها فاذن القياس لا يفيد معرفة امر موجود بعينه وكل موجود فانما هو موجود بعينه فلا يفيد معرفة شيء من حقائق الموجودات وانما يفيد امورا كلية مطلقة مقدرة في الاذهان لا محققة في الاعيان وقد بسطنا الكلام على هذا وغيره في غير هذا الموضع وبين ان ما يذكره النظار من الادلة القياسية التي يسمونها براهين على اثبات الصانع سبحانه وتعالى لا يدل شيء منها على عينه وانما يدل على امر مطلق كلي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه فانا اذا قلنا هذا محدث وكل محدث فلا بد له من محدث او ممكن والممكن لا بد له من واجب انما يدل هذا على محدث مطلق او واجب مطلق ولو عين بأنه قديم ازلي عالم بكل شيء وغير ذلك فكل هذا انما يدل فيه القياس على امر مطلق كلي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وانما يعلم عينه بعلم اخر يجعله الله في القلوب وهم معترفون بهذا لان النتيجة لا تكون ابلغ من المقدمات والمقدمات فيها قضية كلية لا بد من ذلك والكلي لا يدل على معين وهذا بخلاف ما يذكره الله في كتابه من الايات كقوله تعالى ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار الى قوله لقوم يعقلون (البقرة) وقوله ان في ذلك لايات لقوم يعقلون لقوم يتفكرون وغير ذلك فانه يدل على المعين كالشمس التي هي اية النهار وقال تعالى وجعلنا اليل والنهار ايتين فمحونا اية اليل وجعلنا اية النهار مبصرة لتبتغوا الاسراء والدليل اتم من القياس فان الدليل قد يكون بمعين على معين كما يستدل بالنجم وغيره من الكواكب على الكعبة ف الايات تدل على نفس الخالق سبحانه لا على قدر مشترك بينه وبين غيره فان كل ما سواه مفتقر اليه نفسه فيلزم من وجوده وجود عين الخالق نفسه الكلام على علة الافتقار الى الصانع وقد بسط الكلام على هذا في مواضع مثل ما ذكرناه من طرق اثبات العلم بالصانع والطرق التي سلكها عامة النظار في هذا المطلوب والكلام على المحصل وغير ذلك فان المتأخرين من النظار تكلموا في علة الافتقار الى المؤثر وان شئت قلت الى الصانع هل هو الامكان او الحدوث او مجموعهما فالاول قول المتفلسفة المتأخرين ومن وافقهم كالرازي ومقصودهم بذلك ان مجرد الامكان بدون الحدوث يوجب الافتقار الى الصانع فيمكن كون الممكن قديما لا محدثا مع كونه مفتقرا الى المؤثر وهذا القول مما اتفق جماهير العقلاء من الاولين والاخرين على فساده حتى ارسطو وقدماء الفلاسفة ومن اتبعه من متأخريهم كابن رشد الحفيد وغيره كلهم يقولون ان ما امكن وجوده وامكن عدمه لا يكون الا محدثا وانما قال هذا القول ابن سينا وامثاله واتبعهم الرازي وامثاله وهؤلاء يجعلون الشيء الممكن مفتقرا الى الفاعل في حال بقائه فقط فانه لم يكن له حال حدوث ولهذا لما جعلوا مثل هذا ممكنا اضطرب كلامهم في الممكن وورد عليهم اشكالات لا جواب لهم عنها كما ذكر في كتبه كلها الكبار والصغار ك الاربعين ونهاية العقول والمطالب العالية والمحصل وغيرها وقد بسطناه في غير هذا الموضع والقول الثاني ان علة الافتقار مجرد الحدوث وان المحدث يفتقر الى الفاعل حال حدوثه لا حال بقائه وهذا قول طائفة من اهل الكلام المعتزلة وغيرهم وهذا ايضا قول فاسد والقول الثالث ان علة الافتقار هي الامكان والحدوث ولم يجعل احدهما شرطا في الاخر وقد يجعل احد الشطرين وقد بينا في غير هذا الموضع ان كل واحد من الحدوث والامكان دليل على الافتقار الى الصانع وان كانا متلازمين فاذا علمنا ان هذا محدث علمنا انه مفتقر الى من يحدثه واذا علمنا ان هذا ممكن وجوده وممكن عدمه علمنا انه لا يرجح وجوده على عدمه الا بفاعل يجعله موجودا وكونه مفتقرا الى الفاعل هو من لوازم حقيقته لايحتاج ان يعلل بعلة جعلته مفتقرا بل الفقر لازم لذاته فكل ما سوى الله فقير اليه دائما لايستغني عنه طرفة عين وهذا من معاني اسمه الصمد ف الصمد الذي يحتاج اليه كل شيء وهو مستغن عن كل شيء وكما ان غنى الرب ثبت له لنفسه لا لعلة جعلته غنيا فكذلك فقر المخلوقات وحاجتها اليه ثبت لذواتها لا لعلة جعلتها مفتقرة اليه فمن قال علة الافتقار الى الفاعل هي الحدوث أو الامكان أو مجموعهما إن اراد ان هذه المعاني جعلت الذات فقيرة لم يصح شئ من ذلك وإن أراد أن هذه المعاني يعلم بها فقر الذات فهو حق فكل منهما مستلزم لفقر الذات وهي مفتقرة اليه حال حدوثها وحال بقائها لا يمكن استغناؤها عنه لا في هذه الحال ولا في هذه الحال وأما تقدير ممكن يقبل أن يكون موجودا ويقبل أن يكون معدوما مع انه واجب الوجود لغيره أزلا وابدا فهذا جمع بين المتناقضين فان ما يجب وجوده أزلا وأبدا لا يقبل العدم أصلا وقول القائل إنه باعتبار ذاته مع قطع النظر عن موجبه يقبل الوجود والعدم باطل لوجوه منها ان هذا مبنى على أن له ذاتا محققة في الخارج غير الموجود المعين وأن تلك الذات تكون ثابتة مع عدمه وهذا باطل بل ليس له حقيقة في الخارج إلا الموجود الثابت في الخارج وما يكون حقيقة الوجود لا يقبل العدم اصلا فليس في الخارج ماهية ثابتة تكون ثابتة في الخارج في حال العدم حتى يقال إن الوجود يعرض ولكن الذات المعلومة المتصورة في الذهن تكون تارة موجودة في الخارج وتارة معدومة وقد بسط هذا في غير هذا الموضع فان هذا يتعلق بقول من يقول المعدوم شئ من المعتزلة وغيرهم ويقول من يقول الماهيات ثابتة في الخارج وهي الموجودات المعينة كقول من يقول ذلك من المتفلسفة ومن وافقهم وكلاهما باطل بل الفرق المعقول هو الفرق بين ما يعلم في الاذهان وبين ما يوجد في الاعيان فاذا قيل لما يعلم في الذهن إنه شئ في الذهن او العلم او ثابت في العلم او الذهن او سمى ذلك ماهية وقيل إن المثلث تثبت ماهيته في الذهن مع الشك في وجوده فهذا صحيح وأما إذا قيل في الخارج ذات ثابتة لا موجودة أو في الخارج ماهيه المثلث او غيره ثابتة مع انه ليس موجودا فهذا باطل يعلم بطلانه بالتصور الجيد السليم والدلائل الكثيرة كما قد بسط في موضعه ومنها أنه لو فرض ان ل الممكن ذاتا غير وجوده فاذا كان الموجود لازما لها أبدا وأزلا واجبا بغيرها لم تقبل هذه الذات ان تكون معدومة قط وقول القائل هى في نفسها ليس لها وجود إذا قدر أن هناك ذاتا غير الوجود لا يقتضى أنه يمكن عدمها ويمكن وجودها مع القول بوجوب وجودها أزلا وأبدا ومنها ان الفاعل لا بد أن يتقدم مفعوله المعين لا يجوز مقارنته له في الزمان وما يذكرونه من تقدم حركة اليد على حركة الخاتم ونحو ذلك ويجعلونه تقدما بالعلة ليس في شئ من ذلك علة فاعلة اصلا وإنما ذلك شرط في هذا ولا يمكن أحدا قط أن يبين في الوجود علة فاعلة لمعلول مفعول مع مقارنتها له في الزمان اصلا وإنما يمكن المقارنة بين الشرط والمشروط ولكن لفظ العلة فيه إجمال يراد به الفاعل ويراد به القابل والشروط وهذا أيضا مما حصل فيه تلبيس في صفات واجب الوجدود لما قالوا لو كانت له صفات لكانت معلولة للذات والواجب لا يكون معلولا فيقال لهم واجب الوجود قد يعنى به ما لايحتاج الى فاعل فالصفات واجبة بهذا الاعتبار وقد يعنى به ما لا يفتقر الى محل وعلى هذا فالذات واجبة وأما الصفات فليست واجبة بهذا التفسير والبرهان قام على ان الممكنات لا بد لها من فاعل لا يفتقر الى ما سواه لم يقم على ان صفاته كذاته لا تفتقر الى محل وهذه الامور مبسوطة في موضعها الكلام على جنس القياس والدليل مطلقا والمقصود هنا الكلام على جنس القياس والدليل مطلقا وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع لما تكلمنا على ما ذكروه من أن الاستدلال تارة يكون بالعام على الخاص وهو القياس وتارة بالخاص على العام وهو الاستقراء وتارة بأحد الخاصين على الاخر وهو التمثيل وبينا فساد هذا الحصر والتقسيم وفساد ما ذكر في حكم الاقسام فان من أنواع الاستدلال ما يستدل فيه بمعين على معين وبالمساوى على المساوى سواء كان معينا أو كليا فليس من ضرورة الدليل أن يكون أعم أو اخص بل لا بد في الدليل من أن يكون ملزوما للحكم والملزوم قد يكون اخص من اللازم وقد يكون متساويا له ولا يجوز ان يكون أعم منه لكن قد يكون اعم من المحكوم عليه الموصوف الذي هو موضوع النتيجة المخبر عنه فان المطلوب الذي هو النتيجة إذا كانت هو أن النبيذ المسكر المتنازع فيه حرام فاستدل على ذلك بان النبيذ المسكر خمر بالنص وهو قول النبي ﷺ - كل مسكر خمر رواه مسلم وغيره فالخمر أعم من النبيذ المتنازع فيه أخص من الحرام والحرام هو الحكم وهو الخبر وهو الصفة وهو المطلوب بالدليل وهو الذي يسمونه الحد الاكبر ويسمونه محمول النتيجة والنبيذ هو المحكوم عليه وهو المخبر عنه وهو الموصوف وهو محل الحكم وهو الذي يسمونه الحد الاصغر وموضوع النتيجة والخمر هو الدليل وهو الحد الاوسط والمطلوب بالدليل معرفة الحكم لا معرفة عينة فهذا الدليل يجب أن لا يكون أخص من محل الحكم بل يكون إما مساويا له وإما أعم منه لانه لا بد ان يشمل جميع محل الحكم فاذا كان اخص لم يشمله، ويجب ان لا يكون أعم من الحكم بل يكون إما مساويا له وإما اخص منه لانه مستلزم للحكم والحكم لازم له فاذا كان أعم منه امكن وجوده بدون وجود الحكم فلا يصلح أن يكون دليلا مستلزما له فلا بد في الدليل أن يكون مساويا للحكم أو أخص منه ليكون مستلزما له ولا بد ان يكون أعم من المحكوم عليه او مساويا له ليتناول جميع صور المحكوم عليه وإلا لم يكن دليلا على حكمه بل على حكم بعضه والناس هنا قد يضطرب أذهانهم في الدليل هل يجب ان لا يكون اعم من المدلول عليه أو لا يكون اخص وسبب ذلك أن المدلول عليه قد يعنى به الحكم نفسه وقد يعنى به المحكوم عليه فاذا أقمنا الدليل على ان النبيذ حرام فقد يقال المدلول عليه هو النبيذ وهذا يجب أن لا يكون أعم من الدليل بل إما مساويا وإما أخص وقد يقال المدلول عليه هو الحكم وهو حرمة النبيذ وهذا الحكم يجب ان لا يكون اخص من الدليل بل يكون إما مساويا له وإما أعم منه لان الحكم لازم للدليل والدليل لازم للمحكوم عليه فلا بد ان يكون المحكوم عليه مستلزما للدليل بحيث يكون حيث وجد وجد الدليل ليشمله الدليل ولا بد أن يكون الحكم لازما للدليل بحيث يكون حيث تحقق الدليل تحقق الحكم حتى يثبت الحكم في جميع صور المحكوم عليه وإذا كان كذلك فقد يستدل بالمعين على المعين المساوى له في العموم والخصوص كالاستدلال باحدى كواكب السماء على الملازم كما يستدل بالجدى على بنات نعش وببنات نعش على الجدى ويستدل بالجدى على جهة الشمال وبجهة الشمال على الجدى ويستدل بالشمس على المشرق وبالمشرق على الشمس ومن هذا الباب ما ذكر من اخبار نبينا ﷺ - في كتب الانبياء قبله فانها صفات مطابقة له ليست اعم منه ولا أحص منه وكذلك سائر الامور المتلازمة فانه يستدل بأحد المتلازمين على ثبوت الاخر وبانتفائه على انتفائه فاذا كان المدلول معينا كانت الاية معينة وقد تكون الاية تستلزم وجود المدلول من غير عكس كآيات الخالق سبحانه وتعالى فانه يلزم من وجوده وجدوده ولا يلزم من وجوده وجودها وهي كلها آيات دالة على نفسه المقدسة لا على أمر كلى لا يمنع تصوره من وقوع الاشتراك فيه بينه وبين غيره بل ذلك مدلول القياس والقرآن يستعمل الاستدلال بالايات ويستعمل ايضا في إثبات الالهية قياس الاولى وهو أن ما ثبت لموجود مخلوق من كمال لا نقص فيه فالرب احق به وما نزه عنه مخلوق من النقائص فالرب أحق بتنزيهه عنه كما ذكر سبحانه وتعالى هذا في محاجته للمشركين الذين جعلوا له شركاء فقال ضرب لكم مثلا من انفسكم هل من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقنكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم انفسكم الروم وقال تعالى ويجعلون لله البنت سبحنه ولهم ما يشتهون وإذا بشر احدهم بالاثنى ظل وجه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون ام يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون للذين لا يؤمنون بالاخرة مثل السوء ولله المثل الاعلى وهو العزيز الحكيم (النحل) وقال أفريتم اللت والعزى ومنوة الثالثة الاخرى الكم الذكر وله الانثى تلك إذا قسمته ضيزى النجم وكذلك في إثبات صفاته وإثبات النبوة والمعاد كما قد بسط في موضعه وأما القياس الذي يستوى افراده ويماثل الفرع فيه أصله فهذا يمتنع استعماله في حق الله تعالى فان الله لا مثل له سبحانه وتعالى وإذا استعمل فيه مثل هذا القياس لم يفد إلا أمرا كليا مشتركا بينه وبين غيره لا يدل على ما يختص به الرب سبحانه إلا أن يضم اليه علم آخر فان هذا الكلى الذي هو مدلول القياس قد انحصر نوعه في شخصه وهذا ايضا لا يفيد التعيين بل لا بد في التعيين من علم آخر الوجه الرابع: التصور التام للحد الاوسط يغنى عن القياس المنطقي الوجه الرابع أن يقال القياس ثلاثة انواع قياس التداخل وقياس التلازم وقياس التعاند باعتبار القضايا الحملية والشرطية المتصلة والشرطية المنفصلة ومن ذلك تعرف المختلطات فنقول مثلا في قياس التداخل له ثلاثة حدود الحد الاصغر والحد الاوسط والحد الاكبر إذا قال كل مسكر خمر وكل خمر حرام ف المسكر مثلا هو الحد الاصغر والخمر الاوسط والحرام الاكبر والاصغر لا بد ان يكون داخلا في الاوسط لانه اخص منه او مساويا له والشئ يدخل في أكثر منه وفي نظيره كما يدخل الانسان في الحيوان فان الحيوان اعم وكذلك الانسان والناطق والضحاك متلازمة فكل منها يتناول الاخر فكذلك التداخل في الاحكام الشرعية فان من شرب الخمر ثم شرب ثم شرب كفاه حد واحد والنتيجة المطلوبة هى كل مسكر حرام والنظر نوعان أحدهما النظر في المسئلة التي هي القضية المطلوب حكمها ليطلب دليلها الذي هو الحد الاوسط مثلا وهذا هو النظر الذي لا يجامع العلم بل يضاده لان هذا الناظر طالب للعلم بها ولو كان عالما بها لم يطلب العلم لان ذلك تحصيل الحاصل والثاني النظر في الدليل وهو العلم بالدليل المستلزم للعلم بالمدلول عليه وهو تصور الحد الاوسط المستلزم لثبوت الاكبر للاصغر مثل من يعلم ان الخمر حرام وأن كل مسكر خمر فيلزم أن يعلم أن كل مسكر حرام وهذا النظر هو ترتيب المقدمتين في النفس وهذا النظر هو الذي يوجب العلم ولا ينافى العلم وللناس في هذا الباب اضطراب عظيم هل النظر مفيد للعلم أو غير مفيد وهل هو ضد العلم ام لا وأمثال ذلك وكثير من النظار يقول في مصنفه إن النظر يضاد العلم ويقول ايضا إنه مستلزم للعلم وهذا تناقض بين فان ملزوم الشئ لا يكون مضادا له لكن النظر الذي يستلزم العلم غير النظر الذي يضاده فذاك هو النظر الاستدلالى وهذا هو النظر الطلبي ذاك هو نظر في الدليل فاذا تصوره وتصور استلزامه للحكم علم الحكم والنظر الطلبي نظر في المطلوب حكمه هل يظفر بدليل يدله على حكمه أو لا يظفر كطالب الضالة والمقصود قد يجده وقد لا يجده وقد يعرض عنهما فان الاول انتقال من المبادئ الى المطالب والاخر انتقال من المطالب الى المبادئ وتحقيق الامر ان النظر نوعان بمنزلة نظر العين وهو نوعان احدهما التحديق لطلب الرؤية وهو بمنزلة تحديق القلب في المسئلة لطلب حكمها وهذا قد يحصل معه العلم وقد لا يحصل ولا يكون طالب العلم حين الطلب عالما بمطلوبة تصديقا كان علمه أو تصورا على رأى من جعل التصور المطلوب خارجا عن التصديق والثاني نفس الرؤية وهو بمنزلة رؤية الدليل كترتيب المقدمتين والظفر بالحد الاوسط فهذا يوجب العلم كما توجب رؤية العين العلم بالمرئى ولا ينافى هذا النظر العلم فهذا الثاني نظر في الدليل كالذي ينظر في القرآن والحديث فيعلم الحكم والاول نظر في الحكم كالذي ينظر في المسئلة لينال دليلها من القرآن والحديث فنقول من المعلوم أن معرفة القلب بثبوت المحمول للموضوع وهو ثبوت الصفة للموصوف وهو ثبوت الحكم المسئول عنه مثل حرمة المسكر قد تحصل بواسطة هذا الحد وهو أن يعلم ان هذا خمر مع علمه أن الخمر حرام وهذا قياس الشمول وقد يحصل بغير هذا مثل أن يرى ان المسكر مساو لخمر العنب في مناط التحريم فيستوى بينهما في التحريم وهذا قياس التمثيل وقد يحصل بأن يرى فيه المفسدة التي في الخمر فيحكم بالتحريم لدرء تلك المفسدة وهذا قياس التعليل وقياس التمثيل وقياس التعليل يشملهما جنس القياس لكن القياس قد يحتاج في إثبات الحكم في الفرع الى اصل معين فيلحق الفرع به إما لابداء الجامع وإما لالغاء الفارق فان إبداء الجامع وهو علة الحكم في الاصل يسمى قياس العلة وأما ما يدل على العلة وهو قياس الدلالة فهذا صار قياس تمثيل وتعليل معا وإن قاس بالغاء الفارق وهو أن يبين له أنه ليس بينهما فرق مؤثر وإن لم يعلم عين العلة فهذا قياس تمثيل لا تعليل وقد يقوم دليل على ان الوصف الفلاني مستلزم للحكم وإن لم يعرف له أصل معين وهذا قياس تعليل وهو يشبه قياس الشمول وقياس الشمول وقياس التمثيل متلازمان فكل ما ذكر بهذا القياس يمكن ذكره بهذا القياس فان قياس الشمول لا بد فيه من حد أوسط مكرر وذاك هو مناط الحكم في قياس التمثيل وهو القدر المشترك وهو الجامع بين الاصل والفرع مثال ذلك إذا قيل النبيذ حرام قياسا على الخمر لان فيه الشدة المطربة وهذه هى العلة في التحريم أو لانه مسكر والمسكر هو علة التحريم وبين ذلك بدليله كان قياسا صحيحا وإذا قيل النبيذ مسكر وكل مسكر حرام أو النبيذ فيه الشدة المطربة وما فيه الشدة المطربة فهو حرام فهذا أيضا صحيح وكل ما امكن أن يستدل به على صحة المقدمة الكبرى أمكن ان يستدل به على كون الوصف المشترك علة للحكم في الاصل وكل ما أمكن يستدل به على الصغرى فانه يستدل به على ثبوت الوصف في الفرع ثم إن كان ذاك الدليل قطعيا فهو قطعي في القياسين وإن كان ظنيا فهو ظنى في القياسين وأما دعوى من يدعى من المنطقيين وأتباعهم أن اليقين إنما يحصل ب قياس الشمول دون قياس التمثيل فهو قول في غاية الفساد وهو قول من لم يتصور حقيقة القياسين كما قد بسط في موضعه وقد يعلم الحكم المطلوب بنص علىأن كل مسكر حرام كما قد ثبت هذا الحديث في الصحاح عن النبي ﷺ - وإذا كان كذلك لم يتعين قياس الشمول لافادة الحكم بل ولا قياس من الاقيسة فانه قد يعلم بلا قياس وإذا علم بقياس الشمول فكل ما يعلم بقياس الشمول فانه يعلم بقياس التمثيل أيضا كما تقدم ويجعل الحد الاوسط هو الجامع بين الاصل والفرع والدليل الذي يقيمه صاحب قياس الشمول على صحة المقدمة الكبرى الكلية يقيمه صاحب قياس التمثيل على علية الوصف وإن الجامع وهو الوصف المشترك الذي هو الحد الاوسط في قياس الشمول هو مستلزم للحكم وهو علية في الاصل كما يقيمه في ذاك على أن الحد الاكبر لازم للحد الاوسط فالحد الاكبر في قياس الشمول هو الحكم في قياس التمثيل والحد الاوسط هو الجامع المشترك ويسمى المناط والحد الاصغر هو الفرع ويمتاز قياس التمثيل بأن فيه ذكر اصل يكون نظيرا للفرع الذي هو الحد الاصغر وقياس الشمول ليس فيه هذا فصار في قياس التمثيل ما في قياس الشمول وزيادة وقد بسط هذا في موضع آخر وقد لا يحتاج الى دليل آخر ذى مقدمتين ولا قياس ولا غيره بل يكفيه مقدمة واحدة وقد يستغنى ايضا عن تلك المقدمة بتصوره التام ابتداء مثل أن يكون نفس علمه بأن الخمر حرام قد تصور معه مسمى الخمر أنها المسكر فصار علمه بجميع مفردات الخمر سواء فيعلم ان هذا المسكر خمر حرام وهذا المسكر خمر حرام وامثال ذلك او يعلم ان الخمر حرام ولا يعلم أن كل مسكر يسمى خمرا بل يظن ذلك الاسم مختصا ببعض المسكرات فاذا علم بنص الشارع أو باستعمال الصحابة الذين نزل فيهم القرآن أو بأنها لما حرمت لم يكن عندهم من عصير الاعناب شئ وإنما كان الذي يسمونه خمرا هو المسكر من نبيذ التمر او بغير ذلك من الادلة إذا علم هذه المقدمة الواحدة وهو أن كل مسكر خمر علم الحكم فتبين أن قولهم إن المطلوب لا بد فيه من القياس وذلك القياس يجب أن يكون القياس المنطقى الشمولي ولا بد فيه من مقدمتين ليس بصواب وهذا يبطل قولهم لا علم تصديقى إلا بالقياس المنطقي كما تقدم وأما هنا فالمقصود بيان قلة منفعته او عدمها وذلك أن هذا المطلوب إن كان معه قضية علمت من جهة الرسول تفيده العموم وهو أن كل مسكر حرام حصل مدعاه فالقضايا الكلية المتلقاه عن الرسل تفيد العلم في المطالب الالهية وأما ما يستفاد من علومهم فالقضايا الكلية فيه إما منتقضة وإما أنها بمنزلة قياس التمثيل وإما انها لا تفيد العلم بالموجودات المعينة بل بالمقدرات الذهنية كالحساب والهندسة فانه وإن كان ذلك يتناول ما وجد على ذلك المقدار فدخول المعين فيه لا يعلم بالقياس بل بالحس فلم يكن القياس محصلا للمقصود أو تكون مما لا اختصاص لهم بها بل يشترك فيها سائر الامم بدون خطور منطقهم بالبال مع استواء قياس التمثيل وقياس الشمول وإثبات العلم بالصانع والنبوات ليس موقوفا على شئ من الاقيسة بل يعلم بالايات الدالة على شئ معين لا شركة فيه ويحصل بالعلم الضروري الذي لا يفتقر الى نظر وما يحصل منها بالقياس الشمولي فهو بمنزلة ما يحصل بقياس التمثيل فهو أمر كلى لا يحصل به العلم بما يختص به الرب وما يختص به الرسول إلا بانضمام علم آخر اليه والعلم بصدق المخبر المعين وإن لم يكن نبيا يعلم بأسباب متعددة غير القياس ويعلم ايضا بقياس التمثيل كما يعلم بقياس الشمول فكيف العلم بصدق النبي الصادق ﷺ - وقد ذكرنا طرقا من الطرق التي يعلم بها صدق الانبياء في غير هذا الموضع والناس يعلمون الامور الموجودة وصفاتها وأحوالها من غير قياس شمولي فضلا عن أن يقال لا بد هنا من مقدمتين صغرى وكبرى فالصغرى هي المشتملة على الحد الاصغر والكبرى المشتملة على الحد الاكبر والحد الاوسط متكرر فيها خبر محمول في الصغرى ومبتدأ موضوع في الكبرى كقولك كل خمر حرام فيقال إذا علم أن كل خمر حرام فقد يعلم ابتداء مفردات الخمر وأنها شاملة لكل مسكر بل يظن انها متناولة لبعض المسكر كعصير العنب النى المشتد ثم يعلم بعد ذلك شمولها لكل مسكر وهو إذا تجدد له هذا العلم فانما يجدد له علمه بالعموم وعلمه بالعموم إنما يعود بتصوره التام لمسمى الخمر فانه كان قبل ذلك لم يتصورها تصورا جامعا بل تصورا غير جامع ولو حصل له هذا التصور الجامع لم يحتج الى قياس فقد تبين أن القياس المفيد للتصديق يغنى عنه التصور التام للحد الاوسط كل تصور يمكن جعله تصديقا وبالعكس وهذا يؤول الى امر وهو أن كل ما يسمونه تصورا يمكن جعله تصديقا وما يسمونه تصديقا يمكن جعله تصورا فان القائل إذا قال ما الخمر المحرمة فقال المجيب هى المسكر كان هذا عندهم تصورا واحدا وهو تصور مسمى الخمر وهذا في الحقيقة تصديق مركب من موضوع ومحمول وإذا قال كل مسكر خمر وكل خمر حرام كان هذا قياسا وهو يفيد التصديق الذي هو المسكر حرام ويفيد ان المسكر داخل في مسمى الخمر وإن أريد بيان الحد المطرد المنعكس قيل المسكر هو الخمر وكل خمر حرام فيفيد هذا القياس تصور معنى الخمر وسبب ذلك أن كل ما يتكلم به في الحد والقياس هو قضية تامة وهي الجملة في اصطلاح النحاة والجواب في السؤال عن التصور وعن التصديق هو بقضية تامة هي جملة خبرية فكلاهما قول مركب في السؤال والجواب وكلاهما فيه إثبات صفة لموصوف كاثبات الخمرية للمسكر وهو إثبات محمول لموضوع والانسان هو في الموضعين قد تصور ان المسكر هو الخمر وصدق بأن المسكر هو الخمر فأما التصور المفرد الذي لا يعبر عنه إلا ب اسم مفرد فذلك لا يسأل عنه باللفظ المفرد ولا يجاب عنه باللفظ المفرد حتى يفصل نوع تفصيل يصلح لمثله لان يكون جملة وهذا قد بسط في غير هذا الموضع كما بسط في الكلام على المحصل وغيره وبين ان قولهم العلم ينقسم الى تصور وتصديق وأن التصور وهو التصور الساذج العرى عن جميع القيود الثبوتية والسلبية كلام باطل فان كل ما عرى عن كل قيد ثبوتى وسلبى يكون خاطرا من الخواطر ليس هو علما أصلا بشئ من الاشياء فان من خطر بقلبه شئ من الاشياء ولم يخطر بقلبه صفة لاثبوتية ولا سلبية لم يكن قد علم شيئا وإذا قيل الانسان حيوان والعالم مخلوق ونحو ذلك فهنا قد تصور إنسانا علم انه موجود لم يتصور شيئا تصورا ساذجا لا نفى فيه ولا إثبات بل تصور وجوده وغير ذلك من صفاته وكذلك العالم قد تصور وجوده وإذا تصور بحر زئبق وجبل ياقوت فان لم يتصور مع هذا عدمه في الخارج ولا امتناعه ولا شئ من الاشياء كان هذا خيالا من الخيالات ووسواسا من الوساوس ليس هذا من العلم في شئ فان تصور مع ذلك عدمه في الخارج كان قد تصور تصورا مقيدا بالعدم لم يكن تصوره خاليا من جميع القيود فان قلت فما التصور القابل للتصديق المشروط فيه قيل هو التصور الخالي عن معرفة ذلك التصديق ليس هو الخالي عن جميع القيود السلبية والثبوتية فاذا كان يشك هل النبيذ حرام ام لا فقد تصور النبيذ وتصور الحرام وكل من التصورين متصور بقيود فهو يعلم أن النبيذ شراب وأنه موجود وأنه يشرب وأنه يسكر وغير ذلك من صفاته لكن لم يعلم أنه حرام فليس من شرط التصور المشروط في التصديق أن يكون ساذجا خاليا عن كل قيد ثبوتى وسلبى بل أن يكون خاليا عن التقييد بذلك التصديق وقول القائل التصديق مسيوق بالتصور مثل قوله القول مسبوق بالعلم فليس لأحد أن يتكلم بمالا يعلم كذلك لا يصدق ولا يكذب لما لا يتصوره وحينئذ فالتصور التام مستلزم للتصديق والتصور الناقص يحتاج معه الى دليل يثبت له حكم وهذا يقرر ما عليه نظار المسلمين كما قررنا ذلك من قبل من أن التصورات المفردة لا تعلم بمجرد الحد وأن المطلوب بالحد هو تصديق يفتقر إلى ما تفتقر اليه التصديقات فكما ذكرنا هناك ان الذي يحعلونه حدا هو تصديق يفتقر الى دليل فيقال هنا ما يجعلونه قياسا يعود في الحقيقة الى الحد والتصور كما يعود هذا القياس الى ان يعلم مسمى الخمر وإذا كان كذلك فاذا كانوا يقولون إن الحد لا يقام عليه دليل ولا يحتاج الى قيام دليل فنقول العلم بمسمى الخمر لا يحتاج الى قياس بل قد يعلم بما يعلم به سائر التصورات المفردة ومسميات جميع الاسماء من تفطن النفس لشمول ذلك المعنى لهذه الصورة وثبوته فيها وكلما تدبر العاقل هذا وعرفه معرفة جيدة تبين له أن الصواب ماعليه نظار المسلمين وجماهير العقلاء من أن الحدود بمنزلة الاسماء وهو تفصيل ما دل عليه الاسم بالاجمال وأن المطلوب من الحد هو التمييز بين المحدود وغيره وذلك يكون بالوصف الملازم له طردا وعكسا بحيث يكون الحد جامعا مانعا وأنه مع ذلك ليس لاحد ان يدعي دعوى غير بديهية إلا بدليل فالحاد إن كان يحد مسمى اسم كما يقول في الخمر إنها المسكر وفي الغيبة إنها ذكرك أخاك بما يكره وفي الكبر إنه بطر الحق وغمط الناس فعليه ان يبين أن ما ذكره مطابق لمسمى ذلك الاسم إما بالنقل عن الشارع المتكلم بهذه الاسماء مثل أن يقول قد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ - أنه قال كل مسكر خمر وما ليس بمسكر فليس بخمر بالاجماع فيثبت ان الخمر هو المسكر او يقول ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ - انه قيل يا رسول الله ما الغيبة قال ذكرك أخاك بما يكره فقال أرأيت إن كان في أخى ما أقول فقال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته فاذا عورض هذا بما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ - أنه قال لفاطمة بنت قيس لما استشارته فيمن خطبها فقالت خطبني أبو جهم ومعاوية فقال أما أبو جهم فرجل ضراب للنساء وفي لفظ لا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحى اسامة فاذا قال المعترض هنا قد ذكر كلا منهما بما يكره والغيبة محرمة كان الجواب مع إحدى المقدمتين بأن يقال لا نسلم أن هذا داخل في حد الغيبة وإن سلم دخوله في الحد دل على جواز الغيبة لمصلحة راجحة مثل نصيحة المستشير فانها لما استشارته وجب نصحها ومثل ذلك الكلام في جرح الرواة الكاذبين والغالطين وشهادة الشاهد الكاذب وشكاية المظلوم وغير ذلك عما دل الشرع على جوازه فانه يقال فيه أحد الامرين لازم إما أن يقال المؤمن لا يكره ذلك إذا كان صادق الايمان لان المؤمن لا يكره ما امر الله ورسوله به وهذا مما أمر الله به ورسوله ويقال إن كرهه فهو من هذه الجهة ناقص الايمان فيه شعبة نفاق فلا يكون هو الاخ الذي قيل فيه ذكرك أخاك بما يكره وهذا مبنى على ان الشخص الواحد يكون فيه طاعة ومعصية وبر وفجور وخير وشر وشعبة إيمان وشعبة نفاق أو يقول إذا سلم شمول اللفظ له هذا من الغيبة المباحة فلا بد من التزام أحد أمرين إما أنه لم يدخل في مسمى الغيبه وإما انه لم يدخل فيما حرم منها ولهذا نظائر والمقصود التنبيه على المثال وأن من ادعى حد اسم فلا بد له من دليل وكذلك إن ادعى حدا بحسب الحقيقة وهذا الذي عليه نظار المسلمين وغيرهم أصح مما عليه أهل المنطق اليوناني من وجوه فان أولئك يدعون ان الحد يفيد تصوير الماهية في نفس المستمع ويدعون أن ذلك يحصل بمجرد قول الحاد من غير دليل اصلا ثم إنهم عمدوا الى الصفات اللازمة للموصوف ففرقوا بينها وجعلوها ثلاثة اصناف ذاتية داخلة في الماهية وخارجة لازمة للماهية دون وجودها وخارجة لازمة لوجودها وهذا كله باطل إذا اريد بالماهية الموجودات الخارجية وهي التي تقصد بالحد والتعريف وأما إذا قدر ان الماهية هي مجرد ما يتصوره النفس فقدر تلك الماهية وصفتها يتبع تصور المتصور فتارة يتصور جسما حساسا ناميا متحركا بالارادة ناطقا فتكون الماهية هي هذه الاجزاء كلها وتارة يتصور حيوانا ناطقا وتارة يتصور حيوانا ضاحكا وتارة يتصور ضاحكا فقط وتارة يتصور ناطقا فقط فاذا جعل ما دخل في تصوره داخلا فيه وما خرج عنه لازما له او غير لازم كما ذكر ذلك بعضهم وكما ذكروه من دلالة المطابقة والتضمن الالتزام كان هذا صحيحا لكن ليس فيه منفعة في العلوم والحقائق ومعرفة صفاتها الذاتية وغير الذاتية أصلا بل هذا يرجع الى تصور مراد المتكلم سواء كان حقا أو باطلا وأما نظار المسلمين فالحد عندهم يكون بالوصف الملازم والوصف الواحد الملازم كاف لا يذكرون معه الوصف المشترك لا الجنس ولا العرض العام بل يعيبون على من يذكر ذلك في الحدود وهل يحد بالتقسيم لهم فيه قولان والصفات تنقسم الى قسمين لازمه للموصوف وغير لازمة والذي عليه نظار أهل السنة وسائر المثبتين للصفات والقدر أن وجود كل شئ في الخارج عين حقيقته فاللازم للموجود الخارجي لازم للحقيقة الخارجية ولا يقبل من أحد دعوى غير معلومة إلا بدليل فأين هذا المنطق وأين هذا الميزان المستقيمة العادلة من ميزان أولئك الجائرة الغائلة التي ليس فيها لا صدق ولا عدل وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلمته (الأنعام) الوجه الخامس: من الاقيسة ما تكون مقدمتاه ونتيجته بديهية الوجه الخامس ان يقال هذا القياس هو قياس الشمول وهو العلم بثبوت الحكم لكل فرد من الافراد فنقول قد علم وسلموا انه لا بد ان يكون العلم بثبوت بعض الاحكام لبعض أفرادها بديهيا فان النتيجة إذا افتقرت الى مقدمتين فلا بد ان ينتهي الامر الى مقدمتين تعلم بدون مقدمتين وإلا لزم الدور أو التسلسل الباطلان ولهذا كان من المقرر عند أهل النظر انه لا بد في التصورات والتصديقات من تصورات بديهية وتصديقات بديهية ولفرض المقدمتين البديهيتين كل مسكر خمر وكل خمر حرام وإن لم يكن هذا بديهيا لكن المقصود التمثيل ليعلم بالمثال حكم سائر القضايا فاذا قدر انه علم بالبديهة أن كل فرد من أفراد الخمر حرام وعلم بالبديهة ان كل فرد من افراد المسكر خمر كان علمنا بالبديهة ان هذه الافراد حرام من أسهل الاشياء وإنما يخفى ذلك لكون أكثر المقدمات لا يكون بديهية بل مبينة بغيرها كا في هذا المثال فان المقدمة الثانية ثابتة بالنص والاجماع والاولى ثابتة بالسنة الصحيحة لكن لم يعرفها كثير من العلماء فطريق العلم بالمقدمتين يختلف وأما إذا أفردنا ذلك في مقدمتين طريق العلم بهما واحد لم نحتج الى القياس مثل العلم بأن كل إنسان حيوان وكل حيوان حساس متحرك بالارادة فهنا قد يكون العلم بأن كل إنسان حساس متحرك بالارادة أبين وأظهر وكذلك إذا قلنا كل إنسان جسم أو جوهر أو حامل للصفات ثم قلنا كل ما هو جسم او جوهر او حامل للصفات فليس بعرض أو هو قائم بنفسه او هو موصوف بالصفات ونحو ذلك كان العلم بأن كل انسان هو كذلك مما لا يحتاج الى هذا التطويل فالمقدمتان إن كان طريق العلم بهما واحدا وقد علمتا فلا حاجة الى بيانهما وإن كان طريق العلم بهما مختلفا فمن لم يعلم إحداهما احتاج الى بيانها وإن لم يحتج الى الاخرى التي علمهاوهذا ظاهر في كل ما تقدره فتبين أن منطقهم يعطي تضييع الزمان وكثرة الهذيان وإتعاب الاذهان وكذلك إذا علمنا أن كل رسول نبي وكل نبي فهو في الجنة فعلمنا ان كل رسول فهو في الجنة أبين من هذا وهذ كثير جدا التالي الجزء الثاني من تاب ابن تيمية الارد علي المنطقيين

 14.............

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج11. فهرست تاريخ الطبري

  فهرست تاريخ الطبري    فهرست تاريخ الطبري فهرس رئيسي الزمان | بدء الخلق | خلق آدم | آدم في الأرض | نوح | قصة عيسى ومريم | ملوك الفرس |...